الباحث القرآني
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ الإيمانُ: التَّصْدِيقُ، ﴿وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ [يوسف: ١٧]، وأصْلُهُ مِنَ الأمْنِ أوِ الأمانَةِ، ومَعْناهُما الطُّمَأْنِينَةُ، أمَّنَهُ: صَدَّقَهُ، وأمِنَ بِهِ: وثِقَ بِهِ، والهَمْزَةُ في أمِنَ لِلصَّيْرُورَةِ كَأعْشَبَ، أوْ لِمُطاوَعَةِ فِعْلٍ كَأكَبَّ، وضُمِّنَ مَعْنى الِاعْتِرافِ أوِ الوُثُوقِ فَعُدِّيَ بِالباءِ، وهو يَتَعَدّى بِالباءِ واللّامِ ﴿فَما آمَنَ لِمُوسى﴾ [يونس: ٨٣]، والتَّعْدِيَةُ بِاللّامِ في ضِمْنِها تَعَدٍّ بِالباءِ، فَهَذا فَرْقُ ما بَيْنَ التَّعْدِيَتَيْنِ. الغَيْبُ: مَصْدَرُ غابَ يَغِيبُ إذا تَوارى، وسُمِّي المُطَمْئِنُ مِنَ الأرْضِ غَيْبًا لِذَلِكَ، أوْ فَعِيلٌ مِن غابَ فَأصْلُهُ غَيَّبَ، وخُفِّفَ نَحْوَ لَيِّنٍ في لِينٍ، والفارِسِيُّ لا يَرى ذَلِكَ قِياسًا في ذَواتِ الياءِ، فَلا يُجِيزُ في لِينٍ التَّخْفِيفَ ويُجِيزُهُ في ذَواتِ الواوِ، ونَحْوَ: سَيِّدٍ ومَيِّتٍ، وغَيْرُهُ قاسَهُ فِيهِما. وابْنُ مالِكٍ وافَقَ أبا عَلِيٍّ في ذَواتِ الياءِ، وخالَفَ الفارِسِيُّ في ذَواتِ الواوِ، فَزَعَمَ أنَّهُ مَحْفُوظٌ لا مَقِيسٌ، وتَقْرِيرُ هَذا في عِلْمِ التَّصْرِيفِ.
﴿ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ والإقامَةُ: التَّقْوِيمُ، أقامَ العَوْدَ قَوَّمَهُ، أوِ الإدامَةُ، أقامَتِ الغَزالَةُ سُوقَ الضِّرابِ، أيْ أدامَتْها مِن قامَتِ السُّوقُ، أوِ التَّشَمُّرُ والنُّهُوضُ مِن قامَ بِالأمْرِ، والهَمْزَةُ في أقامَ لِلتَّعْدِيَةِ. الصَّلاةُ: فَعَلَةٌ، وأصْلُهُ الواوُ لِاشْتِقاقِهِ مِنَ الصَّلى، وهو عِرْقٌ مُتَّصِلٌ بِالظَّهْرِ يَفْتَرِقُ مِن عِنْدِ عَجْبِ الذَّنَبِ، ويَمْتَدُّ مِنهُ عِرْقانِ، في كُلِّ ورِكٍ عِرْقٌ، يُقالُ لَهُما الصَّلَوانِ، فَإذا رَكَعَ المُصَلِّي انْحَنى صَلاهُ وتَحَرَّكَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ مَصْلِيًّا، ومِنهُ أُخِذَ المُصَلِّي في سَبْقِ الخَيْلِ لِأنَّهُ يَأْتِي مَعَ صِلْوَيِ السّابِقِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فاشْتُقَّتِ الصَّلاةُ مِنهُ إمّا لِأنَّها جاءَتْ ثانِيَةَ الإيمانِ فَشُبِّهَتْ بِالمُصَلّى مِنَ الخَيْلِ، وإمّا لِأنَّ الرّاكِعَ والسّاجِدَ يَنْثَنِي صَلَواهُ، والصَّلاةُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَنْتَظِمُ مِن أقْوالٍ وهَيْئاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وصَلّى فَعَلَ الصَّلاةَ، وأمّا صَلّى دَعا فَمَجازٌ وعِلاقَتُهُ تَشْبِيهُ الدّاعِي في التَّخَشُّعِ والرَّغْبَةِ بِفاعِلِ الصَّلاةِ، وجَعَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ الصَّلاةَ مِمّا أُخِذَ مِن صَلّى بِمَعْنى دَعا، كَما قالَ:
؎عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإنَّ لِجَنْبِ المَرْءِ مُضْطَجَعًا.
وقالَ:
؎لَها حارِسٌ لا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَها ∗∗∗ وإنْ ذُبِحَتْ صَلّى عَلَيْها وزَمْزَما.
قالَ: فَلَمّا كانَتِ الصَّلاةُ في الشَّرْعِ دُعاءً، وانْضافَ إلَيْهِ هَيْئاتٌ وقِراءَةٌ، سُمِّيَ جَمِيعُ ذَلِكَ بِاسْمِ الدُّعاءِ، والقَوْلُ إنَّها مِنَ الدُّعاءِ أحْسَنُ، انْتَهى كَلامُهُ. وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ ذَلِكَ مَجازٌ عِنْدَنا، وذَكَرْنا العَلاقَةَ بَيْنَ الدّاعِي وفاعِلِ الصَّلاةِ. ومِن حَرْفُ جَرٍّ، وزَعَمَ الكِسائِيُّ أنَّ أصْلَها مِنا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ بَعْضِ قُضاعَةَ:
؎بَذَلْنا مارِنَ الخَطِّيِّ فِيهِمْ ∗∗∗ وكُلَّ مُهَنَّدٍ ذَكَرٍ حُسامِ
؎مِنا أنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَمْسِ حَتّى ∗∗∗ أغاثَ شَرِيدَهم فَنَنُ الظَّلامِ
(p-٣٩)وتَأوَّلَ ابْنُ جِنِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ عَلى فِعَلٍ مِن مَنى يُمْنى أيْ قَدَرَ. واغْتَرَّ بَعْضُهم بِهَذا البَيْتِ فَقالَ: وقَدْ يُقالُ مِنا. وقَدْ تَكُونُ لِابْتِداءِ الغايَةِ ولِلتَّبْعِيضِ، وزائِدَةً وزِيدَ لِبَيانِ الجِنْسِ، ولِلتَّعْلِيلِ، ولِلْبَدَلِ، ولِلْمُجاوَزَةِ والِاسْتِعْلاءِ، ولِانْتِهاءِ الغايَةِ، ولِلْفَصْلِ، ولِمُوافَقَةِ الباءِ، ولِمُوافَقَةٍ في (مِثْلَ ذَلِكَ): سِرْتُ مِنَ البَصْرَةِ إلى الكُوفَةِ، أكَلْتُ مِنَ الرَّغِيفِ، ما قامَ مِن رَجُلٍ، ﴿يُحَلَّوْنَ فِيها مِن أساوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١]، ﴿فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ﴾ [البقرة: ١٩]، ﴿بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ﴾ [التوبة: ٣٨]، ﴿غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٢١]، قَرُبْتَ مِنهُ، ﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٧]، ﴿يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] ﴿يَنْظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] ﴿ماذا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ﴾ [فاطر: ٤٠] . ما تَكُونُ مَوْصُولَةً، واسْتِفْهامِيَّةً، وشَرْطِيَّةً، ومَوْصُوفَةً، وصِفَةً، وتامَّةً. مَثَلُ ذَلِكَ: ﴿ما عِنْدَكم يَنْفَدُ﴾ [النحل: ٩٦] ﴿مالِ هَذا الرَّسُولِ﴾ [الفرقان: ٧]، ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ﴾ [فاطر: ٢]، مَرَرْتُ بِما مُعْجَبٍ لَكَ، لِأمْرٍ ما جَدَعَ قَصِيرٌ أنْفَهُ، ما أحْسَنَ زَيْدًا.
﴿رَزَقْناهُمْ﴾ الرِّزْقُ: العَطاءُ، وهو الشَّيْءُ الَّذِي يُرْزَقُ كالطَّحْنِ، والرِّزْقُ المَصْدَرُ، وقِيلَ: الرِّزْقُ أيْضًا مَصْدَرُ رَزَقْتَهُ أعْطَيْتَهُ، ﴿ومَن رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٧٥]، وقالَ:
؎رُزِقْتَ مالًا ولَمْ تُرْزَقْ مَنافِعَهُ ∗∗∗ إنَّ الشَّقِيَّ هو المَحْرُومُ ما رُزِقا
وقِيلَ: أصْلُ الرِّزْقِ الحَظَّ، ومَعانِي فَعَلَ كَثِيرَةٌ ذُكِرَ مِنها: الجَمْعُ، والتَّفْرِيقُ، والإعْطاءُ، والمَنعُ، والِامْتِناعُ، والإيذاءُ، والغَلَبَةُ، والدَّفْعُ، والتَّحْوِيلُ، والتَّحَوُّلُ، والِاسْتِقْرارُ، والسَّيْرُ، والسَّتْرُ، والتَّجْرِيدُ، والرَّمْيُ، والإصْلاحُ، والتَّصْوِيتُ (مِثْلُ ذَلِكَ): حَشَرَ، وقَسَمَ، ومَنَحَ، وغَفَلَ، وشَمَسَ، ولَسَعَ، وقَهَرَ، ودَرَأ، وصَرَفَ، وظَعَنَ، وسَكَنَ، ورَمَلَ، وحَجَبَ، وسَلَخَ، وقَذَفَ، وسَبَحَ، وصَرَخَ. وهي هُنا لِلْإعْطاءِ نَحْوُ: نَحَلَ، ووَهَبَ، ومَنَحَ.
﴿يُنْفِقُونَ﴾ الإنْفاقُ: الإنْفاذُ، أنْفَقْتُ الشَّيْءَ وأنْفَذْتُهُ بِمَعْنًى واحِدٍ، والهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ، يُقالُ نَفَقَ الشَّيْءُ نَفَذَ، وأصْلُ هَذِهِ المادَّةِ تَدُلُّ عَلى الخُرُوجِ والذَّهابِ، ومِنهُ نافَقَ والنّافِقاءُ ونَفَقَ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَیۡبِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق