الباحث القرآني

(p-٢٦)هُوَ وصْفٌ لِلْمُتَّقِينَ كاشِفٌ، والإيمانُ في اللُّغَةِ: التَّصْدِيقُ، وفي الشَّرْعِ ما سَيَأْتِي. والغَيْبُ في كَلامِ العَرَبِ: كُلُّ ما غابَ عَنْكَ. قالَ القُرْطُبِيُّ: واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في تَأْوِيلِ الغَيْبِ هُنا، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: الغَيْبُ في هَذِهِ الآيَةِ هو اللَّهُ سُبْحانَهُ، وضَعَفَّهُ ابْنُ العَرَبِيِّ. وقالَ آخَرُونَ: القَضاءُ والقَدْرُ. وقالَ آخَرُونَ: القُرْآنُ وما فِيهِ مِنَ الغُيُوبِ. وقالَ آخَرُونَ: الغَيْبُ كُلُّ ما أخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مِمّا لا تَهْتَدِي إلَيْهِ العُقُولُ مِن أشْراطِ السّاعَةِ وعَذابِ القَبْرِ والحَشْرِ والنَّشْرِ والصِّراطِ والمِيزانِ والجَنَّةِ والنّارِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذِهِ الأقْوالُ لا تَتَعارَضُ بَلْ يَقَعُ الغَيْبُ عَلى جَمِيعِها، قالَ: وهَذا هو الإيمانُ الشَّرْعِيُّ المُشارُ إلَيْهِ في حَدِيثِ جِبْرِيلَ حِينَ قالَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «فَأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ ؟ قالَ: أنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ انْتَهى» . وهَذا الحَدِيثُ هو ثابِتٌ في الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، والقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ» . وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَندَهْ وأبُو نُعَيْمٍ كِلاهُما في مَعْرِفَةِ الصَّحابَةِ عَنْ تَوِيلَةَ بِنْتِ أسْلَمَ قالَتْ: «صَلَّيْتُ الظُّهْرَ أوِ العَصْرَ في مَسْجِدِ بَنِي حارِثَةَ، فاسْتَقْبَلْنا مَسْجِدَ إيلِيا فَصَلَّيْنا سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ جاءَنا مَن يُخْبِرُنا بِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلَ البَيْتَ، فَتَحَوَّلَ الرِّجالُ مَكانَ النِّساءِ والنِّساءُ مَكانَ الرِّجالِ، فَصَلَّيْنا السَّجْدَتَيْنِ الباقِيَتَيْنِ ونَحْنُ مُسْتَقْبِلُونَ البَيْتَ الحَرامَ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ: أُولَئِكَ قَوْمٌ آمَنُوا بِالغَيْبِ» . وأخْرَجَ البَزّارُ وأبُو يَعْلى والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ: «أنْبِئُونِي بِأفْضَلِ أهْلِ الإيمانِ إيمانًا ؟ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ المَلائِكَةُ، قالَ: هم كَذَلِكَ ويَحِقُّ لَهم، وما يَمْنَعُهم وقَدْ أنْزَلَهُمُ اللَّهُ المَنزِلَةَ الَّتِي أنْزَلَهم بِها، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ الأنْبِياءُ الَّذِينَ أكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِرِسالَتِهِ والنُّبُوَّةِ، قالَ: هم كَذَلِكَ ويَحِقُّ لَهم، وما يَمْنَعُهم وقَدْ أنْزَلَهُمُ اللَّهُ المَنزِلَةَ الَّتِي أنْزَلَهم بِها، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ الشُّهَداءُ الَّذِينَ اسْتَشْهَدُوا مَعَ الأنْبِياءِ، قالَ: هم كَذَلِكَ، وما يَمْنَعُهم وقَدْ أكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِالشَّهادَةِ، قالُوا: فَمَن يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: أقْوامٌ في أصْلابِ الرِّجالِ يَأْتُونَ مِن بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي ولَمْ يَرَوْنِي ويُصَدِّقُونِي ولَمْ يَرَوْنِي، يَجِدُونَ الوَرَقَ المُعَلَّقَ فَيَعْمَلُونَ بِما فِيهِ، فَهَؤُلاءِ أفْضَلُ أهْلِ الإيمانِ إيمانًا» وفي إسْنادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أبِي حُمَيْدٍ وفِيهِ ضَعْفٌ. وأخْرَجَ الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ في حِزْبِهِ المَشْهُورِ والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَ الحَدِيثِ الأوَّلِ، وفي إسْنادِهِ المُغِيرَةُ بْنُ قَيْسٍ البَصَرِيُّ وهو مُنْكَرُ الحَدِيثِ. وأخْرَجَ نَحْوَهُ الطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا، والإسْماعِيلِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أيْضًا، والبَزّارُ عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في مُسْنَدِهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «يا لَيْتَنِي قَدْ لَقِيتُ إخْوانِي. قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ألَسْنا إخْوانَكَ ؟ قالَ: بَلى، ولَكِنْ قَوْمٌ يَجِيئُونَ مِن بَعْدِكم يُؤْمِنُونَ بِي إيمانَكم ويُصَدِّقُونِي تَصْدِيقَكم ويَنْصُرُونِي نَصْرَكم، فَيا لَيْتَنِي قَدْ لَقِيتُ إخْوانِي» وأخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ عَساكِرَ في الأرْبَعِينَ السُّباعِيَّةِ مِن حَدِيثِ أنَسٍ، وفي إسْنادِهِ أبُو هُدْبَةَ وهو كَذّابٌ، وزادَ فِيهِ «ثُمَّ قَرَأ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾» [البقرة: ٣] الآيَةَ " . وأخْرَجَ أحْمَدُ والدّارِمِيُّ والبارُودِيُّ وابْنُ قانِعٍ مَعًا في مُعْجَمِ الصَّحابَةِ والبُخارِيُّ في تارِيخِهِ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ عَنْ أبِي جُمُعَةَ الأنْصارِيِّ قالَ: قُلْتُ: «يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِن قَوْمٍ أعْظَمَ مِنّا أجْرًا آمَنّا بِكَ واتَّبَعْناكَ ؟ قالَ: ما يَمْنَعُكم مِن ذَلِكَ ورَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أظْهُرِكم يَأْتِيكم بِالوَحْيِ مِنَ السَّماءِ، بَلْ قَوْمٌ يَأْتُونَ مِن بَعْدِكم يَأْتِيهِمْ كِتابُ اللَّهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِي ويَعْمَلُونَ بِما فِيهِ أُولَئِكَ أعْظَمُ مِنكم أجْرًا» . وأخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والحاكِمُ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُهَنِيِّ قالَ: «بَيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ إذْ طَلَعَ راكِبانِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: كِنْدِيّانِ أوْ مَذْحَجِيّانِ حَتّى أتَيا، فَإذا رَجُلانِ مِن مَذْحِجٍ، فَدَنا أحَدُهُما لِيُبايِعَهُ، فَلَمّا أخَذَ بِيَدِهِ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أرَأيْتَ مَن جاءَكَ فَآمَنَ بِكَ واتَّبَعَكَ وصَدَّقَكَ فَماذا لَهُ ؟ قالَ: طُوبى لَهُ، فَمَسَحَ عَلى زَنْدِهِ وانْصَرَفَ، ثُمَّ جاءَ الآخَرُ حَتّى أخَذَ بِيَدِهِ لِيُبايِعَهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أرَأيْتَ مَن آمَنَ بِكَ وصَدَّقَكَ واتَّبَعَكَ ولَمْ يَرَكَ ؟ قالَ: طُوبى لَهُ ثُمَّ طُوبى لَهُ، ثُمَّ مَسَحَ عَلى زَنْدِهِ وانْصَرَفَ» . وأخْرَجَ الطَّيالِسِيُّ وأحْمَدُ والبُخارِيُّ في تارِيخِهِ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «طُوبى لِمَن رَآنِي وآمَنَ بِي، وطُوبى لِمَن آمَنَ بِي ولَمْ يَرَنِي سَبْعَ مَرّاتٍ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ حِبّانَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ أنَّ رَجُلًا قالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ طُوبى لِمَن رَآكَ وآمَنَ بِكَ ؟ قالَ: طُوبى لِمَن رَآنِي وآمَنَ بِي، وطُوبى ثُمَّ طُوبى ثُمَّ طُوبى لِمَن آمَنَ بِي ولَمْ يَرَنِي» وأخْرَجَ الطَّيالِسِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ وأبُو يَعْلى والطَّبَرانِيُّ مِن حَدِيثِ أنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ المُتَقَدِّمِ. وأخْرَجَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وأحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ في مُسْنَدِهِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ الضُّبارِيِّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: والَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ ما آمَنَ أحَدٌ أفْضَلَ مِن إيمانٍ بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأ ﴿الم﴾ ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١ - ٥] . ولِلتّابِعِينَ أقْوالٌ، والرّاجِحُ ما تَقَدَّمَ مِن أنَّ الإيمانَ الشَّرْعِيَّ يَصْدُقُ عَلى جَمِيعِ ما ذُكِرَ هُنا. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والأوْلى أنْ تَكُونُوا مَوْصُوفِينَ بِالإيمانِ بِالغَيْبِ قَوْلًا واعْتِقادًا وعَمَلًا. قالَ: وتَدْخُلُ الخَشْيَةُ لِلَّهِ في مَعْنى الإيمانِ الَّذِي هو تَصْدِيقُ القَوْلِ بِالعَمَلِ. والإيمانُ كَلِمَةٌ جامِعَةٌ لِلْإقْرارِ بِاللَّهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وتَصْدِيقُ الإقْرارِ بِالفِعْلِ. وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إنَّ الإيمانَ الشَّرْعِيَّ المَطْلُوبَ لا يَكُونُ إلّا اعْتِقادًا وقَوْلًا وعَمَلًا، هَكَذا ذَهَبَ إلَيْهِ أكْثَرُ الأئِمَّةِ. بَلْ قَدْ حَكاهُ الشّافِعِيُّ وأحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وأبُو عُبَيْدٍ وغَيْرُ واحِدٍ إجْماعًا أنَّ الإيمانَ قَوْلٌ وعَمَلٌ ويَزِيدُ ويَنْقُصُ. وقَدْ ورَدَ فِيهِ آياتٌ كَثِيرَةٌ. انْتَهى. * * * هُوَ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ والإقامَةُ في الأصْلِ: الدَّوامُ (p-٢٧)والثَّباتُ. يُقالُ: قامَ الشَّيْءُ: أيْ دامَ وثَبَتَ. ولَيْسَ مِنَ القِيامِ عَلى الرِّجْلِ، وإنَّما هو مِن قَوْلِكَ قامَ الحَقُّ: أيْ ظَهَرَ وثَبَتَ، قالَ الشّاعِرُ: ؎وقامَتِ الحَرْبُ بِنا عَلى ساقِ وقالَ آخَرُ: ؎وإذا يُقالُ أقِيمُوا لَمْ تَبْرَحُوا ∗∗∗ حَتّى تُقِيمَ الخَيْلُ سُوقَ طِعانِ وإقامَةُ الصَّلاةِ أداؤُها بِأرْكانِها وسُنَنِها وهَيْئاتِها في أوْقاتِها. والصَّلاةُ أصْلُها في اللُّغَةِ: الدُّعاءُ مِن صَلّى يُصَلِّي إذا دَعا. وقَدْ ذَكَرَ هَذا الجَوْهَرِيُّ وغَيْرُهُ. وقالَ قَوْمٌ: هي مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَّلا، وهو عِرْقٌ في وسَطِ الظَّهْرِ ويَفْتَرِقُ عِنْدَ العَجْبِ. ومِنهُ أخَذَ المُصَلِّي في سَبْقِ الخَيْلِ؛ لِأنَّهُ يَأْتِي في الحَلْبَةِ ورَأْسُهُ عِنْدَ صَلْوَيِ السّابِقِ، فاشْتُقَّتْ مِنهُ الصَّلاةُ لِأنَّها ثانِيَةٌ لِلْإيمانِ فَشُبِّهَتْ بِالمُصَلِّي مِنَ الخَيْلِ. وإمّا لِأنَّ الرّاكِعَ يُثْنِي صَلْوَيْهِ، والصَّلا مَغْرِزُ الذَّنَبِ مِنَ الفَرَسِ والِاثْنانِ صَلْوانِ، والمُصَلِّي تالِي السّابِقِ لِأنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلْوِهِ. ذَكَرَ هَذا القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ. وقَدْ ذُكِرَ المَعْنى الثّانِي في الكَشّافِ، هَذا المَعْنى اللُّغَوِيُّ. وأمّا المَعْنى الشَّرْعِيُّ فَهو هَذِهِ الصَّلاةُ الَّتِي هي ذاتُ الأرْكانِ والأذْكارِ. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ هَلْ هي مُبْقاةٌ عَلى أصْلِها اللُّغَوِيِّ أوْ مَوْضُوعَةٌ وضْعًا شَرْعِيًّا ابْتِدائِيًّا. فَقِيلَ: بِالأوَّلِ، وإنَّما جاءَ الشَّرْعُ بِزِياداتٍ هي الشُّرُوطُ والفُرُوضُ الثّابِتَةُ فِيها. وقالَ قَوْمٌ: بِالثّانِي. والرِّزْقُ عِنْدَ الجُمْهُورِ ما صَلَحَ لِلِانْتِفاعِ بِهِ حَلالًا كانَ أوْ حَرامًا خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. فَقالُوا: إنَّ الحَرامَ لَيْسَ بِرِزْقٍ، ولِلْبَحْثِ في هَذِهِ المَسْألَةِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذا. والإنْفاقُ: إخْراجُ المالِ مِنَ اليَدِ، وفي المَجِيءِ بِمِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ هاهُنا نُكْتَةٌ سَرِيَّةٌ هي الإرْشادُ إلى تَرْكِ الإسْرافِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ إسْحاقَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ قالَ: الصَّلَواتُ الخَمْسُ ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ قالَ: زَكاةُ أمْوالِهِمْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ أنَّ إقامَةَ الصَّلاةِ المُحافَظَةُ عَلى مَواقِيتِها ووُضُوئِها ورُكُوعِها وسُجُودِها ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ قالَ: أنْفَقُوا في فَرائِضِ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ في طاعَتِهِ وسَبِيلِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ قالَ: هي نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلى أهْلِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: كانَتِ النَّفَقاتُ قُرُباتٍ يَتَقَرَّبُونَ بِها إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى قَدْرِ مَيْسُورِهِمْ وجُهْدِهِمْ حَتّى نَزَلَتْ فَرائِضُ الصَّدَقاتِ في سُورَةِ بَراءَةَ هُنَّ النّاسِخاتُ المُبَيِّناتُ. واخْتارَ ابْنُ جَرِيرٍ أنَّ الآيَةَ عامَّةٌ في الزَّكاةِ والنَّفَقاتِ، وهو الحَقُّ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ النَّفَقَةِ عَلى الأقارِبِ وغَيْرِهِمْ وصَدَقَةِ الفَرْضِ والنَّفْلِ، وعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِنَوْعٍ مِنَ الأنْواعِ الَّتِي يَصْدُقُ عَلَيْها مُسَمّى الإنْفاقِ يُشْعِرُ أتَمَّ إشْعارٍ بِالتَّعْمِيمِ. * * * ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (p-٢٨)هَذا كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ حالُ هَؤُلاءِ الجامِعِينَ بَيْنَ التَّقْوى والإيمانِ بِالغَيْبِ والإتْيانِ بِالفَرائِضِ والإيمانِ بِما أُنْزِلَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وعَلى مَن قَبْلَهُ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقِيلَ: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى﴾ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هَذا خَبَرًا عَنِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ إلَخْ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِما قَبْلَهُ. قالَ في الكَشّافِ: ومَعْنى الِاسْتِعْلاءِ في قَوْلِهِ: عَلى هُدًى مَثَلٌ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنَ الهُدى واسْتِقْرارِهِمْ عَلَيْهِ وتَمَسُّكِهِمْ بِهِ، شُبِّهَتْ حالُهم حالَ مَنِ اعْتَلى الشَّيْءَ ورَكِبَهُ، ونَحْوَهُ: هو عَلى الحَقِّ وعَلى الباطِلِ. وقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ في قَوْلِهِ: جَعَلَ الغَوايَةَ مَرْكَبًا وامْتَطى الجَهْلَ واقْتَعَدَ عازِبَ الهَوى انْتَهى. وقَدْ أطالَ المُحَقِّقُونَ الكَلامَ عَلى هَذا بِما لا يَتَّسِعُ لَهُ المَقامُ، واشْتُهِرَ الخِلافُ في ذَلِكَ بَيْنَ المُحَقِّقِ السَّعْدِ والمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ. واخْتَلَفَ مَن بَعْدَهم في تَرْجِيحِ الرّاجِحِ مِنَ القَوْلَيْنِ، وقَدْ جَمَعْتُ في ذَلِكَ رِسالَةً سَمَّيْتُها [ الطَّوْدُ المُنِيفُ في تَرْجِيحٍ ما قالَهُ السَّعْدُ عَلى ما قالَهُ الشَّرِيفُ ] فَلْيَرْجِعْ إلَيْها مَن أرادَ أنْ يَتَّضِحَ لَهُ المَقامُ ويَجْمَعَ بَيْنَ أطْرافِ الكَلامِ عَلى التَّمامِ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنَّ مَعْنى ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ عَلى نُورٍ مِن رَبِّهِمْ وبُرْهانٍ واسْتِقامَةٍ وسَدادٍ بِتَسْدِيدِ اللَّهِ إيّاهم وتَوْفِيقِهِ لَهم، والمُفْلِحُونَ أيِ المُنْجِحُونَ المُدَّكِرُونَ ما طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ بِأعْمالِهِمْ وإيمانِهِمْ بِاللَّهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ. هَذا مَعْنى كَلامِهِ. والفَلاحُ أصْلُهُ في اللُّغَةِ: الشَّقُّ والقَطْعُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدٍ: ويُقالُ الَّذِي شُقَّتْ شَفَتُهُ أفْلَحُ، ومِنهُ سُمِّيَ الأكّارُ فَلّاحًا لِأنَّهُ شَقَّ الأرْضَ بِالحَرْثِ، فَكَأنَّ المُفْلِحَ قَدْ قَطَعَ المَصاعِبَ حَتّى نالَ مَطْلُوبَهُ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وقَدْ يُسْتَعْمَلُ في الفَوْزِ والبَقاءِ وهو أصْلُهُ أيْضًا في اللُّغَةِ، فَمَعْنى ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ الفائِزُونَ بِالجَنَّةِ والباقُونَ. وقالَ في الكَشّافِ: المُفْلِحُ الفائِزُ بِالبُغْيَةِ، كَأنَّهُ الَّذِي انْفَتَحَتْ لَهُ وُجُوهُ الظَّفَرِ ولَمْ تَسْتَغْلِقْ عَلَيْهِ انْتَهى. وقَدِ اسْتُعْمِلَ الفَلاحُ في السُّحُورِ، ومِنهُ الحَدِيثُ الَّذِي أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ " «حَتّى كادَ يَفُوتُنا الفَلاحُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ» . قُلْتُ: وما الفَلاحُ ؟ قالَ: السُّحُورُ. فَكَأنَّ مَعْنى الحَدِيثِ: أنَّ السُّحُورَ بِهِ بَقاءُ الصَّوْمِ فَلِهَذا سُمِّيَ فَلاحًا. وفِي تَكْرِيرِ اسْمِ الإشارَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ كُلًّا مِنَ الهُدى والفَلاحِ مُسْتَقِلٌّ بِتَمَيُّزِهِمْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، بِحَيْثُ لَوِ انْفَرَدَ أحَدُهُما لَكَفى تَمَيُّزًا عَلى حِيالِهِ. وفائِدَةُ ضَمِيرِ الفَصْلِ الدَّلالَةُ عَلى اخْتِصاصُ المُسْنَدُ إلَيْهِ بِالمُسْنَدِ دُونَ غَيْرِهِ. وقَدْ رَوى السُّدِّيُّ عَنْ أبِي مالِكٍ وأبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعَنْ مُرَّةَ الهَمْدانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وعَنْ أُناسٍ مِنَ الصَّحابَةِ أنَّ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾: هُمُ المُؤْمِنُونَ مِنَ العَرَبِ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وما أُنْزِلَ إلى مَن قَبْلَهُ: هم، والمُؤْمِنُونَ مِن أهْلِ الكِتابِ. ثُمَّ جَمَعَ الفَرِيقَيْنِ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ وقَدْ قَدَّمْنا الإشارَةَ إلى هَذا وإلى ما هو أرْجَحُ مِنهُ كَما هو مَنقُولٌ عَنْ مُجاهِدٍ وأبِي العالِيَةِ والرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ وقَتادَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا نَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ فَنَرْجُو ونَقْرَأُ فَنَكادُ أنْ نَيْأسَ أوْ كَما قالَ: فَقالَ: ألا أُخْبِرُكم عَنْ أهْلِ الجَنَّةِ وأهْلِ النّارِ ؟ قالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: ﴿الم﴾ ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١ - ٥] هَؤُلاءِ أهْلُ الجَنَّةِ، قالُوا: إنّا نَرْجُو أنْ نَكُونَ هَؤُلاءِ، ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: ٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٌ﴾، هَؤُلاءِ أهْلُ النّارِ، قالُوا: ألَسْنا هم يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: أجَلْ» . وقَدْ ورَدَ في فَضْلِ هَذِهِ الآياتِ الشَّرِيفَةِ أحادِيثُ: مِنها ما أخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ المُسْنَدِ والحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَجاءَ أعْرابِيٌّ فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ لِي أخًا وبِهِ وجَعٌ فَقالَ: وما وجَعُهُ ؟ قالَ: بِهِ لَمَمٌ، قالَ: فائْتِنِي بِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَوَّذَهُ النَّبِيُّ بِفاتِحَةِ الكِتابِ وأرْبَعِ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ، وهاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣] وآيَةِ الكُرْسِيِّ وثَلاثِ آياتٍ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، وآيَةٍ مِن آلِ عِمْرانَ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨]، وآيَةٍ مِنَ الأعْرافِ ﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وآخِرِ سُورَةِ المُؤْمِنِينَ ﴿فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ﴾ [المؤمنون: ١١٤]، وآيَةٍ مِن سُورَةِ الجِنِّ ﴿وأنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا﴾ [الجن: ٣]، وعَشْرِ آياتٍ مِن أوَّلِ الصّافّاتِ، وثَلاثِ آياتٍ مِن آخِرِ سُورَةِ الحَشْرِ، وقُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ والمُعَوِّذَتَيْنِ، فَقامَ الرَّجُلُ كَأنَّهُ لَمْ يَشْتَكِ قَطُّ» . وأخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ السُّنِّيِّ في عَمَلِ اليَوْمِ واللَّيْلَةَ مِن طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي يَعْلى عَنْ رَجُلٍ عَنْ أُبَيٍّ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ الدّارِمِيُّ وابْنُ الضُّرَيْسِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: مَن قَرَأ أرْبَعَ آياتٍ مَن أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ وآيَةِ الكُرْسِيِّ وآيَتَيْنِ بَعْدَ آيَةِ الكُرْسِيِّ وثَلاثًا مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ لَمْ يَقْرَبْهُ ولا أهْلَهُ يَوْمَئِذٍ شَيْطانٌ، ولا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ في أهْلِهِ ولا مالِهِ، ولا تُقْرَأُ عَلى مَجْنُونٍ إلّا أفاقَ. وأخْرَجَ الدّارِمِيُّ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ عَنْهُ قالَ: " مَن قَرَأ عَشْرَ آياتٍ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ البَيْتَ شَيْطانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتّى يُصْبِحَ: أرْبَعٌ مِن أوَّلِها، وآيَةُ الكُرْسِيِّ، وآيَتانِ بَعْدَها، وثَلاثٌ خَواتِمُها أوَّلُها ﴿لِلَّهِ ما في السَّماواتِ﴾ [البقرة: ٢٨٤] " . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ والدّارِمِيُّ والبَيْهَقِيُّ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، وكانَ مِن أصْحابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِنَحْوِهِ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إذا ماتَ أحَدُكم فَلا تَحْبِسُوهُ، وأسْرِعُوا بِهِ إلى قَبْرِهِ، ولْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفاتِحَةِ البَقَرَةِ وعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخاتِمَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ» وقَدْ ورَدَ في ذَلِكَ غَيْرُ هَذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب