الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾
"يُؤْمِنُونَ" مَعْناهُ: يُصَدِّقُونَ، ويَتَعَدّى بِالباءِ، وقَدْ يَتَعَدّى بِاللامِ كَما قالَ تَعالى: (p-١٠٥)﴿وَلا تُؤْمِنُوا إلا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] وكَما قالَ: ﴿فَما آمَنَ لِمُوسى﴾ [يونس: ٨٣]، وبَيْنَ التَعْدِيَتَيْنِ فَرْقٌ، وذَلِكَ أنَّ التَعْدِيَةَ بِاللامِ في ضِمْنِها تَعَدٍّ بِالباءِ يُفْهَمُ مِنَ المَعْنى.
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في هَمْزِ "يُؤْمِنُونَ": فَكانَ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ يَهْمِزُونَ "يُؤْمِنُونَ" وما أشْبَهَهُ مِثْلُ: يَأْكُلُونَ، ويَأْمُرُونَ، ويُؤْتُونَ وكَذَلِكَ مَعَ تَحَرُّكِ الهَمْزَةِ مِثْلُ: يُؤَخِّرُكُمْ، ويَؤُودُهُ، إلّا أنَّ حَمْزَةَ كانَ يَسْتَحِبُّ تَرْكَ الهَمْزِ إذا وقَفَ، والباقُونَ يَقِفُونَ بِالهَمْزِ، ورَوى ورْشٌ عن نافِعٍ تَرْكُ الهَمْزِ في جَمِيعِ ذَلِكَ. وقَدْ رُوِيَ عن عاصِمٍ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَهْمِزُ الهَمْزَةَ الساكِنَةَ، وكانَ أبُو عَمْرٍو إذا أدْرَجَ القِراءَةَ، أو قَرَأ في الصَلاةِ لَمْ يَهْمِزْ كُلَّ هَمْزَةٍ ساكِنَةٍ، إلّا أنَّهُ كانَ يَهْمِزُ حُرُوفًا مِنَ السَواكِنِ بِأعْيانِها سَتَذْكُرُ في مَواضِعِها إنْ شاءَ اللهُ.
وإذا كانَ سُكُونُ الهَمْزَةِ عَلامَةً لِلْجَزْمِ لَمْ يَتْرُكْ هَمَزَها مِثْلُ: "نَنْسَأْها"، و"هَيِّئْ لَنا" وما أشْبَهَهُ.
وقَوْلُهُ "بِالغَيْبِ" قالَتْ طائِفَةٌ: مَعْناهُ يُصَدِّقُونَ إذا غابُوا وخَلَوْا، لا كالمُنافِقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ إذا حَضَرُوا، ويَكْفُرُونَ إذا غابُوا، وقالَ آخَرُونَ: يُصَدِّقُونَ بِما غابَ عنهم مِمّا أخْبَرَتْ بِهِ الشَرائِعُ. واخْتَلَفَتْ عِبارَةُ المُفَسِّرِينَ في تَمْثِيلِ ذَلِكَ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: الغَيْبُ في هَذِهِ الآيَةِ هو اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ آخَرُونَ: القَضاءُ والقَدَرُ. وقالَ آخَرُونَ: القُرْآنُ وما فِيهِ مِنَ الغُيُوبِ. وقالَ آخَرُونَ: الحَشْرُ والصِراطُ والمِيزانُ والجَنَّةُ والنارُ. وهَذِهِ الأقْوالُ لا تَتَعارَضُ، بَلْ يَقَعُ الغَيْبُ عَلى جَمِيعِها.
والغَيْبُ في اللُغَةِ: ما غابَ عنكَ مِن أمْرٍ، ومِن مُطْمَئِنِّ الأرْضِ الَّذِي يَغِيبُ فِيهِ داخِلُهُ.
(p-١٠٦)وَقَوْلُهُ: "يُقِيمُونَ" مَعْناهُ: يُظْهِرُونَها ويُثْبِتُونَها كَما يُقالُ: أُقِيمَتِ السُوقُ. وهَذا تَشْبِيهٌ بِالقِيامِ مِن حالَةِ خَفاءِ قُعُودٍ أو غَيْرِهِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وإذا يُقالُ: أتَيْتُمْ لَمْ يَبْرَحُوا حَتّى تُقِيمَ الخَيْلُ سُوقَ طِعانِ
ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ أقَمْنا لِأهْلِ العِراقَيْنِ سُوقَ الـ ∗∗∗ ـضِّرابِ فَخاسُوا ووَلَّوْا جَمِيعًا
وأصْلُ "يُقِيمُونَ" يَقُومُونَ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الواوِ إلى القافِ فانْقَلَبَتْ ياءً لِكَوْنِ الكَسْرَةِ قَبْلَها. و"الصَلاةَ" مَأْخُوذَةٌ مِن صَلّى يُصَلِّي إذا دَعا. كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ عَلَيْكَ مِثْلَ الَّذِي صَلَّيْتَ فاغْتَمِضِي ∗∗∗ نَوْمًا، فَإنَّ لِجَنْبِ المَرْءِ مُضْطَجَعًا
ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ لَها حارِسٌ لا يَبْرَحُ الدَهْرُ بَيْتَها ∗∗∗ وإنْ ذُبِحَتْ صَلّى عَلَيْها وزَمْزَما
فَلَمّا كانَتِ الصَلاةُ في الشَرْعِ دُعاءً انْضافَ إلَيْهِ هَيْآتُ وقِراءَةُ سُمِّيَ جَمِيعُ ذَلِكَ بِاسْمِ (p-١٠٧)الدُعاءِ، وقالَ قَوْمٌ: هي مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَلا وهو عَرَقٌ وسَطَ الظَهْرِ ويَفْتَرِقُ عِنْدَ العَجَبِ فَيَكْتَنِفُهُ، ومِنهُ أخَذَ المُصَلِّي في سَبْقِ الخَيْلِ لِأنَّهُ يَأْتِي مَعَ صَلْوَيِ السابِقِ، فاشْتُقَّتِ الصَلاةُ مِنهُ، إمّا لِأنَّها جاءَتْ ثانِيَةً لِلْإيمانِ فَشُبِّهَتْ بِالمُصَلِّي مِنَ الخَيْلِ، وإمّا لِأنَّ الراكِعَ والساجِدَ يَنْثَنِي صَلَواهُ.
والقَوْلُ إنَّها مِنَ الدُعاءِ أحْسَنُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ كُتِبَتْ "مِمّا" مُتَّصِلَةٌ، و"ما" بِمَعْنى الَّذِي فَحَقُّها أنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً، إلّا أنَّ الجارَّ والمَجْرُورَ كَشَيْءٍ واحِدٍ، وأيْضًا فَلَمّا خَفِيَتْ نُونُ "مِن" في اللَفْظِ حُذِفَتْ في الخَطِّ، و"الرِزْقِ" عِنْدَ أهْلِ السُنَّةِ. ما صَحَّ الِانْتِفاعُ بِهِ حَلالًا كانَ أو حَرامًا، بِخِلافِ قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ: إنَّ الحَرامَ لَيْسَ بِرِزْقٍ. و"يُنْفِقُونَ" مَعْناهُ هُنا: يُؤْتُونَ ما ألْزَمَهُمُ الشَرْعُ مِن زَكاةٍ، وما نَدَبَهم إلَيْهِ مِن غَيْرِ ذَلِكَ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "يُنْفِقُونَ" يُؤْتُونَ الزَكاةَ احْتِسابًا لَها. قالَ غَيْرُهُ: الآيَةُ في النَفَقَةِ في الجِهادِ.
قالَ الضَحّاكُ: هي نَفَقَةٌ كانُوا يَتَقَرَّبُونَ بِها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى قَدْرِ يُسْرِهِمْ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: هي نَفَقَةُ الرَجُلِ عَلى أهْلِهِ. والآيَةُ تَعُمُّ الجَمِيعَ، وهَذِهِ الأقْوالُ تَمْثِيلٌ لا خِلافَ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَیۡبِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق