الباحث القرآني

«الذين» يحتمل الرفع والنصب والجر، والظاهر الجر، وهو من ثلاثة أوجه: أظهرها: أنه نعت ل «المتقين» . والثاني: بدل. والثالث: عطف بيان. وأما الرفع فمن وجهين: أحدهما: أنه خبر مبتدأ محذوف على معنى القطع، وقد تقدم. والثاني: أنه مبتدأ، وفي خبره قولان: أحدهما: «أولئك» الأولى. والثاني: «أولئك» الثانية، والواو زائدة، وهذان القولان منكران؛ لأنه قوله: «والذين يؤمنون» يمنع كونه «أولئك» الأولى خبراً أيضاً. وقولهم: الواو زائدة لا يلتفت إليه. والنصب على القطع. و «يؤمنون» صلة وعائد. قال الزمخشري: «فإذا كان موصولاً كان الوقف على» المتقين «حسناً غير تام، وإذا كان منقطعاً كان واقفاً تاماً» . وهو مضارع علامة رفعه «النون» ؛ لأنه أحد الأمثلة الخَمْسَةِ وهي عبارة عن كل فعل مضارع اتصل به «ألف» اثنين، أو «واو» جمع، أو «ياء» مخاطبة، نحو: «يؤمنان - تؤمنان - يؤمنون - تؤمنون - تؤمنين» . والمضارع معرب أبداً، إلاّ أن يباشر نون توكيد أو إناث، على تفصيل ياتي إن شاء الله - تعالى - في غُضُون هذا الكتاب. وهو مضارع «أمن» بمعنى: صدق، و «آمن» مأخوذ من «أمن» الثلاثي، فالهمزة في «أمن» للصّيرورة نحو: «أعشب المكان» أي: صار ذا عُشْب. أو لمطاوعة فعل نحو: «كبه فأكب» ، وإنما تعدى بالباء، لنه ضمن معنى اعترف، وقد يتعدّى باللام كقوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا﴾ [يوسف: 17] ، ﴿فَمَآ آمَنَ لموسى﴾ يونس: 83] إلاَّ أن في ضمن التعدية باللام التّعدية بالباء، فهذا فرق ما بين التعديتين. وأصل «يؤمنون» : «يؤأمنون» بهمزتين: الأولى: همزة «أفْعَل» . والثاني فاء الكلمة، حذفت الولى؛ لأن همزة «أفْعَل» تحذف بعد حرف المُضَارعة، واسم فاعله، ومفعوله نحو: طأكرم «و» يكرم» و «أنت مُكْرِم، ومُكْرَم» . وإنما حذفت؛ لأنه في بعض المواضع تجتمع همزتان، وذلك إذا كان حرف المُضّارعة همزة نحو: «أنا أكرم» ، الأصل: أأكرم بهمزتين، الولى: للمضارعة والثانية: همزة أفعل، فحذفت الثانية؛ لأن بها حصل الثّقل؛ ولأن حرف المضارعة أولى بالمحافظة عليه، ثم حصل باقي الباب على ذلك طَرْداً للباب. ولا يجوز ثبوت همزة» أفعل «في شيء من ذلك إلا في ضرورة؛ كقوله: [الرجز] 119 - فَإَنَّهُ أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا ... وهمزة» يؤمنون» - وكذلك كل همزة ساكنة - يجوز أن تبدل بحركة ما قبلها، فتبدل حرفاً متجانساً نحو: «راس» و» بير «و» يومن» ، فإن اتفق أن يكون قبلها همزة أخرى وجب البدل نحو: «إيمان» و «آمن» . فصل قال بعضهم: ﴿الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ يحتمل أن يكون كالتفسير لكونهم متقين، وذلك لأن المتقي هو الذي يكون فاعلاً للحسنات وتاركاً للسيئات، أما الفعل فإما أن يكون فعل القلب وهو قوله: «الذين يؤمنون» . وإما أن يكون فعل الجوارح، أساسه الصَّلاة والصدقة؛ لأن العبادة إما أن تكون بدنية، وأصلها الصَّلاة، أو مالية وأصلها الزكاة، ولهذا سمى الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «الصَّلاَة عِمَاد الدِّين، والزَّكَاة قَنْطَرَة الإسلام» أما التَّرْك فهو داخل في الصَّلاة، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر﴾ [العنكبوت: 45] واختلف الناسي في مسمى الإيمان في عرف الشرع على أربع فرق: الفرقة الاولى: قالوا: الإيمان اسم لأفعال القلوب، والجوارح، والإقرار باللسان، وهم المعتزلة والخوارج والزيدية، وأهل الحديث. أما الخوارج فقد اتفقوا على أن الإيمان بالله يتناول المعرفة بالله، وبكل ما وضع عليه دليلاً عقلياً، أو نقلياً من الكتاب والسُّنة، ويتناول طاعة الله في جميع ما أمر الله به من الأفعال والتروك صغيراً كان أو كبيراً. فقالوا: مجموع هذه الأشياء هو الإيمان، وترك كل خصلة من هذه الخصال كفر، أما المعتزلة فقد اتفقوا على أنَّ الإيمان إذا عدي بالباء، فالمراد به التصديق؛ إذ الإيمان بمعنى أداء الواجبات لا يمكن فيه هذه التعدية، فلا يقال: فلان آمن بكذا إذا صلّى وصام، بل يقال: فلان آمن بالله كما يقال: صام وصلّى لله، فالإيمان المعدى بالباء يجري على طريقة أهل اللغة. أما إذا ذكر مطلقاً غير معدى، فقد اتفقوا على أنه منقولٌ من المُسمَّى اللغوي - الذي هو التصديق - إلى معنى آخر، ثم اختلفوا فيه على وجوه: أحدها: أن الإيمان عبارةٌ عن فعل كل الطَّاعات، سواء كانت واجبة أم مندوبة، أو من باب الأقوال أو الأفعال، أو الاعتقادات، وهو قول واصل بن عَطَاءٍ، وأبي الهذيل، والقاضي عبد الجبار بن أحمد. وثانيها: أنه عبارة عن فعل الواجبات فقط دون النوافقل، وهو قول أبي علي وأبي هاشم. وثالثها: أن الإيمان عبارة عن [اجتناب كل ما جاء فيه الوعيد. ثم يحتمل أن يكون من الكبائر ما لم يرد فيه الوعيد] . فالمؤمن عند الله كل من اجتنب] كل الكبائر، والمؤمن عندنا كل من اجتنب ما ورد فيه الوعيد، وهو قول النّظام، ومن أصحابه من قال: شرط كونه مؤمناً عندنا وعند الله اجتناب الكبائر كلها. وأما أهل الحديث فذكروا وجهين: الأول: أن المعرفة إيمان كامل وهو الأصل، ثم بعد ذلك كل طاعة إيمان على حِدَةِ، وهذه الطاعات لا يكون شيء منها إيماناً إذلا إذا كانت مرتبة على الأصل الذي هو المعرفة. وزعموا أن الجحود وإنكار القلب كفر، ثم كل معصية بعد كُفْر على حِدَةٍ، ولم يجعلوا شيئاً من الطاعات إيماناً ما لم توجد المعرفة والإقرار، ولا شيئاً من المعاصي كفراً ما لم يوجد الجثحُود والإنكار؛ لأن الفرع لا يحصل بدون ما هو أصله، وهو قول عبد الله بن سعيد بن كلاب. والثاني: زعموا أن الإيمان اسم للطاعات كلها، وهو إيمان واحد، وجعلوا الفرائض والنوافل كلها من جملة الإيمان، ومن ترك شيئاً من الفرائض فقد انتقص إيمانه، ومن ترك النوافل لا ينتقص إيمانه. ومنهم من قال: الإيمان اسم للفرائض دون النوافل. الفرقة الثانية الذين قالوا: الإيمان باللِّسان والقَلْب نعاً، وقد اختلف هؤلاء على مذاهب: الأول: أن الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وهو قول أبي حنيفة وعامّة الفقهاء، ثم هؤلاء اختلفوا في موضعين: أحدهما: اختلفوا في حقيقة هذه المعرفة، فمنهم من فَسَّرها بالاعتقاد الجازم - سواء كان اعتقاداً تقليدياً، أو كان علماً صادراً عن الدليل - وهم الأكثرون الذين يحكمون بأن المقلّد مسلم. ومنهم من فسرها بالعلم الصادر من الاستدلال. وثانيهما: اختلفوا في أن العلم المعتبر في تحقيق الإيمان عِلْمٌ بماذا؟ قال بعض المتكلّمين: هو العلم بالله، وبصفاته على سبيل الكمال والتمام، ثم إنه لما كثر اختلاف الخلق في صفات الله تعالى لا جرم أقدم كلّ طائفة على تكفير من عداها من الطوائف. وقال أهل الإنصاف: المعتبر هو العلم بكل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد عليه الصَّلاة والسلام، فعلى هذا القول العلم بكونه تعالى عالماً بالعلم، أو عالماً بذاته، وبكونه مرئياً أو غير مرئي، لا يكون داخلاً في مسمى الإيمان. القول الثاني: أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان معاً، وهو قول بشر بن غياث المَرِيسِي، وأبي الحسن الأشعري، والمراد من التصديق بالقلب الكَلاَم القائم بالنفس. الفرقة الثالثة الذين قالوا: الإيمان عبارة عن عمل القلب فقط، وهؤلاء اختلفوا على قولين: أحدهما: أن الإيمان معرفة الله بالقَلْبِ، حتى إن من عرف الله بقلبه، ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يُقرَّ بِهِ فهو مؤمن كامل الإيمان، وهو قول جهم بن صَفْوَان. وأما معرفة الكتب والرسل واليوم الآخر فقد زعم أنها غير داخلةٍ في حَدّ الإيمان. وحكى الكعبي عنه: أنّ الإيمان معرفة الله مع معرفة كلّ ما علم بالضَّرورة كونه من دين محمد. ثانيهما: أنّ الإيمان مُجَرَّد التصديق بالقَلب، وهو قول الحسين بن الفَضْلِ البَجَلي. الفرقة الرابعة الذين قالوا: الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، وهم فريقان: الأول: أن الإقرار باللسان هو الإيمان فقط، لكن شرط كونه إيماناً حصول المعرفة في القلب، فالمعرفة شرط لكونه الإقرار اللساني إيماناً، لا أنها داخلةٌ في مسمى الإيمان، وهو قول غيلان بن مسلم الدّمشقي، والفضل الرقاشي، وإن كان الكعبي قد أنكر كونه ل «غيلان» . الثاني: أن الإيمان مجرد الإقرار باللسان، وهو قول الكرامية، وزعموا أن المُنَافقمؤمن الظاهر كافر السريرة، فثبت له حكم المؤمنين في الدنيا، وحكم الكافرين في الآخرة، فهذا مجموع أقوال الناس في مسمى الإيمان في عرف الشرع. و «بالغيب» متعلّق ب «يؤمنون» ، ويكون مصدراً واقعاً موقع اسم الفاعل، أو اسم المفعول، وفي هذا الثاني نظر؛ لأنه من «غاب» وهو لازم، فكيف يبنى منه اسم مفعول من «فَعَّلَ» مضعفاً متعدياً، أي: المُغَيَّب، وفيه بعد. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون مخففاً من «فَيْعِل» نحو: «هَيِّن» من «هَيْن» ، و «مَيِّت» من «مَيْت» . وفيه نظر؛ لأنه لا ينبغي أن يدعى ذلك فيه حتى يسمع مثقلاً كنظائره، فإنها سمعت مخفَّفةً ومثقلةً، ويبعد أن يقال: التزم التخفيف في هذا خاصّة. ويجوز أن تكون «الباء» للحال فيتعلّق بمحذوف أي: يؤمنون متلبسين بالغيب عن المؤمن به، و «الغيب» حينئذ مصدر على بابه. * فصل في معنى «يؤمنون بالغيب» في قوله «يؤمنون بالغيب» قولان: الأول: قول أبي مسلم الأصفهاني أن قوله: «يؤمنون بالغيب» صفة المؤمنين معناه: أنهم يؤمنون بالله حال الغيبة كما يؤمنون به حال الحضور، لا كالمنافقين الذين «إِذَا لَقُوا الَّذِيْنَ آمَنُوا، آمَنَّ: وَإذَا خَلوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ» . نظيره قوله: ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ [يوسف: 52] ، وذلك مدح للمؤمنين بأن ظاهرهم موافق لباطنهم ومباين لحال المُنَافقين. الثاني: وهو قول جمهور المُفَسّرين أن الغيب هو الَّذي يكون غائباً عن الحاسّة، ثم هذا الغيب ينقسم إلى ما هو عليه دليل، وإلى ما ليس عليه دليل. فالمراد من هذه الآية مدح المتقين بأنهم يؤمنون بالغَيْبِ الذي دل عليه بأن يتفكروا، ويستدلوا فيؤمنوا به، وعلى هذا يدخل فيه العلم بالله - تعالى - وبصفاته والعلم بالآخرة، والعلم بالنبوة، والعلم بالأحكام بالشرائع، فإن في تحصيل هذه العلوم بالاستدلال مشقّة يصلح أن يكون سبباً لاستحقاق الثَّنَاء العظيم. واحتج أبو مسلم بأمور: الأول: أن قوله: ﴿والذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: 4] إيمان بالأشياء الغائبة، فلو كان المراد من قوله: «الَّذِين يُؤْمِنُونَ بالْغَيْبِ» هو الإيمان بالأشياء الغائبة لكان المعطوف نفس المعطوف عليه، وهو غير جائز. الثاني: لو حملناه على الإيمان بالغيب يلزم إطلاق القول بأن الإنسان يعلم الغيب، وهو خلاف قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ﴾ [الأنعام: 59] وكذا سائر الآيات الباقية تدلّ على كون الإنسان عالماً بالغيب. أما على قولنا فلا يلزم هذا المحذور. الثالث: لفظ «الغيب» إنما يجوز إطلاقه على من يجوز الحُضُور، فعلى هذا لا يجوز إطلاق لفظ الغيب على ذات الله - تعالى - وصفاته، فقوله: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ» لو كان المراد منه الإيمان بالغيب لما دخل فيه الإيمان بذت الله وصفاته، ولا ينبغي فيه الإيمان بالآخرة، وذلك غَيْرُ جائز؛ لأن الركن الأعظم هو الإيمان بذات الله وصفاته، فكيف يجوز حمل اللّفظ على معنى يقتضي خروج الأصل؟ أما على قولنا فلا يلزم خذا المحذور. والجواب عن الأول: أن قوله: «يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ» الإيمان بالغائبات على الإجمال، ثم إن قوله بعد ذلك: «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ» يتناول الإيمان ببعض الغائبات، فكان هذا من باب عَطْفِ التَّفصيل على الجملة، وهو جائز كقوله: ﴿وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ﴾ [البقرة: 98] . وعن الثاني: لا نزاع في أننا نؤمن بالأشياء الغائبة عنَّا، فكان ذلك التخصيص لازماً على الوجهين جميعاً. فإن قيل: أفتقولون: العبد يعلم الغيب أم لا؟ قلنا: قد بينا أن الغيب ينقسم إلى ما عليه دليل، وإلى ما لا دليل عليه. أما الذي عليه دليل فلا يمتنع أن نقول: نعلم من الغيب ما لنا عليه دليل، وعلى هذا الوجه قال العلماء: الاستدلال بالشاهد على الغائب أحد أقسام الأدلة. وعن الثالث: لا نسلّم أن لفظ الغيبة لا يستعمل إلاَّ فيما يجوز عليه الحُضُور، والدَّليل على ذلك أنّ المتكلمين يقولون هذا من باب إلحاق الغائب بالشَّاهد، ويريدون بالغائب ذات الله تعالى وصفاته، والله أعلم. واختلفوا في المراد ب «الغيب» . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «الغيب - ها هنا - كل ما أمرت بالإيمان به فيما غاب عن بصرك مثل: الملائكة والبَعْث والجَنّة والنَّار والصِّراط والمِيزَان» . وقيل: الغيب هاهنا هو الله تعالى. وقيل: القرآن. وقال الحسن: الآخرة. وقال زرُّ بن حبيش، وابن جريج: بالوحي. ونظيره: ﴿أَعِندَهُ عِلْمُ الغيب﴾ [النجم: 35] قال ابن كيسان: بالقدر. وقال عبد الرحمن بن يزيد: كنا عند عبد الله بن مَسْعُودٍ، فذكرنا أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وما سبقوا به، فقال عبد الله: إن أمر محمدا كان بيناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قطّ أفضل من إيمان الكتب، ثم قرأ: «الم ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ» إلى قوله «المفلحون» . وقال بعض الشيعة: المراد بالغيب المَهْدي المنتظر. قال ابن الخطيب: «وتخصص المطلق من غير دليل باطل» . قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو وورش: «يُؤمِنُونَ» ، بترك الهمزة. ولذلك يترك أبو جعفر كل همزة ساكنة إلاّ في ﴿أَنبِئْهُمْ﴾ [البقرة: 33] ، و ﴿يُنَبِّئُهُمُ﴾ [المائدة: 14] ، و ﴿نَبِّئْنَا﴾ [يوسف: 36] . ويترك أبو عمرو كلها، إلا أن يكون علامةً للجزم نحو: ﴿وَنَبِّئْهُمْ﴾ [الحجر: 51] ، «وأَنبئْهُمْ» ، و ﴿تَسُؤْهُمْ﴾ [آل عمران: 120] ، و ﴿إِن نَّشَأْ﴾ [الشعراء: 4] ونحوها، أو يكون خروجاً من لُغَةٍ إلى أخرى نحو: ﴿مُّؤْصَدَةُ﴾ [البلد: 20] ، و ﴿وَرِءْياً﴾ [مريم: 74] . ويترك ورش كلّ همزة ساكنة كانت «فاء» الفعل، إلا ﴿وتؤويا﴾ [الأحزاب: 51] و ﴿تُؤْوِيهِ﴾ [المعارج: 13] ، ولا يترك من عين الفعل إلا ﴿الرؤيا﴾ [الإسراء: 60] وبابه، أو ما كان على وزن «فعل» . و «يقيمون» عطف على «يؤمنون» فهو صلةٌ وعائد. وأصله: يؤقومون حذفت همزة «أفعل» ؛ لوقوعها بعد حرف المُضّارعة كما تقدم فصار: يقومون، فاستثقلت الكسرة على الواو، ففعل فيه ما فعل في «مستقيم» ، وقد تقدم في الفاتحة. ومعنى «يقيمون» : يديمون، أو يظهرون، قال تعالى: ﴿على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾ [المعارج: 23] وقال الشاعر: [الوافر] 120 - أَقْمَنَا لأَهْلِ العِرَاقَيْنِ سُوقَ البطْ ... طِعَانِ فَخَامُوا وَوَلَّوْا جَمِعا وقال آخر: [الكامل] 121 - وَإِذَا يُقَالُ: أَتَيْتُمُ لَمْ يَبْرَحُوا ... حَتَّى تُقِيْمَ الخَيْلُ سُوقُ طِعَانٍ من قامت السّوق: إذا أنفقت؛ لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجّه إليه الرغبات، وإذا أضيفت كانت كالشّيء الكاسد الذي لا يرغب فيه. أو يكون عبارة عن تعديل أركانها، وحفظها من أن يقع خَلَل في فرائضها وسُننها، أو يكون من قام بالأمر، وقامت الحرب على ساق. وفي ضده: قعد عن الأمر، وتقاعد عنه: إذا تقاعس وتثبط، فعلى هذا يكون عبارة عن التجرُّد لأدائها، وألاّ يكون في تأديتها فُتُور، أو يكون عبارةً عن أدائها، وإنما عبر عن الأداء بالإقامة؛ لأن القيام ببعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت. وذكر الصّلاة بلفظ الواحد، وأن المراد بها الخمس كقوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق﴾ [البقرة: 213] يعني: الكتب. و «الصّلاة» مفعول به، ووزنها: «فَعضلَة» ، ولامها واو، لقولهم: صَلَوات، وإنما تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، واشتقاقها من: «الصَّلَوَيْنِ» وهما عِرْقَان في الوِرْكَيْنِ مفترقان من «الصّلاَ» ، وهو عِرْق مُسْتَبْطِنٌ في الظهر منه يتفرق الصَّلَوان عند عَجَبِ الذَّنْبِ، وذلك أن المصلّي يحرك صَلَوَيْهِ، ومنه «المُصَلِّي» في حَلَبَةِ السِّباق لمجيئه ثانياً عند «صَلَوَي» السابق. ذكره الزَّمخشري. قال ابن الخطيب: وهذا يفضي إلى طَعْنٍ عظيم في كون القرآن حُجّة؛ وذلك لأن لفظ «الصلاة» من أشدّ الألفاظ شهرة، وأكثرها درواناً على ألسنة المسلمين، واشتقاقه من تحريك الصّلوين من أبعد الأشياء اشتهاراًَ فيما بين أهل النقل، ولو جوزنا أن [يقال] : مسمى الصلاة في الأصل ما ذكره، ثم إنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلاّ الآحاد لكان مثله في سائر الألفاظ جائزاً، ولو جوزنا ذلك لما قطعنا بأن مراد الله - تعالى - من هذه الألفاظ ما تتبادر أفهامنا إليه من المَعَاني في زماننا هذا، لاحتمال أنها كانت في زمن الرسول موضوعة لمعانٍ أخر، وكان مراد الله - تعالى - تلك المعان] ، إلاّ أن تلك المعاني خَفِيت في زماننا، واندرست كما وقع مثله في هذه اللَّفظة، فلما كان ذلك باطلاً بإجماع المسلمين علمنا أن الاشتقاق الذي ذكره مردود باطل. وأجيب عن هذا الإشكال بأن بعثة محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بالإسلام، وتجديد الشريعة أمر طبق الآفاق، ولا شَكّ أنه وضع عبارات، فاحتاج إلى وضع ألفاظ، ونقل ألفاظ عمّا كانت عليه، والتعبير مشهور. وأما ما ذكره من احتمال التعبير فلا دليل عليه، ولا ضرورة إلى تقديره فافترقا. و «الصَّلاة» لغة: الدّعاءُ: [ومنه قول الشاعر] [البسيط] 122 - تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحلاً ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأَوْصَابَ وَالوَجَعَا فَعَلَيكِ مِثْلُ الَّذي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ... يَوماً فَإِنَّ لجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجِعاً أي: مثل الَّذي دعوت، ومثله: [الطويل] 123 - لَهَا حَارِسٌ لاَ يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا ... وإِن ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا وفي الشرع: هذه العبادة المعروفة. وقيل: هي مأخوذة من اللزوم، ومنه: «صَلِيَ بِالنَّارِ» أي: لزمها، ومنه قوله تعالى: ﴿تصلى نَاراً حَامِيَةً﴾ [الغاشية: 4] قال: [الخفيف] 124 - لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّ ... هُ وإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَومَ صَالِ وقيل: من صَلَيْتُ العودَ بالنَّار، أي: قَوَّمْتُهُ بالصَّلاَء - وهو حَرّ النار، إذا فَتَحْتَ قَصَرْتَ، وإن كَسَرْتَ مَدَدْتَ، كأن المصلِّي يُقَوِّم نفسه؛ قال: [الوافر] 125 - فَلاَ تَعْجَلْ بِأَمْرِكَ واسْتَدِمْهُ ... فَمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيمِ ذكر ذلك الخَارزنجِيّ، وجماعة أجلّة، وهو مشكل، فإن «الصلاة» من ذوات الواو، وهذا من الياء. وقيل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي﴾ [الأحزاب: 56] الآية: إنّ الصّلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاسْتِغْفَار، ومن المؤمنين الدعاء. ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ مما: جاء ومَجْرور متعلّق ب «ينفقون» و «ينفقون» معطوف على الصّلة قبله، و «ما» المجرورة تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسماً بمعنى «الذي» ، و «رزقناهم» صِلَتِهَا، والعائد محذوف. قال أبو البقاء: «تقديره رزقناهموه، أو رزقناهم إياه» . وعلى كل واحد من هذين التقديرين إشكال؛ لأن تقديره متصلاً يلزم منه اتصال الضَّمير مع اتحاد الرُّتبة، وهو واجب الانفصال، وتقديره منفصلاً يمنع حذفه؛ لأنَّ العائد متى كان منفصلاً امتنع حذفه، نصُّوا عليه، وعللوا بأنه لم يفصل إلا لغرض، وإذا حذف فاتت الدلالة على ذلك الغرض. ويمكن أن يجاب عن الأوّل بأنه لما اختلف الضَّميران جمعاً وإفراداً - وإن اتحدا رتبةً - جاز اتصاله؛ ويكون كقوله: [الطويل] 126 - فَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ لِضَغْمَةٍ ... لِضَغْمِهمَاهَا يَقْرَعُ الْعَظْمَ نَابُهَا وأيضاً فإنه لا يلزم من منع ذلك ملفوظاً به منعه مقدّراً لزوال القُبْحِ اللفظي. وعن الثَّاني: بأنه إنما يمنع لأجل اللَّبْسِ موصوفةً، والكلام في عائدها كالكلام في عائدها موصولةً تقديراً واعتراضاً وجواباً. الثَّالث: أن تكون مصدريةً، ويكون المصدر واقعاً موقع المفعول أي: مرزوقاً. وقد منع أبو البقاء هذا الوَجْهَ قال: «لأنَّ الفعل لا يتفق» ، وجوابه ما تقدّم من أنّ المصدر يراد يه المفعول. والرزق لغة: العَطَاء، وهو مصدر؛ قال تعالى: ﴿وَمَن رزقناه مِنَّا رِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل: 75] وقال الشَّاعر: [البسيط] 127 - رُزِقْتَ مَلاً وَلَمْ تُرْزَقْ مَنَافِعَهُ ... إِنَّ الشَّقِيَّ هُوَ الْمَحْرُومُ مَا رُزِقَا وقيل: يجوز أن يكون «فِعْلاً» بمعنى «مفعول» نحو: «ذِبْح» ، و «رِعْي» بمعنى: «مَذْبوح» ، و «مَرْعيّ» . وقيل: «الرِّزْق» - بالفتح - مصدر، وبالكسر اسم، وهو في لغة أزد شنوءة: الشّكر، ومنه: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: 82] . وقال بعضهم: ويدخل فيه كل ما ينتفع به حتى الولد والعَبْد. وقيل: هو نصيب الرجل، وما هو خاص له دون غيره. ثم قال بعضهم الرزق كل شيء يؤكل أو يستعمل، وهو باطل؛ لأن الله - تعالى - أمرنا بأن ننفق مما رزقنا فقال: ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا﴾ [المنافقون: 10] ، فلو كان الرزق هو الذي يؤكل لما أمكن إنفاقه. وقال آخرون: الرزق هو ما يملك وهو باطل أيضاً؛ لأن الإنسان قد يقول: اللهم ارزقني ولداً صالحاً، أو زوجة صالحة، وهو لا يملك الولد ولا الزَّوجة، ويقول: اللهم أرزقني عقلاً أعيش به، والعقل لي بمملوك، وأيضاً البهيمة يحصل له رزقٌ ولا يكون لها ملك. وأما في عُرف الشَّرع فقد اختلفوا فيه، فقال أبو الحَسَنِ البَصْرِي: الرزق تمكين الحَيَوَان من الانتفاعِ بالشيء، والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به. فإذا قلنا: قد رزقنا الله الأموال، فمعنى ذلك أنه مَكَّننا بها من الانتفاع بها، وإذا سألنا - تعالى - أن يرزقنا مالاً فإنا لا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخصّ. واعلم أن المعتزلة لما فسّروا الرزق بذلك لا جَرَمَ قالوا: الحرام لا يكون رزقاً. وقال أصحابنا: الحرام قد يكون رزقاً. قال ابن الخطيب: حُجّة الأصحاب من وجهين: الأول: أنّ الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه، فمن انتفع بالحرام، فذلك الحرام صار حظَّا ونصيباً، فوجب أن يكون رزقاً له. الثَّاني: أنه تعالى قال: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ [هود: 6] ، وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السّرقة، فوجب أن يقال: إنه طول عمره لم يأكل من رزق شيئاً. أما المعتزلة: فقد احتجُّوا بالكتاب، والسُّنة، والمعنى: أما الكتاب فوجوه: أحدها: قوله تعالى: ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 3] مدحهم على الإنفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقاً لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام، وذلك باطل بالاتفاق. ثانياً: لو كان الحرام رزقاً لجاز أن ينفق الغاصب منه، لقوله تعالى: ﴿مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [المنافقون: 10] ، وأجمع المسلمون على أنَّهُ لا يجوز للغاصب أن ينفق [مما أخذه] ، بل يجب رَدّه، فدلّ على أنَّ الحرام لا يكون رزقاً. ثالثها: قوله تَعَالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس: 59] فبين أن من حرم رزق الله، فهو مُفْتَرٍ على الله، فثبت أن الحرام لا يكون رزقاً. وأما السُّنة فما رواه أبو الحسين في كتاب «الفرائض» بإسناده عن صفوان بن أمية قال: «كنا عند رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذْ جاءه عمرو بن مُرَّةَ فقال له: يا رسول الله إنّ الله كتب عليَّ الشّقْوة، فلا أُرَانِي أُرْزقَ من دُفِّي بِكَفِّي، فائذن لي في الغناء من غير فَاحِشَةٍ. فقال عليه الصّلاة والسلام:» لا آذَنَ لَكَ ولا كَرَاهة ولا نعْمة كَذَبت أي عَدُوّ الله لقد رزقك الله [رزقاً] طيباً فاخترت ما حَرَّمَ الله عليك من رِزْقِهِ على ما أَحَلّ الله لك من حَلاَلِهِ، أَمَا لو قُلْتَ بعد هَذِهِ المقدّمة شيئاً ضَرَبْتُكَ ضرباً وجيعاً» . وأما المعنى فإنَّ الله - تَعَالَى - منع المكلّف من الانتفاع بهن وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به، ومن منع من أخذ الشيء والانتفاع به لا يقال: إنه رزقه إياه، ألا ترى أنه لا يقال: إن السلطان قد رزق جنده مالاً قد منعهم من أخذه، وإنما يقال: إنه رزقهم ما مكَّنهم من أخذه، ولا يمنعهم منه، ولا أمر بمنعهم منه. وأجاب أصحابنا عن التمسُّك بالآيات بأنه كان الكلّ من الله، فإنه لا يُضَاف إليه ذلك؛ لما فيه من سُوءِ الأدب، كما يقال: يا خالق المحدثات والعرش والكرسي، ولا يقال: يا خالق الكِلاَب والخَنَازير، وقال: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ [الإنسان: 6] فخصّ اسم العباد بالمتّقين، وإن كان الكُفَّار أيضاً من العباد، وكلك هاهنا خصّ اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف، وإن كان الحرام رزقاً أيضاً. وأجابوا عن التمسُّك بالخبر بأنه حُجَّة لنا؛ لأن قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «فَاخْتَرْتَ ما حَرَّمَ اللهُ عليك من رِزْقِه» صريح في أن الرزق قد يكون حراماً. وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة مَحْضُ اللغة، وهو أن الحرام هل يسمى رزقاً أم لا؟ ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ، والله أعلم. و «نفقط الشيء: نفد، وكلّ ما جاء مما فاؤه نون، وعينه فاء، فدالّ على معنى ونحو ذلك إذا تأملت، قاله الزمخشري، وذلك نحو: نَفِدَ نَفَقَ نَفَرَ» نفذ» «نَفَشَ» «نَفَحَ» «نفخ» «نفض» «نفل» . و «نفق» الشيء بالبيع نَفَاقاً ونَفَقَتِ الدابة: ماتت نُفُوقاً، والنفقة: اسم المُنْفَق. * فصل في معاني «من» و «من» هنا لابتداء الغاية. وقيل: للتبعيض، ولها معانٍ أخر: بيان الجنس: ﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ [الحج: 30] . والتعليل: ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق﴾ [البقرة: 19] . والبدل: ﴿بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة﴾ [التوبة: 38] . والمُجَاوزة: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [آل عمران: 121] . وانتهاء الغاية: «قربت منه» . والاستعلاء ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم﴾ [الأنبياء: 77] . والفصل: ﴿يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح﴾ [البقرة: 220] . وموافقة «الباء» ﴿يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: 45] ، ﴿مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض﴾ [فاطر: 40] . والزيادة باطّراد، وذلك بشرطين كون المجرور نكرة والكلام غير موجب. واشترط الكوفيون التنكير فقط، ولم يشترط الأخفش شيئاً. و «الهمزة» في «أنفق» للتَّعدية، وحذفت من «ينفقون» لما تقدم في «يؤمنون» . * فصل في قوله تعالى «ومما رزقناهم ينفقون» قال ابن الخَطِيبْ: في قوله: ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ فوائد: إحداها: أدخل «من» للتبعيض نهياً لهم عن الإسراف والتَّبذير المنهي عنه. وثانيها: قدم مفعول الفعل دلالة على كونه أهَمّ، كأنه قال: يخصّون بعض المال بالتصدق به. وثالثها: يدخل في الإنفاق المذكور في الآية، الإنفاق الواجب، والإنفاق المندوب، والإنفاق الواجب أقسام: أحدها: الزكاة وهي قوله تعالى: ﴿يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا﴾ [التوبة: 34] . وثانيها: الإنفاق على النفس، وعلى من تجب عليه نفقته. وثالثها: الإنفاق في الجهاد. وأما الإنفاق المندوب فهو أيضاً إنفاق لقوله تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ﴾ [المنافقون: 10] ، وأراد به الصدقة؛ لقوله بعد: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين} [المنافقون: 10] فكل هذه داخلةٌ تحت الآية، لأن كل ذلك سبب لاستحقاق المدح.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب