الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله، فيعين مضعفا، [[أضعف الرجل فهو مضعف: ضعفت دابته، يعينه بإبداله دابة غيرها.]] أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله، ويعطي منهم مقترا؟ وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه. وإنما سماه الله تعالى ذكره"قرضا"، لأن معنى"القرض" إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له، ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله، إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة، سماه"قرضا"، إذ كان معنى"القرض" في لغة العرب ما وصفنا. وإنما جعله تعالى ذكره"حسنا"، لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه، احتسابا منه. فهو لله طاعة، وللشياطين معصية. [[في المطبوعة: "وللشياطين معصية"، وفي المخطوطة: "وللسلطان"، وهو سهو من الناسخ.]] وليس ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه، ولكن ذلك كقول العرب:"عندي لك قرض صدق، وقرض سوء"، للأمر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته، [[في المطبوعة"يأتي فيه الرجل. . . "، وفي المخطوطة: "يأتي فيه الرجل" غير منقوطة، ونقل أبو حيان في تفسيره ٢: ٢٤٨ هذا القول عن الأخفش، ونصه: "لأمر تأتي مسرته أو مساءته"، ولكني استظهرت قراءتها كما أثبت، فجميع ما مضى تحريف.]] كما قال الشاعر: [[هو أمية بن أبي الصلت.]] كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا ... أو سيئا، ومدينا بالذي دانا [[ديوانه: ٦٣، واللسان (قرض) ، وروايته"أو مدينا مثل ما دنا"، وفي الديوان: "كالذي دانا".]] * * * فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الآية نظيرة الآية التي قال الله فيها تعالى ذكره: [[في المطبوعة: "قال الله فيها تعالى ذكره"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة: ٢٦١] . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول: ٥٦١٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا"، قال: هذا في سبيل الله="فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، قال: بالواحد سبعمئة ضعف. ٥٦١٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، جاء ابن الدحداح إلى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله، ألا أرى ربنا يستقرضنا؟ مما أعطانا لأنفسنا! وإن لي أرضين: إحداهما بالعالية، والأخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة! قال: فكان النبي ﷺ يقول:"كم من عذق مذلل لابن الدحداح في الجنة! [[الحديث: ٥٦١٨ - هذا حديث مرسل، فهو ضعيف الإسناد، لأن زيد بن أسلم تابعي، ولم يذكر من حدثه به من الصحابة. والحديث ثابت في تفسير عبد الرزاق، ص: ٣١ (مخطوط مصور) ، عن معمر، به. وهو عند السيوطي ١: ٣١٢، ولم ينسبه لغير عبد الرزاق والطبري. وقد ذكر ابن كثير ١: ٥٩٤ أن ابن مردويه روى نحو الحديث الآتي: ٥٦٢٠"من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، مرفوعا بنحوه". وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ضعيف جدا، كما بينا في: ١٨٥ فلا قيمة لهذا الرواية. وسيأتي عقب هذا حديث آخر مرسل بمعناه، ثم: ٥٦٢٠، من حديث ابن مسعود. ونرجئ بيان أصل القصة حتى نتحدث عنها هناك. قوله"ابن الدحداح" و"لابن الدحاح": هذا هو الثابت في تفسير عبد الرزاق، وهو الذي أثبتناه هنا. وفي المخطوطة -فيهما-"الدحداحة". وفي المطبعة"أبو الدحداح"، و"لأبي الدحداح". وما في تفسير عبد الرزاق أرجح، لأنه الأصل الذي روى عنه الطبري. قوله: "إنما أعطانا لأنفسنا": هو الثابت عند عبد الرزاق، وهو أجود. وكان في المطبوعة"مما" بدل"إنما". "العذق" (بفتح فسكون) : النخلة. أما"العذق" -بكسر العين: فهو عرجون النخلة. و"المذلل"- بفتح اللام الأولى مشددة: الذي قد دليت عناقيده، حتى يسهل اجتناء ثمرته، لدنوها من قاطفها.]] . ٥٦١٩- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي ﷺ لما سمع بهذه الآية قال:"أنا أقرض الله"، فعمد إلى خير حائط له فتصدق به. قال، وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون، وهو الولي الحميد ويستقرض عباده. [[الحديث: ٥٦١٩- وهذا مرسل أيضًا، فهو ضعيف الإسناد، وآخره موقوف من كلام قتادة. وذكره السيوطي ١: ٣١٢، ونسبه لعبد بن حميد، وابن جرير، فقط. ولم يذكر كلام قتادة في آخره. في المخطوطة: "ويسعر عباده"، هكذا غير معجمة ولا مبينة، وتركت ما في المطبوعة على حاله، فهو في سياقة المعنى. والأثر في الدر المنثور ١: ٣٢١، ولكنه أسقط هذه الجملة الأخيرة عن قتادة.]] ٥٦٢٠- حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي النيسابوري قال، حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا"، قال أبو الدحداح: يا رسول الله، أو إن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: يدك! قال: [[في المطبوعة: "قال: يدك قبل، فناوله"، وفي المخطوطة: "يدك قيل" ثم وضع ألفا على رأس الياء بعد القاف، كأن أراد أن يجعلها"قال" كما أثبتها ورجحتها، لنص مجمع الزوائد ٩: ٣٢٤: "قال: أرنا يدك. قال: فناوله يده".]] . فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، حائطا فيه ستمئة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها، فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك! قال: اخرجي! قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمئة نخلة. [[الحديث: ٥٦٢٠ - وهذا إسناد ضعيف جدا. محمد بن معاوية بن يزيد الأنماطي - شيخ الطبري: ثقة مترجم في التهذيب، وتاريخ بغداد ٣: ٢٧٤- ٢٧٥. خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي: ثقة، تغير في آخر عمره، مات نحو سنة ١٨١، وهو ابن ١٠١ سنة، وقد فصلنا القول في ترجمته في المسند: ٥٨٨٥. حميد الأعرج الكوفي القاص: هو حميد بن علي، على ما جزم به البخاري في +الكثير ١/ ٢ / ٣٥١، والضعفاء، ص: ٩. ويقال: "حميد بن عطاء" وهو الذي جزم به ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٢٢٦ - ٢٢٧، وابن حبان في كتاب المجروحين، رقم: ٢٦٥. وهو ضعيف جدا. قال البخاري: "منكر الحديث". وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، قد لزم عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود، ولا يعرف لعبد الله بن الحارث عن ابن مسعود شيء! ". وقال ابن حبان: "يروى عن عبد الله بن الحرث عن ابن مسعود- نسخة كأنها موضوعة. لا يحتج بخبره إذا انفرد". عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب: ثقة. سبق في ترجمة الراوي عنه قول أبي حاتم أنه لا يعرف له شيء عن ابن مسعود. فالبلاء في هذه الرواية من حميد الأعرج. وهذا الحديث رواه أيضًا ابن أبي حاتم، عن الحسن بن عرفة، عن خلف بن خليفة، بهذا الإسناد. على ما نقله عنه ابن كثير ١: ٥٩٣- ٥٩٤. وذكره السيوطي ١: ٣١٢، وزاد نسبته لسعيد بن منصور، وابن سعد، والبزار، وابن المنذر، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٦: ٣٢٠، بنحوه. وقال: "رواه البزار، ورجاله ثقات". ثم ذكره مرة أخرى ٩: ٣٢٤ بلفظ آخر نحوه. وقال: " رواه أبو يعلى، والطبراني، ورجالهما ثقات. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح". هكذا قال الهيثمي في الموضعين. وليس عندي إسناد من الأسانيد التي نسبه إليها، ولا الكتب التي ذكرها السيوطي، إلا ابن سعد. ولم أجده فيه، لأن النسخة المطبوعة من طبقات ابن سعد تنقص كثيرا من الكتاب، كما هو معروف. ولقصة أبي الدحداح أصل آخر صحيح. من حديث أنس، رواه أحمد في المسند: ١٢٥٠٩ (٣: ١٤٦ حلبي) ، بإسناد صحيح: "عن أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي ﷺ: أعطها إياه بنخلة في الجنة، فأبى، فأتاه أبو الدحداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي! ففعل، فأتى النبي ﷺ،. فقال: يا رسول الله، إني قد ابتعت النخلة بحائطي، قال: فاجعلها له، فقد أعطيتكها. فقال رسول الله ﷺ: كم من عذق راح، لأبي الدحداح، في الجنة. قالها مرارا، قال: فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة. فقالت: ربح البيع، أو كلمة تشبهها". وحديث أنس هذا في مجمع الزوائد ٩: ٣٢٣-٣٢٤. وقال: "رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح". ووقع في مطبوعة مجمع الزوائد سقط نحو سطر أثناء الحديث، يصحح من هذا الموضع. وله أصل ثان صحيح. فروى مسلم في صحيحه ١: ٢٦٤، عن جابر بن سمرة، قال: "صلى رسول الله ﷺ على ابن الدحداح، ثم أتى بفرس عري، فعقله رجل فركبه، فجعل يتوقص به، ونحن نتبعه نسعى خلفه، قال: فقال رجل من القوم: إن لنبي ﷺ قال: كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح". "أو قال شعبة: لأبي الدحداح". و"أبو الدحداح": هو ثابت بن الدحداح، أو ابن الدحداحة. ويكنى"أبا الدحداح" أو"أبا الدحداحة"، مترجم في الإصابة ١: ١٩٩. ثم ترجمه في الكنى ٧: ٥٧ - ٥٨، وذكر الخلاف في أنه واحد أو اثنان. ثم زعم أن الحق أن الثاني غير الأول! واستدل بحديث نقله من رواية أبي نعيم ضعيف، وأن في إسناده رجلا"واهى الحديث"!! فسقط الاستدلال به دون ريب. الحائط: بستان النخيل إذا كان عليه جدار يحيط به، فإن لم يكن عليه الحائط فهو"ضاحية".]] * * * وأما قوله:"فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، فإنه عدة من الله تعالى ذكره مقرضه ومنفق ماله في سبيل الله من إضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته، ما لا حد له ولا نهاية، كما: - ٥٦٢١- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو. وقد: - ٥٦٢٢- وقد حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن صاحب له يذكر عن بعض العلماء قال: إن الله أعطاكم الدنيا قرضا، وسألكموها قرضا، فإن أعطيتموها طيبة بها أنفسكم، ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السبعمئة، إلى أكثر من ذلك. وإن أخذها منكم وأنتم كارهون، فصبرتم وأحسنتم، كانت لكم الصلاة والرحمة، وأوجب لكم الهدى. [[يريد قول الله تعالى في [سورة البقرة: ١٥٦، ١٥٧] ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾]] * * * قال أبو جعفر: وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: ﴿فيضاعفه﴾ بالألف ورفعه، بمعنى: الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له= نسق"يضاعف" على قوله:"يقرض". * * * وقرأه آخرون بذلك المعنى: ﴿فيضعفه﴾ ، غير أنهم قرءوا بتشديد"العين" وإسقاط"الألف". * * * وقرأه آخرون: ﴿فيضاعفه له﴾ بإثبات"الألف" في"يضاعف" ونصبه، بمعنى الاستفهام. فكأنهم تأولوا الكلام: من المقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له؟ فجعلوا قوله:"فيضاعفه" جوابا للاستفهام، وجعلوا:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" اسما. لأن"الذي" وصلته، بمنزلة"عمرو" و"زيد". فكأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى قول القائل:"من أخوك فتكرمه"، لأن الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء= إذا لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعل مستقبل= نصبه. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: ﴿فيضاعفه له﴾ بإثبات"الألف". ورفع"يضاعف". لأن في قوله:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" معنى الجزاء. والجزاء إذا دخل في جوابه"الفاء"، لم يكن جوابه ب"الفاء" لا رفعا. فلذلك كان الرفع في"يضاعفه" أولى بالصواب عندنا من النصب. وإنما اخترنا"الألف" في"يضاعف" من حذفها وتشديد"العين"، لأن ذلك أفصح اللغتين وأكثرهما على ألسنة العرب. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها، دون غيره ممن ادعى أهل الشرك به أنهم آلهة، واتخذوه ربا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله ﷺ، الذي: - ٥٦٢٣- حدثنا به محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا حجاج= وحدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي قال، حدثنا حجاج وأبو ربيعة قالا= حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد وقتادة، عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله ﷺ، قال فقالوا: يا رسول الله، غلا السعر فأسعر لنا! فقال رسول الله ﷺ:"إن الله الباسط القابض الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ومال". [[الحديث: ٥٦٢٣ -عبد الملك بن محمد الرقاشي أبو قلابة- شيخ الطبري: مضت ترجمته في: ٤٣٣١. الحجاج؛ هو ابن المنهال الأنماطي. أبو ربيعة: هو زيد بن عوف القطعي، ولقبه"فهد". تكلموا فيه كثيرا لأحاديث رواها عن حماد بن سلمة. وأما البخاري فقال في الكبير ٢/١/ ٣٦٩: "سكتوا عته". وهو مترجم أيضًا في ابن أبي حاتم ١/٢/ ٥٧٠ - ٥٧١، ولسان الميزان. ومهما يكن من شأنه، فإنه لم ينفرد بهذا الحديث، فلا يؤثر فيه ضعفه إن كان ضعيفا. والحديث صحيح بهذا الإسناد، من جهة الحجاج بن المنهال، ومن الروايات الأخر التي سنذكر. فرواه أحمد في المسند: ١٢٦١٨ (٣: ١٥٦ حلبي) ، عن سريج ويونس بن محمد، عن حماد ابن سلمة، عن قتادة وثابت البناني، عن أنس. ورواه أيضًا: ١٤١٠٢ (٣: ٢٨٦ حلي) ، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس. ورواه الترمذي ٢: ٢٧١- ٢٧٢، وابن ماجه: ٢٢٠٠- كلاهما من طريق الحجاج بن النهال بهذا الإسناد. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". ورواه أبو دواد: ٣٤٥١، من طريق عفان، عن حماد، به. وذكره السيوطي ١: ٣١٣، وزاد نسبته للبيهقي في السنن.]] . * * * قال أبو جعفر: يعني بذلك ﷺ: أن الغلاء والرخص والسعة والضيق بيد الله دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره:،"والله يقبض ويبسط"، يعني بقوله:"يقبض"، يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه= ويعني بقوله: و"يبسط" يوسع ببسطة الرزق على من يشاء منهم. وإنما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك، حث عباده المؤمنين- الذين قد بسط عليهم من فضله، فوسع عليهم من رزقه- على تقوية ذوي الإقتار منهم بماله، ومعونته بالإنفاق عليه وحمولته على النهوض لقتال عدوه من المشركين في سبيله، [[الحمولة (بفتح الحاء) : كل ما يحمل عليه الناس من إبل وحمير وغيرها. والحمولة (بضم الحاء) الأحمال والأثقال. هذا وأخشى أن يكون صواب العبارة في الأصل"بالأنفاق عليه وعلىحملته" وقوله: "علي النهوض" متعلق بقوله: "ومعونته".]] فقال تعالى ذكره: من يقدم لنفسه ذخرا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي، فأضاعف له من ثوابي أضعافا كثيرة مما أعطاه وقواه به؟ فإني -أيها الموسع- [[في المطبوعة: "فإني أنا الموسع الذى قبضت"، وهو كلام لا يستقيم أبدا، والصواب ما في المخطوطة. و"الموسع": الغني الذى كثر ماله. من قولهم: "أوسع الرجل"، صار ذا سعة وغنى وكثر ماله. وقال الله تعالى: "علي الموسع قدره وعلي المقتر قدره". وانظر ما سلف في تفسير"الوسع" في هذا الجزء: ٤٥. وسياق العبارة"فانى.... الذي قبضت".]] الذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطائه، لأبتليه بالصبر على ما ابتليته به= والذي بسطت عليك لأمتحنك بعملك فيما بسطت عليك، فأنظر كيف طاعتك إياي فيه، فأجازي كل واحد منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه وامتحنتكما به، من غنى وفاقة، وسعة وضيق، عند رجوعكما إلي في آخرتكما، ومصيركما إلي في معادكما. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٥٦٢٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" الآية، قال: علم أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنى، فندب هؤلاء فقال:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط"؟ قال: بسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، [[في المطبوعة والمخطوطة: "يبسط عليك" مضارعا، وهو لا يطابق قوله بعد: "وقبض". فجعلتها"بسط"، وإن شئت جعلت الأخرى: "ويقبض"، كما في الدر المنثور ١: ٣١٣، وأنا أرجع الأولى.]] وقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له، فقوه مما في يدك، يكن لك في ذلك حظ. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإلى الله معادكم، أيها الناس، فاتقوا الله في أنفسكم أن تضيعوا فرائضه وتتعدوا حدوده، وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربه، وأن يحمل المقتر منكم- إذ قبض عن رزقه- إقتاره على معصيته، والتقدم على ما نهاه، [[في المطبوعة: "وأن يحل بالمقتر منكم فقبض عنه رزقه، إقتاره...."، وهو كلام فاسد وفي المخطوطة: "وأن يحمل المقتر منكم فقبض عنه رزقه. . . " وهو لا يستقيم أيضًا، ورجحت أن تكون الأولى" المقتر" كما في المخطوطة، وأن تكون الأخرى"إذ قبض"، أو"بقبضه عنه ... " وسياق الجملة: "وأن يحمل المقتر منكم ... إقتاره علي معصيته) .]] فيستوجب بذلك عند مصيره إلى خالقه، ما لا قبل له به من أليم عقابه. [[في المطبوعة: "فيستوجب بذلك منه بمصيره. . . وهو كلام شديد الخلل. وفي المخطوطة: "عنه مصيره"، وظاهر أن الهاء المرسلة من"عنه"، دال"عند".]] * * * وكان قتادة يتأول قوله:"وإليه ترجعون"، وإلى التراب ترجعون. [[في المخطوطة: "وإلى الثواب"، و"من الثواب ... " وهو ظاهر الفساد، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق.]] ٥٦٢٥- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإليه ترجعون"، من التراب خلقهم، وإلى التراب يعودون. [[في المخطوطة: "وإلى الثواب"، و"من الثواب ... " وهو ظاهر الفساد، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب