الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٦٧] ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾
﴿يا أيُّها الرَّسُولُ﴾ نُودِيَ ﷺ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ تَشْرِيفًا لَهُ وإيذانًا بِأنَّها مِن مُوجِباتِ الإتْيانِ بِما أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ: ﴿بَلِّغْ ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ مِمّا يُفَصِّلُ مَساوِئَ الكُفّارِ، ومِن قِتالِهِمْ، والدَّعْوَةِ إلى الإسْلامِ، غَيْرَ مُراقِبٍ في التَّبْلِيغِ أحَدًا، ولا خائِفٍ أنْ يَنالَكَ مَكْرُوهٌ: ﴿وإنْ لَمْ تَفْعَلْ﴾ أيْ: ما تُؤْمَرُ بِهِ مِن تَبْلِيغِ الجَمِيعِ، سَتْرًا لِبَعْضِ (p-٢٠٦٨)مَساوِئِهِمْ: ﴿فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ أيْ: شَيْئًا مِمّا أُرْسِلْتَ بِهِ. لِما أنَّ بَعْضَها لَيْسَ أوْلى بِالأداءِ مِن بَعْضٍ. فَإذا لَمْ تُؤَدِّ بَعْضَها فَكَأنَّكَ أغْفَلْتَ أداءَها جَمِيعًا. كَما أنَّ مَن لَمْ يُؤْمِن بِبَعْضِها، كانَ كَمَن لَمْ يُؤْمِن بِكُلِّها.
قالَ في "الِانْتِصافِ": ولَمّا كانَ عَدَمُ تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ أمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَ النّاسِ، مُسْتَقِرًّا في الأفْهامِ أنَّهُ عَظِيمٌ شَنِيعٌ، يُنْقَمُ عَلى مُرْتَكِبِهِ، بَلْ عَدَمُ نَشْرِ العِلْمِ مِنَ العالِمِ أمْرٌ فَظِيعٌ، فَضْلًا عَنْ كِتْمانِ الرِّسالَةِ مِنَ الرَّسُولِ - اسْتَغْنى عَنْ ذِكْرِ الزِّياداتِ الَّتِي يَتَفاوَتُ بِها الشَّرْطُ والجَزاءُ، لِلُصُوقِها بِالجَزاءِ في الأفْهامِ. وإنَّ كُلَّ مَن سَمِعَ عَدَمَ تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، فَهِمَ ما وراءَهُ مِنَ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ. وحَسُنَ هَذا الأُسْلُوبُ في الكِتابِ العَزِيزِ بِذِكْرِ الشَّرْطِ عامًّا بِقَوْلِهِ: وإنْ لَمْ تَفْعَلْ ولَمْ يَقُلْ: فَإنْ لَمْ تُبَلِّغِ الرِّسالَةَ فَما بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ. حَتّى يَكُونَ اللَّفْظُ مُتَغايِرًا، وهَذِهِ المُغايَرَةُ اللَّفْظِيَّةُ - وإنْ كانَ المَعْنى واحِدًا - أحْسَنُ رَوْنَقًا وأظْهَرُ طَلاوَةً، مِن تَكْرارِ اللَّفْظِ الواحِدِ في الشَّرْطِ والجَزاءِ. وهَذا الفَصْلُ كاللُّبابِ مِن عِلْمِ البَيانِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ عِدَةٌ مِنهُ تَعالى بِحِفْظِهِ مِن لُحُوقِ ضَرَرٍ بِرُوحِهِ الشَّرِيفَةِ، باعِثٌ لَهُ عَلى الجِدِّ فِيما أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ وعَدَمِ الِاكْتِراثِ بِعَداوَتِهِمْ وكَيْدِهِمْ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِعِصْمَتِهِ، أيْ: لا يَهْدِيهِمْ طَرِيقَ الإساءَةِ إلَيْكَ، فَما عُذْرُكَ في مُراقَبَتِهِمْ؟
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: لا خَفاءَ في أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ بَلَّغَ البَلاغَ التّامَّ، وقامَ بِهِ أتَمَّ القِيامِ، وثَبَتَ في الشَّدائِدِ وهو مَطْلُوبٌ، وصَبَرَ عَلى البَأْساءِ والضَّرّاءِ وهو مَكْرُوبٌ ومَحْرُوبٌ، وقَدْ لَقِيَ بِمَكَّةَ مِن قُرَيْشٍ ما يُشِيبُ النَّواصِيَ، ويَهُدُّ الصَّياصِيَ. وهُوَ، مَعَ الضَّعْفِ، يُصابِرُ صَبْرَ المُسْتَعْلِي، ويَثْبُتُ ثَباتَ المُسْتَوْلِي، ثُمَّ انْتَصَبَ لِجِهادِ الأعْداءِ وقَدْ أحاطُوا بِجِهاتِهِ، وأحْدَقُوا بِجَنْباتِهِ، وصارَ بِإثْخانِهِ في الأعْداءِ مَحْذُورًا، وبِالرُّعْبِ مِنهُ مَنصُورًا، حَتّى أصْبَحَ سِراجُ الدِّينِ وهّاجًا، ودَخَلَ النّاسُ في دِينِ اللَّهِ أفْواجًا.
(p-٢٠٦٩)رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قالَتْ لِمَسْرُوقٍ: مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمّا أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ، واللَّهُ يَقُولُ: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ الآيَةَ.
وفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْها أيْضًا أنَّها قالَتْ: «لَوْ كانَ مُحَمَّدٌ ﷺ كاتِمًا شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وتُخْفِي في نَفْسِكَ ما اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشى النّاسَ واللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧]» .
ورَوى البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ عِنْدَكم شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ مِمّا لَيْسَ في القُرْآنِ؟ فَقالَ: لا، والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ! إلّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا في القُرْآنِ، وما في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وما في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قالَ: العَقْلُ، وفِكاكُ الأسِيرِ، وأنْ لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ.
وقالَ البُخارِيُّ: قالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسالَةُ، وعَلى الرَّسُولِ البَلاغُ، وعَلَيْنا التَّسْلِيمُ.
(p-٢٠٧٠)قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وقَدْ شَهِدَتْ لَهُ ﷺ أُمَّتُهُ بِإبْلاغِ الرِّسالَةِ، وأداءِ الأمانَةِ، واسْتَنْطَقَهم بِذَلِكَ في أعْظَمِ المَحافِلِ في خُطْبَتِهِ يَوْمَ حَجَّةِ الوَداعِ، وقَدْ كانَ هُناكَ مِن أصْحابِهِ نَحْوٌ مِن أرْبَعِينَ ألْفًا. كَما ثَبَتَ في "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ (p-٢٠٧١)ﷺ قالَ في خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ: يا أيُّها النّاسُ! إنَّكم مَسْؤُولُونَ عَنِّي فَما أنْتُمْ قائِلُونَ؟ (p-٢٠٧٢)قالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ وأدَّيْتَ ونَصَحْتَ. فَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ويَرْفَعُ يَدَهُ إلى السَّماءِ ويَنْكُبُها إلَيْهِمْ ويَقُولُ: اللَّهُمَّ! هَلْ بَلَّغْتُ؟»
(p-٢٠٧٣)(p-٢٠٧٤)ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في حَجَّةِ (p-٢٠٧٥)الوَداعِ: «يا أيُّها النّاسُ! أيُّ يَوْمٍ هَذا؟ قالُوا: يَوْمٌ حَرامٌ. قالَ: أيُّ بَلَدٍ هَذا؟ قالُوا: بَلَدٌ حَرامٌ، قالَ: فَأيُّ شَهْرٍ هَذا؟ قالُوا: شَهْرٌ حَرامٌ. قالَ: فَإنَّ أمْوالَكم ودِماءَكم وأعْراضَكم عَلَيْكم حَرامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكم هَذا في بَلَدِكم هَذا في شَهْرِكم هَذا. ثُمَّ أعادَها مِرارًا. ثُمَّ رَفَعَ إصْبَعَهُ إلى السَّماءِ فَقالَ: اللَّهُمَّ! هَلْ بَلَّغْتُ؟ مِرارًا (قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: واللَّهِ! إنَّها لَوَصِيَّةٌ إلى رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ) ثُمَّ قالَ: إلّا فَلْيُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ. لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكم رِقابَ بَعْضٍ..!»» وقَدْ رَوى البُخارِيُّ نَحْوَهُ.
الثّانِي: تَضْمَنُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ مُعْجِزَةً كُبْرى لِرَسُولِهِ ﷺ.
قالَ الإمامُ اَلْماوَرْدِيُّ في كِتابِهِ "أعْلامُ النُّبُوَّةِ" في البابِ الثّامِنِ في مُعْجِزاتِهِ، عِصْمَتُهُ ﷺ. ما نَصُّهُ:
أظْهَرَ اللَّهُ تَعالى لِرَسُولِهِ ﷺ مِن أعْلامِ نُبُوَّتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِها بِمُعْجِزِ القُرْآنِ، واسْتِغْنائِهِ عَمّا سِواهُ مِنَ البُرْهانِ، ما جَعَلَهُ زِيادَةَ اسْتِبْصارٍ يُحَجُّ بِهِ مَن قَلَّتْ فِطْنَتُهُ، ويُذْعِنُ لَها مَن ضَعُفَتْ بَصِيرَتُهُ، لِيَكُونَ إعْجازُ القُرْآنِ مُدْرَكًا بِالخَواطِرِ الثّاقِبَةِ تَفَكُّرًا واسْتِدْلالًا وإعْجازُ العِيانِ مَعْلُومًا بِبِدايَةِ الحَواسِّ احْتِياطًا واسْتِظْهارًا، فَيَكُونُ البَلِيدُ مَقْهُورًا بِوَهْمِهِ وعِيانِهِ، واللَّبِيبُ مَحْجُوجًا بِفَهْمِهِ وبَيانِهِ؛ لِأنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَ النّاسِ طَرِيقًا هي عَلَيْهِمْ أقْرَبُ، ولَهم أجْذَبُ، فَكانَ ما جَمَعَ انْقِيادَ الفِرَقِ أوْضَحَ سَبِيلًا، وأعَمَّ دَلِيلًا. فَمِن مُعْجِزاتِهِ عِصْمَتُهُ مِن أعْدائِهِ وهُمُ الجَمُّ الغَفِيرُ، والعَدَدُ الكَثِيرُ، وهم عَلى أتَمِّ حَنَقٍ عَلَيْهِ، وأشَدِّ طَلَبٍ لِنَفْسِهِ. وهو بَيْنَهم مُسْتَرْسِلٌ قاهِرٌ، ولَهم مُخالِطٌ ومُكاثِرٌ، تَرْمُقُهُ أبْصارُهم شَزْرًا، وتَرْتَدُّ عَنْهُ أيْدِيهِمْ ذُعْرًا، وقَدْ هاجَرَ عَنْهُ أصْحابُهُ حَذَرًا، حَتّى اسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ فِيهِمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. ثُمَّ خَرَجَ عَنْهم. (p-٢٠٧٦)سَلِيمًا لَمْ يُكْلَمْ في نَفْسٍ ولا جَسَدٍ. وما كانَ ذَلِكَ إلّا بِعِصْمَةٍ إلَهِيَّةٍ وعَدَ اللَّهِ تَعالى بِها فَحَقَّقَها حَيْثُ يَقُولُ: واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ فَعَصَمَهُ مِنهم.
ثُمَّ قالَ اَلْماوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: «وإنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعَتْ في دارِ النَّدْوَةِ. وكانَ فِيهِمُ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ بْنِ كِنانَةَ، وكانَ زَعِيمَ القَوْمِ. وساعَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرى وكانَ شاعِرَ القَوْمِ. فَحَضَّهم عَلى قَتْلِ مُحَمَّدِ ﷺ وقالَ لَهُمُ: المَوْتُ خَيْرٌ لَكم مِنَ الحَياةِ. فَقالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقالَ أبُو جَهْلٍ: هَلْ مُحَمَّدٌ إلّا رَجُلٌ واحِدٌ؟ وهَلْ بَنُو هاشِمٍ إلّا قَبِيلَةٌ مِن قَبائِلِ قُرَيْشٍ؟ فَلَيْسَ فِيكم مَن يَزْهَدُ في الحَياةِ فَيَقْتُلُ مُحَمَّدًا ويُرِيحُ قَوْمَهُ؟ وأطْرَقَ مَلِيًّا. فَقالُوا: مَن فَعَلَ هَذا سادَ. فَقالَ أبُو جَهْلٍ: ما مُحَمَّدٌ بِأقْوى مِن رَجُلٍ مِنّا. وإنِّي أقُومُ إلَيْهِ فَأشْدَخُ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ. فَإنْ قُتِلْتُ أرَحْتُ قَوْمِي، وإنْ بَقِيتُ فَذاكَ الَّذِي أُوثِرُ. فَخَرَجُوا عَلى ذَلِكَ. فَلَمّا اجْتَمَعُوا في الحَطِيمِ، خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقالُوا: قَدْ جاءَ. فَتَقَدَّمَ مِنَ الرُّكْنِ فَقامَ يُصَلِّي. فَنَظَرُوا إلَيْهِ يُطِيلُ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ، فَقالَ أبُو جَهْلٍ: فَإنِّي أقُومُ فَأُرِيحُكم مِنهُ، فَأخَذَ مِهْراسًا عَظِيمًا. ودَنا مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو ساجِدٌ لا يَلْتَفِتُ ولا يَهابُهُ، وهو يَراهُ. فَلَمّا دَنا مِنهُ ارْتَعَدَ وأرْسَلَ الحَجَرَ عَلى رِجْلِهِ. فَرَجَعَ وقَدْ شُدِخَتْ أصابِعُهُ وهو يَرْتَعِدُ، وقَدْ دُوِّخَتْ أوْداجُهُ. ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ ساجِدٌ، فَقالَ أبُو جَهْلٍ لِأصْحابِهِ: خُذُونِي إلَيْكم. فالتَزَمُوهُ وقَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ ساعَةً. فَلَمّا أفاقَ قالَ لَهُ أصْحابُهُ: ما الَّذِي أصابَكَ؟ قالَ: لَمّا دَنَوْتُ مِنهُ، أقْبَلَ عَلَيَّ مِن رَأْسِهِ فَحْلٌ فاغِرٌ فاهُ. فَحَمَلَ عَلَيَّ أسْنانَهُ. فَلَمْ أتَمالَكْ. وإنِّي أرى مُحَمَّدًا مَحْجُوبًا. فَقالَ لَهُ بَعْضُ أصْحابِهِ: يا أبا الحَكَمِ! رَغِبْتَ وأحْبَبْتَ الحَياةَ ورَجَعْتَ. قالَ: ما تَغُرُّونِي عَنْ نَفْسِي. قالَ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ: فَإنْ رَجَعَ غَدًا فَأنا لَهُ. قالُوا لَهُ: يا أبا سَهْمٍ! لَئِنْ فَعَلْتَ هَذا لَتَسُودَنَّ. فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ اجْتَمِعُوا في الحَطِيمِ مُنْتَظَرِينَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَلَمّا أشْرَفَ عَلَيْهِمْ قامُوا (p-٢٠٧٧)بِأجْمَعِهِمْ فَواثَبُوهُ. فَأخَذَ حِفْنَةً مِن تُرابٍ وقالَ: «شاهَتِ الوُجُوهُ. وقالَ: حم لا يُنْصُرُونَ»، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ».
وهَذا دَفْعٌ إلَهِيٌّ وثِقَ بِهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى. فَصَبَرَ عَلَيْهِ حَتّى وقاهُ اللَّهُ، وكانَ مِن أقْوى شاهِدٍ عَلى صِدْقِهِ.
(ومِن أعْلامِهِ): أنَّ مَعْمَرَ بْنَ يَزِيدَ، وكانَ أشْجَعَ قَوْمِهِ، اسْتَغاثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ وشَكَوْا إلَيْهِ أمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وكانَتْ بَنُو كِنانَةَ تَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ وتُطِيعُ أمْرَهُ، فَلَمّا شَكَوْا إلَيْهِ قالَ لَهُمْ: إنِّي قادِمٌ إلى ثَلاثٍ وأُرِيحُكم مِنهُ. وعِنْدِي عِشْرُونَ ألْفَ مُدَجَّجٍ فَلا أرى هَذا الحَيَّ مِن بَنِي هاشِمٍ يَقْدِرُ عَلى حَرْبِي. وإنْ سَألُونِي الدِّيَةَ أعْطَيْتُهم عَشْرَ دِياتٍ، فَفي مالِي سِعَةٌ. وكانَ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفٍ طُولُهُ سَبْعَةَ أشْبارٍ في عَرْضِ شِبْرٍ. وقِصَّتُهُ في العَرَبِ مَشْهُورَةٌ بِالشَّجاعَةِ والبَأْسِ. فَلَبِسَ، يَوْمَ وعْدِهِ قُرَيْشًا، سِلاحَهُ وظاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ. فَوافَقَهم بِالحَطِيمِ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الحِجْرِ يُصَلِّي. وقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ فَما التَفَتَ ولا تَزَعْزَعَ ولا قَصَّرَ في الصَّلاةِ. فَقِيلَ لَهُ: هَذا مُحَمَّدٌ ساجِدٌ. فَأهْوى إلَيْهِ، وقَدْ سَلَّ سَيْفَهُ وأقْبَلَ نَحْوَهُ. فَلَمّا دَنا مِنهُ رَمى بِسَيْفِهِ وعادَ. فَلَمّا صارَ إلى بابِ الصَّفا عَثُرَ في دِرْعِهِ فَسَقَطَ فَقامَ، وقَدْ أدْمى وجْهَهُ بِالحِجارَةِ، يَعْدُو كَأشَدِّ العَدْوِ. حَتّى بَلَغَ البَطْحاءَ ما يَلْتَفِتُ إلى خَلْفٍ. فاجْتَمَعُوا وغَسَلُوا عَنْ وجْهِهِ الدَّمَ وقالُوا: ما أصابَكَ؟ قالَ: ويْحَكُمْ! المَغْرُورُ مَن غَرَرْتُمُوهُ. قالُوا: ما شَأْنُكَ؟ قالَ: ما رَأيْتُ كاليَوْمِ. دَعُونِي تَرْجِعْ إلَيَّ نَفْسِي. فَتَرَكُوهُ ساعَةً وقالُوا: ما أصابَكَ؟ يا أبا اللَّيْثِ! قالَ: إنِّي لَمّا دَنَوْتُ مِن مُحَمَّدٍ، فَأرَدْتُ أنْ أهْوِيَ بِسَيْفِي إلَيْهِ، أهْوى إلَيَّ مِن عِنْدِ رَأْسِهِ شُجاعانِ أقْرَعانِ يَنْفُخانِ بِالنِّيرانِ، وتَلْمَعُ مِن أبْصارِهِما. فَعَدَوْتُ. فَما كُنْتُ لِأعُودَ في شَيْءٍ مِن مَساءَةِ مُحَمَّدٍ.
ومِن أعْلامِهِ: أنَّ كِلْدَةَ بْنَ أسَدٍ، أبا الأشَدِّ، وكانَ مِنَ القُوَّةِ بِمَكانٍ، خاطَرَ قُرَيْشًا يَوْمًا في قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأعْظَمُوا لَهُ الخَطَرَ إنْ هو كَفاهم. فَرَأى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في الطَّرِيقِ يُرِيدُ المَسْجِدُ ما بَيْنَ دارِ عَقِيلٍ وعِقالٍ. فَجاءَ كِلْدَةُ ومَعَهُ المِزْراقُ. فَرَجَعَ المِزْراقُ في صَدْرِهِ. فَرَجَعَ فَزِعًا. فَقالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: ما لَكَ يا أبا الأشَدِّ؟! فَقالَ: ويْحَكُمْ! (p-٢٠٧٨)ما تَرَوْنَ الفَحْلَ خَلْفِي؟ قالُوا: ما نَرى شَيْئًا. قالَ: ويْحَكُمْ! فَإنِّي أراهُ. فَلَمْ يَزَلْ يَعْدُو حَتّى بَلَغَ الطّائِفَ. فاسْتَهْزَأتْ بِهِ ثَقِيفٌ، فَقالَ: أنا أعْذُرُكُمْ، لَوْ رَأيْتُمْ ما رَأيْتُ لَهَلَكْتُمْ.
ومِن أعْلامِهِ: «أنَّ أبا لَهَبٍ خَرَجَ يَوْمًا، وقَدِ اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فَقالُوا لَهُ: يا أبا عُتْبَةَ! إنَّكَ سَيِّدُنا وأنْتَ أوْلى بِمُحَمَّدٍ مِنّا. وإنَّ أبا طالِبٍ هو الحائِلُ بَيْنَنا وبَيْنَهُ. ولَوْ قَتَلْتَهُ لَمْ يُنْكِرْ أبُو طالِبٍ ولا حَمْزَةُ مِنكَ شَيْئًا. وأنْتَ بَرِيءٌ مِن دَمِهِ فَنُؤَدِّي نَحْنُ الدِّيَةَ وتَسُودُ قَوْمَكَ. فَقالَ: فَإنِّي أكْفِيكُمْ! فَفَرِحُوا بِذَلِكَ ومَدَحَتْهُ خُطَباؤُهم. فَلَمّا كانَ في تِلْكَ اللَّيْلَةِ وكانَ مُشْرِفًا عَلَيْهِ، نَزَلَ أبُو لَهَبٍ، وهو يُصَلِّي. وتَسَلَّقَتِ امْرَأتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ الحائِطَ، حَتّى وقَفَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهو ساجِدٌ. فَصاحَ أبُو لَهَبٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وهُما كانا لا يَنْقُلانِ قَدَمًا ولا يَقْدِرانِ عَلى شَيْءٍ حَتّى تَفَجَّرَ الصُّبْحُ. وفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقالَ لَهُ أبُو لَهَبٍ: يا مُحَمَّدُ، أطْلِقْ عَنّا. فَقالَ: «ما كُنْتُ لِأُطْلِقَ عَنْكُما أوْ تَضْمَنا لِي أنَّكُما لا تُؤْذِيانِي»، قالا: قَدْ فَعَلْنا. فَدَعا رَبَّهُ فَرَجَعا».
ومِن أعْلامِهِ: «أنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعُوا في الحَطِيمِ. فَخَطَبَهم عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقالَ: إنَّ هَذا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ نَغَّصَ عَلَيْنا عَيْشَنا وفَرَّقَ جَماعَتَنا وبَدَّدَ شَمْلَنا وعابَ دِينَنا وسَفَّهَ أحْلامَنا وضَلَّلَ آباءَنا. وكانَ في القَوْمِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ وأبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ وشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ ومُنَبِّهٌ ونَبِيهٌ ابْنا الحَجّاجِ، وأُمَيَّةُ وأُبَيُّ ابْنا خَلَفٍ، في جَماعَةٍ مِن صَنادِيدِ قُرَيْشٍ. فَقالُوا لَهُ: قُلْ ما شِئْتَ فَإنّا نُطِيعُكَ. قالَ: سَأقُومُ فَأُكَلِّمُهُ. فَإنْ هو رَجَعَ عَنْ كَلامِهِ وعَمّا يَدْعُو إلَيْهِ. وإلّا رَأيْنا فِيهِ رَأيْنا. فَقالُوا لَهُ: شَأْنَكَ يا أبا عَبْدِ شَمْسٍ! فَقامَ وتَقَدَّمَ إلى النَّبِيِّ ﷺ وهو جالِسٌ وحْدَهُ. فَقالَ: أنْعِمْ صَباحًا يا مُحَمَّدُ! قالَ: «يا عَبْدَ شَمْسٍ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أبْدَلَنا بِهَذا السَّلامِ تَحِيَّةَ أهْلِ الجَنَّةِ» . قالَ: يا ابْنَ أخِي! إنِّي قَدْ جِئْتُكَ مِن عِنْدِ صَنادِيدِ قُرَيْشٍ (p-٢٠٧٩)لِأعْرِضَ عَلَيْكَ أُمُورَهم. إنْ أنْتَ قَبِلْتَها فَلَكَ الحَظُّ فِيها ولَنا فِيها الفُسْحَةُ! ثُمَّ قالَ: يا ابْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ! أنا زَعِيمُ قُرَيْشٍ فِيما قالَتْ. قالَ: «قُلْ» قالَ: يا ابْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ! إنَّكَ دَعَوْتَ العَرَبَ إلى أمْرٍ ما يَعْرِفُونَهُ فاقْبَلْ مِنِّي ما أقُولُ لَكَ. قالَ: «قُلْ» . قالَ: إنْ كانَ ما تَدْعُو إلَيْهِ تَطْلُبُ بِهِ مُلْكًا فَإنّا نُمَلِّكُكَ عَلَيْنا مِن غَيْرِ تَعَبٍ ونُتَوِّجُكَ، فارْجِعْ عَنْ ذَلِكَ. فَسَكَتَ. ثُمَّ قالَ لَهُ: وإنْ كانَ ما تَدْعُو إلَيْهِ أمْرًا تُرِيدُ بِهِ امْرَأةً حَسْناءَ فَنَحْنُ نُزَوِّجُكَ. فَقالَ: لا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ! ثُمَّ قالَ لَهُ: وإنْ كانَ ما تَتَكَلَّمُ بِهِ تُرِيدُ مالًا أعْطَيْناكَ مِنَ الأمْوالِ حَتّى تَكُونَ أغْنى رَجُلٍ في قُرَيْشٍ. فَإنَّ ذَلِكَ أهْوَنُ عَلَيْنا مِن تَشَتُّتِ كَلِمَتِنا وتَفْرِيقِ جَماعَتِنا. وإنْ كانَ ما تَدْعُو إلَيْهِ جُنُونًا داوَيْناكَ كَما تَداوى قَيْسُ بَنِي ثَعْلَبَةَ مَجْنُونَهم.
فَسَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ.! ما تَقُولُ؟ وبِمَ أرْجِعُ إلى قُرَيْشٍ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ﴿حم﴾ [فصلت: ١] ﴿تَنْـزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت: ٢] ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: ٣] ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا فَأعْرَضَ أكْثَرُهم فَهم لا يَسْمَعُونَ﴾ [فصلت: ٤] - حَتّى بَلَغَ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَقُلْ أنْذَرْتُكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] قالَ عُتْبَةُ: فَلَمّا تَكَلَّمَ بِهَذا الكَلامِ، فَكَأنَّ الكَعْبَةَ مالَتْ حَتّى خِفْتُ أنْ تَمَسَّ رَأْسِي مِن أعْجازِها. وقامَ فَزِعًا يَجُرُّ رِداءَهُ. فَرَجَعَ إلى قُرَيْشٍ وهو يَنْتَفِضُ انْتِفاضَ العُصْفُورِ. وقامَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي. فَقالَتْ قُرَيْشٌ: لَقَدْ ذَهَبْتَ مِن عِنْدِنا نَشِيطًا ورَجَعْتَ فَزِعًا مَرْعُوبًا فَما وراءَكَ؟ قالَ: ويْحَكُمْ! دَعُونِي. إنَّهُ كَلَّمَنِي بِكَلامٍ لا أدْرِي مِنهُ شَيْئًا. ولَقَدْ رَعِدَتْ عَلَيَّ الرِّعْدَةُ حَتّى خِفْتُ عَلى نَفْسِي، وقُلْتُ: الصّاعِقَةُ قَدْ أخَذَتْنِي.. فَنَدِمُوا عَلى ذَلِكَ».
ومِن أعْلامِهِ: «أنَّهُ لَمّا أرادَ الهِجْرَةَ، خَرَجَ مِن مَكَّةَ ومَعَهُ أبُو بَكْرٍ. فَدَخَلَ غارًا في جَبَلِ ثَوْرٍ لِيَسْتَخْفِيَ مِن قُرَيْشٍ. وقَدْ طَلَبَتْهُ وبَذَلَتْ لِمَن جاءَ بِهِ مِائَةَ ناقَةٍ حَمْراءَ، فَأعانَهُ اللَّهُ تَعالى بِإخْفاءِ أثَرِهِ. وأنْبَتَ عَلى بابِ الغارِ ثُمامَةً (وهِيَ شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ).
وأُلْهِمَتِ العَنْكَبُوتُ فَنَسَجَتْ (p-٢٠٨٠)عَلى بابِ الغارِ نَسْجَ سِنِينَ في طَرْفَةِ عَيْنٍ. ولُدِغَ أبُو بَكْرٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَدْغَةً. فَخَرَّقَ ثِيابَهُ وجَعَلَها في الشُّقُوقِ. وسَدَّ بَعْضَها بِقَدَمِهِ اتِّقاءً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وأقامَ فِيهِ ثَلاثَةَ أيّامٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنهُ. فَلَقِيَهُ سُراقَةُ بْنُ مالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ. وهو مِن جُمْلَةِ مَن تَوَجَّهَ لِطَلَبِهِ، فَقالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ: هَذا سُراقَةُ قَدْ قَرُبَ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ! اكْفِنا سُراقَةَ» . فَأخَذَتِ الأرْضُ قَوائِمَ فَرَسِهِ إلى إبِطِها. فَقالَ سُراقَةُ: يا مُحَمَّدُ! ادْعُ اللَّهَ أنْ يُطْلِقَنِي ولَكَ عَلَيَّ أنْ أرُدَّ مَن جاءَ يَطْلُبُكَ، ولا أُعِينَ عَلَيْكَ أبَدًا! فَقالَ: «اللَّهُمَّ! إنْ كانَ صادِقًا فَأطْلِقْ عَنْ فَرَسِهِ» . فَأطْلَقَ اللَّهُ عَنْهُ. ثُمَّ أسْلَمَ سُراقَةُ وحَسُنَ إسْلامُهُ».
هَذا ما أوْرَدَهُ اَلْماوَرْدِيُّ مِنَ الأعْلامِ قَبْلَ الهِجْرَةِ؛ ثُمَّ أوْرَدَ ما وقَعَ بَعْدَها؛ وسَنَنْقُلُها عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، فَإنَّهُ قالَ في هَذِهِ الآيَةِ:
ومِن عِصْمَةِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، حِفْظُهُ لَهُ مِن أهْلِ مَكَّةَ وصَنادِيدِها وحُسّادِها؛ ومُعانَدِيها ومُتْرَفِيها، مَعَ شِدَّةِ العَداوَةِ والبِغْضَةِ ونَصْبِ المُحارَبَةِ لَهُ لَيْلًا ونَهارًا، بِما يَخْلُقُهُ اللَّهُ مِنَ الأسْبابِ العَظِيمَةِ بِقَدَرِهِ وحِكْمَتِهِ العَظِيمَةِ. فَصانَهُ في ابْتِداءِ الرِّسالَةِ بِعَمِّهِ أبِي طالِبٍ؛ إذْ كانَ رَئِيسًا مُطاعًا كَبِيرًا في قُرَيْشٍ. وخَلَقَ اللَّهُ في قَلْبِهِ مَحَبَّةً طَبِيعِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لا شَرْعِيَّةً. ولَوْ كانَ أسْلَمَ لاجْتَرَأ عَلَيْهِ كُفّارُها وكِبارُها.
ولَكِنْ لَمّا كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَهم قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ في الكُفْرِ، هابُوهُ واحْتَرَمُوهُ. فَلَمّا ماتَ عَمُّهُ أبُو طالِبٍ نالَ مِنهُ المُشْرِكُونَ أذًى يَسِيرًا. ثُمَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ الأنْصارَ فَبايَعُوهُ عَلى الإسْلامِ، وعَلى أنْ يَتَحَمَّلَ إلى دارِهِمْ، وهي المَدِينَةُ. فَلَمّا صارَ إلَيْها مَنَعُوهُ مِنَ الأحْمَرِ والأسْوَدِ. وكُلَّما هَمَّ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتابِ بِسُوءٍ كادَهُ اللَّهُ ورَدَّ (p-٢٠٨١)كَيْدَهُ عَلَيْهِ. كَما كادَهُ اليَهُودُ بِالسِّحْرِ، فَحَماهُ اللَّهُ مِنهم وأنْزَلَ عَلَيْهِ سُورَتَيِ المُعَوِّذَتَيْنِ دَواءً لِذَلِكَ الدّاءِ. ولَمّا سَمَّهُ اليَهُودُ في ذِراعِ الشّاةِ بِخَيْبَرَ، أعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ وحَماهُ مِنهُ. ولِهَذا أشْباهٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ ذِكْرُها. فَمِن ذَلِكَ ما ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ:
فَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنا الحارِثُ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ، حَدَّثَنا أبُو مَعْشَرٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ وغَيْرُهُ قالُوا: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا نَزَلَ مَنزِلًا اخْتارَ لَهُ أصْحابُهُ شَجَرَةً ظَلِيلَةً، فَيُقِيلُ تَحْتَها. فَأتاهُ أعْرابِيٌّ فاخْتَرَطَ سَيْفَهُ ثُمَّ قالَ: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. فَرُعِدَتْ يَدُ الأعْرابِيِّ وسَقَطَ السَّيْفُ مِنهُ. قالَ: وضَرَبَ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَةَ حَتّى انْتَثَرَ دِماغُهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾»
ورَوى ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنْصارِيِّ قالَ: «لَمّا غَزا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي (p-٢٠٨٢)أنْمارَ،» نَزَلَ ذاتَ الرِّقاعِ بِأعْلى نَخْلٍ. فَبَيْنا هو جالِسٌ عَلى رَأْسِ بِئْرٍ قَدْ دَلّى رِجْلَيْهِ، فَقالَ الوارِثُ مِن بَنِي النَّجّارِ: لَأقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا. فَقالَ لَهُ أصْحابُهُ: كَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قالَ أقُولُ لَهُ: أعْطِنِي سَيْفَكَ، فَإذا أعْطانِيهِ قَتَلْتُهُ بِهِ. قالَ: فَأتاهُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ! أعْطِنِي سَيْفَكَ أشِيمُهُ. فَأعْطاهُ إيّاهُ. فَرُعِدَتْ يَدُهُ حَتّى سَقَطَ السَّيْفُ مِن يَدِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حالَ اللَّهُ بَيْنَكَ وبَيْنَ ما تُرِيدُ» . فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ .
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن هَذا الوَجْهِ. ثُمَّ قالَ: وقِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الحارِثِ مَشْهُورَةٌ في الصَّحِيحِ. يُرِيدُ ما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ عَنْ جابِرٍ قالَ: «غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ نَجْدٍ. فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أدْرَكَتْهُمُ القائِلَةُ في وادٍ كَثِيرِ العِضاهِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وتَفَرَّقَ النّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ شَجَرَةٍ. فَعَلَّقَ بِها سَيْفَهُ ونِمْنا مَعَهُ نَوْمَةً. فَإذا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُونا. وإذا عِنْدَهُ أعْرابِيٌّ فَقالَ: «إنَّ هَذا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وأنا نائِمٌ. فاسْتَيْقَظْتُ وهو في يَدِهِ صَلْتًا. فَقالَ مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ. ثَلاثًا». ولَمْ يُعاقِبْهُ وجَلَسَ».
وفِي رِوايَةٍ أُخْرى قالَ جابِرٌ: «كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بِذاتِ الرِّقاعِ. فَإذا أتَيْنا عَلى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْناها لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، وسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ (p-٢٠٨٣)وسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ. فاخْتَرَطَهُ فَقالَ: تَخافُنِي؟ فَقالَ لا! فَقالَ: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: اللَّهُ. فَتَهَدَّدُهُ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ».
وزادَ البُخارِيُّ في رِوايَةٍ لَهُ: إنَّ اسْمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الحارِثِ. ورَوى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «كُنّا إذا صَحِبْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في سَفَرٍ تَرَكْنا لَهُ أعْظَمَ شَجَرَةٍ وأظَلَّها. فَيَنْزِلُ تَحْتَها. فَنَزَلَ ذاتَ يَوْمٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ وعَلَّقَ سَيْفَهُ فِيها. فَجاءَ رَجُلٌ فَأخَذَهُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ! مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنكَ. ضَعِ السَّيْفَ. فَوَضَعَهُ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾» وكَذا رَواهُ ابْنُ حِبّانَ. في "صَحِيحِهِ".
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ جَعْدَةَ بْنِ خالِدِ بْنِ الصِّمَّةِ قالَ: ««سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، ورَأى رَجُلًا سَمِينًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُومِئُ إلى بَطْنِهِ بِيَدِهِ ويَقُولُ: لَوْ كانَ هَذا في غَيْرِ هَذا لَكانَ خَيْرًا لَكَ. قالَ: وأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِرَجُلٍ فَقالُوا: هَذا أرادَ أنْ يَقْتُلَكَ. فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: لَمْ تُرَعْ، لَمْ تُرَعْ. ولَوْ أرَدْتَ ذَلِكَ لَمْ يُسَلِّطْكَ اللَّهُ عَلَيَّ»» .
الثّالِثُ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ يُحْرَسُ، كَما رَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ عائِشَةَ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَهِرَ ذاتَ لَيْلَةٍ وهي إلى جَنْبِهِ، قالَتْ: فَقُلْتُ: ما شَأْنُكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: لَيْتَ رَجُلًا صالِحًا مِن أصْحابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ! قالَتْ: فَبَيْنا أنا عَلى ذَلِكَ إذْ سَمِعْتُ صَوْتَ السِّلاحِ فَقالَ: مَن هَذا؟ فَقالَ: أنا سَعْدُ بْنُ مالِكٍ. فَقالَ: ما جاءَ بِكَ؟ قالَ: جِئْتُ لِأحْرُسَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: فَسَمِعْتَ غَطِيطَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في نَوْمِهِ»» . أخْرَجاهُ في "الصَّحِيحَيْنِ".
(p-٢٠٨٤)وفِي لَفْظٍ: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ لَيْلَةٍ مَقْدِمَهُ المَدِينَةَ، يَعْنِي عَلى أثَرِ هِجْرَتِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِعائِشَةَ، وكانَ ذَلِكَ في سَنَةِ ثِنْتَيْنِ مِنها.
وعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ««كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحْرَسُ لَيْلًا حَتّى نَزَلَتْ: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ فَأخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَأْسَهُ مِنَ القُبَّةِ فَقالَ لَهُمْ: أيُّها النّاسُ! انْصَرِفُوا؛ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ»» . أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والحاكِمُ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ جَرِيرٍ.
وقَدْ رَوى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ««كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحْرَسُ. فَكانَ أبُو طالِبٍ يُرْسِلُ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ رِجالًا مِن بَنِي هاشِمٍ يَحْرُسُونَهُ. حَتّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ قالَ: فَأرادَ عَمُّهُ أنْ يُرْسِلَ مَعَهُ مَن يَحْرُسُهُ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي مِنَ الجِنِّ والإنْسِ»» . ورَواهُ الطَّبَرانِيُّ أيْضًا. ورَوى ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَهُ أيْضًا عَنْ جابِرٍ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وفِيهِ نَكارَةٌ. فَإنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، بَلْ هي مِن أواخِرِ ما نَزَلَ بِها، وهَذا الحَدِيثُ يَقْتَضِي أنَّها مَكِّيَّةٌ، واللَّهُ أعْلَمُ! انْتَهى.
أقُولُ: بِمُراجَعَةِ ما أسْلَفْنا في "المُقَدِّمَةِ" مِن قاعِدَةِ أسْبابِ النُّزُولِ يَرْتَفِعُ الإشْكالُ، فَتَذَكَّرْ.
(p-٢٠٨٥)الرّابِعُ: قالَ العَلّامَةُ أبُو السُّعُودِ: إيرادُ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ في تَضاعِيفِ الآياتِ الوارِدَةِ في حَقِّ أهْلِ الكِتابِ، لِما أنَّ الكُلَّ قَوارِعُ يَسُوءُ الكُفّارَ سَماعُها. ويَشُقُّ عَلى الرَّسُولِ ﷺ مُشافَهَتُهم بِها، وخُصُوصًا ما يَتْلُوها مِنَ النَّصِّ النّاعِي عَلَيْهِمْ كَمالَ ضَلالَتِهِمْ. ولِذَلِكَ أُعِيدَ الأمْرُ فَقِيلَ خِطابًا لِلْفَرِيقَيْنِ:
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ یَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق