الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أضْعافًا كَثِيرَةً واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فِي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَ بِالقِتالِ في سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ فِيهِ عَلى قَوْلَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِما قَبْلَها، والمُرادُ مِنها القَرْضُ في الجِهادِ خاصَّةً، فَنَدَبَ العاجِزَ عَنِ الجِهادِ أنْ يُنْفِقَ عَلى الفَقِيرِ القادِرِ عَلى الجِهادِ، وأمَرَ القادِرَ عَلى الجِهادِ أنْ يُنْفِقَ عَلى نَفْسِهِ في طَرِيقِ الجِهادِ، ثُمَّ أكَّدَ تَعالى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ﴾ وذَلِكَ لِأنَّ مَن عَلِمَ ذَلِكَ كانَ اعْتِمادُهُ عَلى فَضْلِ اللَّهِ تَعالى أكْثَرَ مِنِ اعْتِمادِهِ عَلى مالِهِ وذَلِكَ يَدْعُوهُ إلى إنْفاقِ المالِ في سَبِيلِ اللَّهِ، والِاحْتِرازِ عَنِ البُخْلِ بِذَلِكَ الإنْفاقِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ هَذا الكَلامَ مُبْتَدَأٌ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِما قَبْلَهُ، ثُمَّ القائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ اخْتَلَفُوا فَمِنهم مَن قالَ: المُرادُ مِن هَذا القَرْضِ إنْفاقُ المالِ، ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ غَيْرُهُ، والقائِلُونَ بِأنَّهُ إنْفاقُ المالِ لَهم ثَلاثَةُ أقْوالٍ: الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنَ الآيَةِ ما لَيْسَ بِواجِبٍ مِنَ الصَّدَقَةِ، وهو قَوْلُ الأصَمِّ واحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى سَمّاهُ بِالقَرْضِ، والقَرْضُ لا يَكُونُ إلّا تَبَرُّعًا. الحُجَّةُ الثّانِيَةُ: سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ «قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: نَزَلَتِ الآيَةُ في أبِي الدَّحْداحِ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي حَدِيقَتَيْنِ فَإنْ تَصَدَّقْتُ بِإحْداهُما فَهَلْ لِي مِثْلاها في الجَنَّةِ ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: وأُمُّ الدَّحْداحِ مَعِي ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: والصِّبْيَةُ مَعِي ؟ قالَ: نَعَمْ، فَتَصَدَّقَ بِأفْضَلِ حَدِيقَتَيْهِ، وكانَتْ تُسَمّى الجُنَيْنَةَ، قالَ: (p-١٤٢)فَرَجَعَ أبُو الدَّحْداحِ إلى أهْلِهِ وكانُوا في الحَدِيقَةِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِها، فَقامَ عَلى بابِ الحَدِيقَةِ، وذَكَرَ ذَلِكَ لِامْرَأتِهِ فَقالَتْ أُمُّ الدَّحْداحِ: بارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيما اشْتَرَيْتَ، فَخَرَجُوا مِنها وسَلَّمُوها، فَكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: كَمْ مِن نَخْلَةٍ رَداحٍ، تُدْلِي عُرُوقَها في الجَنَّةِ لِأبِي الدَّحْداحِ» . إذا عَرَفْتَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ظَهَرَ أنَّ المُرادَ بِهَذا القَرْضِ ما كانَ تَبَرُّعًا لا واجِبًا. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن هَذا القَرْضِ الإنْفاقُ الواجِبُ في سَبِيلِ اللَّهِ، واحْتَجَّ هَذا القائِلُ عَلى قَوْلِهِ بِأنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في آخِرِ الآيَةِ: ﴿وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وذَلِكَ كالزَّجْرِ، وهو إنَّما يَلِيقُ بِالواجِبِ. والقَوْلُ الثّالِثُ: وهو الأقْرَبُ أنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كِلا القِسْمَيْنِ، كَما أنَّهُ داخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ﴾ [البقرة: ٢٦١] مَن قالَ: المُرادُ مِن هَذا القَرْضِ شَيْءٌ سِوى إنْفاقِ المالِ، قالُوا: رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أصْحابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ: ”سُبْحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ“ قالَ القاضِي: وهَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّ لَفْظَ الإقْراضِ لا يَقَعُ عَلَيْهِ في عُرْفِ اللُّغَةِ، ثُمَّ قالَ: ولا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذا القَوْلِ عَلى الصِّحَّةِ، إلّا أنْ نَقُولَ: الفَقِيرُ الَّذِي لا يَمْلِكُ شَيْئًا إذا كانَ في قَلْبِهِ أنَّهُ لَوْ كانَ قادِرًا لَأنْفَقَ وأعْطى، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ تِلْكَ النِّيَّةُ قائِمَةً مَقامَ الإنْفاقِ، وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: ”«مَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ما يَتَصَدَّقُ بِهِ فَلْيَلْعَنِ اليَهُودَ فَإنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ» “ . * * * المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّ إطْلاقَ لَفْظِ القَرْضِ عَلى هَذا الإنْفاقِ حَقِيقَةٌ أوْ مَجازٌ، قالَ الزَّجّاجُ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ، وذَلِكَ لِأنَّ القَرْضَ هو كُلُّ ما يُفْعَلُ لِيُجازى عَلَيْهِ، تَقُولُ العَرَبُ: لَكَ عِنْدِي قَرْضٌ حَسَنٌ وسَيِّئٌ، والمُرادُ مِنهُ الفِعْلُ الَّذِي يُجازى عَلَيْهِ، قالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ: ؎كُلُّ امْرِئٍ سَوْفَ يُجْزى قَرْضَهُ حَسَنًا أوْ سَيِّئًا أوْ مَدِينًا كالَّذِي دانا ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ القَرْضَ ما ذَكَرْناهُ أنَّ القَرْضَ أصْلُهُ في اللُّغَةِ القَطْعُ، ومِنهُ القِراضُ، وانْقَرَضَ القَوْمُ إذا هَلَكُوا، وذَلِكَ لِانْقِطاعِ أثَرِهِمْ فَإذا أقْرَضَ فالمُرادُ قَطَعَ لَهُ مِن مالِهِ أوْ عَمَلِهِ قِطْعَةً يُجازى عَلَيْها. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ لَفْظَ القَرْضِ هَهُنا مَجازٌ، وذَلِكَ لِأنَّ القَرْضَ هو أنْ يُعْطِيَ الإنْسانُ شَيْئًا لِيَرْجِعَ إلَيْهِ مِثْلُهُ، وهَهُنا المُنْفِقُ في سَبِيلِ اللَّهِ إنَّما يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ بَدَلَهُ إلّا أنَّهُ جَعَلَ الِاخْتِلافَ بَيْنَ هَذا الإنْفاقِ وبَيْنَ القَرْضِ مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّ القَرْضَ إنَّما يَأْخُذُهُ مَن يَحْتاجُ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ وذَلِكَ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى مُحالٌ. وثانِيها: أنَّ البَدَلَ في القَرْضِ المُعْتادِ لا يَكُونُ إلّا المِثْلَ، وفي هَذا الإنْفاقِ هو الضِّعْفُ. وثالِثُها: أنَّ المالَ الَّذِي يَأْخُذُهُ المُسْتَقْرِضُ لا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ، وهَهُنا هَذا المالُ المَأْخُوذُ مِلْكٌ لِلَّهِ، ثُمَّ مَعَ حُصُولِ هَذِهِ الفُرُوقِ سَمّاهُ اللَّهُ قَرْضًا، والحِكْمَةُ فِيهِ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ ذَلِكَ لا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ، فَكَما أنَّ القَرْضَ يَجِبُ أداؤُهُ لا يَجُوزُ الإخْلالُ بِهِ فَكَذا الثَّوابُ الواجِبُ عَلى هَذا الإنْفاقِ واصِلٌ إلى المُكَلَّفِ لا مَحالَةَ، ويُرْوى أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَتِ اليَهُودُ: إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أغْنِياءُ، فَهو يَطْلُبُ مِنّا القَرْضَ، وهَذا الكَلامُ لائِقٌ بِجَهْلِهِمْ وحُمْقِهِمْ، لِأنَّ الغالِبَ عَلَيْهِمُ التَّشْبِيهُ، ويَقُولُونَ: إنَّ مَعْبُودَهم شَيْخٌ، قالَ القاضِيَ: مَن يَقُولُ في مَعْبُودِهِ مِثْلَ هَذا القَوْلِ لا يُسْتَبْعَدُ مِنهُ أنْ يَصِفَهُ بِالفَقْرِ. فَإنْ قِيلَ: فَما مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ ولِأيِّ فائِدَةٍ جَرى الكَلامُ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِفْهامِ ؟ (p-١٤٣)قُلْنا: إنَّ ذَلِكَ في التَّرْغِيبِ في الدُّعاءِ إلى الفِعْلِ أقْرَبُ مِن ظاهِرِ الأمْرِ. * * * أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الواحِدِيُّ: القَرْضُ في هَذِهِ الآيَةِ اسْمٌ لا مَصْدَرٌ، ولَوْ كانَ مَصْدَرًا لَكانَ ذَلِكَ إقْراضًا. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: كَوْنُ القَرْضِ حَسَنًا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أحَدُها: أرادَ بِهِ حَلالًا خالِصًا لا يَخْتَلِطُ بِهِ الحَرامُ؛ لِأنَّ مَعَ الشُّبْهَةِ يَقَعُ الِاخْتِلاطُ، ومَعَ الِاخْتِلاطِ رُبَّما قَبُحَ الفِعْلُ. وثانِيها: أنْ لا يُتْبِعَ ذَلِكَ الإنْفاقَ مَنًّا ولا أذًى. وثالِثُها: أنْ يَفْعَلَهُ عَلى نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ تَعالى، لِأنَّ ما يُفْعَلُ رِياءً وسُمْعَةً لا يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوابَ. * * * أمّا قَوْلُهُ تَعالى: (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) فَفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: في قَوْلِهِ: (فَيُضاعِفَهُ) أرْبَعُ قِراءاتٍ: أحَدُها: قَرَأ أبُو عَمْرٍو ونافِعٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( فَيُضاعِفُهُ) بِالألِفِ والرَّفْعِ. والثّانِي: قَرَأ عاصِمٌ (فَيُضاعِفَهُ) بِألِفٍ والنَّصْبِ. والثّالِثُ: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ (فَيُضَعِّفُهُ) بِالتَّشْدِيدِ والرَّفْعِ بِلا ألِفٍ. والرّابِعُ: قَرَأ ابْنُ عامِرٍ (فَيُضَعِّفَهُ) بِالتَّشْدِيدِ والنَّصْبِ. فَنَقُولُ: أمّا التَّشْدِيدُ والتَّخْفِيفُ فَهُما لُغَتانِ، ووَجْهُ الرَّفْعِ العَطْفُ عَلى يُقْرِضُ، ووَجْهُ النَّصْبِ أنْ يُحْمَلَ الكَلامُ عَلى المَعْنى، لا عَلى اللَّفْظِ؛ لِأنَّ المَعْنى يَكُونُ قَرْضًا فَيُضاعِفُهُ، والِاخْتِيارُ الرَّفْعُ؛ لِأنَّ فِيهِ مَعْنى الجَزاءِ، وجَوابُ الجَزاءِ بِالفاءِ لا يَكُونُ إلّا رَفْعًا. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: التَّضْعِيفُ والإضْعافُ والمُضاعَفَةُ واحِدٌ، وهو الزِّيادَةُ عَلى أصْلِ الشَّيْءِ حَتّى يَبْلُغَ مِثْلَيْنِ أوْ أكْثَرَ، وفي الآيَةِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: فَيُضاعِفُ ثَوابَهُ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ أضْعافًا كَثِيرَةً﴾ فَمِنهم مَن ذَكَرَ فِيهِ قَدْرًا مُعَيَّنًا، وأجْوَدُ ما يُقالُ فِيهِ: إنَّهُ القَدْرُ المَذْكُورُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ﴾ [البقرة: ٢٦١] فَيُقالُ يُحْمَلُ المُجْمَلُ عَلى المُفَسَّرِ؛ لِأنَّ كِلْتا الآيَتَيْنِ ورَدَتا في الإنْفاقِ، ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ عَنْهُ بِأنَّهُ تَعالى لَمْ يَقْتَصِرْ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى التَّحْدِيدِ، بَلْ قالَ بَعْدَهُ: ﴿واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] . والقَوْلُ الثّانِي: وهو الأصَحُّ واخْتِيارُ السُّدِّيِّ: أنَّ هَذا التَّضْعِيفَ لا يَعْلَمُ أحَدٌ ما هو وكَمْ هو ؟ وإنَّما أبْهَمَ تَعالى ذَلِكَ لِأنَّ ذِكْرَ المُبْهَمِ في بابِ التَّرْغِيبِ أقْوى مِن ذِكْرِ المَحْدُودِ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ﴾ فَفي بَيانِ أنَّ هَذا كَيْفَ يُناسِبُ ما تَقَدَّمَ وُجُوهٌ: أحَدُها: أنَّ المَعْنى أنَّهُ تَعالى لَمّا كانَ هو القابِضَ الباسِطَ، فَإنْ كانَ تَقْدِيرُ هَذا الَّذِي أُمِرَ بِإنْفاقِ المالِ الفَقْرَ؛ فَلْيُنْفِقِ المالَ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَإنَّهُ سَواءٌ أنَفَقَ أوْ لَمْ يُنْفِقْ فَلَيْسَ لَهُ إلّا الفَقْرُ، وإنْ كانَ تَقْدِيرُهُ الغِنى؛ فَلْيُنْفِقْ فَإنَّهُ سَواءٌ أنَفَقَ أوْ لَمْ يُنْفِقْ، فَلَيْسَ لَهُ إلّا الغِنى والسَّعَةُ وبَسْطُ اليَدِ، فَعَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ إنْفاقُ المالِ في سَبِيلِ اللَّهِ أوْلى. وثانِيها: أنَّ الإنْسانَ إذا عَلِمَ أنَّ القَبْضَ والبَسْطَ بِاللَّهِ، انْقَطَعَ نَظَرُهُ عَنْ مالِ الدُّنْيا، وبَقِيَ اعْتِمادُهُ عَلى اللَّهِ، فَحِينَئِذٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِ إنْفاقُ المالِ في سَبِيلِ مَرْضاةِ اللَّهِ تَعالى. وثالِثُها: أنَّهُ تَعالى يُوَسِّعُ عَنْ عِبادِهِ ويَقْتُرُ، فَلا تَبْخَلُوا عَلَيْهِ بِما وسَّعَ عَلَيْكم، لِئَلّا يُبَدِّلَ السَّعَةَ الحاصِلَةَ لَكم بِالضِّيقِ. ورابِعُها: أنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَهم بِالصَّدَقَةِ وحَثَّهم عَلَيْها أخْبَرَ أنَّهُ لا يُمْكِنُهم ذَلِكَ إلّا بِتَوْفِيقِهِ وإعانَتِهِ، فَقالَ: ﴿واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ﴾ يَعْنِي يَقْبِضُ القُلُوبَ حَتّى لا (p-١٤٤)تُقْدِمَ عَلى هَذِهِ الطّاعَةِ، ويَبْسُطُ بَعْضَها حَتّى يُقْدِمَ عَلى هَذِهِ الطّاعَةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ والمُرادُ بِهِ إلى حَيْثُ لا حاكِمَ ولا مُدَبِّرَ سِواهُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب