الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلَوْ أنَّ أهْلَ الكِتابِ آمَنُوا واتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عنهم سَيِّئاتِهِمْ ولأدْخَلْناهم جَنّاتِ النَعِيمِ﴾ ﴿وَلَوْ أنَّهم أقامُوا التَوْراةَ والإنْجِيلَ وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِن رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ مِنهم أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وكَثِيرٌ مِنهم ساءَ ما يَعْمَلُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الرَسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِن الناسِ إنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَوْراةَ والإنْجِيلَ وما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكم ولَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنهم ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيانًا وكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ هَذِهِ الآيَةُ تَحْتَمِلُ أنْ يُرادَ بِها مُعاصِرُو مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ والأظْهَرُ أنَّهُ يُرادُ بِها الأسْلافُ؛ والمُعاصِرُونَ داخِلُونَ في هَذِهِ الأحْوالِ بِالمَعْنى؛ والغَرَضُ الإخْبارُ عن أُولَئِكَ الَّذِينَ أطْفَأ اللهُ نِيرانَهم وأذَلَّهم بِمَعاصِيهِمْ؛ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وكِتابِهِ؛ واتَّقَوْا في امْتِثالِ أوامِرِهِ ونَواهِيهِ؛ لَكُفِّرَتْ سَيِّئاتُهُمْ؛ أيْ: سُتِرَتْ وأُذْهِبَتْ؛ ولَأُدْخِلُوا الجَنَّةَ. ﴿وَلَوْ أنَّهم أقامُوا التَوْراةَ﴾ ؛ أيْ: أظْهَرُوا أحْكامَها؛ فَهي كَإقامَةِ السُوقِ؛ وإقامَةِ الصَلاةِ؛ وذَلِكَ كُلُّهُ تَشْبِيهٌ بِالقائِمِ مِنَ الناسِ؛ إذْ هي أظْهَرُ هَيْئاتِ المَرْءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "والإنْجِيلَ"؛﴾ يَقْتَضِي دُخُولَ النَصارى في لَفْظِ أهْلِ الكِتابِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِن رَبِّهِمْ﴾ ؛ مَعْناهُ: "مِن وحْيٍ؛ وسُنَنٍ عَلى ألْسِنَةِ الأنْبِياءِ". واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في مَعْنى: ﴿مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ﴾ ؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ وقَتادَةُ ؛ ومُجاهِدٌ ؛ والسُدِّيُّ: اَلْمَعْنى: "لَأعْطَتْهُمُ السَماءُ مَطَرَها؛ وبَرَكَتَها؛ والأرْضُ (p-٢١٥)نَباتَها؛ بِفَضْلِ اللهِ تَعالى"؛ وحَكى الطَبَرِيُّ ؛ والزَجّاجُ ؛ وغَيْرُهُما أنَّ الكَلامَ اسْتِعارَةٌ؛ ومُبالَغَةٌ في التَوْسِعَةِ؛ كَما يُقالُ: "فُلانٌ قَدْ عَمَّهُ الخَيْرُ مِن قَرْنِهِ إلى قَدَمِهِ"؛ وذَكَرَ النَقّاشُ أنَّ المَعْنى: "لَأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ"؛ أيْ: مِن رِزْقِ الجَنَّةِ؛ و"وَمِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ"؛ أيْ: مِن رِزْقِ الدُنْيا؛ إذْ هو مِن نَباتِ الأرْضِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنهم أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾ ؛ مَعْناهُ: مُعْتَدِلَةٌ؛ والقَصْدُ والِاقْتِصادُ: اَلِاعْتِدالُ؛ والرِفْقُ؛ والتَوَسُّطُ الحَسَنُ في الأقْوالِ؛ والأفْعالِ. قالَ الطَبَرِيُّ: مَعْنى الآيَةِ أنَّ مِن بَنِي إسْرائِيلَ مَن هو مُقْتَصِدٌ في عِيسى - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ يَقُولُونَ: "هُوَ عَبْدُ اللهِ ورَسُولٌ؛ ورُوحٌ مِنهُ"؛ والأكْثَرُ مِنهم غَلا فِيهِ؛ فَقالَ بَعْضُهُمْ: "هُوَ إلَهٌ"؛ وعَلى هَذا مَشى الرُومُ؛ ومَن دَخَلَ بِآخِرَةٍ في مِلَّةِ عِيسى - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وقالَ بَعْضُهم - وهُمُ الأكْثَرُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ -: "هُوَ آدَمِيٌّ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ"؛ فَكَفَرَ الطَرَفانِ؛ وقالَ مُجاهِدٌ: اَلْمُقْتَصِدَةُ: مُسْلِمَةُ أهْلِ الكِتابِ؛ قَدِيمًا؛ وحَدِيثًا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وعَلى هَذا يُتَخَرَّجُ قَوْلُ الطَبَرِيِّ ؛ ولا يَقُولُ في عِيسى: "إنَّهُ عَبْدٌ رَسُولٌ"؛ إلّا مُسْلِمٌ ؛ وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هم أهْلُ طاعَةِ اللهِ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ وهَذا هو المُتَرَجَّحُ؛ وقَدْ ذَكَرَ الزَجّاجُ أنَّهُ يَعْنِي بِالمُقْتَصِدَةِ: اَلطَّوائِفَ الَّتِي لَمْ تُناصِبِ الأنْبِياءَ مُناصَبَةَ المُتَهَتِّكِينَ المُجاهِرِينَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وإنَّما يُتَوَجَّهُ أنْ تُوصَفَ بِالِاقْتِصادِ؛ بِالإضافَةِ إلى المُتَمَرِّدَةِ؛ كَما يُقالُ في أبِي البُحْتُرِيِّ بْنِ هِشامٍ: "إنَّهُ مُقْتَصِدٌ؛ بِالإضافَةِ إلى أبِي جَهْلِ بْنِ هِشامٍ - لَعَنَهُ اللهُ ". ثُمَّ وصَفَ تَعالى الكَثِيرَ مِنهم بِسُوءِ العَمَلِ عُمُومًا؛ وذَهَبَ الطَبَرِيُّ إلى أنَّ ذَلِكَ في تَكْذِيبِهِمُ الأنْبِياءَ؛ وكُفْرِ اليَهُودِ بِعِيسى والجَمِيعُ مِن أهْلِ الكِتابَيْنِ بِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. و"ساءَ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ هي المُتَصَرِّفَةُ؛ كَما تَقُولُ: "ساءَ الأمْرُ؛ يَسُوءُ"؛ وقَدْ تُسْتَعْمَلُ "ساءَ"؛ اِسْتِعْمالَ "نِعْمَ"؛ و"بِئْسَ"؛ كَقَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ساءَ مَثَلا﴾ [الأعراف: ١٧٧] ؛ فَتِلْكَ غَيْرُ هَذِهِ؛ (p-٢١٦)يُحْتاجُ في هَذِهِ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿ساءَ مَثَلا﴾ [الأعراف: ١٧٧] ؛ مِنَ الإضْمارِ؛ والتَقْدِيرِ؛ إلى ما يُحْتاجُ في "نِعْمَ"؛ و"بِئْسَ"؛ وفي هَذا نَظَرٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الرَسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ ؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾. هَذِهِ الآيَةُ أمْرٌ مِنَ اللهِ لرَسُولِهِ بِالتَبْلِيغِ عَلى الِاسْتِيفاءِ والكَمالِ؛ لِأنَّهُ قَدْ كانَ بَلَّغَ؛ فَإنَّما أُمِرَ في هَذِهِ الآيَةِ بِألّا يَتَوَقَّفَ عن شَيْءٍ مَخافَةَ أحَدٍ؛ وذَلِكَ أنَّ رِسالَتَهُ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - تَضَمَّنَتِ الطَعْنَ عَلى أنْواعِ الكَفَرَةِ؛ وبَيانِ فَسادِ حالِهِمْ؛ فَكانَ يَلْقى مِنهم عَنَتًا؛ ورُبَّما خافَهم أحْيانًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ؛ فَقالَ اللهُ لَهُ ﴿بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ ؛ أيْ: كامِلًا؛ مُتَمَّمًا؛ ثُمَّ تَوَعَّدَهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ ؛ أيْ: "إنَّكَ إنْ تَرَكْتَ شَيْئًا؛ فَكَأنَّما قَدْ تَرَكْتَ الكُلَّ؛ وصارَ ما بَلَّغْتَ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ"؛ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ﴾ ؛ مَعْناهُ: "وَإنْ لَمْ تَسْتَوْفِ"؛ ونَحْوُ هَذا قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ سُئِلْتَ فَلَمْ تَمْنَعْ ولَمْ تُعْطِ نائِلًا ∗∗∗ فَسِيّانِ لا ذَمٌّ عَلَيْكَ ولا حَمْدُ أيْ: ولَمْ تُعْطِ ما يُعَدُّ نائِلًا؛ وإلّا يَتَكاذَبِ البَيْتُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ: "فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ"؛ عَلى الإفْرادِ؛ وقَرَؤُوا في "اَلْأنْعامِ": "حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ"؛ عَلى الجَمْعِ؛ وكَذَلِكَ في "اَلْأعْرافِ": "بِرِسالاتِي"؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ في المَواضِعِ الثَلاثَةِ؛ بِإفْرادِ الرِسالَةِ؛ وقَرَأ نافِعٌ: "رِسالاتِهِ"؛ بِالجَمْعِ؛ وكَذَلِكَ في "اَلْأنْعامِ"؛ وأفْرَدَ في "اَلْأعْرافِ"؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ؛ وعاصِمٌ ؛ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ ؛ بِجَمْعِ الرِسالَةِ في المَواضِعِ الثَلاثَةِ؛ ورَوى حَفْصٌ عن عاصِمٍ الإفْرادَ في "اَلْعُقُودِ"؛ و"اَلْأنْعامِ"؛ والجَمْعَ في "اَلْأعْرافِ"؛ فَمَن أفْرَدَ "اَلرِّسالَةَ"؛ فَلِأنَّ الشَرْعَ كُلُّهُ شَيْءٌ واحِدٌ؛ (p-٢١٧)وَجُمْلَةٌ بَعْضُها مِن بَعْضٍ؛ ومَن جَمَعَ فَمِن حَيْثُ الشَرْعُ مَعانٍ كَثِيرَةٌ؛ ووَرَدَ دُفَعًا في أزْمانٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ وقالَتْ عائِشَةُ - أُمُّ المُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللهُ عنها -: "مَن زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الوَحْيِ فَقَدْ أعْظَمَ الفِرْيَةَ؛ واللهُ تَعالى يَقُولُ: ﴿يا أيُّها الرَسُولُ﴾ ؛ اَلْآيَةَ". وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَقِيقٍ: «كانَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَتَعَقَّبُهُ أصْحابُهُ؛ يَحْرُسُونَهُ؛ فَلَمّا نَزَلَتْ: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ﴾ ؛ خَرَجَ فَقالَ: "يا أيُّها الناسُ الحَقُوا بِمَلاحِقِكم فَإنَّ اللهَ قَدْ عَصَمَنِي"؛» وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: نَزَلَتْ: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ﴾ ؛ بِسَبَبِ الأعْرابِيِّ الَّذِي اخْتَرَطَ سَيْفَ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِيَقْتُلَهُ بِهِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: هو غَوْرَثُ بْنُ الحارِثِ ؛ والقِصَّةُ في غَزْوَةِ "ذاتِ الرِقاعِ"؛ وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «كانَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَهابُ قُرَيْشًا؛ فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ؛ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ﴾ ؛ اِسْتَلْقى ؛ وقالَ: "مَن شاءَ فَلْيَخْذُلْنِي"؛» مَرَّتَيْنِ؛ أو ثَلاثًا. و"يَعْصِمُكَ"؛ مَعْناهُ: يَحْفَظُكَ؛ ويَجْعَلُ عَلَيْكَ وِقايَةً؛ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾ [هود: ٤٣] ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ فَقُلْتُ عَلَيْكم مالِكًا إنَّ مالِكًا ∗∗∗ ∗∗∗ سَيَعْصِمُكم إنْ كانَ في الناسِ عاصِمُ وهَذِهِ العِصْمَةُ الَّتِي في الآيَةِ هي مِنَ المَخاوِفِ الَّتِي يُمْكِنُ أنْ تُوقَفَ عن شَيْءٍ مِن (p-٢١٨)التَبْلِيغِ؛ كالقَتْلِ؛ والأسْرِ؛ والأذى في الجِسْمِ؛ ونَحْوِهِ؛ وأمّا أقْوالُ الكُفّارِ؛ ونَحْوُها فَلَيْسَتْ في الآيَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ ؛ إمّا عَلى الخُصُوصِ فِيمَن سَبَقَ في عِلْمِ اللهِ أنَّهُ لا يُؤْمِنُ؛ وإمّا عَلى العُمُومِ؛ عَلى أنْ لا هِدايَةَ في الكُفْرِ؛ ولا يَهْدِي اللهُ الكافِرَ في سُبُلِ كُفْرِهِ. ثُمَّ أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - أنْ يَقُولَ لِأهْلِ الكِتابِ الحاضِرِينَ مَعَهُ: ﴿لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ﴾ ؛ أيْ: "عَلى شَيْءٍ مُسْتَقِيمٍ؛ حَتّى تُقِيمُوا التَوْراةَ والإنْجِيلَ"؛ وفي إقامَةِ هَذَيْنِ الإيمانُ بِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكُمْ﴾ ؛ يَعْنِي بِهِ القُرْآنَ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -؛ وغَيْرُهُ؛ ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى نَبِيَّهُ أنَّهُ سَيَطْغى كَثِيرٌ مِنهم بِسَبَبِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ ويَزِيدُهُ نُزُولُ القُرْآنِ؛ والشَرْعِ؛ كُفْرًا؛ وحَسَدًا؛ ثُمَّ سَلّاهُ عنهُمْ؛ وحَقَّرَهم بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ ؛ أيْ: لا تَحْزَنْ إذْ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ ولا تُبالِ بِهِمْ؛ والأسى: اَلْحُزْنُ؛ يُقالُ: "أسِيَ الرَجُلُ؛ يَأْسى؛ أسًى"؛ إذا حَزِنَ؛ ومِنهُ قَوْلُ الراجِزِ: ؎ وانْحَلَبَتْ عَيْناهُ مِن فَرْطِ الأسى وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ إلى ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - قالَ: «جاءَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - رافِعُ بْنُ جارِيَةَ؛ وسَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ؛ ومالِكُ بْنُ الصَيْفِ ؛ ورافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ؛ فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ؛ ألَسْتَ تَزْعُمُ أنَّكَ عَلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ؛ وأنَّكَ تُؤْمِنُ بِالتَوْراةِ؛ وبِنُبُوَّةِ مُوسى؛ وأنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ حَقٌّ؟ قالَ: "بَلى؛ ولَكِنَّكم أحْدَثْتُمْ؛ وغَيَّرْتُمْ؛ وكَتَمْتُمْ"؛ فَقالُوا: إنّا نَأْخُذُ بِما في أيْدِينا؛ فَإنَّهُ الحَقُّ؛ ولا نُصَدِّقُكَ؛ ولا نَتَّبِعُكَ؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ﴾ اَلْآيَةُ.»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب