الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ أنَّ هَذِهِ (p-٣٩٦)الآيَةَ نَزَلَتْ عَلى أسْبابٍ، رَوى الحَسَنُ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ:» "لَمّا بَعَثَنِي اللَّهُ بِرِسالَتِهِ، ضِقْتُ بِها ذَرْعًا، وعَرَفْتُ أنَّ مِنَ النّاسِ مَن يُكَذِّبُنِي" «، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَهابُ قُرَيْشًا واليَهُودَ والنَّصارى، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.» وقالَ مُجاهِدٌ: لَمّا نَزَلَتْ ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ قالَ: "يا رَبِّ كَيْفَ أصْنَعُ؟ إنَّما أنا وحْدِي يَجْتَمِعُ عَلَيَّ النّاسُ"، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ وقالَ مُقاتِلٌ: لَمّا دَعا اليَهُودَ، وأكْثَرَ عَلَيْهِمْ، جَعَلُوا يَسْتَهْزِؤُونَ بِهِ، فَسَكَتَ عَنْهم، فَحُرِّضَ بِهَذِهِ الآيَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحْرَسُ فَيُرْسِلُ مَعَهُ أبُو طالِبٍ كُلَّ يَوْمٍ رِجالًا مِن بَنِي هاشِمٍ يَحْرُسُونَهُ حَتّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ، فَقالَ: "يا عَمّاهُ إنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي مِنَ الجِنِّ والإنْسِ" .» وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: «نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ يَوْمٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ وعَلَّقَ سَيْفَهُ فِيها، فَجاءَ رَجُلٌ فَأخَذَهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ مَن يَمْنَعُنِي مِنكَ؟ فَقالَ: "اللَّهُ"، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ . قالَتْ عائِشَةُ: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ لَيْلَةٍ، فَقُلْتُ: ما شَأْنُكَ؟ قالَ: ألا رَجُلٌ صالِحٌ يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، فَبَيْنَما نَحْنُ في ذَلِكَ إذْ سَمِعْتُ صَوْتَ السِّلاحِ، فَقالَ: "مَن هَذا"؟ فَقالَ: سَعْدٌ وحُذَيْفَةُ جِئْنا نَحْرُسُكَ، فَنامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى (p-٣٩٧)سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، فَنَزَلَتْ ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ فَأخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَأسَهُ مِن قُبَّةِ أدَمٍ وقالَ: "انْصَرِفُوا أيُّها النّاسُ، فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ تَعالى" .» قالَ الزَّجّاجُ: قَوْلُهُ: ﴿بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ مَعْناهُ: بَلِّغَ جَمِيعَ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ، ولا تُراقِبَنَّ أحَدًا، ولا تَتْرُكَنَّ شَيْئًا مِنهُ مَخافَةَ أنْ يَنالَكَ مَكْرُوهٌ، فَإنْ تَرَكْتَ مِنهُ شَيْئًا، فَما بَلَّغْتَ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يَدُلُّ عَلى هَذا المَحْذُوفِ قَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ﴾ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنْ كَتَمْتَ آيَةً فَما بَلَّغْتَ رِسالَتِي. وقالَ غَيْرُهُ: المَعْنى: بَلِّغَ جَمِيعَ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ جَهْرًا، فَإنْ أخْفَيْتَ شَيْئًا مِنهُ لِخَوْفِ أذًى يَلْحَقُكَ، فَكَأنَّكَ ما بَلَّغْتَ شَيْئًا. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "رِسالَتَهُ" عَلى التَّوْحِيدِ. وقَرَأ نافِعٌ: "رِسالاتِهِ" عَلى الجَمْعِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: يَمْنَعُكَ مِنهم. وعِصْمَةُ اللَّهِ: مَنعُهُ لِلْعَبْدِ مِنَ المَعاصِي، ويُقالُ: طَعامٌ لا يَعْصِمُ، أيْ: لا يَمْنَعُ مِنَ الجُوعِ. فَإنْ قِيلَ: فَأيْنَ ضَمانُ العِصْمَةِ وقَدْ شُجَّ جَبِينُهُ، وكُسِرَتْ رَباعِيَّتُهُ، وبُولِغَ في أذاهُ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ عَصَمَهُ مِنَ القَتْلِ والأسْرِ وتَلَفِ الجُمْلَةِ، فَأمّا عَوارِضُ الأذى، فَلا تَمْنَعُ عِصْمَةَ الجُمْلَةِ. والثّانِي: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَما جَرى عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأنَّ "المائِدَةَ" مِن أواخِرِ ما نَزَلَ. (p-٣٩٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لا يَهْدِيهِمْ إلى الجَنَّةِ. والثّانِي: لا يُعِينُهم عَلى بُلُوغِ غَرَضِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب