الباحث القرآني
﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا واللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
نَزَلَتْ في أسْرى بَدْرٍ، وكانَ الرَّسُولُ ﷺ قَدِ اسْتَشارَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ وعَلِيًّا، فَأشارَ أبُو بَكْرٍ بِالِاسْتِحْياءِ، وعُمَرُ بِالقَتْلِ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ يُوقَفُ عَلَيْهِ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وقَرَأ أبُو الدَّرْداءِ وأبُو حَيْوَةَ: ما كانَ لِلنَّبِيِّ مُعَرَّفًا، والمُرادُ بِهِ في التَّنْكِيرِ والتَّعْرِيفِ الرَّسُولُ ﷺ، ولَكِنْ في التَّنْكِيرِ إبْهامٌ في كَوْنِ النَّفْيِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا، وتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذا التَّرْكِيبِ وكَيْفِيَّةُ هَذا النَّفْيِ، وهو هُنا عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: ما كانَ لِأصْحابِ نَبِيٍّ، أوْ لِأتْباعِ نَبِيٍّ، فَحُذِفَ اخْتِصارًا، ولِذَلِكَ جاءَ الجَمْعُ في قَوْلِهِ: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا﴾ ولَمْ يَجِئِ التَّرْكِيبُ تُرِيدُ أوْ يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيا؛ لِأنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِاسْتِبْقاءِ الرِّجالِ وقْتَ الحَرْبِ، ولا أرادَ عَرَضَ الدُّنْيا قَطُّ، وإنَّما فَعَلَهُ جُمْهُورُ مُباشِرِي الحَرْبِ، وقَدْ طَوَّلَ المُفَسِّرُونَ في قِصَّةِ هَؤُلاءِ الأُسارى، وذَلِكَ مَذْكُورٌ في السِّيَرِ وحَذَفْناهُ نَحْنُ لِأنَّ في بَعْضِهِ ما لا يُناسِبُ ذِكْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلى مَناصِبِ الرُّسُلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو أنْ تَكُونَ عَلى تَأْنِيثِ لَفْظِ الجَمْعِ، وباقِي السَّبْعَةِ والجُمْهُورُ عَلى التَّذْكِيرِ عَلى المَعْنى، وقَرَأ الجُمْهُورُ والسَّبْعَةُ: أسْرى عَلى وزْنِ فَعْلى، وهو قِياسُ فَعِيلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ إذا كانَ آفَةً كَجَرِيحٍ وجَرْحى، وقَرَأ يَزِيدُ بْنُ القَعْقاعِ والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ (أُسارى) وشُبِّهَ فَعِيلٌ بِفَعْلانَ، نَحْوَ: كَسْلانُ وكُسالى، كَما شَبَّهُوا كَسْلانَ بِأسِيرٍ، فَقالُوا فِيهِ جَمْعًا: كَسْلى، قالَهُ سِيبَوَيْهِ: وهُما شاذّانِ، وزَعَمَ الزَّجّاجُ أنَّ أُسارى جَمْعُ أسْرى، فَهو جَمْعُ جَمْعٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ لَنا ذِكْرُ الخِلافِ في فُعالى أهُوَ جَمْعٌ أوِ اسْمُ جَمْعٍ وأنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ مِن أبْنِيَةِ الجُمُوعِ، ومَدْلُولُ أسْرى وأُسارى واحِدٌ، وقَرَأ أبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ الأسْرى هم غَيْرُ المُوثَقِينَ عِنْدَما يُؤْخَذُونَ والأُسارى هُمُ المُوثَقُونَ رَبْطًا، وحَكى أبُو حاتِمٍ أنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ العَرَبِ، وقَدْ ذَكَرَهُ أيْضًا أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ، وقالَ: العَرَبُ لا تَعْرِفُ هَذا كِلاهُما عِنْدَهم سَواءٌ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ ويَحْيى بْنُ يَعْمَرَ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ: حَتّى يُثَخِّنَ، مُشَدَّدًا عَدَّوْهُ بِالتَّضْعِيفِ، والجُمْهُورُ بِالتَّخْفِيفِ وعَدَّوْهُ بِالهَمْزَةِ؛ إذْ كانَ قَبْلَ التَّعْدِيَةِ ثَخَنَ، ومَعْنى ﴿عَرَضَ الدُّنْيا﴾ ما أخَذْتُمْ في فِداءِ الأُسارى، وكانَ فِداءُ كُلِّ رَجُلٍ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وفِداءُ العَبّاسِ أرْبَعُونَ أُوقِيَّةً، وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِائَةُ أُوقِيَّةٍ، والأُوقِيَّةُ أرْبَعُونَ دِرْهَمًا وسِتَّةُ دَنانِيرَ، وكانُوا مالُوا إلى الفِداءِ لِيَقْوَوْا ما يُصِيبُونَهُ عَلى الجِهادِ، وإيثارًا لِلْقَرابَةِ ورَجاءَ الإسْلامِ، وكانَ الإثْخانُ والقَتْلُ أهْيَبُ لِلْكُفّارِ وأرْفَعُ لِمَنارِ الإسْلامِ، وكانَ ذَلِكَ إذِ المُسْلِمُونَ قَلِيلٌ، فَلَمّا اتَّسَعَ نِطاقُ الإسْلامِ وعَزَّ أهْلُهُ نَزَلَ: (فَإمّا مَنًّا بَعْدُ وإمّا فِداءً)، وقُرِئَ: (يُرِيدُونَ) بِالياءِ مِن تَحْتُ وسُمِّيَ عَرَضًا؛ لِأنَّهُ حَدَثٌ قَلِيلُ اللُّبْثِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: الآخِرَةَ، بِالنَّصْبِ، وقَرَأ سُلَيْمانُ بْنُ جَمّازٍ المَدَنِيُّ بِالجَرِّ، واخْتَلَفُوا في تَقْدِيرِ المُضافِ المَحْذُوفِ، فَمِنهم مَن قَدَّرَهُ: عَرَضَ الآخِرَةِ، قالَ: وحُذِفَ لِدَلالَةِ عَرَضِ الدُّنْيا عَلَيْهِ، قالَ بَعْضُهم: وقَدْ حُذِفَ العَرَضُ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ، وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ في الإعْرابِ فَنُصِبَ، ومِمَّنْ قَدَّرَهُ عَرَضَ الآخِرَةِ الزَّمَخْشَرِيُّ، قالَ: عَلى التَّقابُلِ، يَعْنِي (p-٥١٩)ثَوابَها، انْتَهى. ونَعْنِي أنَّهُ لَمّا أطْلَقَ عَلى الفِداءِ عَرَضَ الدُّنْيا أطْلَقَ عَلى ثَوابِ الآخِرَةِ عَرَضًا عَلى سَبِيلِ التَّقابُلِ لا أنَّ ثَوابَ الآخِرَةِ زائِلٌ فانٍ كَعَرَضِ الدُّنْيا فَسُمِّيَ عَرَضًا عَلى سَبِيلِ التَّقابُلِ، وإنْ كانَ لَوْلا التَّقابُلُ لَمْ يُسَمَّ عَرَضًا وقَدَّرَهُ بَعْضُهم عَمَلَ الآخِرَةِ، أيِ: المُؤَدِّي إلى الثَّوابِ في الآخِرَةِ وكُلُّهم جَعَلَهُ كَقَوْلِهِ:
؎ونارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نارًا
ويَعْنُونَ في حَذْفِ المُضافِ فَقَطْ وإبْقاءِ المُضافِ إلَيْهِ عَلى جَرِّهِ؛ لِأنَّ جَرَّ مِثْلِ ونارٍ جائِزٌ فَصِيحٌ، وذَلِكَ إذا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَ المَجْرُورِ وحَرْفِ العَطْفِ، أوْ فُصِلَ بِلا، نَحْوَ: ما مِثْلُ زَيْدٍ ولا أخِيهِ يَقُولانِ ذَلِكَ، وتَقَدَّمَ المَحْذُوفُ مِثْلَهُ لَفْظًا ومَعْنًى، وأمّا إذا فُصِلَ بَيْنَهُما بِغَيْرِ لا كَهَذِهِ القِراءَةِ، فَهو شاذٌّ قَلِيلٌ، واللَّهُ عَزِيزٌ يَنْصُرُ أوْلِياءَهُ ويَجْعَلُ الغَلَبَةَ لَهم ويُمَكِّنُهم مِن أعْدائِهِمْ قَتْلًا وأسْرًا، حَكِيمٌ يَضَعُ الأشْياءَ مَواضِعَها، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُقاتِلٌ: لَوْلا أنَّ اللَّهَ كَتَبَ في أُمِّ الكِتابِ أنَّهُ سَيُحِلُّ لَكُمُ الغَنائِمَ لَمَسَّكم فِيما تَعَجَّلْتُمْ مِنها، ومِنَ الفِداءِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أنْ تُؤْمَرُوا بِذَلِكَ عَذابٌ عَظِيمٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا ومُجاهِدٌ: لَوْ سَبَقَ أنَّهُ يُعَذَّبُ مَن أتى ذَنْبًا عَلى جَهالَةٍ لَعُوقِبْتُمْ، وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ ومُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وابْنُ إسْحاقَ: سَبَقَ أنْ لا يُعَذَّبَ إلّا بَعْدَ النَّهْيِ ولَمْ يَكُنْ نَهاهم، وقالَ الحَسَنُ وابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ زَيْدٍ وابْنُ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ: لَوْلا ما سَبَقَ لِأهْلِ بَدْرٍ أنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُهم لَعَذَّبَهم، وقالَ الماوَرْدِيُّ لَوْلا أنَّ القُرْآنَ اقْتَضى غُفْرانَ الصَّغائِرِ لَعَذَّبَهم، وقالَ قَوْمٌ: الكِتابُ السّابِقُ عَفْوُهُ عَنْهم في هَذا الذَّنْبِ مُعَيَّنًا؛ وقِيلَ: هو أنْ لا يُعَذِّبَهم والرَّسُولُ فِيهِمْ؛ وقِيلَ: ما كَتَبَهُ عَلى نَفْسِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ. وقِيلَ: سَبَقَ أنَّهُ لا يُضِلُّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَداهم؛ وقِيلَ: سَبَقَ أنَّهُ سَيُحِلُّ لَهُمُ الغَنائِمَ والفِداءَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو هُرَيْرَةَ والحَسَنُ؛ وقِيلَ: سَبَقَ أنْ يَغْفِرَ الصَّغائِرَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الكَبائِرَ لَعَذَّبَكم بِأخْذِ الغَنائِمِ، واخْتارَهُ النَّحّاسُ، وقالَ قَوْمٌ: الكِتابُ السّابِقُ هو القُرْآنُ، والمَعْنى: لَوْلا الكِتابُ الَّذِي سَبَقَ فَآمَنتُمْ بِهِ وصَدَّقْتُمْ لَمَسَّكُمُ العَذابُ لِأخْذِكم هَذِهِ المُفاداةَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْلا حُكْمٌ مِنهُ تَعالى سَبَقَ إثْباتُهُ في اللَّوْحِ، وهو أنْ لا يُعاقِبَ أحَدًا بِخَطَأٍ، وكانَ هَذا خَطَأً في الِاجْتِهادِ؛ لِأنَّهم نَظَرُوا في أنَّ اسْتِبْقاءَهم رُبَّما كانَ سَبَبًا في إسْلامِهِمْ وتَوْبَتِهِمْ، وأنَّ فِداءَهم يُتَقَوّى بِهِ عَلى الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وخَفِيَ عَنْهم أنَّ قَتْلَهم أعَزُّ لِلْإسْلامِ وأهْيَبُ لِمَن وراءَهم وأفَلُّ لِشَوْكَتِهِمُ، انْتَهى. ورُوِيَ لَوْ نَزَلَ في هَذا الأمْرِ عَذابٌ لَنَجا مِنهُ عُمَرُ، وفي حَدِيثٍ آخَرَ وسَعْدُ بْنُ مُعاذٍ، وذَلِكَ أنَّ رَأْيَهُما كانَ أنْ تُقْتَلَ الأُسارى. والَّذِي أقُولُهُ: أنَّهم كانُوا مَأْمُورِينَ أوَّلًا بِقَتْلِ الكُفّارِ في غَيْرِ ما آيَةٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿واقْتُلُوهم حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [النساء: ٨٩]، ﴿واقْتُلُوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] فَلَمّا كانَتْ وقْعَةُ بَدْرٍ وأسَرُوا جَماعَةً مِنَ المُشْرِكِينَ اخْتَلَفُوا في أخْذِ الفِداءِ مِنهم وفي قَتْلِهِمْ، فَعُوتِبَ مَن رَأى الفِداءَ؛ إذْ كانَ قَدْ تَقَدَّمَ الأمْرُ بِالقَتْلِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَصْحِبُوا امْتِثالَ الأمْرِ ومالُوا إلى الفِداءِ وحَرَصُوا عَلى تَحْصِيلِ المالِ، ألا تَرى إلى قَوْلِ المِقْدادِ حِينَ أمَرَ الرَّسُولُ ﷺ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ قالَ: أسِيرِي يا رَسُولَ اللَّهِ، وقَوْلِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِمَن أسَرَ أخاهُ: شُدَّ يَدَكَ عَلَيْهِ فَإنَّ لَهُ أُمًّا مُوسِرَةً، ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ المُعاتَبَةِ أمَرَ الرَّسُولُ بِقَتْلِ بَعْضٍ، والمَنِّ بِالإطْلاقِ في بَعْضٍ، والفِداءِ في بَعْضٍ، فَكانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِتَحَتُّمِ القَتْلِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: (﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾) في تَأْيِيدِكم ونَصْرِكم وقَهْرِكم أعْداءَكم حَتّى اسْتَوْلَيْتُمْ عَلَيْهِمْ قَتْلًا وأسْرًا ونَهْبًا عَلى قِلَّةِ عَدَدِكم وعُدَدِكم لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ مِن غَنائِمِهِمْ وفِدائِهِمْ عَذابٌ عَظِيمٌ مِنهم؛ لِكَوْنِهِمْ كانُوا أكْثَرَ عَدَدًا مِنكم وعُدَدًا، ولَكِنَّهُ سَهَّلَ تَعالى عَلَيْكم ولَمْ يَمَسَّكم مِنهم عَذابٌ لا بِقَتْلٍ ولا أسْرٍ ولا نَهْبٍ، وذَلِكَ بِالحُكْمِ السّابِقِ في قَضائِهِ أنَّهُ يُسَلِّطُكم عَلَيْهِمْ، ولا يُسَلِّطُهم عَلَيْكم، فَلَيْسَ المَعْنى لَمَسَّكم مِنَ اللَّهِ وإنَّما المَعْنى لَمَسَّكم مِن أعْدائِكم، كَما قالَ: ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] وقالَ: ﴿إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهم يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ﴾ [النساء: ١٠٤]، ثُمَّ (p-٥٢٠)قالَ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا﴾، أيْ: مِمّا غَنِمْتُمْ، ومِنهُ ما حَصَلَ بِالفِداءِ الَّذِي أقَرَّهُ الرَّسُولُ ﷺ، وقالَ: لا يُفْلِتَنَّ مِنهم رَجُلٌ إلّا بِفِدْيَةٍ، أوْ ضَرْبِ عُنُقٍ، ولَيْسَ هَذا الأمْرُ مَنشَأً لِإباحَةِ الغَنائِمِ؛ إذْ قَدْ سَبَقَ تَحْلِيلُها قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، ولَكِنَّهُ أمْرٌ يُفِيدُ التَّوْكِيدَ وانْدِراجُ مالِ الفِداءِ في عُمُومِ ما غَنِمْتُمْ؛ إذْ كانَ قَدْ وقَعَ العِتابُ في المَيْلِ لِلْفِداءِ، ثُمَّ أقَرَّهُ الرَّسُولُ، وانْتَصَبَ حَلالًا عَلى الحالِ مِن ما إنْ كانَتْ مَوْصُولَةً، أوْ مِن ضَمِيرِهِ المَحْذُوفِ، أوْ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: أكْلًا حَلالًا وجَوَّزُوا في ما أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، ورُوِيَ أنَّهم أمْسَكُوا عَنِ الغَنائِمِ ولَمْ يَمُدُّوا أيْدِيَهم إلَيْها فَنَزَلَتْ، وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ: (فَكُلُوا) مُتَسَبِّبًا عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ هي سَبَبٌ، وأفادَتْ ذَلِكَ الفاءُ، وقَدَّرَها قَدْ أبَحْتُ لَكُمُ الغَنائِمَ فَكُلُوا، وقالَ الزَّجّاجُ: الفاءُ لِلْجَزاءِ، والمَعْنى: قَدْ أحْلَلْتُ لَكُمُ الفِداءَ فَكُلُوا، وأمَرَ تَعالى بِتَقْواهُ؛ لِأنَّ التَّقْوى حامِلَةٌ عَلى امْتِثالِ أمْرِ اللَّهِ وعَدَمِ الإقْدامِ عَلى ما لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ إذْنٌ، فَفِيهِ تَحْرِيضٌ - عَلى التَّقْوى - مَن مالَ إلى الفِداءِ، ثُمَّ جاءَتِ الصِّفَتانِ مُشْعِرَتَيْنِ بِغُفْرانِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ عَنِ الَّذِينَ مالُوا إلى الفِداءِ قَبْلَ الإذْنِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْناهُ إذا اتَّقَيْتُمُوهُ بَعْدَما فَرَطَ مِنكم مِنِ اسْتِباحَةِ الفِداءِ قَبْلَ أنْ يُؤْذَنَ لَكم فِيهِ غَفَرَ لَكم ورَحِمَكم وتابَ عَلَيْكم، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وجاءَ قَوْلُهُ: (واتَّقُوا اللَّهَ) اعْتِراضًا فَصِيحًا في أثْناءِ القَوْلِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هو مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا﴾؛ وقِيلَ: غَفُورٌ لِما أتَيْتُمْ رَحِيمٌ بِإحْلالِ ما غَنِمْتُمْ.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ","لَّوۡلَا كِتَـٰبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِیمَاۤ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ","فَكُلُوا۟ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَـٰلࣰا طَیِّبࣰاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق