الباحث القرآني

سُورَةُ آلِ عِمْرانَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابَ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾؛ إلى آخِرِ القِصَّةِ؛ قالَ الشَّيْخُ أبُو بَكْرٍ: قَدْ بَيَّنّا في صَدْرِ الكِتابِ مَعْنى المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ؛ وأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَنْقَسِمُ إلى مَعْنَيَيْنِ؛ أحَدُهُما: يَصِحُّ وصْفُ القُرْآنِ بِجَمِيعِهِ؛ والآخَرُ إنَّما يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُ القُرْآنِ دُونَ بَعْضٍ؛ قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿الـر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ [هود: ١]؛ وقالَ (تَعالى): ﴿الـر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ﴾ [يونس: ١]؛ فَوَصَفَ جَمِيعَ القُرْآنِ في هَذِهِ المَواضِعِ بِالإحْكامِ؛ وقالَ (تَعالى): ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣]؛ فَوَصَفَ جَمِيعَهُ بِالمُتَشابِهِ؛ ثُمَّ قالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابَ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾؛ فَوَصَفَ هَهُنا بَعْضَهُ بِأنَّهُ مُحْكَمٌ؛ وبَعْضَهُ بِأنَّهُ مُتَشابِهٌ؛ والإحْكامُ الَّذِي عَمَّ بِهِ الجَمِيعَ هو الصَّوابُ؛ والإتْقانُ؛ اللَّذانِ يَفْضُلُ بِهِما القُرْآنُ كُلَّ قَوْلٍ؛ وأمّا مَوْضِعُ الخُصُوصِ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ﴾؛ فَإنَّ المُرادَ بِهِ اللَّفْظُ الَّذِي لا اشْتِراكَ فِيهِ؛ ولا يَحْتَمِلُ عِنْدَ سامِعِهِ إلّا مَعْنًى واحِدًا؛ وقَدْ ذَكَرْنا اخْتِلافَ النّاسِ فِيهِ؛ إلّا أنَّ هَذا المَعْنى لا مَحالَةَ قَدِ انْتَظَمَهُ لَفْظُ الإحْكامِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ وهو الَّذِي جُعِلَ (p-٢٨١)أُمًّا لِلْمُتَشابِهِ الَّذِي يُرَدُّ إلَيْهِ؛ ويُحْمَلُ مَعْناهُ عَلَيْهِ؛ وأمّا المُتَشابِهُ الَّذِي عَمَّ بِهِ جَمِيعَ القُرْآنِ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿كِتابًا مُتَشابِهًا﴾ [الزمر: ٢٣]؛ فَهو التَّماثُلُ؛ ونَفْيُ الِاخْتِلافَ والتَّضادِّ عَنْهُ؛ وأمّا المُتَشابِهُ المَخْصُوصُ بِهِ بَعْضُ القُرْآنِ؛ فَقَدْ ذَكَرْنا أقاوِيلَ السَّلَفِ فِيهِ. وما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المُحْكَمَ هو النّاسِخُ؛ والمُتَشابِهَ هو المَنسُوخُ؛ فَهَذا عِنْدَنا هو أحَدُ أقْسامِ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَنْفِ أنْ يَكُونَ لِلْمُحْكَمِ والمُتَشابِهِ وُجُوهٌ غَيْرُهُما؛ وجائِزٌ أنْ يُسَمّى النّاسِخُ مُحْكَمًا؛ لِأنَّهُ ثابِتُ الحُكْمِ؛ والعَرَبُ تُسَمِّي البِناءَ الوَثِيقَ "مُحْكَمًا"؛ ويَقُولُونَ في العَقْدِ الوَثِيقِ الَّذِي لا يُمْكِنُ حَلُّهُ: "مُحْكَمًا"؛ فَجائِزٌ أنْ يُسَمّى النّاسِخُ "مُحْكَمًا"؛ إذْ كانَتْ صِفَتُهُ الثَّباتَ؛ والبَقاءَ؛ ويُسَمّى المَنسُوخُ مُتَشابِهًا مِن حَيْثُ أشْبَهَ في التِّلاوَةِ المُحْكَمَ؛ وخالَفَهُ في ثُبُوتِ الحُكْمِ؛ فَيَشْتَبِهُ عَلى التّالِي حُكْمُهُ في ثُبُوتِهِ ونَسْخِهِ؛ فَمِن هَذا الوَجْهِ جائِزٌ أنْ يُسَمّى المَنسُوخُ "مُتَشابِهًا"؛ وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ المُحْكَمَ هو الَّذِي لَمْ تَتَكَرَّرْ ألْفاظُهُ؛ والمُتَشابِهَ هو الَّذِي تَتَكَرَّرُ ألْفاظُهُ؛ فَإنَّ اشْتِباهَ هَذا مِن جِهَةِ اشْتِباهِ وجْهِ الحِكْمَةِ فِيهِ عَلى السّامِعِ؛ وهَذا سائِغٌ عامٌّ في جَمِيعِ ما يُشْتَبَهُ فِيهِ وجْهُ الحِكْمَةِ فِيهِ عَلى السّامِعِ؛ إلى أنْ يَتَبَيَّنَهُ؛ ويَتَّضِحَ لَهُ وجْهُهُ؛ فَهَذا مِمّا يَجُوزُ فِيهِ إطْلاقُ اسْمِ المُتَشابِهِ؛ وما لا يَشْتَبِهُ فِيهِ وجْهُ الحِكْمَةِ عَلى السّامِعِ فَهو المُحْكَمُ الَّذِي لا تَشابُهَ فِيهِ؛ عَلى قَوْلِ هَذا القائِلِ؛ فَهَذا أيْضًا أحَدُ وُجُوهِ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ؛ وإطْلاقُ الِاسْمِ فِيهِ سائِغٌ جائِزٌ؛ وأمّا ما رُوِيَ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ المُحْكَمَ ما يُعْلَمُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِهِ؛ والمُتَشابِهَ ما لا يُعْلَمُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِهِ؛ كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّانَ مُرْساها﴾ [النازعات: ٤٢]؛ وما جَرى مُجْرى ذَلِكَ فَإنَّ إطْلاقَ اسْمِ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ سائِغٌ فِيهِ؛ لِأنَّ ما عُلِمَ وقْتُهُ ومَعْناهُ فَلا تَشابُهَ فِيهِ؛ وقَدْ أُحْكِمَ بَيانُهُ؛ وما لا يُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ؛ ومَعْناهُ ووَقْتُهُ فَهو مُشْتَبِهٌ عَلى سامِعِهِ؛ فَجائِزٌ أنْ يُسَمّى بِهَذا الِاسْمِ؛ فَجَمِيعُ هَذِهِ الوُجُوهِ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ؛ عَلى ما رُوِيَ فِيهِ؛ ولَوْلا احْتِمالُ اللَّفْظِ لِما ذَكَرُوا لَما تَأوَّلُوهُ عَلَيْهِ؛ وما ذَكَرْناهُ مِن قَوْلِ مَن قالَ: "إنَّ المُحْكَمَ هو ما لا يَحْتَمِلُ إلّا مَعْنًى واحِدًا؛ والمُتَشابِهَ ما يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ"؛ فَهو أحَدُ الوُجُوهِ الَّتِي يَنْتَظِمُها هَذا الِاسْمُ؛ لِأنَّ المُحْكَمَ مِن هَذا القِسْمِ سُمِّيَ مُحْكَمًا لَإحْكامِ دَلالَتِهِ؛ وإيضاحِ مَعْناهُ؛ وإبانَتِهِ؛ والمُتَشابِهُ مِنهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأنَّهُ أشْبَهَ المُحْكَمَ مِن وجْهٍ؛ واحْتَمَلَ مَعْناهُ؛ وأشْبَهَ غَيْرَهُ؛ مِمّا يُخالِفُ مَعْناهُ مَعْنى المُحْكَمِ؛ فَسُمِّيَ مُتَشابِهًا مِن هَذا الوَجْهِ؛ فَلَمّا كانَ المُحْكَمُ والمُتَشابِهُ يَعْتَوِرُهُما ما ذَكَرْنا مِنَ المَعانِي؛ احْتَجْنا إلى مَعْرِفَةِ المُرادِ مِنهُما بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابْتِغاءَ (p-٢٨٢)الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾؛ مَعَ عِلْمِنا بِما في مَضْمُونِ هَذِهِ الآيَةِ وفَحْواها؛ مِن وُجُوبِ رَدِّ المُتَشابِهِ إلى المُحْكَمِ؛ وحَمْلِهِ عَلى مَعْناهُ؛ دُونَ حَمْلِهِ عَلى ما يُخالِفُهُ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى) - في صِفَةِ المُحْكَماتِ -: ﴿هُنَّ أُمُّ الكِتابِ﴾؛ والأُمُّ هي الَّتِي مِنها ابْتِداؤُهُ؛ وإلَيْها مَرْجِعُهُ؛ فَسَمّاها أُمًّا؛ فاقْتَضى ذَلِكَ بِناءَ المُتَشابِهِ عَلَيْها؛ ورَدَّهُ إلَيْها؛ ثُمَّ أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾؛ فَوَصَفَ مُتَّبِعَ المُتَشابِهِ؛ مِن غَيْرِ حَمْلِهِ لَهُ عَلى مَعْنى المُحْكَمِ؛ بِالزَّيْغِ في قَلْبِهِ؛ وأعْلَمَنا أنَّهُ مُبْتَغٍ لِلْفِتْنَةِ؛ وهي الكُفْرُ والضَّلالُ؛ في هَذا المَوْضِعِ؛ كَما قالَ (تَعالى): ﴿والفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١]؛ يَعْنِي - واللَّهُ أعْلَمُ - الكُفْرَ؛ فَأخْبَرَ أنَّ مُتَّبِعَ المُتَشابِهِ؛ وحامِلَهُ عَلى مُخالَفَةِ المُحْكَمِ؛ في قَلْبِهِ زَيْغٌ - يَعْنِي المَيْلَ عَنِ الحَقِّ - يَسْتَدْعِي غَيْرَهُ بِالمُتَشابِهِ إلى الضَّلالِ والكُفْرِ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ المُرادَ بِالمُتَشابِهِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ هو اللَّفْظُ المُحْتَمِلُ لِلْمَعانِي؛ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ إلى المُحْكَمِ؛ وحَمْلُهُ عَلى مَعْناهُ؛ ثُمَّ نَظَرْنا بَعْدَ ذَلِكَ في المَعانِي الَّتِي تَعْتَوِرُ هَذا اللَّفْظَ؛ وتَتَعاقَبُ عَلَيْهِ؛ مِمّا قَدَّمْنا ذِكْرَهُ في أقْسامِ المُتَشابِهِ؛ عَنِ القائِلِينَ بِها عَلى اخْتِلافِها؛ مَعَ احْتِمالِ اللَّفْظِ؛ فَوَجَدْنا قَوْلَ مَن قالَ بِأنَّهُ النّاسِخُ والمَنسُوخُ؛ فَإنَّهُ إنْ كانَ تارِيخُهُما مَعْلُومًا فَلا اشْتِباهَ فِيهِما؛ عَلى مَن حَصَلَ لَهُ العِلْمُ بِتارِيخِهِما؛ وعَلِمَ يَقِينًا أنَّ المَنسُوخَ مَتْرُوكُ الحُكْمِ؛ وأنَّ النّاسِخَ ثابِتُ الحُكْمِ؛ فَلَيْسَ فِيهِما ما يَقَعُ فِيهِ اشْتِباهٌ عَلى السّامِعِ العالِمِ بِتارِيخِ الحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لا احْتِمالَ فِيهِما لِغَيْرِ النّاسِخِ؛ وإنِ اشْتَبَهَ عَلى السّامِعِ مِن حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَعْلَمِ التّارِيخَ؛ فَهَذا: لَيْسَ أحَدُ اللَّفْظَيْنِ أوْلى بِكَوْنِهِ مُحَكِّمًا مِنَ الآخَرِ؛ ولا يَكُونُ مُتَشابِهًا مِنهُ؛ إذْ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ناسِخًا؛ ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَنسُوخًا؛ فَهَذا لا مَدْخَلَ لَهُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾؛ وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: "إنَّ المُحْكَمَ ما لَمْ يَتَكَرَّرْ لَفْظُهُ؛ والمُتَشابِهَ ما تَكَرَّرَ لَفْظُهُ"؛ فَهَذا أيْضًا لا مَدْخَلَ لَهُ في هَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى رَدِّهِ إلى المُحَكِّمِ؛ وإنَّما يَحْتاجُ إلى تَدْبِيرِهِ بِعَقْلِهِ؛ وحَمْلِهِ عَلى ما في اللُّغَةِ مِن تَجْوِيزِهِ. وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: "إنَّ المُحْكَمَ ما عُلِمَ وقْتُهُ وتَعْيِينُهُ؛ والمُتَشابِهَ ما لا يُعْلَمُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِهِ؛ كَأمْرِ السّاعَةِ؛ وصَغائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي آيَسَنا اللَّهُ (تَعالى) مِن وُقُوعِ عِلْمِنا بِها في الدُّنْيا"؛ وإنَّ هَذا الضَّرْبَ أيْضًا مِنها خارِجٌ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنّا لا نَصِلُ إلى عِلْمِ مَعْنى المُتَشابِهِ بِرَدِّهِ إلى المُحْكَمِ؛ فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنا مِن أقْسامِ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ؛ مِمّا يَجِبُ بِناءُ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ؛ وحَمْلُهُ عَلى مَعْناهُ؛ إلّا الوَجْهُ الأخِيرُ الَّذِي قُلْنا؛ وهو أنْ يَكُونَ المُتَشابِهُ اللَّفْظَ المُحْتَمِلَ لِلْمَعانِي؛ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلى (p-٢٨٣)المُحْكَمِ الَّذِي لا احْتِمالَ فِيهِ؛ ولا اشْتِراكَ في لَفْظِهِ؛ مِن نَظائِرِ ما قَدَّمْنا في صَدْرِ الكِتابِ؛ وبَيَّنّا أنَّهُ يَنْقَسِمُ إلى وجْهَيْنِ مِنَ العَقْلِيّاتِ؛ والسَّمْعِيّاتِ؛ ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ تَكُونَ الوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْناها عَنِ السَّلَفِ عَلى اخْتِلافِها يَتَناوَلُها الِاسْمُ؛ عَلى ما رُوِيَ عَنْهم فِيهِ؛ لِما بَيَّنّا مِن وُجُوهِها؛ ويَكُونَ الوَجْهُ الَّذِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلى المُحْكَمِ هو هَذا الوَجْهَ الأخِيرَ؛ لِامْتِناعِ إمْكانِ حَمْلِ سائِرِ وُجُوهِ المُتَشابِهِ عَلى المُحْكَمِ؛ عَلى ما تَقَدَّمَ مِن بَيانِهِ. ثُمَّ يَكُونُ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾؛ مَعْناهُ تَأْوِيلُ جَمِيعِ المُتَشابِهِ؛ حَتّى لا يَسْتَوْعِبَ غَيْرُهُ عِلْمَها؛ فَنَفى إحاطَةَ عِلْمِنا بِجَمِيعِ مَعانِي المُتَشابِهاتِ مِنَ الآياتِ؛ ولَمْ يَنْفِ بِذَلِكَ أنْ نَعْلَمَ نَحْنُ بَعْضَها بِإقامَتِهِ لَنا الدَّلالَةَ عَلَيْهِ؛ كَما قالَ (تَعالى): ﴿ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ إلا بِما شاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥]؛ لِأنَّ في فَحْوى الآيَةِ ما قَدْ دَلَّ عَلى أنّا نَعْلَمُ بَعْضَ المُتَشابِهِ بِرَدِّهِ إلى المُحْكَمِ؛ وحَمْلِهِ عَلى مَعْناهُ؛ عَلى ما بَيَّنّا مِن ذَلِكَ؛ ويَسْتَحِيلُ أنْ تَدُلَّ الآيَةُ عَلى وُجُوبِ رَدِّهِ إلى المُحْكَمِ؛ وتَدُلَّ أيْضًا عَلى أنّا لا نَصِلُ إلى عِلْمِهِ ومَعْرِفَتِهِ؛ فَإذًا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾؛ غَيْرَ نافٍ لِوُقُوعِ العِلْمِ بِبَعْضِ المُتَشابِهِ؛ فَمِمّا لا يَجُوزُ وُقُوعُ العِلْمِ لَنا بِهِ وقْتُ السّاعَةِ؛ والذُّنُوبُ الصَّغائِرُ. ومِنَ النّاسِ مَن يُجَوِّزُ وُرُودَ لَفْظٍ مُجْمَلٍ في حُكْمٍ يَقْتَضِي البَيانَ؛ ولا يُبَيِّنُهُ أبَدًا؛ فَيَكُونُ في حَيِّزِ المُتَشابِهِ الَّذِي لا نَصِلُ إلى العِلْمِ بِهِ؛ وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾؛ فَمِنهم مَن جَعَلَ تَمامَ الكَلامِ عِنْدَ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾؛ وجَعَلَ الواوَ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾؛ لِلْجَمْعِ؛ كَقَوْلِ القائِلِ: "لَقِيتُ زَيْدًا وعَمْرًا"؛ وما جَرى مُجْراهُ؛ ومِنهم مَن جَعَلَ تَمامَ الكَلامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾؛ وجَعَلَ الواوَ لِلِاسْتِقْبالِ؛ وابْتِداءِ خِطابٍ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ بِالأوَّلِ؛ فَمَن قالَ بِالقَوْلِ الأوَّلِ جَعَلَ الرّاسِخِينَ في العِلْمِ عالِمِينَ بِبَعْضِ المُتَشابِهِ؛ وغَيْرَ عالِمِينَ بِجَمِيعِهِ؛ وقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عائِشَةَ؛ والحَسَنِ؛ وقالَ مُجاهِدٌ؛ فِيما رَواهُ ابْنُ أبِي نَجِيحٍ - في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ -: يَعْنِي شَكًّا؛ ﴿ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ﴾؛ اَلشُّبُهاتُ؛ بِما هَلَكُوا؛ لَكِنِ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ؛ يَقُولُونَ: "آمَنّا بِهِ"؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: "ويَقُولُ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ"؛ وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: "وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ؛ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَعْلَمُونَهُ؛ قائِلِينَ: آمَنّا بِهِ"؛ وعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ مِثْلُهُ. والَّذِي يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ؛ عَلى ما فِيهِ مِنَ الِاحْتِمالِ؛ أنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾؛ يَعْنِي تَأْوِيلَ جَمِيعِ المُتَشابِهِ - عَلى ما بَيَّنّا - والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَعْلَمُونَ (p-٢٨٤)بَعْضَهُ؛ قائِلِينَ: آمَنّا بِهِ؛ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا؛ يَعْنِي ما نُصِبَ لَهم مِنَ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ في بِنائِهِ عَلى المُحْكَمِ؛ ورَدِّهِ إلَيْهِ؛ وما لَمْ يُجْعَلْ لَهم سَبِيلٌ إلى عِلْمِهِ - مِن نَحْوِ ما وصَفْنا - فَإذا عَلِمُوا تَأْوِيلَ بَعْضِهِ ولَمْ يَعْلَمُوا البَعْضَ؛ قالُوا: "آمَنّا بِالجَمِيعِ؛ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا؛ وما أخْفى عَنّا عِلْمَ ما غابَ عَنّا عِلْمُهُ إلّا لِعِلْمِهِ (تَعالى) بِما فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ لَنا؛ وما هو خَيْرٌ لَنا في دِينِنا؛ ودُنْيانا؛ وما أعْلَمَنا؛ وما يُعْلِمُناهُ إلّا لِمَصْلَحَتِنا؛ ونَفْعِنا؛ فَيَعْتَرِفُونَ بِصِحَّةِ الجَمِيعِ؛ والتَّصْدِيقِ بِما عَلِمُوا مِنهُ؛ وما لَمْ يَعْلَمُوهُ. ومِنَ النّاسِ مَن يَظُنُّ أنَّهُ لا يَجُوزُ إلّا أنْ يَكُونَ مُنْتَهى الكَلامِ؛ وتَمامُهُ؛ عِنْدَ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾؛ وأنَّ الواوَ لِلِاسْتِقْبالِ؛ دُونَ الجَمْعِ؛ لِأنَّها لَوْ كانَتْ لِلْجَمْعِ لَقالَ: "ويَقُولُونَ آمَنّا بِهِ"؛ ويَسْتَأْنِفُ ذِكْرَ الواوِ لِاسْتِئْنافِ الخَبَرِ؛ وقالَ مَن ذَهَبَ إلى القَوْلِ الأوَّلِ: هَذا سائِغٌ في اللُّغَةِ؛ وقَدْ وُجِدَ مِثْلُهُ في القُرْآنِ؛ وهو قَوْلُهُ (تَعالى) - في بَيانِ قَسْمِ الفَيْءِ -: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الحشر: ٧]؛ إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الحشر: ٧]؛ ثُمَّ تَلاهُ بِالتَّفْصِيلِ؛ وتَسْمِيَةِ مَن يَسْتَحِقُّ هَذا الفَيْءَ؛ فَقالَ: ﴿لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِن اللَّهِ ورِضْوانًا﴾ [الحشر: ٨]؛ إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠]؛ وهم لا مَحالَةَ داخِلُونَ في اسْتِحْقاقِ الفَيْءِ؛ كالأوَّلِينَ؛ والواوُ فِيهِ لِلْجَمْعِ؛ ثُمَّ قالَ (تَعالى): ﴿يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ﴾ [الحشر: ١٠]؛ مَعْناهُ: "قائِلِينَ: رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولِإخْوانِنا"؛ كَذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ﴾؛ مَعْناهُ: "والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ ما نُصِبَ لَهُمُ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ؛ مِنَ المُتَشابِهِ؛ قائِلِينَ: رَبَّنا آمَنّا بِهِ"؛ فَصارُوا مَعْطُوفِينَ عَلى ما قَبْلَهُ؛ داخِلِينَ في حَيِّزِهِ؛ وقَدْ وُجِدَ مِثْلُهُ في الشِّعْرِ؛ قالَ يَزِيدُ بْنُ مُفْرِغٍ الحِمْيَرِيُّ: ؎وشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ∗∗∗ مِن بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هامَهْ ؎فالرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَها ∗∗∗ ∗∗∗ والبَرْقُ يَلْمَعُ في الغَمامَهْ ؛ والمَعْنى: والبَرْقُ يَبْكِي شَجْوَها لامِعًا في الغَمامَةِ؛ وإذا كانَ ذَلِكَ سائِغًا في اللُّغَةِ وجَبَ حَمْلُهُ عَلى مُوافَقَةِ دَلالَةِ الآيَةِ في وُجُوبِ رَدِّ المُتَشابِهِ إلى المُحْكَمِ؛ فَيَعْلَمُ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ تَأْوِيلَهُ إذا اسْتَدَلُّوا بِالمُحْكَمِ عَلى مَعْناهُ؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى أنَّ الواوَ لَمّا كانَتْ حَقِيقَتُها الجَمْعَ؛ فالواجِبُ حَمْلُها عَلى حَقِيقَتِها؛ ومُقْتَضاها؛ ولا يَجُوزُ حَمْلُها عَلى الِابْتِداءِ؛ إلّا بِدَلالَةٍ؛ ولا دَلالَةَ مَعَنا تُوجِبُ صَرْفَها عَنِ الحَقِيقَةِ؛ فَوَجَبَ اسْتِعْمالُها عَلى الجَمْعِ؛ فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ اسْتِعْمالُ المُحْكَمِ مُقَيَّدًا بِما في العَقْلِ؛ وقَدْ يُمْكِنُ كُلَّ مُبْطِلٍ أنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ؛ فَيُبْطِلُ فائِدَةَ الِاحْتِجاجِ (p-٢٨٥)بِالمُحْكَمِ؛ قِيلَ لَهُ: إنَّما هو مُقَيَّدٌ بِما هو في تَعارُفِ العُقُولِ؛ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُطابِقًا لِما تَعارَفَهُ العُقَلاءُ مِن أهْلِ اللُّغَةِ؛ ولا يُحْتاجُ في اسْتِعْمالِ حُكْمِ العَقْلِ فِيهِ إلى مُقَدِّماتٍ؛ بَلْ يُوقَعُ العِلْمُ لِسامِعِهِ بِمَعْنى مُرادِهِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي هو ثابِتٌ في عُقُولِ العُقَلاءِ؛ دُونَ عاداتٍ فاسِدَةٍ قَدْ جَرَوْا عَلَيْها؛ فَما كانَ كَذَلِكَ فَهو المُحْكَمُ؛ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ مَعْناهُ إلّا مُقْتَضى لَفْظِهِ؛ وحَقِيقَتِهِ؛ فَأمّا العاداتُ الفاسِدَةُ فَلا اعْتِبارَ بِها؛ فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ وجْهُ اتِّباعِ مَن في قَلْبِهِ زَيْغٌ ما تَشابَهَ مِنهُ؛ دُونَ ما أُحْكِمَ؟ قِيلَ لَهُ نَحْوَ ما رَوى الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في وفْدِ نَجْرانَ؛ لَمّا حاجُّوا النَّبِيَّ ﷺ في المَسِيحِ؛ فَقالُوا: ألَيْسَ هو كَلِمَةَ اللَّهِ؛ ورُوحًا مِنهُ؟ فَقالَ: "بَلى"؛ فَقالُوا: حَسْبُنا؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ﴾؛ ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]؛ فَصَرَفُوا قَوْلَهُ: ﴿وكَلِمَتُهُ﴾ [النساء: ١٧١]؛ إلى ما يَقُولُونَهُ في قِدَمِهِ مَعَ اللَّهِ؛ و﴿ورُوحٌ مِنهُ﴾ [النساء: ١٧١]؛ صَرَفُوهُ إلى أنَّهُ جُزْءٌ مِنهُ؛ قَدِيمٌ مَعَهُ كَرُوحِ الإنْسانِ؛ وإنَّما أرادَ اللَّهُ (تَعالى) بِقَوْلِهِ: "وكَلِمَتُهُ"؛ أنَّهُ بَشَّرَ بِهِ في كُتُبِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ؛ فَسَمّاهُ "كَلِمَةً"؛ مِن حَيْثُ قَدَّمَ البِشارَةَ بِهِ؛ وسَمّاهُ "رُوحًا"؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) خَلَقَهُ مِن غَيْرِ ذَكَرٍ؛ بَلْ أمَرَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَنَفَخَ في جَيْبِ مَرْيَمَ - عَلَيْها السَّلامُ -؛ وأضافَهُ إلى نَفْسِهِ (تَعالى) تَشْرِيفًا لَهُ؛ كَـ "بَيْتُ اللَّهِ"؛ و"سَماءُ اللَّهِ"؛ و"أرْضُهُ"؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ وقِيلَ: إنَّهُ سَمّاهُ "رُوحًا"؛ كَما سَمّى القُرْآنَ "رُوحًا"؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ [الشورى: ٥٢]؛ وإنَّما سَمّاهُ "رُوحًا" مِن حَيْثُ كانَ فِيهِ حَياةُ النّاسِ في أُمُورِ دِينِهِمْ؛ فَصَرَفَ أهْلُ الزَّيْغِ ذَلِكَ إلى مَذاهِبِهِمُ الفاسِدَةِ؛ وإلى ما يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الكُفْرِ والضَّلالِ؛ وقالَ قَتادَةُ: "أهْلُ الزَّيْغِ المُتَّبِعُونَ لِلْمُتَشابِهِ مِنهُ هُمُ الحَرُورِيَّةُ؛ والسَّبَئِيَّةُ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب