الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ واعْلَمُوا أنَّ اللهِ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أضْعافًا كَثِيرَةً واللهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
الواوُ في هَذِهِ الآيَةِ عاطِفَةٌ جُمْلَةَ كَلامٍ عَلى جُمْلَةِ ما تَقَدَّمَ. هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، إنَّ هَذِهِ الآيَةَ هي مُخاطَبَةٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالقِتالِ في سَبِيلِ اللهِ، وهو الَّذِي يُنْوى بِهِ أنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيا حَسَبَ الحَدِيثِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَحّاكُ: الأمْرُ بِالقِتالِ هو لِلَّذِينِ أُحْيُوا مِن بَنِي إسْرائِيلَ، فالواوُ عَلى هَذا عاطِفَةٌ عَلى الأمْرِ المُتَقَدِّمِ، المَعْنى: وقالَ لَهُمْ: قاتِلُوا، قالَ الطَبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ولا وجْهَ لِقَوْلِ مَن قالَ: إنَّ الأمْرَ بِالقِتالِ هو لِلَّذِينِ أُحْيُوا. و"سَمِيعٌ" مَعْناهُ لِلْأقْوالِ، "عَلِيمٌ" بِالنِيّاتِ.
(p-٦١٢)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ﴾ الآيَةُ فَدَخَلَ في ذَلِكَ المُقاتِلُ في سَبِيلِ اللهِ، فَإنَّهُ يُقْرِضُ رَجاءَ الثَوابِ كَما فَعَلَ عُثْمانُ رَضِيَ اللهُ عنهُ في جَيْشِ العُسْرَةِ.
ويُرْوى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمّا نَزَلَتْ «قالَ أبُو الدَحْداحِ: يا رَسُولَ اللهِ أوَ أنَّ اللهَ يُرِيدُ مِنّا القَرْضَ؟"، قالَ: "نَعَمْ يا أبا الدَحْداحِ ". قالَ: "فَإنِّي قَدْ أقْرَضْتُ اللهَ حائِطِي" لِحائِطٍ فِيهِ سِتُّمائَةِ نَخْلَةٍ، ثُمَّ جاءَ الحائِطُ وفِيهِ أُمُّ الدَحْداحِ فَقالَ: "اخْرُجِي فَإنِّي قَدْ أقْرَضْتُ رَبِّي حائِطِي هَذا"، قالَ: فَكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "كَمْ مِن عَذْقٍ مُذَلِّلٍ لِأبِي الدَحْداحِ في الجَنَّةِ».
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُقالُ فِيهِ ابْنُ الدَحْداحَةِ، واسْتِدْعاءُ القَرْضِ في هَذِهِ الآيَةِ إنَّما هو تَأْنِيسٌ وتَقْرِيبٌ لِلنّاسِ بِما يَفْهَمُونَهُ، واللهُ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ لَكِنَّهُ تَعالى شَبَّهَ عَطاءَ المُؤْمِنِ في الدُنْيا ما يَرْجُو ثَوابَهُ في الآخِرَةِ بِالقَرْضِ، كَما شَبَّهَ إعْطاءَ النُفُوسِ والأمْوالِ في أخْذِ الجَنَّةِ بِالبَيْعِ والشِراءِ، وقَدْ ذَهَبَتِ اليَهُودُ في مُدَّةِ النَبِيِّ ﷺ إلى التَخْلِيطِ عَلى المُؤْمِنِينَ بِظاهِرِ الِاسْتِقْراضِ، وقالُوا: إلَهُكم مُحْتاجٌ يَسْتَقْرِضُ، وهَذا بَيِّنُ الفَسادِ.
(p-٦١٣)وَقَوْلُهُ: "حَسَنًا"، مَعْناهُ: تُطَيِّبُ فِيهِ النِيَّةُ، ويُشْبِهُ أيْضًا أنْ تَكُونَ إشارَةً إلى كَثْرَتِهِ وجَوْدَتِهِ.
واخْتَلَفَ القُرّاءُ فِي: تَشْدِيدِ العَيْنِ وتَخْفِيفِها -وَرَفْعُ الفاءِ ونَصْبُها- وإسْقاطُ الألِفِ وإثْباتُها مِن قَوْلِهِ تَعالى: "فَيُضاعِفَهُ"، فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "فَيُضَعِّفُهُ" بِرَفْعِ الفاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ وتَشْدِيدِ العَيْنِ في جَمِيعِ القُرْآنِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ نَصَبَ الفاءَ في جَمِيعِ القُرْآنِ، ووافَقَهُ عاصِمٌ عَلى نَصْبِ الفاءِ إلّا أنَّهُ أثْبَتَ الألِفَ في "فَيُضاعِفُهُ" في جَمِيعِ القُرْآنِ وكانَ أبُو عَمْرٍو لا يُسْقِطُ الألِفَ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ إلّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ﴾ [الأحزاب: ٣٠] مِن سُورَةِ الأحْزابِ فَإنَّهُ بِغَيْرِ ألِفٍ كانَ يَقْرَؤُهُ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ونافِعٌ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالألِفِ ورَفْعِ الفاءِ.
فالرَفْعُ في الفاءِ يَتَخَرَّجُ عَلى وجْهَيْنِ: أحَدُهُما العَطْفُ عَلى ما في الصِلَةِ، وهو "يُقْرِضُ"، والآخِرُ أنْ يَسْتَأْنِفَ الفِعْلَ ويَقْطَعَهُ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: والرَفْعُ في هَذا الفِعْلِ أحْسَنُ، لِأنَّ النَصْبَ إنَّما هو بِالفاءِ في جَوابِ الِاسْتِفْهامِ، وذَلِكَ إنَّما يَتَرَتَّبُ إذا كانَ الِاسْتِفْهامُ عن نَفْسِ الفِعْلِ الأوَّلِ ثُمَّ يَجِيءُ الثانِي مُخالِفًا لَهُ. تَقُولُ: أتُقْرِضُنِي فَأشْكُرُكَ؟ وهاهُنا: إنَّما الِاسْتِفْهامُ عَنِ الَّذِي يُقْرِضُ لا عَنِ الإقْراضِ، ولَكِنَّ تَحَمُّلَ قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ وعاصِمٍ في النَصْبِ عَلى المَعْنى، لِأنَّهُ لَمْ يَسْتَفْهِمْ عن فاعِلِ الإقْراضِ إلّا مِن أجْلِ الإقْراضِ، فَكَأنَّ الكَلامَ: أيُقْرِضُ أحَدٌ اللهَ فَيُضاعِفَهُ لَهُ.
ونَظِيرُ هَذا -فِي الحَمْلِ عَلى المَعْنى- قِراءَةُ مَن قَرَأ: مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ، ويَذَرُهُمْ" بِجَزْمٍ "وَيَذَرُهُمْ" لَمّا كانَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَلا هادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦] فَلا يُهْدَهُ. وهَذِهِ الأضْعافُ الكَثِيرَةُ هي إلى السَبْعِمائَةِ الَّتِي رُوِيَتْ ويُعْطِيها مِثالُ السُنْبُلَةِ.
(p-٦١٤)وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "يَبْسُطُ" بِالسِينِ، ونافِعٌ بِالصادِّ، في المَشْهُورِ عنهُ. وقالَ الحَلْوانِيُّ، عن قالُونَ، عن نافِعٍ: إنَّهُ لا يُبالِي كَيْفَ قَرَأ: "بَسْطَةً ويَبْسُطُ" بِالسِينِ أو بِالصادِّ.
ورَوى أبُو قُرَّةَ، عن نافِعٍ: "يَبْسُطُ" بِالسِينِ. ورُوِيَ «أنَّ النَبِيَّ ﷺ طَلَبَ مِنهُ أنْ يُسَعِّرُ بِسَبَبِ غَلاءٍ خِيفَ عَلى المَدِينَةِ فَقالَ: "إنَّ اللهَ هو الباسِطُ القابِضُ، وإنِّي لَأرْجُو أنْ ألْقى اللهَ ولا يُتْبِعُنِي أحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ في نَفْسٍ ولا مالٍ».
{"ayahs_start":244,"ayahs":["وَقَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ","مَّن ذَا ٱلَّذِی یُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا فَیُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥۤ أَضۡعَافࣰا كَثِیرَةࣰۚ وَٱللَّهُ یَقۡبِضُ وَیَبۡصُۜطُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ"],"ayah":"مَّن ذَا ٱلَّذِی یُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا فَیُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥۤ أَضۡعَافࣰا كَثِیرَةࣰۚ وَٱللَّهُ یَقۡبِضُ وَیَبۡصُۜطُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق