الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الرَّسُولُ﴾ نُودِيَ ﷺ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ تَشْرِيفًا لَهُ، وإيذانًا بِأنَّها مُوجِباتُ الإتْيانِ بِما أُمِرَ بِهِ مِن تَبْلِيغِ ما أُوحِيَ إلَيْهِ. ﴿بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾؛ أيْ: جَمِيعَ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنَ الأحْكامِ، وما يَتَعَلَّقُ بِها كائِنًا ما كانَ. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن رَبِّكَ﴾؛ أيْ: مالِكِ أُمُورِكَ، ومُبَلِّغِكَ إلى كَمالِكَ اللّائِقِ بِكَ عِدَةٌ ضِمْنِيَّةٌ بِحِفْظِهِ ﷺ وكَلاءَتِهِ؛ أيْ: بَلِّغْهُ غَيْرَ مُراقِبٍ في ذَلِكَ أحَدًا، ولا خائِفٍ أنْ يَنالَكَ مَكْرُوهٌ أبَدًا. ﴿وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ﴾ ما أُمِرْتَ بِهِ مِن تَبْلِيغِ الجَمِيعِ بِالمَعْنى المَذْكُورِ. كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ فَإنَّ ما لا تَتَعَلَّقُ بِهِ الأحْكامُ (p-61)أصْلًا مِنَ الأسْرارِ الخَفِيَّةِ، لَيْسَتْ مِمّا يُقْصَدُ تَبْلِيغُهُ إلى النّاسِ؛ أيْ: فَما بَلَّغْتَ شَيْئًا مِن رِسالَتِهِ، وانْسَلَخْتَ مِمّا شَرُفْتَ بِهِ مِن عُنْوانِ الرِّسالَةِ بِالمَرَّةِ، لِما أنَّ بَعْضَها لَيْسَ أوْلى بِالأداءِ مِن بَعْضٍ، فَإذا لَمْ تُؤَدِّ بَعْضَها، فَكَأنَّكَ أغْفَلْتَ أداءَها جَمِيعًا، كَما أنَّ مَن لَمْ يُؤْمِن بِبَعْضِها، كانَ كَمَن لَمْ يُؤْمِن بِكُلِّها؛ لِإدْلاءِ كُلٍّ مِنها بِما يُدْلِيهِ غَيْرُها، وكَوْنُها لِذَلِكَ في حُكْمِ شَيْءٍ واحِدٍ، ولا رَيْبَ في أنَّ الواحِدَ لا يَكُونُ مُبَلِّغًا غَيْرَ مُبَلِّغٍ مُؤْمِنًا بِهِ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِهِ، ولِأنَّ كِتْمانَ بَعْضِها إضاعَةٌ لِما أُدِّيَ مِنها، كَتَرْكِ بَعْضِ أرْكانِ الصَّلاةِ، فَإنَّ غَرَضَ الدَّعْوَةِ يَنْتَقِضُ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: فَكَأنَّكَ ما بَلَّغْتَ شَيْئًا مِنها، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾، مِن حَيْثُ أنَّ كِتْمانَ البَعْضِ والكُلِّ سَواءٌ في الشَّناعَةِ واسْتِجْلابِ العِقابِ. وَقُرِئَ: ( فَما بَلَّغْتَ رِسالاتِي )، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إنْ كَتَمْتَ آيَةً لَمْ تُبَلِّغْ رِسالاتِي. ورُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: " «بَعَثَنِي اللَّهُ بِرِسالاتِهِ، فَضِقْتُ بِها ذَرْعًا، فَأوْحى اللَّهُ إلَيَّ إنْ لَمْ تُبَلِّغْ رِسالاتِي عَذَّبْتُكَ، وضَمِنَ لِي العِصْمَةَ فَقَوِيتُ» "؛ وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ فَإنَّهُ كَما تَرى عِدَةٌ كَرِيمَةٌ بِعِصْمَتِهِ مِن لُحُوقِ ضَرَرِهِمْ بِرُوحِهِ العَزِيزِ، باعِثَةٌ لَهُ ﷺ عَلى الجِدِّ في تَحْقِيقِ ما أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِعَداوَتِهِمْ وكَيْدِهِمْ. «وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّهُ ﷺ كانَ يُحْرَسُ حَتّى نَزَلَتْ، فَأخْرَجَ رَأْسَهُ مِن قُبَّةٍ أُدُمٍ، فَقالَ: " انْصَرِفُوا يَأيُّها النّاسُ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنَ النّاسِ» " . وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِعِصْمَتِهِ تَعالى لَهُ ﷺ؛ أيْ: لا يُمَكِّنُهم مِمّا يُرِيدُونَ بِكَ مِنَ الإضْرارِ، وإيرادُ الآيَةِ الكَرِيمَةِ في تَضاعِيفِ الآياتِ الوارِدَةِ في حَقِّ أهْلِ الكِتابِ، لِما أنَّ الكُلَّ قَوارِعُ يَسُوءُ الكُفّارَ سَماعُها، ويَشُقُّ عَلى الرَّسُولِ ﷺ مُشافَهَتُهم بِها، وخُصُوصًا ما يَتْلُوها مِنَ النَّصِّ النّاعِي عَلَيْهِمْ كَمالَ ضَلالَتِهِمْ. وَلِذَلِكَ أُعِيدَ الأمْرُ فَقِيلَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب