الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أصْلُ القَرْضِ ما يُعْطِيهِ الرَّجُلُ أوْ يَفْعَلُهُ لِيُجازَيَ عَلَيْهِ، وأصْلُهُ في اللُّغَةِ القَطْعُ، ومِنهُ أُخِذَ المِقْراضُ. فَمَعْنى أقْرَضْتُهُ: قَطَعْتُ لَهُ قِطْعَةً يُجازِينِي عَلَيْها. فَإنْ قِيلَ: ما وجْهُ تَسْمِيَةِ الصَّدَقَةِ قَرْضًا؟ فالجَوابُ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ. (p-٢٩٠)أحَدُهُما: لِأنَّ هَذا القَرْضَ يُبْدَلُ بِالجَزاءِ، والثّانِي: لِأنَّهُ يَتَأخَّرُ قَضاؤُهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، والثّالِثُ: لِتَأْكِيدِ اسْتِحْقاقِ الثَّوابِ بِهِ، إذْ لا يَكُونُ قَرْضٌ إلّا والعِوَضُ مُسْتَحَقٌّ بِهِ. فَأمّا اليَهُودُ فَإنَّهم جَهِلُوا هَذا، فَقالُوا: أيُسْتَقْرِضُ اللَّهُ مِنّا؟ وأمّا المُسْلِمُونَ فَوَثِقُوا بِوَعْدِ اللَّهِ، وبادَرُوا إلى مُعامَلَتِهِ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَ أبُو الدَّحْداحِ: وإنَّ اللَّهَ لِيُرِيدُ مِنّا القَرْضَ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: نَعَمْ. قالَ: أرِنِي يَدَكَ. قالَ: إنِّي أقْرَضْتُ رَبِّي حائِطِي، قالَ: وحائِطُهُ فِيهِ سِتُّمِائَةُ نَخْلَةٍ، ثُمَّ جاءَ إلى الحائِطِ، فَقالَ: يا أُمَّ الدَّحْداحِ اخْرُجِي مِنَ الحائِطِ، فَقَدْ أقْرَضْتُهُ رَبِّي. وفي بَعْضِ الألْفاظِ: فَعَمَدَتْ إلى صِبْيانِها تُخْرِجُ ما في أفَواهِهِمْ، وتَنْفُضُ ما في أكْمامِهِمْ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "كَمْ مِن عَذْقٍ رَداحٍ في الجَنَّةِ لِأبِي الدَّحْداحِ"» وفي مَعْنى القَرْضِ الحَسَنِ سِتَّةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الخالِصُ لِلَّهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ، والثّانِي: أنْ يَخْرُجَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ، والثّالِثُ: أنْ يَكُونَ حَلالًا، قالَهُ ابْنُ المُبارَكِ، والرّابِعُ: أنْ يَحْتَسِبَ عِنْدَ اللَّهِ ثَوابَهُ، والخامِسُ: أنْ لا يَتْبَعَهُ مَنًّا ولا أذًى، والسّادِسُ: أنْ يَكُونَ مِن خِيارِ المالِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيُضاعِفَهُ لَهُ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو فَيُضاعِفُهُ بِألِفٍ مَعَ رَفْعِ الفاءِ، كَذَلِكَ في جَمِيعِ القُرْآَنِ، إلّا في سُورَةِ الأحْزابِ (يُضَعِفُ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ) وقَرَأ نافِعٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، جَمِيعَ ذَلِكَ بِالألِفِ مَعَ رَفْعِ الفاءِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ (فَيُضَعِفُهُ) بِرَفْعِ الفاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ في جَمِيعِ القُرْآَنِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ (فَيُضَعِّفُهُ) بِغَيْرِ ألِفٍ مُشَدِّدَةٍ في جَمِيعِ القُرْآَنِ، ووافَقَهُ عاصِمٌ عَلى نَصْبِ الفاءِ في "فَيُضاعِفَهُ" إلّا أنَّهُ أثْبَتَ الألِفَ في جَمِيعِ القُرْآَنِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ لِلرَّفْعِ وجْهانِ. أحَدُهُما: أنْ يَعْطِفَهُ عَلى ما في الصِّلَةِ، وهو يُقْرِضُ، والثّانِي: أنْ يَسْتَأْنِفَهُ، ومِن نَصَبَ حَمَلَ الكَلامَ عَلى المَعْنى، لِأنَّ المَعْنى: أيَكُونُ قَرَضَ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ "فَيُضاعِفُهُ" وقالَ: ومَعْنى ضاعَفَ وضَعَفَ: واحِدٌ، والمُضاعَفَةُ: الزِّيادَةُ عَلى الشَّيْءِ (p-٢٩١)حَتّى يَصِيرَ مِثْلَيْنِ أوْ أكْثَرَ. وفي الأضْعافِ الكَثِيرِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها لا يُحْصى عَدَدُها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُّدِّيُّ. ورَوى أبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ «عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لِلْمُؤْمِنِ بِالحَسَنَةِ الواحِدَةِ ألْفَيْ ألْفِ حَسَنَةٍ. وقَرَأ هَذِهِ الآَيَةَ، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ ﷺ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ يُضاعِفُ الحَسَنَةَ ألْفَيْ ألْفِ حَسَنَةٍ" .» والثّانِي: أنَّها مَعْلُومَةُ المِقْدارِ، فالدِّرْهَمُ بِسَبْعِمِائَةٍ، كَما ذَكَرَ في الآَيَةِ الَّتِي بَعْدَها، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ "يَبْسُطُ" و"بَسْطَةً" بِالسِّينِ، وقَرَأهُما نافِعٌ بِالصّادِ. وفي مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ مَعْناهُ: يُقْتُرُ عَلى مَن يَشاءُ في الرِّزْقِ، ويَبْسُطُهُ عَلى مَن يَشاءُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وابْنُ زَيْدٍ. والثّانِي: يَقْبِضُ يَدَ مَن يَشاءُ عَنِ الإنْفاقِ في سَبِيلِهِ، ويَبْسُطُ يَدَ مَن يَشاءُ بِالإنْفاقِ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ في آَخَرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب