الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾، مَعْناهُ: يُصَدِّقُونَ، وكُلُّ مُؤْمِنٍ بِشَيْءٍ فَهو مُصَدِّقٌ بِهِ، فَإذا ذَكَرْتَ مُؤْمِنًا ولَمْ تَقُلْ: ”هو مُؤْمِنٌ بِكَذا وكَذا“، فَهو الَّذِي لا يَصْلُحُ إلّا في اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، ومَوْضِعُ ”اَلَّذِينَ“: جَرٌّ، تَبَعًا لِـ”اَلْمُتَّقِينَ“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُما رَفْعًا، عَلى المَدْحِ، كَأنَّهُ (p-٧١)لَمّا قِيلَ: ”هُدًى لِلْمُتَّقِينَ“، قِيلَ: ”مَن هُمْ؟“، فَقِيلَ: ”اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَوْضِعُ ”اَلَّذِينَ“: نَصْبًا عَلى المَدْحِ أيْضًا، كَأنَّهُ قِيلَ: ”أذْكُرُ الَّذِينَ“، و”اَلَّذِينَ“، لا يَظْهَرُ فِيهِ الإعْرابُ، تَقُولُ - في النَّصْبِ، والرَّفْعِ، والجَرِّ -: ”أتانِي الَّذِينَ في الدّارِ“، و”رَأيْتُ الَّذِينَ في الدّارِ“، و”مَرَرْتُ بِالَّذِينَ في الدّارِ“، وكَذَلِكَ: ”اَلَّذِي في الدّارِ“، وإنَّما مُنِعَ الإعْرابَ لِأنَّ الإعْرابَ إنَّما يَكُونُ في آخِرِ الأسْماءِ، و”اَلَّذِي“، و”اَلَّذِينَ“، مُبْهَمانِ، لا تَتِمّانِ إلّا بِصِلاتِهِما، فَلِذَلِكَ مُنِعَتِ الإعْرابَ، وأصْلُ ”اَلَّذِي“: ”لَذٍ“، عَلى وزْنِ ”عَمٍ“، فاعْلَمْ، كَذَلِكَ قالَ الخَلِيلُ، وسِيبَوَيْهِ، والأخْفَشُ، وجَمِيعُ مَن يُوثَقُ بِعِلْمِهِ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَما بالَكَ تَقُولُ: ”أتانِي اللَّذانِ في الدّارِ“، و”رَأيْتُ اللَّذَيْنِ في الدّارِ“، فَتُعْرِبُ كُلَّ ما لا يُعْرَبُ في تَثْنِيَتِهِ، نَحْوَ ”هَذانِ“، و”هَذَيْنِ“، وأنْتَ لا تُعْرِبُ ”هَذا“، ولا ”هَؤُلاءِ“ ؟ فالجَوابُ في ذَلِكَ أنَّ جَمِيعَ ما لا يُعْرَبُ في الواحِدِ مُشَبَّهٌ بِالحَرْفِ الَّذِي جاءَ لِمَعْنًى، فَإذا ثَنَّيْتَهُ فَقَدْ بَطَلَ شَبَهُ الحَرْفِ الَّذِي جاءَ لِمَعْنًى، لِأنَّ حُرُوفَ المَعانِي لا تُثَنّى. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَلِمَ مَنَعْتَهُ الإعْرابَ في الجَمْعِ؟ قُلْتُ: لِأنَّ الجَمْعَ الَّذِي لَيْسَ عَلى حَدِّ التَّثْنِيَةِ كالواحِدِ، ألا تَرى أنَّكَ قُلْتَ في جَمِيعِ هَذا: ”هَؤُلاءِ يا فَتى“، فَجَعَلْتَهُ اسْمًا واحِدًا لِلْجَمْعِ؟ وكَذَلِكَ قَوْلُكَ ”اَلَّذِينَ“، إنَّما هو اسْمٌ لِلْجَمْعِ، كَما أنَّ قَوْلَكَ: ”سِنِينُ يا فَتى“، اِسْمٌ لِلْجَمْعِ، فَبَنَيْتَهُ كَما بَنَيْتَ الواحِدَ، ومَن جَمَعَ ”اَلَّذِينَ“، عَلى حَدِّ التَّثْنِيَةِ، قالَ: ”جاءَنِي الَّذُونَ في الدّارِ“، و”رَأيْتُ الَّذِينَ (p-٧٢)فِي الدّارِ“، وهَذا لا يَنْبَغِي أنْ يَقَعَ، لِأنَّ الجَمْعَ مُسْتَغْنًى فِيهِ عَنْ حَدِّ التَّثْنِيَةِ، والتَّثْنِيَةُ لَيْسَ لَها إلّا ضَرْبٌ واحِدٌ. وَمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿بِالغَيْبِ﴾ ما غابَ عَنْهم مِمّا أخْبَرَهم بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِن أمْرِ الغَيْبِ، والنُّشُورِ، والقِيامَةِ، وكُلُّ ما غابَ عَنْهم مِمّا أنْبَأهم بِهِ فَهو غَيْبٌ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾، مَعْناهُ: يُتِمُّونَ الصَّلاةَ، كَما قالَ: ﴿وَأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وضُمَّتِ الياءُ مِن ”يُؤْمِنُونَ“، و”يُقِيمُونَ“، لِأنَّ كُلَّ ما كانَ عَلى أرْبَعَةِ أحْرُفٍ - نَحْوَ ”أكْرَمَ“، و”أحْسَنَ“، و”أقامَ“، و”آمَنَ“ - فَمُسْتَقْبَلُهُ: ”يُكْرِمُ“، و”يُحْسِنَ“، و”يُؤْمِنُ“، و”يُقِيمُ“، وإنَّما ضُمَّتْ أوائِلُ المُسْتَقْبَلِ لِيُفَرَّقَ بَيْنَ ذَواتِ الثَّلاثَةِ - نَحْوَ ”ضَرَبَ“ -، وبَيْنَ ذَواتِ الأرْبَعَةِ - نَحْوَ ”دَحْرَجَ“، فَما كانَ عَلى ثَلاثَةٍ فَهُوَ: ”ضَرَبَ يَضْرِبُ“، أوْ ”تَضْرِبُ“، أوْ ”نَضْرِبُ“، فَفُصِلَ بِالضَّمَّةِ بَيْنَهُما. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَهَلّا فُصِلَ بِالكَسْرَةِ؟ قِيلَ: اَلْكَسْرَةُ قَدْ تَدْخُلُ في نَحْوِ: ”تِعْلَمُ“، و”تِبْيَضُّ“، ولِأنَّ الضَّمَّةَ مَعَ الياءِ مُسْتَعْمَلَةٌ، والكَسْرَةَ لا تُسْتَعْمَلُ مَعَ الياءِ، فَمَن قالَ: ”أنْتَ تَعْلَمُ“، لَمْ يَقُلْ: ”هو يِعْلَمُ“، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ الفارِقُ بَيْنَهُما بِالضَّمَّةِ لا غَيْرُ، والأصْلُ في ”يُقِيمُ“: ”يُؤَقْيِمُ“، والأصْلُ في ”يُكْرِمُ“: ”يُؤَكْرِمُ“، ولَكِنَّ الهَمْزَةَ (p-٧٣)حُذِفَتْ لِأنَّ الضَّمَّ دَلِيلٌ عَلى ذَواتِ الأرْبَعَةِ، ولَوْ ثَبَثَ لَوَجَبَ أنْ تَقُولَ - إذا أنْبَأْتَ عَنْ نَفْسِكَ -: ”أنا“ أُؤَقْوِمُ ”، و“ أنا أُؤَكْرِمُ ”، فَكانَتْ تَجْتَمِعُ هَمْزَتانِ، فاسْتُثْقِلَتا، فَحُذِفَتِ الهَمْزَةُ الَّتِي هي فاءُ الفِعْلِ، وتَبِعَ سائِرُ الفِعْلِ بابَ الهَمْزَةِ، فَقُلْتَ:“ أنْتَ تُكْرِمُ ”، و“ نَحْنُ نُكْرِمُ ”، و“ هي تُكْرِمُ ”، كَما أنَّ بابَ“ يَعِدُ ”، حُذِفَتْ مِنهُ الواوُ، لِوُقُوعِها بَيْنَ ياءٍ وكَسْرَةٍ، الأصْلُ فِيهِ:“ يَوْعِدُ ”، ثُمَّ حُذِفَتْ في“ تَعِدُ ”، و“ نَعِدُ ”، و“ أعِدُ ”. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَمِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾، مَعْناهُ: يَصَّدَّقُونَ، قالَ - عَزَّ وجَلَّ -:“ وأنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكم ”، إلى قَوْلِهِ:“ قَرِيبٍ فَأصَّدَّقَ " .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب