﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: يُصَدِّقُونَ بِالغَيْبِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: يَخْشَوْنَ بِالغَيْبِ، وهَذا قَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ.
وَفي أصْلِ الإيمانِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ أصْلَهُ التَّصْدِيقُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ أيْ بِمُصَدِّقٍ لَنا.
والثّانِي: أنَّ أصْلَهُ الأمانُ فالمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ نَفْسَهُ مِن عَذابِ اللَّهِ، واللَّهُ المُؤْمِنُ لِأوْلِيائِهِ مِن عِقابِهِ. (p-٦٩)
والثّالِثُ: أنَّ أصْلَهُ الطُّمَأْنِينَةُ، فَقِيلَ لِلْمُصَدِّقِ بِالخَبَرِ مُؤْمِنٌ، لِأنَّهُ مُطْمَئِنٌ.
وَفي الإيمانِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ الإيمانَ اجْتِنابُ الكَبائِرِ.
والثّانِي: أنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنَ الفَرائِضِ إيمانٌ.
والثّالِثُ: أنَّ كُلَّ طاعَةٍ إيمانٌ.
وَفي الغَيْبِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: ما جاءَ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهُ القُرْآنُ، وهو قَوْلُ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ.
والثّالِثُ: الإيمانُ بِالجَنَّةِ والنّارِ والبَعْثِ والنُّشُورِ.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: يُؤَدُّونَها بِفُرُوضِها.
والثّانِي: أنَّهُ إتْمامُ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ والتِّلاوَةِ والخُشُوعِ فِيها، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
واخْتُلِفَ لِمَ سُمِّيَ فِعْلُ الصَّلاةِ عَلى هَذا الوَجْهِ إقامَةً لَها، عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: مِن تَقْوِيمِ الشَّيْءِ مِن قَوْلِهِمْ: قامَ بِالأمْرِ إذا أحْكَمَهُ وحافَظَ عَلَيْهِ.
والثّانِي: أنَّهُ فِعْلُ الصَّلاةِ سُمِّيَ إقامَةً لَها، لِما فِيها مِنَ القِيامِ فَلِذَلِكَ قِيلَ: قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ.
وَفي قَوْلِهِ: ﴿وَمِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: إيتاءُ الزَّكاةِ احْتِسابًا لَها، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٧٠)
والثّانِي: نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلى أهْلِهِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
والثّالِثُ: التَّطَوُّعُ بِالنَّفَقَةِ فِيما قُرِّبَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وهَذا قَوْلُ الضَّحّاكِ: وأصْلُ الإنْفاقِ الإخْراجُ، ومِنهُ قِيلَ: نَفَقَتِ الدّابَّةُ إذا خَرَجَتْ رُوحُها.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ، فِيمَن نَزَلَتْ هاتانِ الآيَتانِ فِيهِ، عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في مُؤْمِنِي العَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ، لِأنَّهُ قالَ بَعْدَ هَذا: ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ يَعْنِي بِهِ أهْلَ الكِتابِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّها مَعَ الآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مِن بَعْدِ أرْبَعِ آياتٍ نَزَلَتْ في مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ، لِأنَّهُ ذَكَرَهم في بَعْضِها.
والثّالِثُ: أنَّ الآياتِ الأرْبَعَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ، نَزَلَتْ في جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ، ورَوى ابْنُ أبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: (نَزَلَتْ أرْبَعُ آياتٍ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ في نَعْتِ المُؤْمِنِينَ، وآيَتانِ في نَعْتِ الكافِرِينَ، وثَلاثَ عَشْرَةَ في المُنافِقِينَ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَیۡبِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}