الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُنْيا واللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ عِنْدِي- مُعاتَبَةً مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِأصْحابِ نَبِيِّهِ ﷺ، والمَعْنى: ما كانَ يَنْبَغِي لَكم أنْ تَفْعَلُوا هَذا الفِعْلَ الَّذِي أوجَبَ أنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ أسْرى قَبْلَ الإثْخانِ، والإخْبارُ هو لَهُمْ، ولِذَلِكَ اسْتَمَرَّ الخِطابُ بِـ ( تُرِيدُونَ )، والنَبِيُّ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ بِاسْتِبْقاءِ الرِجالِ وقْتَ الحَرْبِ ولا أرادَ قَطُّ عَرْضَ الدُنْيا، وإنَّما فَعَلَهُ جُمْهُورُ مُباشِرِي الحَرْبِ، وجاءَ ذِكْرُ النَبِيِّ ﷺ في الآيَةِ مُشِيرًا إلى دُخُولِهِ ﷺ في العُتْبِ حِينَ لَمْ يَنْهَ عن ذَلِكَ حِينَ رَآهُ مِنَ العَرِيشِ، وأنْكَرَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ، ولَكِنَّهُ ﷺ شَغَلَهُ بَغْتُ الأمْرِ وظُهُورُ النَصْرِ، فَتَرَكَ النَهْيَ عَنِ الِاسْتِبْقاءِ، ولِذَلِكَ بَكى ﷺ وأبُو بَكْرٍ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، ومَرَّ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ هَذا التَوْبِيخَ إنَّما كانَ بِسَبَبِ إشارَةِ مَن أشارَ عَلى النَبِيِّ ﷺ بِأخْذِ الفِدْيَةِ، وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «لَمّا جَمَعَ أسْرى بَدْرٍ اسْتَشارَ فِيهِمْ أصْحابَهُ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصِدِّيقُ: يا رَسُولَ اللهِ هم قَرابَتُكَ، ولَعَلَّ اللهَ أنْ يَهْدِيَهم بَعْدُ إلى الإسْلامِ، فَفادِهِمْ واسْتَبَقِهِمْ ويَتَقَوّى المُسْلِمُونَ بِأمْوالِهِمْ، وقالَ (p-٢٣٩)عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: لا يا رَسُولَ اللهِ، بَلْ نَضْرِبُ أعْناقَهم فَإنَّهم أئِمَّةُ الكُفْرِ، وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَواحَةَ: بَلْ نَجْعَلُهم في وادٍ كَثِيرِ الحَطَبِ ثُمَّ نُضْرِمُهُ عَلَيْهِمْ نارًا، وقَدْ كانَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ قالَ: وهو مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ في العَرِيشِ وقَدْ رَأى الأسْرَ: لَقَدْ كانَ الإثْخانُ في القَتْلِ أحَبَّ إلَيَّ مِنِ اسْتِبْقاءِ الرِجالِ، فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِقَوْلِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ ومالَ إلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ» مُخْبِرَةً أنَّ الأولى والأهْيَبَ عَلى سائِرِ الكُفّارِ كانَ قَتْلَ أسْرى بَدْرٍ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ والمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ، فَلَمّا كَثُرُوا واشْتَدَّ سُلْطانُهم نَزَلَ في الأسْرِ: ﴿فَإمّا مَنًّا بَعْدُ وإمّا فِداءً﴾ [محمد: ٤]، وذَكَرَ الطَبَرِيُّ، وغَيْرُهُ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا تَكَلَّمَ أصْحابُهُ في الأسْرى بِما ذُكِرَ دَخَلَ ولَمْ يُجِبْهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ: إنَّ اللهَ تَعالى يُلَيِّنُ قُلُوبُ رِجالٍ ويُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجالٍ حَتّى تَكُونَ أشَدَّ مِنَ الحِجارَةِ، وإنَّ مَثَلَكَ يا أبا بَكْرٍ مَثَلُ إبْراهِيمَ قالَ: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦]، ومَثَلُ عِيسى قالَ: ﴿إنْ تُعَذِّبْهم فَإنَّهم عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لَهم فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨]، ومَثَلُكَ يا عُمَرُ مِثْلُ نُوحٍ قالَ: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نوح: ٢٦]، ومَثَلَ مُوسى قالَ: ﴿رَبَّنا اطْمِسْ عَلى أمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾ [يونس: ٨٨]،» ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "أنْتُمُ اليَوْمَ فَلا يُفْلِتَنَّ مِنهم رَجُلٌ إلّا بِفِدْيَةٍ أو ضَرْبِ عُنُقٍ"،» وفي هَذا الحَدِيثِ قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "فَهَوى رَسُولُ اللهِ ﷺ ما قالَ أبُو بَكْرٍ ولَمْ يَهْوَ ما قُلْتُ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ حُجَّةٌ عَلى ذِكْرِ "الهَوى" في الصَلاحِ.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ" "ما كانَ لِلنَّبِيِّ" مُعَرَّفًا، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "لِنَبِيٍّ"، وقَرَأ أبُو (p-٢٤٠)عَمْرِو بْنُ العَلاءِ وحْدَهُ: "أنْ تَكُونَ" عَلى تَأْنِيثِ العَلامَةِ مُراعاةً لِلَفْظِ الأسْرى، وقَرَأ باقِي السَبْعَةِ وجُمْهُورُ الناسِ: "أنْ يَكُونَ" بِتَذْكِيرِ العَلامَةِ مُراعاةً لِمَعْنى الأسْرى، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ والسَبْعَةُ: "أسْرى"، وقَرَأ بَعْضُ الناسِ: "أُسارى" ورَواها المُفَضَّلُ عن عاصِمٍ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ.
والقِياسُ والبابُ أنْ يُجْمَعَ أسِيرٌ عَلى أسْرى، وكَذَلِكَ كَلُّ فَعِيلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، وشُبِّهَ بِهِ فَعِيلٌ وإنْ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنى مَفْعُولٍ كَمَرِيضٍ ومَرْضى، إذا كانَتْ أيْضًا أشْياءَ سَبِيلُ الإنْسانِ أنْ يُجْبَرَ عَلَيْها وتَأْتِيَهُ غَلَبَةً، فَهو فِيها بِمَنزِلَةِ المَفْعُولِ، وأمّا جَمْعُهُ عَلى أُسارى فَشَبِيهٌ بِكُسالى في جَمْعِ كَسْلانَ، وجُمَعَ أيْضًا كَسْلانُ عَلى كَسْلى تَشْبِيهًا بِأسْرى في جَمْعِ أسِيرٍ، قالَهُ سِيبَوَيْهِ: وهُما شاذّانِ، وقالَ الزَجّاجُ: أُسارى جَمْعُ أسْرى، فَهو جَمْعُ الجَمْعِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يُثْخِنَ" بِسُكُونِ الثاءِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، ويَحْيى بْنُ يَعْمَرَ، ويَحْيى بْنُ وثّابٍ: "يُثَخِّنَ" بِفَتْحِ الثاءِ وشَدِّ الخاءِ، ومَعْناهُ في الوَجْهَيْنِ: يُبالِغُ في القَتْلِ، والإثْخانُ إنَّما يَكُونُ في القَتْلِ والجارِحَةِ وما كانَ مِنها.
ثُمَّ أمَرَ مُخاطَبَةَ أصْحابِ النَبِيِّ ﷺ فَقالَ: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُنْيا﴾ أيْ: مالَها الَّذِي يَعِنُّ ويَعْرِضُ، والمُرادُ ما أُخِذَ مِنَ الأسْرى مِنَ الأمْوالِ، ﴿واللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ أيْ: عَمَلَ الآخِرَةِ، فَحُذِفَ المُضافُ، وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ، وقَرَأ ابْنُ جَمّازٍ "الآخِرَةِ" بِالخَفْضِ عَلى تَقْدِيرِ المُضافِ، ويُنْظَرُ ذَلِكَ لِقَوْلِ الشاعِرِ:
؎ أكُلَّ امْرِئٍ تَحْسَبِينَ امْرَءًا ∗∗∗ ونارٍ تَوَقَّدُ بِاللَيْلِ نارا؟
(p-٢٤١)عَلى تَقْدِيرِ: وكُلَّ نارٍ.
وذَكَرَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ لِلنّاسِ: إنْ شِئْتُمْ أخَذْتُمْ فِداءَ الأسْرى ويُقْتَلُ مِنكم في الحَرْبِ سَبْعُونَ عَلى عَدَدِهِمْ، وإنْ شِئْتُمْ قُتِلُوا وسِلِمْتُمْ، فَقالُوا: نَأْخُذُ المالَ ويُسْتَشْهَدُ مِنّا سَبْعُونَ،» وذَكَرَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِسَنَدِهِ أنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلى النَبِيِّ ﷺ بِتَخْيِيرِ الناسِ هَكَذا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وعَلى الرِوايَتَيْنِ فالأمْرُ في هَذا التَخْيِيرِ مِن عِنْدِ اللهِ فَإنَّهُ إعْلامٌ بِغَيْبٍ، وإذا خُيِّرُوا فَكَيْفَ يَقَعُ التَوْبِيخُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ ؟ والَّذِي أقُولُ في هَذا: إنَّ العَتْبَ لِأصْحابِ النَبِيِّ ﷺ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٌ﴾ إنَّما هو عَلى اسْتِبْقاءِ الرِجالِ وقْتَ الهَزِيمَةِ رَغْبَةً في أخْذِ المالِ مِنهُمْ، وجَمِيعُ العَتْبِ إذا نُظِرَ فَإنَّما هو لِلنّاسِ، وهُناكَ كانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقْتُلُ ويَحُضُّ عَلى القَتْلِ ولا يَرى الِاسْتِبْقاءَ، وحِينَئِذٍ قالَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: الإثْخانُ أحَبُّ إلَيَّ مِنِ اسْتِبْقاءِ الرِجالِ، وبِذَلِكَ جَعَلَهُما رَسُولُ اللهِ ﷺ ناجِيَيْنِ مِن عَذابٍ إنْ لَوْ نَزَلَ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى حِرْصِ بَعْضِهِمْ عَلى المالِ قَوْلُ المِقْدادِ حِينَ أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ: "أسِيرِي يا رَسُولَ اللهِ"، وقَوْلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِلَّذِي يَأْسِرُ أخاهُ: "شُدَّ يَدَكَ عَلَيْهِ فَإنَّ لَهُ أُمًّا مُوسِرَةً" إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن قَصَصِهِمْ، فَلَمّا تَحَصَّلَ الأسْرى وسِيقُوا إلى المَدِينَةِ وأنْفَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ القَتْلَ في النَضْرِ وعُقْبَةَ، والمَنَّ في أبِي عَزَّةَ وغَيْرِهِ، وجَعَلَ يَرْتَئِي في سائِرِهِمْ نَزَلَ التَخْيِيرُ مِنَ اللهِ تَعالى، فاسْتَشارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَئِذٍ، فَمَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ عَلى أوَّلِ رَأْيِهِ في القَتْلِ، ورَأى أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ المَصْلَحَةَ في قُوَّةِ المُسْلِمِينَ بِمالِ الفِداءِ، ومالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى رَأْيِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وكِلا الرَأْيَيْنِ اجْتِهادٌ بَعْدَ تَخْيِيرٍ، فَلَمْ يَنْزِلْ عَلى شَيْءٍ مِن هَذا عَتْبٌ، وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ هَذِهِ المَشُورَةِ والآراءِ، وذَلِكَ مُعْتَرَضٌ بِما ذَكَرْتُهُ، وكَذَلِكَ ذَكَرُوا في هَذِهِ الآياتِ تَحْلِيلَ المَغانِمِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، ولا أقُولُ ذَلِكَ، لِأنَّ حُكْمَ اللهِ تَعالى بِتَحْلِيلِ المَغْنَمِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ كانَ تَقَدَّمَ قَبْلَ بَدْرٍ، وذَلِكَ في السَرِيَّةِ الَّتِي قُتِلَ فِيها عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ، وإنَّما المُبْتَدَعُ في بَدْرٍ اسْتِبْقاءُ الرِجالِ لِأجْلِ المالِ، والَّذِي مَنَّ اللهُ بِهِ فِيها إلْحاقَ فِدْيَةِ الكافِرِ بِالمَغانِمِ الَّتِي قَدْ تَقَدَّمَ تَحْلِيلُها.
(p-٢٤٢)وَوَجْهُ ما قالَ المُفَسِّرُونَ أنَّ الناسَ خُيِّرُوا في أمْرَيْنِ، أحَدُهُما غَيْرُ جَيِّدٍ عَلى جِهَةِ الِاخْتِبارِ لَهُمْ، فاخْتارُوا المَفْضُولَ فَوَقَعَ العَتْبُ، ولَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا في مُسْتَوَيَيْنِ، وهَذا كَما أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيْلَةَ الإسْراءِ بِإناءَيْنِ فاخْتارَ الفاضِلَ.
و﴿عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ صِفَتانِ مِن قِبَلِ الآيَةِ لِأنَّ بِالعِزَّةِ والحِكْمَةِ يَتِمُّ مُرادُهُ عَلى الكَمالِ والتَوْفِيَةِ، وقالَ أبُو عَمْرِو بْنِ العَلاءِ: الأسْرى هم غَيْرُ المُوثَقِينَ عِنْدَما يُؤْخَذُونَ، والأُسارى هُمُ المُوثَقُونَ رَبْطًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وحَكى أبُو حاتِمٍ أنَّهُ سَمِعَ هَذا مِنَ العَرَبِ، وقَدْ ذَكَرَهُ أيْضًا أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ، وقالَ: العَرَبُ لا تَعْرِفُ هَذا وكِلاهُما عِنْدَهم سَواءٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ﴾ الآيَةُ، قالَتْ فِرْقَةٌ: الكِتابُ السابِقُ هو القُرْآنُ، والمَعْنى: لَوْلا الكِتابُ الَّذِي سَبَقَ فَآمَنتُمْ بِهِ وصَدَّقْتُمْ لَمَسَّكُمُ العَذابُ لِأخْذِكم هَذِهِ المُفاداةَ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، والحَسَنُ أيْضًا، وابْنُ زَيْدٍ: الكِتابُ السابِقُ هو مَغْفِرَةُ اللهِ لِأهْلِ بَدْرٍ ما تَقَدَّمَ مِن ذُنُوبِهِمْ أو تَأخَّرَ، وقالَ الحَسَنُ، وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وأبُو هُرَيْرَةَ، وغَيْرُهُمُ:الكِتابُ هو ما قَدْ كانَ اللهُ قَضاهُ في الأزَلِ مِن إحْلالِ الغَنائِمِ والفِداءِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وأُمَّتِهِ، وكانَتْ في سائِرِ الأُمَمِ مُحَرَّمَةً. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الكِتابُ السابِقُ هو عَفْوُ اللهِ عنهم في هَذا الذَنْبِ مُعَيَّنًا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الكِتابُ هو أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَضى أنْ لا يُعاقِبُ أحَدًا بِذَنْبٍ أتاهُ بِجَهالَةٍ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ تُعارِضُهُ مَواضِعُ مِنَ الشَرِيعَةِ، وذَكَرَ الطَبَرِيُّ عن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ أنَّ الكِتابَ السابِقَ هو ألّا يُعَذِّبَ أحَدًا بِذَنْبٍ إلّا بَعْدَ النَهْيِ عنهُ، ولَمْ يَكُونُوا نُهُوا بَعْدُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الكِتابُ السابِقُ هو ما قَضاهُ اللهُ مِن مَحْوِ الصَغائِرِ بِاجْتِنابِ الكَبائِرِ.
وذَهَبَ الطَبَرِيُّ إلى دُخُولِ هَذِهِ المَعانِي كُلِّها تَحْتَ اللَفْظِ وأنَّهُ يَعُمُّها، ونَكَّبَ عن تَخْصِيصِ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى. (p-٢٤٣)واللامُ في "لَمَسَّكُمْ" جَوابُ لَوْلا، وِ"كِتابٌ" رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وهَكَذا حالُ الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَ "لَوْلا"، وتَقْدِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: لَوْلا كِتابٌ سابِقٌ مِنَ اللهِ تَدارَكَكُمْ، و"ما" مِن قَوْلِهِ تَعالى: "فِيما" يُرادُ بِها إمّا الأسْرى وإمّا الفِداءُ، وهي مَوْصُولَةٌ.
وفِي "أخَذْتُمْ" ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلَيْها، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فَلا تَحْتاجُ إلى العائِدِ، ورُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: « "لَوْ نَزَلَ في هَذا الأمْرِ عَذابٌ لَنَجا مِنهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ "، وفي حَدِيثٍ آخَرَ: " وسَعْدُ بْنُ مُعاذٍ» "، وذَلِكَ أنَّ رَأْيَهُما كانَ أنْ يُقْتَلَ الأسْرى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ﴾ الآيَةُ، نَصٌّ عَلى إباحَةِ المالِ الَّذِي أُخِذَ مِنَ الأسْرى وإلْحاقٍ لَهُ بِالغَنِيمَةِ الَّتِي كانَ تَقَدَّمَ تَحْلِيلُها.
قَوْلُهُ: ﴿حَلالا طَيِّبًا﴾ حالانِ مِن "ما" في قَوْلِهِ: "مِمّا"، ويَصِحُّ أنْ يَكُونا مِنَ الضَمِيرِ الَّذِي في "غَنِمْتُمْ"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "حَلالًا" مَفْعُولًا بِـ "فَكُلُوا". ﴿واتَّقُوا اللهَ﴾ مَعْناهُ: في التَسَرُّعِ حَسَبَ إرادَةِ البَشَرِ وشَهْوَتِهِ في نازِلَةٍ أُخْرى، وجاءَ قَوْلُهُ: ﴿واتَّقُوا اللهَ﴾ اعْتِراضًا فَصِيحًا في أثْناءِ الكَلامِ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هو مُتَّصِلٌ بِالمَعْنى بِقَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ","لَّوۡلَا كِتَـٰبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِیمَاۤ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ","فَكُلُوا۟ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَـٰلࣰا طَیِّبࣰاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق