الباحث القرآني

﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ﴾ أُحْكِمَتْ عِبارَتُها بِأنْ حُفِظَتْ مِنَ الإجْمالِ والِاحْتِمالِ. ﴿هُنَّ أُمُّ الكِتابِ﴾ أصْلُهُ يُرَدُّ إلَيْها غَيْرُها والقِياسُ أُمَّهاتٌ فَأُفْرِدَ عَلى تَأْوِيلِ كُلِّ واحِدَةٍ، أوْ عَلى أنَّ الكُلَّ بِمَنزِلَةِ آيَةٍ واحِدَةٍ. ﴿وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾ مُحْتَمِلاتٌ لا يَتَّضِحُ مَقْصُودُها. لِإجْمالٍ أوْ مُخالَفَةِ ظاهِرٍ. إلّا بِالفَحْصِ والنَّظَرِ لِيَظْهَرَ فِيها فَضْلُ العُلَماءِ، ويَزْدادُ حِرْصُهم عَلى أنْ يَجْتَهِدُوا في تَدَبُّرِها وتَحْصِيلِ العُلُومِ المُتَوَقِّفِ عَلَيْها اسْتِنْباطُ المُرادِ بِها، فَيَنالُوا بِها. وبِإتْعابِ القَرائِحِ في اسْتِخْراجِ مَعانِيها، والتَّوْفِيقِ بَيْنَها وبَيْنَ المُحْكَماتِ. مَعالِي الدَّرَجاتِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ فَمَعْناهُ أنَّها حُفِظَتْ مِن فَسادِ المَعْنى ورَكاكَةِ اللَّفْظِ، وقَوْلُهُ: كِتابًا مُتَشابِهًا فَمَعْناهُ أنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا في صِحَّةِ المَعْنى وجَزالَةِ اللَّفْظِ، وأُخَرُ جَمْعُ أُخْرى وإنَّما لَمْ يَنْصَرِفْ لِأنَّهُ وصْفٌ مَعْدُولٌ عَنِ الآخَرِ ولا يَلْزَمُ مِنهُ مَعْرِفَتُهُ، لِأنَّ مَعْناهُ أنَّ القِياسَ أنْ يُعَرَّفَ ولَمْ يُعَرَّفْ لا أنَّهُ في مَعْنى المُعَرَّفِ أوْ عَنْ أُخَرَ مِن ﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ عُدُولٌ عَنِ الحَقِّ كالمُبْتَدِعَةِ. ﴿فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ﴾ فَيَتَعَلَّقُونَ بِظاهِرِهِ أوْ بِتَأْوِيلٍ باطِلٍ ﴿ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ﴾ طَلَبَ أنْ يَفْتِنُوا النّاسَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّشْكِيكِ والتَّلْبِيسِ ومُناقَضَةِ المُحْكَمِ بِالمُتَشابِهِ. ﴿وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ وطَلَبُ أنْ يُؤَوِّلُوهُ عَلى ما يَشْتَهُونَهُ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الدّاعِي إلى الِاتِّباعِ مَجْمُوعُ الطِّلْبَتَيْنِ، أوْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُما عَلى التَّعاقُبِ. والأوَّلُ يُناسِبُ المُعانِدَ والثّانِي يُلائِمُ الجاهِلَ. ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ الَّذِي يَجِبُ أنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. ﴿إلا اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾ أيِ الَّذِينَ ثَبَتُوا وتَمَكَّنُوا فِيهِ، ومَن وقَفَ عَلى إلّا اللَّهُ فَسَّرَ المُتَشابِهَ بِما اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ: كَمُدَّةِ بَقاءِ الدُّنْيا، ووَقْتِ قِيامِ السّاعَةِ، وخَواصُّ الأعْدادِ كَعَدَدِ الزَّبانِيَةِ، أوْ بِما دَلَّ القاطِعُ عَلى أنَّ ظاهِرَهُ غَيْرُ مُرادٍ ولَمْ يَدُلَّ عَلى ما هو المُرادُ. ﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُوَضِّحٌ لِحالِ الرّاسِخِينَ، أوْ حالٍ مِنهم أوْ خَبَرٍ إنْ جَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً. ﴿كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ أيْ كُلٌّ مِنَ المُتَشابِهِ والمُحْكَمِ مِن عِنْدِهِ، ﴿وَما يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الألْبابِ﴾ مَدْحٌ لِلرّاسِخِينَ بِجَوْدَةِ الذِّهْنِ وحُسْنِ النَّظَرِ، وإشارَةٌ إلى ما اسْتَعَدُّوا بِهِ لِلِاهْتِداءِ إلى تَأْوِيلِهِ، وهو تَجَرُّدُ العَقْلِ عَنْ غَواشِي الحِسِّ، واتِّصالُ الآيَةِ بِما قَبْلَها مِن حَيْثُ إنَّها في تَصْوِيرِ الرُّوحِ بِالعِلْمِ وتَرْبِيَتِهِ، وما قَبْلَها في تَصْوِيرِ الجَسَدِ وتَسْوِيَتِهِ، أوْ أنَّها جَوابٌ عَنْ تَشَبُّثِ النَّصارى بِنَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنهُ﴾ كَما أنَّهُ جَوابٌ عَنْ قَوْلِهِ لا أبَ لَهُ غَيْرُ اللَّهِ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ هو أباهُ بِأنَّهُ تَعالى مُصَوِّرُ الأجِنَّةِ كَيْفَ يَشاءُ فَيُصَوِّرُ مِن نُطْفَةِ أبٍ ومِن غَيْرِها، وبِأنَّهُ صَوَّرَهُ في الرَّحِمِ والمُصَوِّرُ لا يَكُونُ أبَ المُصَوَّرِ.(p-7)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب