الباحث القرآني
ولَمّا تَقَدَّمَ الأمْرُ بِالإثْخانِ في ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ﴾ [الأنفال: ٥٧] ثُمَّ بِإعْدادِ القُوَّةِ، ثُمَّ التَّحْرِيضِ عَلى القِتالِ بَعْدَ الإعْلامِ بِالكِفايَةِ ثُمَّ إيجابِ ثَباتِ الواحِدِ لِعَشَرَةٍ ثُمَّ إنْزالِ التَّخْفِيفِ إلى اثْنَيْنِ؛ كانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِلْإمْعانِ في الإثْخانِ، فَحَسُنَ عِتابُ الأحْبابِ في اخْتِيارِ غَيْرِ ما أفْهَمَهُ هَذا الخِطابُ، لِكَوْنِ ذَلِكَ أقْعَدَ في الِامْتِنانِ عَلَيْهِمْ بِالعَفْوِ والغُفْرانِ بِسَبَبِ أنَّ أكْثَرَهم مالَ إلى فِداءِ الأُسارى «فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَشارَهم فِيهِمْ فَأشارَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالمُفاداةِ ومالَ مَعَهُ الأكْثَرُ، وأشارُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِضَرْبِ أعْناقِهِمْ، ورُوِيَ أنَّهُ قالَ ﷺ: ”لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ عَذابٌ - أيْ: في هَذا - ما نَجا مِنهُ غَيْرُ عُمَرَ وسَعْدِ بْنِ مُعاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما“» فَقالَ تَعالى اسْتِئْنافًا واسْتِنْتاجًا: ﴿ما كانَ﴾ أيْ: ما صَحَّ وما اسْتَقامَ ﴿لِنَبِيٍّ﴾ أيْ: في شَرْعِ نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ مُسْتَقِلٍّ ولا مُقَرَّرٍ، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ (p-٣٣٠)بِوَصْفِ النُّبُوَّةِ لِيُفِيدَ مَعَ العُمُومِ أنَّ كُلًّا مِن رَفْعَةِ القَدْرِ والإخْبارِ مِنَ اللَّهِ يَمْنَعُ مِنَ الإقْدامِ عَلى فِعْلٍ بِدُونِ إذْنٍ خاصٍّ ﴿أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى﴾ أيْ: أنْ يُباحَ لَهُ أسْرُ العَدُوِّ ﴿حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ﴾ أيْ: يُبالِغَ في قَتْلِ أعْدائِهِ، فَهو عِتابٌ لِمَن أسَرَ مِنَ الصَّحابَةِ غَيْرَ مَن نَهى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْلِهِ مِنَ المُشْرِكِينَ أوْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وإنَّما أُسْنِدَ إلى نَبِيٍّ - وقُرِئَ شاذًّا بِالتَّعْرِيفِ - ولَمْ يَقُلْ: ما كانَ في شَرْعِ نَبِيٍّ، تَهْوِيلًا لِلْأسْرِ تَعْظِيمًا لِلْعَفْوِ لِلْمُبالَغَةِ في القِيامِ بِالشُّكْرِ، وهَذا كانَ يَوْمَ بَدْرٍ والمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمّا كَثُرُوا واشْتَدَّ سُلْطانُهم أنْزَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿فَإمّا مَنًّا بَعْدُ وإمّا فِداءً﴾ [محمد: ٤] قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، ومادَّةُ ثَخَنَ تَدُورُ عَلى الضَّخامَةِ، وتارَةً يَلْزَمُها اللِّينُ والضَّعْفُ، وتارَةً الصَّلابَةُ والقُوَّةُ، فَحَقِيقَتُهُ: يُبالِغُ في القَتْلِ فَيَغْلَطُ أمْرُهُ فَيَقْوى، ويَلِينُ لَهُ أعْداؤُهُ ويَضْعُفُوا؛ ثُمَّ بَيَّنَ لَهم أنَّ المَيْلَ عَنْ ذَلِكَ إنَّما هو لِإرادَةِ الأعْراضِ الدُّنْيَوِيَّةِ المُبَكَّتِ بِهِ اليَهُودُ في آخِرِ الَّتِي قَبْلَها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذا الأدْنى﴾ [الأعراف: ١٦٩] كَما أنَّ النِّزاعَ في الأنْفالِ مَيْلٌ إلى الدُّنْيا، وكُلُّ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَعالِي الأخْلاقِ وكَرائِمِ السَّجايا، مُعَلِّلًا لِعَدَمِ الكَوْنِ المَذْكُورِ بِما تَقْدِيرُهُ: لِأنَّ الأسْرَ إنَّما يُرادُ بِهِ الدُّنْيا، هَكَذا الأصْلُ ولَكِنَّهُ أُبْرِزَ في أُسْلُوبِ الخِطابِ لِأنَّهُ أوْقَعُ في النَّفْسِ فَقالَ: ﴿تُرِيدُونَ﴾ أيْ: أيُّها المُؤْمِنُونَ المُرَغَّبُونَ في (p-٣٣١)الإنْفاقِ لا في الجَمْعِ، بِاسْتِبْقائِهِمْ ﴿عَرَضَ الدُّنْيا﴾ قالَ الرّاغِبُ: العَرَضُ ما لا ثَباتَ لَهُ، ومِنهُ اسْتَعارَهُ المُتَكَلِّمُونَ لِما لا ثَباتَ لَهُ إلّا بِالجَوْهَرِ كاللَّوْنِ، وقالَ ابْنُ هِشامٍ في تَهْذِيبِ السِّيرَةِ، أيِ: المَتاعُ الفِداءُ بِأخْذِ الرِّجالِ ﴿واللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿يُرِيدُ﴾ أيْ: لَكم ﴿الآخِرَةَ﴾ أيْ: جَوْهَرَها لِأنَّهُ يَأْمُرُ بِذَلِكَ أمْرًا هو في تَأْكِيدِهِ لِيُمْتَثَلَ كالإرادَةِ الَّتِي لا يَتَخَلَّفُ مُرادُها، وذَلِكَ بِالإثْخانِ في قَتْلِهِمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي تُرِيدُونَ إظْهارَهُ والَّذِي بِهِ تُدْرَكُ الآخِرَةُ، ولا يَنْبَغِي لِلْمُحِبِّ أنْ يُرِيدَ إلّا ما يُرِيدُ حَبِيبُهُ ﴿واللَّهُ﴾ أيِ: المَلِكُ الأعْظَمُ ﴿عَزِيزٌ﴾ أيْ: مُنَزَّهٌ جَنابُهُ العَلِيُّ عَنْ لَحاقِ شَيْءٍ مِمّا فِيهِ أدْنى سُفُولٍ ﴿حَكِيمٌ﴾ أيْ: لا يَصْدُرُ عَنْهُ فِعْلٌ إلّا وهو في غايَةِ الإتْقانِ فَهو يَأْمُرُ بِالإثْخانِ عِنْدَ ظُهُورِ قُوَّةِ المُشْرِكِينَ، فَإذا ضَعُفَتْ وقَوِيَ المُسْلِمُونَ فَأنْتُمْ بِالخِيارِ، ولا يَصِحُّ ادِّعاءُ وِلايَتِهِ إلّا لِمَن تَرَقّى في مَعارِجِ صِفاتِهِ، فَيَكُونُ عَزِيزًا في نَفْسِهِ فَلا يُدَنِّسُها بِالأطْماعِ الفانِيَةِ، وفِعْلِهِ فَلا يَحُطُّهُ عَنْ أوْجِ المَعالِي إلى حَضِيضِ المُهاوِي، وحَكِيمًا فَلا يَنْشَأُ عَنْهُ فِعْلٌ إلّا وهو في غايَةِ الإتْقانِ.
{"ayah":"مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِیدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق