الباحث القرآني
﴿ما كانَ لِنَبِيءٍ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا واللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ مُناسِبٌ لِما قَبْلَهُ سَواءٌ نَزَلَ بِعَقِبِهِ أمْ تَأخَّرَ نُزُولُهُ عَنْهُ فَكانَ مَوْقِعُهُ هُنا بِسَبَبِ مُوالاةِ نُزُولِهِ لِنُزُولِ ما قَبْلَهُ أوَكَأنَّ وضْعَ الآيَةِ هُنا بِتَوْقِيفٍ خاصٍّ.
والمُناسَبَةُ ذِكْرُ بَعْضِ أحْكامِ الجِهادِ وكانَ أعْظَمُ جِهادٍ مَضى هو جِهادُ يَوْمِ بَدْرٍ. لا جَرَمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بَعْدَ قَضِيَّةِ فِداءِ أسْرى بَدْرٍ مُشِيرَةً إلَيْها.
وعِنْدِي أنَّ هَذا تَشْرِيعٌ مُسْتَقْبَلٌ أخَّرَهُ اللَّهُ - تَعالى - رِفْقًا بِالمُسْلِمِينَ الَّذِينَ انْتَصَرُوا بِبَدْرٍ وإكْرامًا لَهم عَلى ذَلِكَ النَّصْرِ المُبِينِ وسَدًّا لَخُلَّتِهِمُ الَّتِي كانُوا فِيها، فَنَزَلَتْ لِبَيانِ الأمْرِ الأجْدَرِ فِيما جَرى في شَأْنِ الأسْرى في وقْعَةِ بَدْرٍ. وذَلِكَ ما رَواهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ما مُخْتَصَرُهُ أنَّ «المُسْلِمِينَ لَمّا أسَرُوا الأُسارى يَوْمَ بَدْرٍ وفِيهِمْ صَنادِيدُ المُشْرِكِينَ سَألَ المُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ يُفادِيَهم بِالمالِ وعاهَدُوا عَلى أنْ لا يَعُودُوا إلى حَرْبِهِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْمُسْلِمِينَ: ما تَرَوْنَ في هَؤُلاءِ الأُسارى ؟ قالَ أبُو بَكْرٍ: يا نَبِيءَ اللَّهِ، هم بَنُو العَمِّ والعَشِيرَةِ أرى أنْ تَأْخُذَ مِنهم فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنا قُوَّةً عَلى الكُفّارِ، فَعَسى اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهم لِلْإسْلامِ. وقالَ عُمَرُ: أرى أنْ تُمَكِّنَنا فَنَضْرِبَ أعْناقَهم فَإنَّ هَؤُلاءِ أئِمَّةُ الكُفْرِ وصَنادِيدُها فَهَوِيَ (p-٧٣)رَسُولُ اللَّهِ ما قالَ أبُو بَكْرٍ فَأخَذَ مِنهُمُ الفِداءَ» كَما رَواهُ أحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ما كانَ لِنَبِيءٍ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى﴾ الآيَةَ.
ومَعْنى قَوْلِهِ: هَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ ما «قالَ أبُو بَكْرٍ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ أحَبَّ واخْتارَ ذَلِكَ لِأنَّهُ مِنَ اليُسْرِ والرَّحْمَةِ بِالمُسْلِمِينَ إذْ كانُوا في حاجَةٍ إلى المالِ، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ما خُيِّرَ بَيْنَ أمْرَيْنِ إلّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا» . ورُوِيَ أنَّ ذَلِكَ كانَ رَغْبَةَ أكْثَرِهِمْ وفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وهم في حاجَةٍ إلى المالِ. ولَمّا اسْتَشارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أهْلَ مَشُورَتِهِ تَعَيَّنَ أنَّهُ لَمْ يُوحِ اللَّهُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ في ذَلِكَ، وأنَّ اللَّهَ أوْكَلَ ذَلِكَ إلى اجْتِهادِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَرَأى أنْ يَسْتَشِيرَ النّاسَ ثُمَّ رَجَّحَ أحَدَ الرَّأْيَيْنِ بِاجْتِهادٍ وقَدْ أصابَ الِاجْتِهادَ، فَإنَّهم قَدْ أسْلَمَ مِنهم، حِينَئِذٍ، سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضاءَ، وأسْلَمَ مِن بَعْدُ العَبّاسُ وغَيْرُهُ، وقَدْ خَفِيَ عَلى النَّبِيءِ ﷺ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ إلّا اللَّهُ وهو إضْمارُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلى قَوْمِهِمْ أنْ يَتَأهَّبُوا لِقِتالِ المُسْلِمِينَ مِن بَعْدُ.
ورُبَّما كانُوا يُضْمِرُونَ اللَّحاقَ بِفَلِّ المُشْرِكِينَ مِن مَوْضِعٍ قَرِيبٍ ويَعُودُونَ إلى القِتالِ فَيَنْقَلِبُ انْتِصارُ المُسْلِمِينَ هَزِيمَةً كَما كانَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلِأجْلِ هَذا جاءَ قَوْلُهُ - تَعالى: ﴿ما كانَ لِنَبِيءٍ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ﴾ . قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في العارِضَةِ: رَوى عُبَيْدَةُ السَّلْمانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ «أنَّ جِبْرِيلَ أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أنْ يُقَرِّبَ الأسارى فَيَضْرِبَ أعْناقَهم أوْ يَقْبَلُوا مِنهُمُ الفِداءَ ويُقْتَلَ مِنكم في العامِ المُقْبِلِ بِعِدَّتِهِمْ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذا جِبْرِيلُ يُخَيِّرُكم أنْ تُقَدِّمُوا الأُسارى وتَضْرِبُوا أعْناقَهم أوْ تَقْبَلُوا مِنهُمُ الفِداءَ ويُسْتَشْهَدَ مِنكم في العامِ المُقْبِلِ بِعِدَّتِهِمْ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ نَأْخُذُ الفِداءَ فَنَقْوى عَلى عَدُوِّنا ويُقْتَلُ مِنّا في العامِ المُقْبِلِ بِعِدَّتِهِمْ، فَفَعَلُوا» .
والمَعْنى أنَّ النَّبِيءَ إذا قاتَلَ فَقِتالُهُ مُتَمَحِّضٌ لِغايَةٍ واحِدَةٍ، هي نَصْرُ الدِّينِ ودَفْعُ أعْدائِهِ، ولَيْسَ قِتالُهُ لِلْمُلْكِ والسُّلْطانِ فَإذا كانَ أتْباعُ الدِّينِ في قِلَّةٍ كانَ قَتْلُ الأسْرى تَقْلِيلًا لِعَدَدِ أعْداءِ الدِّينِ حَتّى إذا انْتَشَرَ الدِّينُ وكَثُرَ أتْباعُهُ صَلُحَ الفِداءُ لِنَفْعِ أتْباعِهِ بِالمالِ، وانْتِفاءِ خَشْيَةِ عَوْدِ العَدُوِّ إلى القُوَّةِ. فَهَذا وجْهُ تَقْيِيدِ هَذا الحُكْمِ بِقَوْلِهِ: ما كانَ لِنَبِيءٍ
(p-٧٤)والكَلامُ مُوَجَّهٌ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أشارُوا بِالفِداءِ، ولَيْسَ مُوَجَّهًا لِلنَّبِيءِ ﷺ لِأنَّهُ ما فَعَلَ إلّا ما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِن مُشاوَرَةِ أصْحابِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] لاسِيَّما عَلى ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ مِن أنَّ جِبْرِيلَ بَلَّغَ إلى النَّبِيءِ ﷺ أنْ يُخَيِّرَ أصْحابَهُ. ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا﴾ فَإنَّ الَّذِينَ أرادُوا عَرَضَ الدُّنْيا هُمُ الَّذِينَ أشارُوا بِالفِداءِ، ولَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ في ذَلِكَ حَظٌّ.
فَمَعْنى ﴿ما كانَ لِنَبِيءٍ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى﴾ نَفْيُ اتِّخاذِ الأسْرى عَنِ اسْتِحْقاقِ نَبِيءٍ لِذَلِكَ الكَوْنِ.
وجِيءَ بِـ ”نَبِيءٍ“ نَكِرَةً إشارَةً إلى أنَّ هَذا حُكْمٌ سابِقٌ في حُرُوبِ الأنْبِياءِ في بَنِي إسْرائِيلَ، وهو في الإصْحاحِ عِشْرِينَ مِن سِفْرِ التَّثْنِيَةِ.
ومِثْلُ هَذا النَّفْيِ في القُرْآنِ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنى النَّهْيِ نَحْوَ ﴿وما كانَ لَكم أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥٣] . وقَدْ يَجِيءُ بِمَعْنى أنَّهُ لا يَصْلُحُ، كَما هُنا؛ لِأنَّ هَذا الكَلامَ جاءَ تَمْهِيدًا لِلْعِتابِ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مُرادًا مِنهُ ما لا يَصْلُحُ مِن حَيْثُ الرَّأْيِ والسِّياسَةِ.
ومَعْنى هَذا الكَوْنِ المَنفِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿ما كانَ لِنَبِيءٍ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى﴾ هو بَقاؤُهم في الأسْرِ، أيْ بَقاؤُهم أرِقّاءَ أوْ بَقاءُ أعْواضِهِمْ وهو الفِداءُ. ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ لا يَصْلُحُ أنْ تَقَعَ في يَدِ النَّبِيءِ أسْرى؛ لِأنَّ أخْذَ الأسْرى مِن شُئُونِ الحَرْبِ، وهو مِن شُئُونِ الغَلَبِ، إذا اسْتَسْلَمَ المُقاتِلُونَ، فَلا يَعْقِلُ أحَدٌ نَفْيَهُ عَنِ النَّبِيءِ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المُرادَ نَفِيُ أثَرِهِ، وإذا نُفِيَ أثَرُ الأسْرِ صَدَقَ بِأحَدِ أمْرَيْنِ: وهُما المَنُّ عَلَيْهِمْ بِإطْلاقِهِمْ، أوْ قَتْلُهم، ولا يَصْلُحُ المَنُّ هُنا لِأنَّهُ يُنافِي الغايَةَ وهي حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ فَتَعَيَّنَ أنَّ المَقْصُودَ قَتْلُ الأسْرى الحاصِلِينَ في يَدِهِ، أيْ أنَّ ذَلِكَ الأجْدَرُ بِهِ حِينَ ضَعْفِ المُؤْمِنِينَ، خَضْدًا لِشَوْكَةِ أهْلِ العِنادِ، وقَدْ صارَ حُكْمُ هَذِهِ الآيَةِ تَشْرِيعًا لِلنَّبِيءِ ﷺ فِيمَن يَأْسِرُهم في غَزَواتِهِ.
(p-٧٥)والإثْخانُ الشِّدَّةُ والغِلْظَةُ في الأذى. يُقالُ أثْخَنَتْهُ الجِراحَةُ وأثْخَنَهُ المَرَضُ إذا ثَقُلَ عَلَيْهِ، وقَدْ شاعَ إطْلاقُهُ عَلى شِدَّةِ الجِراحَةِ عَلى الجَرِيحِ. وقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى مَعْنى الشِّدَّةِ والقُوَّةِ. فالمَعْنى: حَتّى يَتَمَكَّنَ في الأرْضِ، أيْ يَتَمَكَّنَ سُلْطانُهُ وأمْرُهُ.
وقَوْلُهُ: في الأرْضِ عَلى هَذا جارٍ عَلى حَقِيقَةِ المَعْنى مِنَ الظَّرْفِيَّةِ، أيْ يَتَمَكَّنَ في الدُّنْيا. وحَمَلَهُ في الكَشّافِ عَلى مَعْنى إثْخانِ الجِراحَةِ، فَيَكُونُ جَرْيًا عَلى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ بِتَشْبِيهِ حالِ الرَّسُولِ ﷺ بِالمُقاتِلِ الَّذِي يَجْرَحُ قِرْنَهُ جِراحًا قَوِيَّةً تُثْخِنُهُ، أيْ حَتّى يُثْخِنَ أعْداءَهُ فَتَصِيرَ لَهُ الغَلَبَةُ عَلَيْهِمْ في مُعْظَمِ المَواقِعِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: في الأرْضِ قَرِينَةَ التَّمْثِيلِيَّةِ.
والكَلامُ عِتابٌ لِلَّذِينَ أشارُوا بِاخْتِيارِ الفِداءِ والمَيْلِ إلَيْهِ وغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الأخْذِ بِالحَزْمِ في قَطْعِ دابِرِ صَنادِيدِ المُشْرِكِينَ، فَإنَّ في هَلاكِهِمْ خَضْدًا لِشَوْكَةِ قَوْمِهِمْ فَهَذا تَرْجِيحٌ لِلْمُقْتَضى السِّياسِيِّ العَرَضِيِّ عَلى المُقْتَضى الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الإسْلامُ وهو التَّيْسِيرُ والرِّفْقُ في شُئُونِ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ كَما قالَ تَعالى: ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] . وقَدْ كانَ هَذا المَسْلَكُ السِّياسِيُّ خَفِيًّا حَتّى كَأنَّهُ مِمّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ، وفي التِّرْمِذِيِّ، عَنِ الأعْمَشِ: أنَّهم في يَوْمِ بَدْرٍ سَبَقُوا إلى الغَنائِمِ قَبْلَ أنْ تَحِلَّ لَهم، وهَذا قَوْلٌ غَرِيبٌ فَقَدْ ثَبَتَ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ اسْتَشارَهم، وهو في الصَّحِيحِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”أنْ يَكُونَ لَهُ“ بِتَحْتِيَّةٍ عَلى أُسْلُوبِ التَّذْكِيرِ. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو، ويَعْقُوبُ، وأبُو جَعْفَرٍ بِمُثَنّاةٍ فَوْقِيَّةٍ عَلى صِيغَةِ التَّأْنِيثِ؛ لِأنَّ ضَمِيرَ جَمْعِ التَّكْسِيرِ يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ بِتَأْوِيلِ الجَماعَةِ.
والخِطابُ في قَوْلِهِ: ”تُرِيدُونَ“ لِلْفَرِيقِ الَّذِينَ أشارُوا بِأخْذِ الفِداءِ وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - غَيْرُ مُعاتَبٍ لِأنَّهُ إنَّما أخَذَ بِرَأْيِ الجُمْهُورِ. وجُمْلَةُ ”تُرِيدُونَ“ إلى آخِرِها واقِعَةٌ مَوْقِعَ العِلَّةِ لِلنَّهْيِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ ”ما كانَ لِنَبِيءٍ“ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ؛ لِأنَّ العِلَّةَ بِمَنزِلَةِ الجُمْلَةِ المُبَيِّنَةِ.
(p-٧٦)و﴿عَرَضَ الدُّنْيا﴾ هو المالُ، وإنَّما سُمِّيَ عَرَضًا لِأنَّ الِانْتِفاعَ بِهِ قَلِيلُ اللُّبْثِ، فَأشْبَهَ الشَّيْءَ العارِضَ إذِ العُرُوضُ مُرُورُ الشَّيْءِ وعَدَمُ مُكْثِهِ لِأنَّهُ يَعْرِضُ لِلْماشِينَ بِدُونِ تَهَيُّؤٍ. والمُرادُ عَرَضُ الدُّنْيا المَحْضُ وهو أخْذُ المالِ لِمُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ بِهِ.
والإرادَةُ هُنا بِمَعْنى المَحَبَّةِ، أيْ: تُحِبُّونَ مَنافِعَ الدُّنْيا واللَّهُ يُحِبُّ ثَوابَ الآخِرَةِ، ومَعْنى مَحَبَّةِ اللَّهِ إيّاها مَحَبَّتُهُ ذَلِكَ لِلنّاسِ، أيْ يُحِبُّ لَكم ثَوابَ الآخِرَةِ، فَعُلِّقَ فِعْلُ الإرادَةِ بِذاتِ الآخِرَةِ، والمَقْصُودُ نَفْعُها بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا﴾ فَهو حَذْفُ مُضافٍ لِلْإيجازِ، ومِمّا يُحَسِّنُهُ أنَّ الآخِرَةَ المُرادَةَ لِلْمُؤْمِنِ لا يُخالِطُ نَفْعَها ضُرٌّ ولا مَشَقَّةٌ، بِخِلافِ نَفْعِ الدُّنْيا.
وإنَّما ذُكِرَ مَعَ الدُّنْيا المُضافُ ولَمْ يُحْذَفْ: لِأنَّ في ذِكْرِهِ إشْعارًا بِعُرُوضِهِ وسُرْعَةِ زَوالِهِ.
وإنَّما أحَبَّ اللَّهُ نَفْعَ الآخِرَةِ: لِأنَّهُ نَفْعٌ خالِدٌ، ولِأنَّهُ أثَرُ الأعْمالِ النّافِعَةِ لِلدِّينِ الحَقِّ، وصَلاحُ الفَرْدِ والجَماعَةِ.
وقَدْ نَصَبَ اللَّهُ عَلى نَفْعِ الآخِرَةِ أماراتٍ، هي أماراتُ أمْرِهِ ونَهْيِهِ، فَكُلُّ عَرَضٍ مِن أعْراضِ الدُّنْيا لَيْسَ فِيهِ حَظٌّ مِن نَفْعِ الآخِرَةِ، فَهو غَيْرُ مَحْبُوبٍ لِلَّهِ تَعالى، وكُلُّ عَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا فِيهِ نَفْعٌ مِنَ الآخِرَةِ فَفِيهِ مَحَبَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وهَذا الفِداءُ الَّذِي أحَبُّوهُ لَمْ يَكُنْ يَحُفُّ بِهِ مِنَ الأماراتِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّهُ، ولِذَلِكَ تَعَيَّنَ أنَّ عِتابَ المُسْلِمِينَ عَلى اخْتِيارِهِمْ إيّاهُ حِينَ اسْتَشارَهُمُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إنَّما هو عِتابٌ عَلى نَوايا في نُفُوسِ جُمْهُورِ الجَيْشِ، حِينَ تَخَيَّرُوا الفِداءَ، أيْ أنَّهم ما راعَوْا فِيهِ إلّا مَحَبَّةَ المالِ لِنَفْعِ أنْفُسِهِمْ فَعاتَبَهُمُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ لِيُنَبِّهَهم عَلى أنَّ حَقِيقًا عَلَيْهِمْ أنْ لا يَنْسَوْا في سائِرِ أحْوالِهِمْ وآرائِهِمُ الِالتِفاتَ إلى نَفْعِ الدِّينِ وما يَعُودُ عَلَيْهِ بِالقُوَّةِ، فَإنَّ أبا بَكْرٍ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ الِاسْتِشارَةِ: قَوْمُكَ وأهْلُكَ اسْتَبْقِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وخُذْ مِنهم فِدْيَةً تُقَوِّي بِها أصْحابَكَ. فَنَظَرَ إلى مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ مِن جِهَتَيْنِ ولَعَلَّ هَذا المَلْحَظَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ جُمْهُورِ أهْلِ الجَيْشِ.
ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا﴾ مُسْتَعْمَلًا في مَعْنى الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ، والمَعْنى: لَعَلَّكم تُحِبُّونَ عَرَضَ الدُّنْيا فَإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ لَكُمُ الثَّوابَ وقُوَّةَ (p-٧٧)الدِّينِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ المَنظُورُ إلَيْهِ هو النَّفْعَ الدُّنْيَوِيَّ لَكانَ حِفْظُ أنْفُسِ النّاسِ مُقَدَّمًا عَلى إسْعافِهِمْ بِالمالِ، فَلِمَ وجَبَ عَلَيْهِمْ بَذْلُ نُفُوسِهِمْ في الجِهادِ ؟ فالمَعْنى: يُوشِكُ أنْ تَكُونَ حالُكم كَحالِ مَن لا يُحِبُّ إلّا عَرَضَ الدُّنْيا، تَحْذِيرًا لَهم مِنَ التَّوَغُّلِ في إيثارِ الحُظُوظِ العاجِلَةِ.
وجُمْلَةُ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿واللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ عَطْفًا يُؤْذِنُ بِأنَّ لِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ أثَرًا في أنَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ، فَيَكُونُ كالتَّعْلِيلِ، وهو يُفِيدُ أنَّ حَظَّ الآخِرَةِ هو الحَظُّ الحَقُّ، ولِذَلِكَ يُرِيدُهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ.
فَوَصْفُ العَزِيزِ يَدُلُّ عَلى الِاسْتِغْناءِ عَنِ الِاحْتِياجِ، وعَلى الرِّفْعَةِ والمَقْدِرَةِ، ولِذَلِكَ لا يَلِيقُ بِهِ إلّا مَحَبَّةُ الأُمُورِ النَّفِيسَةِ، وهَذا يُومِئُ إلى أنَّ أوْلِياءَهُ يَنْبَغِي لَهم أنْ يَكُونُوا أعِزّاءَ كَقَوْلِهِ في الآيَةِ الأُخْرى ﴿ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨] فَلِأجْلِ ذَلِكَ كانَ اللّائِقُ بِهِمْ أنْ يَرْبَأُوا بِنُفُوسِهِمْ عَنِ التَّعَلُّقِ بِسَفاسِفِ الأُمُورِ وأنْ يَجْنَحُوا إلى مَعالِيها.
ووَصْفُ الحَكِيمِ يَقْتَضِي أنَّهُ العالِمُ بِالمَنافِعِ الحَقِّ عَلى ما هي عَلَيْهِ؛ لِأنَّ الحِكْمَةَ العِلْمُ بِحَقائِقِ الأشْياءِ عَلى ما هي عَلَيْهِ.
وجُمْلَةُ ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ﴾ سَبَقَ إلَخْ. مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ الكَلامَ السّابِقَ يُؤْذِنُ بِأنَّ مُفاداةَ الأسْرى أمْرٌ مَرْهُوبٌ تُخْشى عَواقِبُهُ، فَيَسْتَثِيرُ سُؤالًا في نُفُوسِهِمْ عَمّا يُتَرَقَّبُ مِن ذَلِكَ فَبَيَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ الآيَةَ.
والمُرادُ بِالكِتابِ المَكْتُوبُ، وهو مِنَ الكِتابَةِ الَّتِي هي التَّعْيِينُ والتَّقْدِيرُ، وقَدْ نُكِّرَ ”الكِتابُ“ تَنْكِيرَ نَوْعِيَّةٍ وإبْهامٍ، أيْ: لَوْلا وُجُودُ سُنَّةِ تَشْرِيعٍ سَبَقَ عَنِ اللَّهِ. وذَلِكَ الكِتابُ هو عُذْرُ المُسْتَشارِ وعُذْرُ المُجْتَهِدِ في اجْتِهادِهِ إذا أخْطَأ، فَقَدِ اسْتَشارَهُمُ النَّبِيءُ ﷺ فَأشارُوا بِما فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَأوْها وأخَذَ بِما أشارُوا بِهِ ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَتْ مُخالَفَتُهم لِما يُحِبُّهُ اللَّهُ اجْتِراءً عَلى اللَّهِ يُوجِبُ أنْ يَمَسَّهم عَذابٌ عَظِيمٌ.
وهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ لِلَّهِ حُكْمًا في كُلِّ حادِثَةٍ وأنَّهُ نَصَبَ عَلى حُكْمِهِ أمارَةً هي دَلِيلُ المُجْتَهِدِ وأنَّ مُخْطِئَهُ مِنَ المُجْتَهِدِينَ لا يَأْثَمُ بَلْ يُؤْجَرُ.
و”في“ لِلتَّعْلِيلِ و”العَذابُ“ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَذابَ الآخِرَةِ.
(p-٧٨)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ العَذابُ المَنفِيُّ عَذابًا في الدُّنْيا، أيْ: لَوْلا قَدَرٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ مِن لُطْفِهِ بِكم فَصَرَفَ بِلُطْفِهِ وعِنايَتِهِ عَنِ المُؤْمِنِينَ عَذابًا كانَ مِن شَأْنِ أخْذِهِمُ الفِداءَ أنْ يُسَبِّبَهُ لَهم ويُوقِعَهم فِيهِ. وهَذا العَذابُ عَذابٌ دُنْيَوِيٌّ لِأنَّ عَذابَ الآخِرَةِ لا يَتَرَتَّبُ إلّا عَلى مُخالَفَةِ شَرْعٍ سابِقٍ، ولَمْ يَسْبِقْ مِنَ الشَّرْعِ ما يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ أخْذَ الفِداءِ، كَيْفَ وقَدْ خُيِّرُوا فِيهِ لَمّا اسْتُشِيرُوا، وهو أيْضًا عَذابٌ مِن شَأْنِهِ أنْ يَجُرَّهُ عَمَلُهم جَرَّ الأسْبابِ لِمُسَبَّباتِها، ولَيْسَ عَذابَ غَضَبٍ مِنَ اللَّهِ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَتَرَتَّبُ إلّا عَلى مَعاصٍ عَظِيمَةٍ.
فالمُرادُ بِالعَذابِ أنَّ أُولَئِكَ الأسْرى الَّذِينَ فادَوْهم كانُوا صَنادِيدَ المُشْرِكِينَ وقَدْ تَخَلَّصُوا مِنَ القَتْلِ والأسْرِ يَحْمِلُونَ في صُدُورِهِمْ حَنَقًا فَكانَ مِن مُعْتادِ أمْثالِهِمْ في مِثْلِ ذَلِكَ أنْ يَسْعَوْا في قَوْمِهِمْ إلى أخْذِ ثَأْرِ قَتْلاهم واسْتِرْدادِ أمْوالِهِمْ. فَلَوْ فَعَلُوا لَكانَتْ دائِرَةً عَظِيمَةً عَلى المُسْلِمِينَ، ولَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ المُسْلِمِينَ مِن ذَلِكَ فَصَرَفَ المُشْرِكِينَ عَنْ مَحَبَّةِ أخْذِ الثَّأْرِ، وألْهاهم بِما شَغَلَهم عَنْ مُعاوَدَةِ قِتالِ المُسْلِمِينَ، فَذَلِكَ الصَّرْفُ هو مِنَ الكِتابِ الَّذِي سَبَقَ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
وقَدْ حَصَلَ مِن هَذِهِ الآيَةِ تَحْذِيرُ المُسْلِمِينَ مِنَ العَوْدَةِ لِلْفِداءِ في مِثْلِ هَذِهِ الحالَةِ، وبِذَلِكَ كانَتْ تَشْرِيعًا لِلْمُسْتَقْبَلِ كَما ذَكَرْناهُ آنِفًا.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ","لَّوۡلَا كِتَـٰبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِیمَاۤ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ"],"ayah":"مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق