الباحث القرآني

﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ واليَوْمِ الأخِرِ وبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ إنْ أرادُوا إصْلاحًا﴾ عَطْفٌ عَلى الجُمْلَةِ قَبْلَها، لِشِدَّةِ المُناسَبَةِ، ولِلِاتِّحادِ في الحُكْمِ وهو التَّرَبُّصُ، إذْ كِلاهُما انْتِظارٌ لِأجْلِ المُراجَعَةِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُقَدِّمْ قَوْلَهُ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] عَلى قَوْلِهِ ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ لِأنَّ هَذِهِ الآيَ جاءَتْ مُتَناسِقَةً، مُنْتَظِمَةً عَلى حَسَبِ مُناسَباتِ الِانْتِقالِ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في إبْداعِ الأحْكامِ، وإلْقائِها، بِأُسْلُوبٍ سَهْلٍ لا تَسْأمُ لَهُ النَّفْسُ، ولا يَجِيءُ عَلى صُورَةِ التَّعْلِيمِ والدَّرْسِ. وسَيَأْتِي كَلامُنا عَلى الطَّلاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] . وجُمْلَةُ ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ خَبَرِيَّةٌ مُرادٌ بِها الأمْرُ، فالخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في الإنْشاءِ وهو مَجازٌ فَيَجُوزُ جَعْلُهُ مَجازًا مُرْسَلًا مُرَكَّبًا، بِاسْتِعْمالِ الخَبَرِ في لازِمِ مَعْناهُ، وهو التَّقَرُّرُ والحُصُولُ. وهو الوَجْهُ الَّذِي اخْتارَهُ التَّفْتازانِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أفَمَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ أفَأنْتَ تُنْقِذُ مَن في النّارِ﴾ [الزمر: ١٩] بِأنْ يَكُونَ الخَبَرُ مُسْتَعْمَلًا في المَعْنى المُرَكَّبِ الإنْشائِيِّ، بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ بَيْنَ الأمْرِ، مَثَلًا كَما هُنا، وبَيْنَ الِامْتِثالِ، حَتّى يُقَدِّرَ المَأْمُورَ فاعِلًا فَيُخْبِرُ عَنْهُ. ويَجُوزُ جَعْلُهُ مَجازًا تَمْثِيلِيًّا، كَما اخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في هَذِهِ الآيَةِ إذْ قالَ: فَكَأنَّهُنَّ امْتَثَلْنَ الأمْرَ بِالتَّرَبُّصِ فَهو يُخْبِرُ عَنْهُ مَوْجُودًا ونَحْوُهُ قَوْلُهم في الدُّعاءِ: رَحِمَهُ اللَّهُ ثِقَةً بِالِاسْتِجابَةِ. قالَ التَّفْتازانِيُّ: فَهو (p-٣٨٩)تَشْبِيهُ ما هو مَطْلُوبُ الوُقُوعِ بِما هو مُحَقَّقُ الوُقُوعِ في الماضِي كَما في قَوْلِ النّاسِ: رَحِمَهُ اللَّهُ، أوْ في المُسْتَقْبَلِ، أوِ الحالِ، كَما في هَذِهِ الآيَةِ. قُلْتُ: وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ في الحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧] وأنَّهُ أطْلَقَ المُرَكَّبَ الدّالَّ عَلى الهَيْئَةِ المُشَبَّهِ بِها عَلى الهَيْئَةِ المُشَبَّهَةِ. والتَّعْرِيفُ في المُطَلَّقاتِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ. وهو مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْراقِ، إذْ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ هُنا. وهو عامٌّ في المُطَلَّقاتِ ذَواتِ القُرُوءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، إذْ لا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ في غَيْرِهِنَّ. فالآيَةُ عامَّةٌ في المُطَلَّقاتِ ذَواتِ القُرُوءِ، ولَيْسَ هَذا بِعامٍّ مَخْصُوصٍ في هَذِهِ، بِمُتَّصِلٍ ولا بِمُنْفَصِلٍ، ولا مُرادٍ بِهِ الخُصُوصَ، بَلْ هو عامٌّ في الجِنْسِ المَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ المُقَدَّرَةِ الَّتِي هي مِن دَلالَةِ الِاقْتِضاءِ. فالآيَةُ عامَّةٌ في المُطَلَّقاتِ ذَواتِ القُرُوءِ. وهي مُخَصَّصَةٌ بِالحَرائِرِ دُونَ الإماءِ، فَأخْرَجَتِ الإماءَ، بِما ثَبَتَ في السُّنَّةِ: «أنَّ عِدَّةَ الأمَةِ حَيْضَتانِ»، رَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ. فَهي شامِلَةٌ لِجِنْسِ المُطَلَّقاتِ ذَواتِ القُرُوءِ، ولا عَلاقَةَ لَها بِغَيْرِهِنَّ مِنَ المُطَلَّقاتِ، مِثْلِ المُطَلَّقاتِ اللّاتِي لَسْنَ مِن ذَواتِ القُرُوءِ، وهُنَّ النِّساءُ اللّاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ سِنَّ المَحِيضِ، والآيِساتُ مِنَ المَحِيضِ، والحَوامِلُ، وقَدْ بُيِّنَ حُكْمَهُنَّ في سُورَةِ الطَّلاقِ. إلّا أنَّها يَخْرُجُ عَنْ دَلالَتِها المُطَلَّقاتُ قَبْلَ البِناءِ مِن ذَواتِ القُرُوءِ، فَهُنَّ مَخْصُوصاتٌ مِن هَذا العُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ المُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكم عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها﴾ [الأحزاب: ٤٩] فَهي في ذَلِكَ عامٌّ مَخْصُوصٌ بِمُخَصَّصٍ مُنْفَصِلٍ. وقالَ المالِكِيَّةُ والشّافِعِيَّةُ: إنَّها عامٌّ مَخْصُوصٌ مِنهُ الأصْنافُ الأرْبَعَةُ، بِمُخَصَّصاتٍ مُنْفَصِلَةٍ، وفِيهِ نَظَرٌ فِيما عَدا المُطَلَّقَةَ قَبْلَ البِناءِ. وهي عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ عامٌّ أُرِيدَ بِهِ الخُصُوصُ بِقَرِينَةٍ، أيْ بِقَرِينَةِ دَلالَةِ الأحْكامِ الثّابِتَةِ لِتِلْكَ الأصْنافِ. وإنَّما لَجَئُوا إلى ذَلِكَ لِأنَّهم يَرَوْنَ المُخَصَّصَ المُنْفَصِلَ ناسِخًا، وشَرْطُ النَّسْخِ تَقَرُّرُ المَنسُوخِ، ولَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُ الِاعْتِدادِ في الإسْلامِ بِالإقْراءِ لِكُلِّ المُطَلَّقاتِ. والحَقُّ أنَّ دَعْوى كَوْنِ المُخَصَّصِ المُنْفَصِلِ ناسِخًا، أصْلٌ غَيْرُ جَدِيرٍ بِالتَّأْصِيلِ؛ لِأنَّ تَخْصِيصَ العامِّ هو وُرُودُهُ مُخْرَجًا مِنهُ بَعْضُ الأفْرادِ بِدَلِيلٍ، فَإنَّ مَجِيءَ العُمُوماتِ بَعْدَ الخُصُوصاتِ كَثِيرٌ، ولا يُمْكِنُ فِيهِ القَوْلُ بِنَسْخِ العامِّ لِلْخاصِّ، لِظُهُورِ بُطْلانِهِ، ولا بِنَسْخِ الخاصِّ لِلْعامِّ، لِظُهُورِ سَبْقِهِ، والنّاسِخُ لا يَسْبِقُ؛ وبَعْدُ، فَمَهْما لَمْ يَقَعْ عَمَلٌ بِالعُمُومِ، فالتَّخْصِيصُ لَيْسَ بِنَسْخٍ. (p-٣٩٠)و﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ﴾ أيْ يَتَلَبَّثْنَ ويَنْتَظِرْنَ مُرُورَ ثَلاثَةِ قُرُوءٍ، وزِيدَ بِأنْفُسِهِنَّ تَعْرِيضًا بِهِنَّ، بِإظْهارِ حالِهِنَّ في مَظْهَرِ المُسْتَعْجِلاتِ، الرّامِياتِ بِأنْفُسِهِنَّ إلى التَّزَوُّجِ، فَلِذَلِكَ أُمِرْنَ أنْ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ، أيْ يُمْسِكْنَهُنَّ ولا يُرْسِلْنَهُنَّ إلى رِجالٍ. قالَ في الكَشّافِ: فَفي ذِكْرِ الأنْفُسِ تَهْيِيجٌ لَهُنَّ عَلى التَّرَبُّصِ وزِيادَةُ بَعْثٍ؛ لِأنَّ فِيهِ ما يَسْتَنْكِفْنَ مِنهُ فَيَحْمِلُهُنَّ عَلى أنْ يَتَرَبَّصْنَ. وقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النُّحاةِ: أنَّ بِأنْفُسِهِنَّ تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ المُطَلَّقاتِ، وأنَّ الباءَ زائِدَةٌ، ومِن هُنالِكَ قالَ بِزِيادَةِ الباءِ في التَّوْكِيدِ المَعْنَوِيِّ. ذَكَرَهُ صاحِبُ المُغْنِي، ورَدَّهُ، مِن جِهَةِ اللَّفْظِ، بِأنَّ: حَقَّ تَوْكِيدِ الضَّمِيرِ المُتَّصِلِ، أنْ يَكُونَ بَعْدَ ذِكْرِ الضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ أوْ بِفاصِلٍ آخَرَ، إلّا أنْ يُقالَ: اكْتَفى بِحَرْفِ الجَرِّ؛ ومِن جِهَةِ المَعْنى، بِأنَّ التَّوْكِيدَ لا داعِيَ إلَيْهِ؛ إذْ لا يَذْهَبُ عَقْلُ السّامِعِ إلى أنَّ المَأْمُورَ غَيْرَ المُطَلَّقاتِ الَّذِي هو المُبْتَدَأُ، الَّذِي تَضَمَّنَ الضَّمِيرُ خَبَرَهُ. وانْتَصَبَ ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ عَلى النِّيابَةِ عَنِ المَفْعُولِ فِيهِ؛ لِأنَّ الكَلامَ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ؛ أيْ مُدَّةَ ثَلاثَةِ قُرُوءٍ، فَلَمّا حُذِفَ المُضافُ خَلَفَهُ المُضافُ إلَيْهِ في الإعْرابِ. والقُرُوءُ جَمْعُ قَرْءٍ - بِفَتْحِ القافِ وضَمِّها وهو مُشْتَرَكٌ لِلْحَيْضِ والطُّهْرِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِانْتِقالِ مِنَ الطُّهْرِ إلى الحَيْضِ، أوْ مِنَ الحَيْضِ إلى الطُّهْرِ، فَلِذَلِكَ إذا أُطْلِقَ عَلى الطُّهْرِ أوْ عَلى الحَيْضِ كانَ إطْلاقًا عَلى أحَدِ طَرَفَيْهِ. وتَبِعَهُ الرّاغِبُ. ولَعَلَّهُما أرادا بِذَلِكَ وجْهَ إطْلاقِهِ عَلى الضِّدَّيْنِ. وأحْسَبُ أنَّ أشْهَرَ مَعانِي القَرْءِ، عِنْدَ العَرَبِ، هو الطُّهْرُ، ولِذَلِكَ ورَدَ في حَدِيثِ عُمَرَ، أنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، لَمّا طَلَّقَ امْرَأتَهُ في الحَيْضِ، سَألَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ. وما سُؤالُهُ إلّا مِن أجْلِ أنَّهم كانُوا لا يُطَلِّقُونَ إلّا في حالِ الطُّهْرِ لِيَكُونَ الطُّهْرُ الَّذِي وقَعَ فِيهِ الطَّلاقُ مَبْدَأ الِاعْتِدادِ وكَوْنُ الطُّهْرِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ هو مَبْدَأ الِاعْتِدادِ هو قَوْلُ جَمِيعِ الفُقَهاءِ ما عَدا ابْنَ شِهابٍ فَإنَّهُ قالَ: يُلْغى الطُّهْرُ الَّذِي وقَعَ فِيهِ الطَّلاقُ. واخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُرادِ مِنَ القُرُوءِ، في هَذِهِ الآيَةِ، والَّذِي عَلَيْهِ فُقَهاءُ المَدِينَةِ، وجُمْهُورُ أهْلِ الأثَرِ، أنَّ القَرْءَ: هو الطُّهْرُ. وهَذا قَوْلُ عائِشَةَ، وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، وابْنِ عُمَرَ، وجَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، مِن فُقَهاءِ المَدِينَةِ، ومالِكٍ، والشّافِعِيِّ، في أوْضَحِ كَلامَيْهِ، وابْنِ حَنْبَلٍ. والمُرادُ بِهِ الطُّهْرُ الواقِعُ بَيْنَ دَمَيْنِ. وقالَ عَلِيٌّ، وعُمَرُ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو حَنِيفَةَ، والثَّوْرِيُّ وابْنُ أبِي لَيْلى، وجَماعَةٌ: إنَّهُ الحَيْضُ. وعَنِ الشّافِعِيِّ، في أحَدِ قَوْلَيْهِ، أنَّهُ الطُّهْرُ المُنْتَقَلُ مِنهُ إلى الحَيْضِ، (p-٣٩١)وهُوَ وِفاقٌ لِما فَسَّرَ بِهِ أبُو عُبَيْدَةَ، ولَيْسَ هو بِمُخالِفٍ لِقَوْلِ الجُمْهُورِ: إنَّ القَرْءَ: الطُّهْرُ، فَلا وجْهَ لِعَدِّهِ قَوْلًا ثالِثًا. ومَرْجِعُ النَّظَرِ عِنْدِي، في هَذا، إلى الجَمْعِ بَيْنَ مَقْصِدَيِ الشّارِعِ مِنَ العِدَّةِ. وذَلِكَ أنَّ العِدَّةَ قُصِدَ مِنها تَحَقُّقُ بَراءَةِ رَحِمِ المُطَلَّقَةِ، مِن حَمْلِ المُطَلِّقِ، وانْتِظارُ الزَّوْجِ لَعَلَّهُ أنْ يَرْجِعَ. فَبَراءَةُ الرَّحِمِ تَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ أوْ طُهْرٍ واحِدٍ، وما زادَ عَلَيْهِ تَمْدِيدٌ في المُدَّةِ انْتِظارًا لِلرَّجْعَةِ. فالحَيْضَةُ الواحِدَةُ قَدْ جُعِلَتْ عَلامَةً عَلى بَراءَةِ الرَّحِمِ، في اسْتِبْراءِ الأمَةِ في انْتِقالِ المُلْكِ، وفي السَّبايا، وفي أحْوالٍ أُخْرى، مُخْتَلَفًا في بَعْضِها بَيْنَ الفُقَهاءِ، فَتَعَيَّنَ أنَّ ما زادَ عَلى حَيْضٍ واحِدٍ، لَيْسَ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الحَمْلِ، بَلْ لِأنَّ في تِلْكَ المُدَّةِ رِفْقًا بِالمُطَلِّقِ، ومَشَقَّةً عَلى المُطَلَّقَةِ، فَتَعارَضَ المَقْصِدانِ، وقَدْ رَجَحَ حَقُّ المُطَلِّقِ في انْتِظارِهِ أمَدًا بَعْدَ حُصُولِ الحَيْضَةِ الأُولى وانْتِهائِها، وحُصُولِ الطُّهْرِ بَعْدَها. فالَّذِينَ جَعَلُوا القُرُوءَ أطْهارًا راعَوُا التَّخْفِيفَ عَنِ المَرْأةِ، مَعَ حُصُولِ الإمْهالِ لِلزَّوْجِ، واعْتَضَدُوا بِالأثَرِ. والَّذِينَ جَعَلُوا القُرُوءَ حَيْضاتٍ، زادُوا لِلْمُطَلِّقِ إمْهالًا؛ لِأنَّ الطَّلاقَ لا يَكُونُ إلّا في طُهْرٍ عِنْدَ الجَمِيعِ، كَما ورَدَ في حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ في الصَّحِيحِ، واتَّفَقُوا عَلى أنَّ الطُّهْرَ الَّذِي وقَعَ الطَّلاقُ فِيهِ مَعْدُودٌ في الثَّلاثَةِ القُرُوءِ. وقُرُوءٌ صِيغَةُ جَمْعِ الكَثْرَةِ، اسْتُعْمِلَ في الثَّلاثَةِ، وهي قِلَّةٌ تَوَسُّعًا، عَلى عاداتِهِمْ في الجُمُوعِ أنَّها تَتَناوَبُ، فَأُوثِرَ في الآيَةِ الأخَفُّ مَعَ أمْنِ اللَّبْسِ، بِوُجُوبِ صَرِيحِ العَدَدِ. وبِانْتِهاءِ القُرُوءِ الثَّلاثَةِ تَنْقَضِي مُدَّةُ العِدَّةِ، وتَبِينُ المُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِن مُفارِقِها، وذَلِكَ حِينَ يَنْقَضِي الطُّهْرُ الثّالِثُ وتَدَخُلُ في الحَيْضَةِ الرّابِعَةِ، قالَ الجُمْهُورُ: إذا رَأتْ أوَّلَ نُقْطَةِ الحَيْضَةِ الثّالِثَةِ خَرَجَتْ مِنَ العِدَّةِ، بَعْدَ تَحَقُّقِ أنَّهُ دَمُ حَيْضٍ. ومِن أغْرَبِ الِاسْتِدْلالِ لِكَوْنِ القَرْءِ الطُّهْرَ. الِاسْتِدْلالُ بِتَأْنِيثِ اسْمِ العَدَدِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ قالُوا: والطُّهْرُ مُذَكَّرٌ فَلِذَلِكَ ذُكِّرَ مَعَهُ لَفْظُ الثَّلاثَةِ، ولَوْ كانَ القَرْءُ الحَيْضَةَ والحَيْضُ مُؤَنَّثٌ، قالَ ثَلاثُ قُرُوءٍ، حَكاهُ ابْنُ العَرَبِيِّ في الأحْكامِ، عَنْ عُلَمائِنا، يَعْنِي المالِكِيَّةَ ولَمْ يَتَعَقَّبْهُ وهو اسْتِدْلالٌ غَيْرُ ناهِضٍ؛ فَإنَّ المَنظُورَ إلَيْهِ، في التَّذْكِيرِ والتَّأْنِيثِ، إمّا المُسَمّى إذا كانَ التَّذْكِيرُ والتَّأْنِيثُ حَقِيقِيًّا، وإلّا فَهو حالُ الِاسْمِ مِنَ الِاقْتِرانِ بِعَلامَةِ التَّأْنِيثِ اللَّفْظِيِّ، أوْ إجْراءُ الِاسْمِ عَلى اعْتِبارِ تَأْنِيثٍ مُقَدَّرٍ مِثْلِ اسْمِ البِئْرِ، وأمّا هَذا الِاسْتِدْلالُ فَقَدْ لُبِسَ حُكْمُ اللَّفْظِ بِحُكْمِ أحَدِ مُرادِفَيْهِ. (p-٣٩٢)وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ﴾ إخْبارٌ عَنِ انْتِفاءِ إباحَةِ الكِتْمانِ، وذَلِكَ مُقْتَضى الإعْلامِ بِأنَّ كِتْمانَهُنَّ مَنهِيٌّ عَنْهُ مُحَرَّمٌ. فَهو خَبَرٌ عَنِ التَّشْرِيعِ، فَهو إعْلامٌ لَهُنَّ بِذَلِكَ، وما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ هو الدَّمُ ومَعْناهُ كَتْمُ الخَبَرِ عَنْهُ لا كِتْمانُ ذاتِهِ، كَقَوْلِ النّابِغَةِ ؎كَتَمْتُكَ لَيْلًا بِالجَمُومَيْنِ ساهِرًا أيْ كَتَمْتُكَ حالَ لَيْلٍ. و﴿ما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ﴾ مَوْصُولٌ، فَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى العَهْدِ: أيْ ما خَلَقَ مِنَ الحَيْضِ بِقَرِينَةِ السِّياقِ. ويَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى مَعْنى المُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ فَيَعُمُّ الحَيْضَ والحَمْلَ، وهو الظّاهِرُ وهو مِنَ العامِّ الوارِدِ عَلى سَبَبٍ خاصٍّ؛ لِأنَّ اللَّفْظَ العامَّ الوارِدَ في القُرْآنِ عَقِبَ ذِكْرِ بَعْضِ أفْرادِهِ، قَدْ ألْحَقُوهُ بِالعامِّ الوارِدِ عَلى سَبَبٍ خاصٍّ، فَأمّا مَن يُقْصِرُ لَفْظَ العُمُومِ في مِثْلِهِ عَلى خُصُوصِ ما ذُكِرَ قَبْلَهُ، فَيَكُونُ إلْحاقُ الحَوامِلِ بِطَرِيقِ القِياسِ، لِأنَّ الحُكْمَ نِيطَ بِكِتْمانِ ما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ. وهَذا مَحْمَلُ اخْتِلافِ المُفَسِّرِينَ، فَقالَ عِكْرِمَةُ، والزُّهْرِيُّ، والنَّخَعِيُّ: ما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ: الحَيْضُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وعُمَرُ: الحَمْلُ، وقالَ مُجاهِدٌ: الحَمْلُ والحَيْضُ، وهو أظْهَرُ، وقالَ قَتادَةُ: كانَتْ عادَةُ نِساءِ الجاهِلِيَّةِ أنْ يَكْتُمْنَ الحَمْلَ، لِيَلْحَقَ الوَلَدُ بِالزَّوْجِ الجَدِيدِ أيْ لِئَلّا يَبْقى بَيْنَ المُطَلَّقَةِ ومُطَلِّقِها صِلَةٌ ولا تَنازُعٌ في الأوْلادِ وفي ذَلِكَ نَزَلَتْ، وهَذا يَقْتَضِي أنَّ العِدَّةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِيهِمْ، وأمّا مَعَ مَشْرُوعِيَّةِ العِدَّةِ، فَلا يُتَصَوَّرُ كِتْمانُ الحَمْلِ؛ لِأنَّ الحَمْلَ لا يَكُونُ إلّا مَعَ انْقِطاعِ الحَيْضِ، وإذْ مَضَتْ مُدَّةُ الأقْراءِ تَبَيَّنَ أنَّ الحَمْلَ مِنَ الزَّوْجِ الجَدِيدِ. وقَوْلُهُ ﴿إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ شَرْطٌ أُرِيدَ بِهِ التَّهْدِيدُ دُونَ التَّقْيِيدِ، فَهو مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنًى غَيْرِ مَعْنى التَّقْيِيدِ، عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ المُرْسَلِ التَّمْثِيلِيِّ، كَما يُسْتَعْمَلُ الخَبَرُ في التَّحَسُّرِ، والتَّهْدِيدِ، لِأنَّهُ لا مَعْنى لِتَقْيِيدِ نَفْيِ الحَمْلِ بِكَوْنِهِنَّ مُؤْمِناتٍ، وإنْ كانَ كَذَلِكَ في نَفْسِ الأمْرِ، لِأنَّ الكَوافِرَ لا يَمْتَثِلْنَ لِحُكْمِ الحَلالِ والحَرامِ الإسْلامِيِّ، وإنَّما المَعْنى أنَّهُنَّ إنْ كَتَمْنَ، فَهُنَّ لا يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ؛ إذْ لَيْسَ مِن شَأْنِ المُؤْمِناتِ هَذا الكِتْمانُ. وجِيءَ في هَذا الشَّرْطِ بِإنْ، لِأنَّها أصْلُ أدَواتِ الشَّرْطِ، ما لَمْ يَكُنْ هُنالِكَ مَقْصِدٌ لِتَحْقِيقِ حُصُولِ الشَّرْطِ فَيُؤْتى بِإذا، فَإذا كانَ الشَّرْطُ مَفْرُوضًا، فَرْضًا لا قَصْدَ لِتَحْقِيقِهِ ولا لِعَدَمِهِ، جِيءَ بِإنْ. ولَيْسَ لَإنْ هُنا، شَيْءٌ مِن مَعْنى الشَّكِّ في حُصُولِ الشَّرْطِ، ولا تَنْزِيلَ إيمانِهِنَّ، المُحَقَّقِ، مَنزِلَةَ المَشْكُوكِ، لِأنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ، خِلافًا لِما قَرَّرَهُ عَبْدُ الحَكِيمِ. (p-٣٩٣)والمُرادُ بِالإيمانِ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، الإيمانُ الكامِلُ، وهو الإيمانُ بِما جاءَ بِهِ دِينُ الإسْلامِ، فَلَيْسَ إيمانُ أهْلِ الكِتابِ، بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، بِمُرادٍ هُنا؛ إذْ لا مَعْنى لِرَبْطِ نَفْيِ الحَمْلِ في الإسْلامِ بِثُبُوتِ إيمانِ أهْلِ الكِتابِ. ولَيْسَ في الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى تَصْدِيقِ النِّساءِ، في دَعْوى الحَمْلِ والحَيْضِ، كَما يَجْرِي عَلى ألْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ الفُقَهاءِ، فَلا بُدَّ مِن مُراعاةِ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ مُشَبَّهًا، ومَتى ارْتِيبَ في صِدْقِهِنَّ، وجَبَ المَصِيرُ إلى ما هو المُحَقَّقُ، وإلى قَوْلِ الأطِبّاءِ والعارِفِينَ. ولِذَلِكَ قالَ مالِكٌ: لَوِ ادَّعَتْ ذاتُ القُرُوءِ انْقِضاءَ عِدَّتِهِا، في مُدَّةِ شَهْرٍ مِن يَوْمِ الطَّلاقِ، لَمْ تُصَدَّقْ، ولا تُصَدَّقُ في أقَلَّ مِن خَمْسَةٍ وأرْبَعِينَ يَوْمًا، مَعَ يَمِينِها وقالَ عَبْدُ المَلِكِ: خَمْسُونَ يَوْمًا، وقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: لا تُصَدَّقُ في أقَلَّ مِن ثَلاثَةِ أشْهُرٍ، لِأنَّهُ الغالِبُ في المُدَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِيها ثَلاثَةُ قُرُوءٍ، وجَرى بِهِ عَمَلُ تُونُسَ، كَما نَقَلَهُ ابْنُ ناجِي، وعَمَلُ فاسَ، كَما نَقَلَهُ السِّجِلْماسِيُّ. وفي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المُطَلَّقَةَ الكِتابِيَّةَ لا تُصَدَّقُ في قَوْلِها: إنَّها انْقَضَتْ عِدَّتُها. وقَوْلُهُ وبُعُولَتُهُنَّ. البُعُولَةُ جَمْعُ بَعْلٍ، والبَعْلُ اسْمُ زَوْجِ المَرْأةِ. وأصْلُ البَعْلِ في كَلامِهِمْ، السَّيِّدُ. وهو كَلِمَةٌ سامِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، فَقَدْ سَمّى الكَنْعانِيُّونَ ”الفِينِيقِيُّونَ“ مَعْبُودَهم بَعْلًا قالَ تَعالى ﴿أتَدْعُونَ بَعْلًا وتَذَرُونَ أحْسَنَ الخالِقِينَ﴾ [الصافات: ١٢٥] وسُمِّيَ بِهِ الزَّوْجُ لِأنَّهُ مَلَكَ أمْرَ عِصْمَةِ زَوْجِهِ، ولِأنَّ الزَّوْجَ كانَ يُعْتَبَرُ مالِكًا لِلْمَرْأةِ، وسَيِّدًا لَها، فَكانَ حَقِيقًا بِهَذا الِاسْمِ، ثُمَّ لَمّا ارْتَقى نِظامُ العائِلَةِ مِن عَهْدِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَما بَعْدَهُ مِنَ الشَّرائِعِ، أخَذَ مَعْنى المِلْكِ في الزَّوْجِيَّةِ يَضْعُفُ، فَأطْلَقَ العَرَبُ لَفْظَ الزَّوْجِ عَلى كُلٍّ مِنَ الرَّجُلِ والمَرْأةِ، اللَّذَيْنِ بَيْنَهُما عِصْمَةُ نِكاحٍ، وهو إطْلاقٌ عادِلٌ؛ لِأنَّ الزَّوْجَ هو الَّذِي يُثَنِّي الفَرْدَ، فَصارا سَواءً في الِاسْمِ، وقَدْ عَبَّرَ القُرْآنُ بِهَذا الِاسْمِ، في أغْلَبِ المَواضِعِ، غَيْرَ الَّتِي حَكى فِيها أحْوالَ الأُمَمِ الماضِيَةِ كَقَوْلِهِ ﴿وهَذا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢]، وغَيْرِ المَواضِعِ الَّتِي أشارَ فِيها إلى التَّذْكِيرِ بِما لِلزَّوْجِ مِن سِيادَةٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنِ امْرَأةٌ خافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزًا أوْ إعْراضًا﴾ [النساء: ١٢٨] وهاتِهِ الآيَةُ كَذَلِكَ، لِأنَّهُ لَمّا جَعَلَ حَقَّ الرَّجْعَةِ لِلرَّجُلِ جَبْرًا عَلى المَرْأةِ، ذَكَّرَ المَرْأةَ بِأنَّهُ بَعْلُها قَدِيمًا، وقِيلَ: البَعْلُ: الذَّكَرُ، وتَسْمِيَةُ المَعْبُودِ بَعْلًا لِأنَّهُ رَمْزٌ إلى قُوَّةِ الذُّكُورَةِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ الشَّجَرُ الَّذِي لا يُسْقى بَعْلًا، وجاءَ جَمْعُهُ عَلى وزْنِ فُعُولَةٌ، وأصْلُهُ فُعُولُ المُطَّرِدِ في جَمْعِ فَعْلٍ، لَكِنَّهُ زِيدَتْ فِيهِ الهاءُ لِتَوَهُّمِ مَعْنى الجَماعَةِ فِيهِ، ونَظِيرُ قَوْلِهِمْ: فُحُولَةٌ وذُكُورَةٌ وكُعُوبَةٌ وسُهُولَةٌ، جَمْعُ السَّهْلِ، (p-٣٩٤)ضِدُّ الجَبَلِ، وزِيادَةُ الهاءِ في مِثْلِهِ سَماعِيٌّ؛ لِأنَّها لا تُؤْذِنُ بِمَعْنًى، غَيْرِ تَأْكِيدِ مَعْنى الجَمْعِيَّةِ بِالدَّلالَةِ عَلى الجَماعَةِ. وضَمِيرُ بُعُولَتُهُنَّ، عائِدٌ إلى المُطَلَّقاتِ قَبْلَهُ، وهُنَّ المُطَلَّقاتُ الرَّجْعِيّاتُ، كَما تَقَدَّمَ، فَقَدْ سَمّاهُنَّ اللَّهُ تَعالى مُطَلَّقاتٍ لِأنَّ أزْواجَهُنَّ أنْشَئُوا طَلاقَهُنَّ، وأطْلَقَ اسْمَ البُعُولَةِ عَلى المُطَلِّقِينَ، فاقْتَضى ظاهِرُهُ أنَّهم أزْواجٌ لِلْمُطَلَّقاتِ، إلّا أنَّ صُدُورَ الطَّلاقِ مِنهم إنْشاءٌ لِفَكِّ العِصْمَةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهم، وإنَّما جَعَلَ اللَّهُ مُدَّةَ العِدَّةِ تَوْسِعَةً عَلى المُطَلِّقِينَ، عَسى أنْ تَحْدُثَ لَهم نَدامَةٌ ورَغْبَةٌ في مُراجَعَةِ أزْواجِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطلاق: ١]، أيْ أمْرَ المُراجَعَةِ، وذَلِكَ شَبِيهٌ بِما أجْرَتْهُ الشَّرِيعَةُ في الإيلاءِ، فَلِلْمُطَلِّقِينَ، بِحَسَبِ هَذِهِ الحالَةِ، حالَةُ وسَطٍ بَيْنِ حالَةِ الأزْواجِ وحالَةِ الأجانِبِ، وعَلى اعْتِبارِ هَذِهِ الحالَةِ الوَسَطِ أوْقَعَ عَلَيْهِمُ اسْمَ البُعُولَةِ هُنا، وهو مَجازٌ قَرِينَتُهُ واضِحَةٌ، وعِلاقَتُهُ اعْتِبارُ ما كانَ، مِثْلُ إطْلاقِ اليَتامى في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ [النساء: ٢] . وقَدْ حَمَلَهُ الجُمْهُورُ عَلى المَجازِ؛ فَإنَّهُمُ اعْتَبَرُوا المُطَلَّقَةَ طَلاقًا رَجْعِيًّا امْرَأةً أجْنَبِيَّةً عَنِ المُطَلِّقِ، بِحَسَبِ الطَّلاقِ، ولَكِنْ لَمّا كانَ لِلْمُطَلِّقِ حَقُّ المُراجَعَةِ، ما دامَتِ المَرْأةُ في العِدَّةِ، ولَوْ بِدُونِ رِضاها، وجَبَ إعْمالُ مُقْتَضى الحالَتَيْنِ، وهَذا قَوْلُ مالِكٍ والشّافِعِيِّ. قالَ مالِكٌ: لا يَجُوزُ لِلْمُطَلِّقِ أنْ يَسْتَمْتِعَ بِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ، ولا أنْ يَدْخُلَ عَلَيْها بِدُونِ إذْنٍ، ولَوْ وطِئَها بِدُونِ قَصْدِ مُراجَعَةٍ أثِمَ، ولَكِنْ لا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، ووَجَبَ اسْتِبْراؤُها مِنَ الماءِ الفاسِدِ، ولَوْ كانَتْ رابِعَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ تَزَوُّجُ امْرَأةٍ أُخْرى، ما دامَتْ تِلْكَ العِدَّةُ. وإنَّما وجَبَتْ لَها النَّفَقَةُ لِأنَّها مَحْبُوسَةٌ لِانْتِظارِ مُراجَعَتِهِ، ويُشْكِلُ عَلى قَوْلِهِمْ أنَّ عُثْمانَ قَضى لَها بِالمِيراثِ إذا ماتَ مُطَلِّقُها وهي في العِدَّةِ؛ قَضى بِذَلِكَ في امْرَأةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، بِمُوافَقَةِ عَلِيٍّ، رَواهُ في المُوَطَّأِ، فَيَدْفَعُ الإشْكالَ بِأنَّ انْقِضاءَ العِدَّةِ شَرْطٌ في إنْفاذِ الطَّلاقِ، وإنْفاذُ الطَّلاقِ مانِعٌ مِنِ المِيراثِ، فَما لَمْ تَنْقَضِ العِدَّةُ، فالطَّلاقُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الإعْمالِ والإلْغاءِ، فَصارَ ذَلِكَ شَكًّا في مانِعِ الإرْثِ، والشَّكُّ في المانِعِ يُبْطِلُ إعْمالَهُ. وحَمَلَ أبُو حَنِيفَةَ، واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، البُعُولَةَ عَلى الحَقِيقَةِ، فَقالا الزَّوْجِيَّةُ مُسْتَمِرَّةٌ بَيْنَ المُطَلِّقِ الرَّجْعِيِّ ومُطَلَّقَتِهِ؛ لِأنَّ اللَّهَ سَمّاهم بُعُولَةً وسَوَّغا دُخُولَ المُطَلِّقِ عَلَيْها، ولَوْ وطِئَها فَذَلِكَ ارْتِجاعٌ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ. وقالَ بِهِ الأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وابْنُ أبِي لَيْلى، ونُسِبَ إلى (p-٣٩٥)سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، والحَسَنِ، والزُّهْرِيِّ، وابْنِ سِيرِينَ، وعَطاءٍ، وبَعْضِ أصْحابِ مالِكٍ. وأحْسَبُ أنَّ هَؤُلاءِ قائِلُونَ بِبَقاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ المُطَلِّقِ ومُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ. (وأحَقُّ) قِيلَ: هو بِمَعْنى اسْمِ الفاعِلِ مَسْلُوبُ المُفاضَلَةِ، أتى بِهِ لِإفادَةِ قُوَّةِ حَقِّهِمْ، وذَلِكَ مِمّا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ صِيغَةُ أفْعَلُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَذِكْرُ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] لا سِيَّما إنْ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَها مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ بِحَرْفِ مِن، وقِيلَ: هو تَفْضِيلٌ عَلى بابِهِ، والمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، أشارَ إلَيْهِ في الكَشّافِ، وقَرَّرَهُ التَّفْتازانِيُّ بِما تَحْصِيلُهُ وتَبْيِينُهُ: أنَّ التَّفْضِيلَ بَيْنَ صِنْفَيْ حَقٍّ مُخْتَلِفَيْنِ بِاخْتِلافِ المُتَعَلِّقِ: هُما حَقُّ الزَّوْجِ في الرَّجْعَةِ إنْ رَغِبَ فِيها، وحَقُّ المَرْأةِ في الِامْتِناعِ مِنَ المُراجَعَةِ إنْ أبَتْها، فَصارَ المَعْنى: وبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّ المُطَلَّقاتِ، مِن حَقِّ المُطَلَّقاتِ بِالِامْتِناعِ وقَدْ نَسَجَ التَّرْكِيبَ عَلى طَرِيقَةِ الإيجازِ. وقَوْلُهُ في ذَلِكَ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلى التَّرَبُّصِ، بِمَعْنى مُدَّتِهِ، أيْ لِلْبُعُولَةِ حَقُّ الإرْجاعِ في مُدَّةِ القُرُوءِ الثَّلاثَةِ، أيْ لا بَعْدَ ذَلِكَ. كَما هو مَفْهُومُ القَيْدِ. هَذا تَقْرِيرُ مَعْنى الآيَةِ، عَلى أنَّها جاءَتْ لِتَشْرِيعِ حُكْمِ المُراجَعَةِ في الطَّلاقِ ما دامَتِ العِدَّةُ، وعِنْدِي أنَّ هَذا لَيْسَ مُجَرَّدَ تَشْرِيعٍ لِلْمُراجَعَةِ، بَلِ الآيَةُ جامِعَةٌ لِأمْرَيْنِ: حُكْمِ المُراجَعَةِ، وتَحْضِيضِ المُطَلِّقِينَ عَلى مُراجَعَةِ المُطَلَّقاتِ، وذَلِكَ أنَّ المُتَفارِقَيْنِ. لا بُدَّ أنْ يَكُونَ لِأحَدِهِما، أوْ لِكِلَيْهِما، رَغْبَةٌ في الرُّجُوعِ، فاللَّهُ يُعْلِمُ الرِّجالَ بِأنَّهم أوْلى بِأنْ يَرْغَبُوا في مُراجَعَةِ النِّساءِ، وأنْ يَصْفَحُوا عَنِ الأسْبابِ الَّتِي أوْجَبَتِ الطَّلاقَ لِأنَّ الرَّجُلَ هو مَظِنَّةُ البَصِيرَةِ والِاحْتِمالِ، والمَرْأةُ أهْلُ الغَضَبِ والإباءِ. والرَّدُّ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿حَتّى يَرُدُّوكم عَنْ دِينِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧] والمُرادُ بِهِ هُنا الرُّجُوعُ إلى المُعاشَرَةِ، وهو المُراجَعَةُ، وتَسْمِيَةُ المُراجَعَةِ رَدًّا يُرَجِّحُ أنَّ الطَّلاقَ قَدِ اعْتُبِرَ في الشَّرْعِ قَطْعًا لِعِصْمَةِ النِّكاحِ، فَهو إطْلاقٌ حَقِيقِيٌّ عَلى قَوْلِ مالِكٍ، وأمّا أبُو حَنِيفَةَ ومَن وافَقُوهُ فَتَأوَّلُوا التَّعْبِيرَ بِالرَّدِّ: بِأنَّ العِصْمَةَ في مُدَّةِ العِدَّةِ سائِرَةٌ في سَبِيلِ الزَّوالِ عِنْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ، فَسُمِّيَتِ المُراجَعَةُ رَدًّا عَنْ هَذا السَّبِيلِ الَّذِي أخَذْتُ في سُلُوكِهِ وهو رَدٌّ مَجازِيٌّ. وقَوْلُهُ ﴿إنْ أرادُوا إصْلاحًا﴾، شَرْطٌ قُصِدَ بِهِ الحَثُّ عَلى إرادَةِ الإصْلاحِ، ولَيْسَ هو لِلتَّقَيُّدِ. * * * (p-٣٩٦)﴿ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ لَهُنَّ عائِدًا إلى أقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو المُطَلَّقاتُ، عَلى نَسَقِ الضَّمائِرِ قَبْلَهُ؛ لِأنَّ المُطَلَّقاتِ لَمْ تَبْقَ بَيْنَهُنَّ وبَيْنَ الرِّجالِ عَلَقَةٌ، حَتّى يَكُونَ لَهُنَّ حُقُوقٌ، وعَلَيْهِنَّ حُقُوقٌ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ لَهُنَّ ضَمِيرَ الأزْواجِ النِّساءِ اللّائِي اقْتَضاهُنَّ قَوْلُهُ بِرَدِّهِنَّ بِقَرِينَةِ مُقابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ ﴿ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ . فالمُرادُ بِالرِّجالِ في قَوْلِهِ ولِلرِّجالِ الأزْواجُ، كَأنَّهُ قِيلَ: ولِرِجالِهِنَّ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ. والرَّجُلُ إذا أُضِيفَ إلى المَرْأةِ، فَقِيلَ: رَجُلُ فُلانَةَ، كانَ بِمَعْنى الزَّوْجِ، كَما يُقالُ لِلزَّوْجَةِ: امْرَأةُ فُلانٍ، قالَ تَعالى ﴿وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ﴾ [هود: ٧١] إلّا امْرَأتَكَ. ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلى النِّساءِ في قَوْلِهِ ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦] بِمُناسَبَةِ أنَّ الإيلاءَ مِنَ النِّساءِ هَضْمٌ لِحُقُوقِهِنَّ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ، فَجاءَ هَذا الحُكْمُ الكُلِّيُّ عَلى ذَلِكَ السَّبَبِ الخاصِّ لِمُناسَبَةٍ؛ فَإنَّ الكَلامَ تَدَرَّجَ مِن ذِكْرِ النِّساءِ اللّائِي في العِصْمَةِ، حِينَ ذَكَرَ طَلاقَهُنَّ بِقَوْلِهِ ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ [البقرة: ٢٢٧]، إلى ذِكْرِ المُطَلَّقاتِ بِتِلْكَ المُناسَبَةِ، ولَمّا اخْتَتَمَ حُكْمَ الطَّلاقِ بِقَوْلِهِ ﴿وبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ﴾ صارَ أُولَئِكَ النِّساءُ المُطَلَّقاتُ زَوْجاتٍ، فَعادَ الضَّمِيرُ إلَيْهِنَّ بِاعْتِبارِ هَذا الوَصْفِ الجَدِيدِ، الَّذِي هو الوَصْفُ المُبْتَدَأُ بِهِ في الحُكْمِ، فَكانَ في الآيَةِ ضَرْبٌ مِن رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ، فَعادَتْ إلى أحْكامِ الزَّوْجاتِ، بِأُسْلُوبٍ عَجِيبٍ: والمُناسَبَةُ أنَّ في الإيلاءِ مِنَ النِّساءِ تَطاوُلًا عَلَيْهِنَّ، وتَظاهُرًا بِما جَعَلَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ مِن حَقِّ التَّصَرُّفِ في العِصْمَةِ، فَناسَبَ أنْ يُذَكَّرُوا بِأنَّ لِلنِّساءِ مِنَ الحَقِّ مِثْلَ ما لِلرِّجالِ. وفِي الآيَةِ احْتِباكٌ، فالتَّقْدِيرُ: ولَهُنَّ عَلى الرِّجالِ مِثْلُ الَّذِي لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ، فَحَذَفَ مِنَ الأوَّلِ لِدَلالَةِ الآخِرِ، وبِالعَكْسِ. وكانَ الِاعْتِناءُ بِذِكْرِ ما لِلنِّساءِ مِنَ الحُقُوقِ عَلى الرِّجالِ، وتَشْبِيهِهِ بِما لِلرِّجالِ عَلى النِّساءِ؛ لِأنَّ حُقُوقَ الرِّجالِ عَلى النِّساءِ مَشْهُورَةٌ، مُسَلَّمَةٌ مِن أقْدَمِ عُصُورِ البَشَرِ، فَأمّا حُقُوقُ النِّساءِ فَلَمْ تَكُنْ مِمّا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ أوْ كانَتْ مُتَهاوَنًا بِها، ومَوْكُولَةً إلى مِقْدارِ حُظْوَةِ المَرْأةِ عِنْدَ زَوْجِها، حَتّى جاءَ الإسْلامُ فَأقامَها. وأعْظَمُ ما أُسِّسَتْ بِهِ هو ما جَمَعَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ. (p-٣٩٧)وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ؛ لِأنَّهُ مِنَ الأخْبارِ الَّتِي لا يَتَوَقَّعُها السّامِعُونَ، فَقُدِّمَ لِيُصْغِيَ السّامِعُونَ إلى المُسْنَدِ إلَيْهِ، بِخِلافِ ما لَوْ أُخِّرَ فَقِيلَ: ومِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ لَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ. وفي هَذا إعْلانٌ لِحُقُوقِ النِّساءِ، وإصْداعٌ بِها وإشادَةٌ بِذِكْرِها، ومِثْلُ ذَلِكَ مِن شَأْنِهِ أنْ يُتَلَقّى بِالِاسْتِغْرابِ، فَلِذَلِكَ كانَ مَحَلَّ الِاهْتِمامِ. ذَلِكَ أنَّ حالَ المَرْأةِ إزاءَ الرَّجُلِ في الجاهِلِيَّةِ، كانْتُ زَوْجَةً أمْ غَيْرَها، هي حالَةٌ كانَتْ مُخْتَلِطَةً بَيْنَ مَظْهَرِ كَرامَةٍ، وتَنافُسٍ عِنْدَ الرَّغْبَةِ، ومَظْهَرِ اسْتِخْفافٍ، وقِلَّةِ إنْصافٍ، عِنْدَ الغَضَبِ، فَأمّا الأوَّلُ فَناشِئٌ عَمّا جُبِلَ عَلَيْهِ العَرَبِيُّ مِنَ المَيْلِ إلى المَرْأةِ، وصِدْقِ المَحَبَّةِ، فَكانَتِ المَرْأةُ مَطْمَحَ نَظَرِ الرَّجُلِ، ومَحَلَّ تَنافُسِهِ، رَغْبَةً في الحُصُولِ عَلَيْها بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ المُعاشَرَةِ المَعْرُوفَةِ عِنْدَهم، وكانَتِ الزَّوْجَةُ مَرْمُوقَةً مِنَ الزَّوْجِ بِعَيْنِ الِاعْتِبارِ والكَرامَةِ قالَ شاعِرُهم وهو مُرَّةُ بْنُ مَحْكانَ السَّعْدِيُّ: ؎يا رَبَّةَ البَيْتِ قُومِي، غَيْرَ صاغِرَةٍ ضُمِّي إلَيْكِ رِحالَ القَوْمِ والقِرَبا فَسَمّاها رَبَّةَ البَيْتِ وخاطَبَها خِطابَ المُتَلَطِّفِ حِينَ أمَرَها فَأعْقَبَ الأمْرَ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ صاغِرَةٍ) وأمّا الثّانِي فالرَّجُلُ، مَعَ ذَلِكَ، يَرى الزَّوْجَةَ مَجْعُولَةً لِخِدْمَتِهِ فَكانَ إذا غاضَبَها أوْ ناشَزَتْهُ، رُبَّما اشْتَدَّ مَعَها في خُشُونَةِ المُعامَلَةِ، وإذا تَخالَفَ رَأْيُهُما أرْغَمَها عَلى مُتابَعَتِهِ، بِحَقٍّ أوْ بِدُونِهِ، وكانَ شَأْنُ العَرَبِ في هَذَيْنِ المَظْهَرَيْنِ مُتَفاوِتًا بِحَسَبِ تَفاوُتِهِمْ في الحَضارَةِ والبَداوَةِ، وتَفاوُتِ أفْرادِهِمْ في الكِياسَةِ والجَلافَةِ، وتَفاوُتِ حالِ نِسائِهِمْ في الِاسْتِسْلامِ والإباءِ والشَّرَفِ وخِلافِهِ، رَوى البُخارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ: كُنّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّساءَ فَلَمّا قَدِمْنا عَلى الأنْصارِ إذا قَوْمٌ تَغْلِبُهم نِساؤُهم فَطَفِقَ نِساؤُنا يَأْخُذُونَ مِن أدَبِ الأنْصارِ فَصَخِبْتُ عَلى امْرَأتِي فَراجَعَتْنِي فَأنْكَرْتُ أنْ تُراجِعَنِي قالَتْ: ولِمَ تُنْكِرُ أنْ أُراجِعَكَ فَواللَّهِ إنَّ أزْواجَ النَّبِيءِ لِيُراجِعْنَهُ وإنَّ إحْداهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليَوْمَ حَتّى اللَّيْلِ فَراعَنِي ذَلِكَ وقُلْتُ: قَدْ خابَتْ مَن فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنهُنَّ ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَها: أيْ حَفْصَةُ أتُغاضِبُ إحْداكُنَّ النَّبِيءَ اليَوْمَ حَتّى اللَّيْلِ ؟ قالَتْ: نَعَمْ فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وخَسِرْتِ الحَدِيثَ. وفي رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْهُ: كُنّا في الجاهِلِيَّةِ لا نَعُدُّ النِّساءَ شَيْئًا فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ، وذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأيْنا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنا حَقًّا مِن غَيْرِ أنْ نُدْخِلَهُنَّ في شَيْءٍ مِن أُمُورِنا. ويَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ هَذا الكَلامُ صَدْرًا لِما في الرِّوايَةِ الأُخْرى وهو قَوْلُهُ: كُنّا (p-٣٩٨)مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّساءَ، إلى آخِرِهِ. فَدَلَّ عَلى أنَّ أهْلَ مَكَّةَ كانُوا أشَدَّ مِن أهْلِ المَدِينَةِ في مُعامَلَةِ النِّساءِ. وأحْسَبُ أنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أنَّ أهْلَ المَدِينَةِ كانُوا مِن أزْدِ اليَمَنِ، واليَمَنُ أقْدَمُ بِلادِ العَرَبِ حَضارَةً، فَكانَتْ فِيهِمْ رِقَّةٌ زائِدَةٌ. وفي الحَدِيثِ «جاءَكم أهْلُ اليَمَنِ هم أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوبًا، الإيمانُ يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ» وقَدْ سَمّى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ ذَلِكَ أدَبًا فَقالَ: فَطَفِقَ نِساؤُنا يَأْخُذْنَ مِن أدَبِ الأنْصارِ. وكانُوا في الجاهِلِيَّةِ إذا ماتَ الرَّجُلُ كانَ أوْلِياؤُهُ أحَقَّ بِامْرَأتِهِ، إنْ شاءَ بَعْضُهم تَزَوَّجَها إذا حَلَّتْ لَهُ، وإنْ شاءُوا زَوَّجُوها بِمَن شاءُوا، وإنْ شاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوها فَبَقِيَتْ بَيْنَهم، فَهم أحَقُّ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] . وفِي حَدِيثِ الهِجْرَةِ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ لَمّا قَدِمَ المَدِينَةَ مَعَ أصْحابِهِ، وآخى بَيْنَ المُهاجِرِينَ» والأنْصارِ، آخى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأنْصارِيِّ، فَعَرَضَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنْ يُناصِفَهُ مالَهُ وقالَ لَهُ: انْظُرْ أيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ أنْزِلُ لَكَ عَنْها فَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ ومالِكَ. الحَدِيثَ. فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ بِالإصْلاحِ، كانَ مِن جُمْلَةِ ما أصْلَحَهُ مِن أحْوالِ البَشَرِ كافَّةً، ضَبْطُ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ بِوَجْهٍ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَدْخَلٌ لِلْهَضِيمَةِ حَتّى الأشْياءُ الَّتِي قَدْ يَخْفى أمْرُها قَدْ جَعَلَ لَها التَّحْكِيمُ قالَ تَعالى ﴿وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها إنْ يُرِيدا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما﴾ [النساء: ٣٥] وهَذا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرائِعِ عَهْدٌ بِمِثْلِهِ. وأوَّلُ إعْلانِ هَذا العَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ في الحُقُوقِ، كانَ بِهاتِهِ الآيَةِ العَظِيمَةِ، فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِن أوَّلِ ما أُنْزِلَ في الإسْلامِ. والمَثَلُ أصْلُهُ النَّظِيرُ والمُشابِهُ، كالشَّبَهِ والمِثْلِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا﴾ [البقرة: ١٧]، وقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَثَلًا لِشَيْءٍ في جَمِيعِ صِفاتِهِ، وقَدْ يَكُونُ مَثَلًا لَهُ في بَعْضِ صِفاتِهِ. وهي وجْهُ الشَّبَهِ. فَقَدْ يَكُونُ وجْهُ المُماثَلَةِ ظاهِرًا فَلا يُحْتاجُ إلى بَيانِهِ، وقَدْ يَكُونُ خَفِيًّا فَيُحْتاجُ إلى بَيانِهِ، وقَدْ ظَهَرَ هُنا أنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ مَعْنى المُماثَلَةِ في سائِرِ الأحْوالِ والحُقُوقِ: أجْناسًا أوْ أنْواعًا أوْ أشْخاصًا؛ لِأنَّ مُقْتَضى الخِلْقَةِ، ومُقْتَضى المَقْصِدِ مِنَ المَرْأةِ والرَّجُلِ، ومُقْتَضى الشَّرِيعَةِ، التَّخالُفُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِن أحْوالِ الرِّجالِ والنِّساءِ في نِظامِ العُمْرانِ والمُعاشَرَةِ. فَلا جَرَمَ يَعْلَمُ كُلُّ السّامِعِينَ أنْ لَيْسَتِ المُماثَلَةُ في كُلِّ الأحْوالِ، وتَعَيَّنَ صَرْفُها إلى مَعْنى المُماثِلَةِ في أنْواعِ الحُقُوقِ عَلى إجْمالٍ تُبَيِّنُهُ تَفاصِيلُ الشَّرِيعَةِ، فَلا يُتَوَهَّمُ أنَّهُ إذا (p-٣٩٩)وجَبَ عَلى المَرْأةِ أنْ تُقِمَّ بَيْتَ زَوْجِها، وأنْ تُجَهِّزَ طَعامَهُ، أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، كَما لا يُتَوَهَّمُ أنَّهُ كَما يَجِبُ عَلَيْهِ الإنْفاقُ عَلى امْرَأتِهِ أنَّهُ يَجِبُ عَلى المَرْأةِ الإنْفاقُ عَلى زَوْجِها بَلْ كَما تُقِمُّ بَيْتَهُ وتُجَهِّزُ طَعامَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ هو أنْ يَحْرُسَ البَيْتَ وأنْ يُحَضِرَ لَها المِعْجَنَةَ والغِرْبالَ، وكَما تَحْضُنُ ولَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَكْفِيَها مُؤْنَةَ الِارْتِزاقِ كَيْ لا تُهْمِلَ ولَدَهُ، وأنْ يَتَعَهَّدَهُ بِتَعْلِيمِهِ وتَأْدِيبِهِ، وكَما لا تَتَزَوَّجُ عَلَيْهِ بِزَوْجٍ في مُدَّةِ عِصْمَتِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ هو أنْ يَعْدِلَ بَيْنَها وبَيْنَ زَوْجَةٍ أُخْرى حَتّى لا تُحِسَّ بِهَضِيمَةٍ فَتَكُونُ بِمَنزِلَةِ مَن لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْها، وعَلى هَذا القِياسِ فَإذا تَأتَّتِ المُماثَلَةُ الكامِلَةُ فَتُشَرَّعُ، فَعَلى المَرْأةِ أنْ تُحْسِنَ مُعاشَرَةَ زَوْجِها، بِدَلِيلِ ما رُتِّبَ عَلى حُكْمِ النُّشُوزِ، قالَ تَعالى ﴿واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] وعَلى الرَّجُلِ مِثْلُ ذَلِكَ قالَ تَعالى ﴿وعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩] وعَلَيْها حِفْظُ نَفْسِها عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ عَمَّنْ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهم ذَلِكَ أزْكى لَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] ثُمَّ قالَ: ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] الآيَةَ ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٦] إلّا إذا كانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرى فَلِذَلِكَ حُكْمٌ آخَرٌ، يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ والمُماثَلَةُ في بَعْثِ الحَكَمَيْنِ، والمُماثَلَةُ في الرِّعايَةِ، فَفي الحَدِيثِ: «الرَّجُلُ راعٍ عَلى أهْلِهِ والمَرْأةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها»، والمُماثَلَةُ في التَّشاوُرِ في الرَّضاعِ، قالَ تَعالى ﴿فَإنْ أرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ﴾ [البقرة: ٢٣٣] ﴿وأْتَمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٦] . وتَفاصِيلُ هاتِهِ المُماثَلَةِ، بِالعَيْنِ أوْ بِالغايَةِ، تُؤْخَذُ مِن تَفاصِيلِ أحْكامِ الشَّرِيعَةِ، ومَرْجِعُها إلى نَفْيِ الإضْرارِ، وإلى حِفْظِ مَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الأُمَّةِ، وقَدْ أوْمَأ إلَيْها قَوْلُهُ تَعالى بِالمَعْرُوفِ أيْ لَهُنَّ حَقٌّ مُتَلَبِّسًا بِالمَعْرُوفِ، غَيْرِ المُنْكَرِ، مِن مُقْتَضى الفِطْرَةِ، والآدابِ، والمَصالِحِ، ونَفْيِ الإضْرارِ، ومُتابَعَةِ الشَّرْعِ. وكُلُّها مَجالُ أنْظارِ المُجْتَهِدِينَ. ولَمْ أرَ في كُتُبِ فُرُوعِ المَذاهِبِ تَبْوِيبًا لِأبْوابِ تَجْمَعُ حُقُوقَ الزَّوْجَيْنِ. وفي سُنَنِ أبِي داوُدَ، وسُنَنِ ابْنِ ماجَهْ، بابانِ أحَدُهُما لِحُقُوقِ الزَّوْجِ عَلى المَرْأةِ، والآخَرُ لِحُقُوقِ الزَّوْجِ عَلى الرَّجُلِ، بِاخْتِصارٍ كانُوا في الجاهِلِيَّةِ يُعِدُّونَ الرَّجُلَ مَوْلًى لِلْمَرْأةِ فَهي ولِيَّةٌ، كَما يَقُولُونَ، وكانُوا لا يَدَّخِرُونَها تَرْبِيَةً، وإقامَةً وشَفَقَةً، وإحْسانًا، واخْتِيارَ مَصِيرٍ، عِنْدَ إرادَةِ تَزْوِيجِها، لِما كانُوا حَرِيصِينَ عَلَيْهِ مِن طَلَبِ الأكْفاءِ، بَيْدَ أنَّهم كانُوا، مَعَ ذَلِكَ، لا يَرَوْنَ لَها حَقًّا في مُطالَبَةٍ بِمِيراثٍ ولا بِمُشارَكَةٍ في اخْتِيارِ مَصِيرِها، ولا بِطَلَبِ ما لَها مِنهم، وقَدْ أشارَ اللَّهُ تَعالى إلى بَعْضِ أحْوالِهِمْ هَذِهِ في قَوْلِهِ ﴿وما يُتْلى عَلَيْكم (p-٤٠٠)فِي الكِتابِ في يَتامى النِّساءِ اللّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] - وقالَ ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٢] فَحَدَّدَ اللَّهُ لِمُعامَلاتِ النِّساءِ حُدُودًا، وشَرَعَ لَهُنَّ أحْكامًا، قَدْ أعْلَنَتْها عَلى الإجْمالِ هَذِهِ الآيَةُ العَظِيمَةُ، ثُمَّ فَصَّلَتْها الشَّرِيعَةُ تَفْصِيلًا، ومِن لَطائِفِ القُرْآنِ في التَّنْبِيهِ إلى هَذا عَطْفُ المُؤْمِناتِ عَلى المُؤْمِنِينَ عِنْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنَ الأحْكامِ، أوِ الفَضائِلِ، وعَطْفُ النِّساءِ عَلى الرِّجالِ. وقَوْلُهُ بِالمَعْرُوفِ الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، والمُرادُ بِهِ ما تَعْرِفُهُ العُقُولُ السّالِمَةُ، المُجَرَّدَةُ مِنَ الِانْحِيازِ إلى الأهْواءِ، أوِ العاداتِ أوِ التَّعالِيمِ الضّالَّةِ، وذَلِكَ هو الحَسَنُ وهو ما جاءَ بِهِ الشَّرْعُ نَصًّا، أوْ قِياسًا، أوِ اقْتَضَتْهُ المَقاصِدُ الشَّرْعِيَّةُ، أوِ المَصْلَحَةُ العامَّةُ، الَّتِي لَيْسَ في الشَّرْعِ ما يُعارِضُها. والعَرَبُ تُطْلِقُ المَعْرُوفَ عَلى ما قابَلَ المُنْكَرَ أيْ ولِلنِّساءِ مِنَ الحُقُوقِ، مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مُلابِسًا ذَلِكَ دائِمًا لِلْوَجْهِ غَيْرِ المُنْكَرِ شَرْعًا، وعَقْلًا، وتَحْتَ هَذا تَفاصِيلُ كَبِيرَةٌ تُؤْخَذُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وهي مَجالٌ لِأنْظارِ المُجْتَهِدِينَ. في مُخْتَلَفِ العُصُورِ والأقْطارِ. فَقَوْلُ مَن يَرى أنَّ البِنْتَ البِكْرَ يُجْبِرُها أبُوها عَلى النِّكاحِ، قَدْ سَلَبَها حَقَّ المُماثَلَةِ لِلِابْنِ، فَدَخَلَ ذَلِكَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ، وقَوْلُ مَن مَنَعَ جَبْرَها وقالَ لا تُزَوَّجُ إلّا بِرِضاها قَدْ أثْبَتَ لَها حَقَّ المُماثَلَةِ لِلذَّكَرِ، وقَوْلُ مَن مَنَعَ المَرْأةَ مِنَ التَّبَرُّعِ بِما زادَ عَلى ثُلُثِها إلّا بِإذْنِ زَوْجِها، قَدْ سَلَبَها حَقَّ المُماثَلَةِ لِلرَّجُلِ. وقَوْلُ مَن جَعَلَها كالرَّجُلِ في تَبَرُّعِها بِما لَها قَدْ أثْبَتَ لَها حَقَّ المُماثَلَةِ لِلرَّجُلِ. وقَوْلُ مَن جَعَلَ لِلْمَرْأةِ حَقَّ الخِيارِ في فِراقِ زَوْجِها، إذا كانَتْ بِهِ عاهَةٌ، قَدْ جَعَلَ لَها حَقَّ المُماثَلَةِ، وقَوْلُ مَن لَمْ يَجْعَلْ لَها ذَلِكَ قَدْ سَلَبَها هَذا الحَقَّ. وكُلٌّ يَنْظُرُ إلى أنَّ ذَلِكَ مِنَ المَعْرُوفِ، أوْ مِنَ المُنْكَرِ. وهَذا الشَّأْنُ في كُلِّ ما أجْمَعَ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ مِن حُقُوقِ الصِّنْفَيْنِ، وما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِن تَسْوِيَةٍ بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأةِ، أوْ مِن تَفْرِقَةٍ، كُلُّ ذَلِكَ مَنظُورٌ فِيهِ إلى تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تَعالى بِالمَعْرُوفِ قَطْعًا أوْ ظَنًّا فَكُونُوا مِن ذَلِكَ بِمَحَلِّ التَّيَقُّظِ، وخُذُوا بِالمَعْنى دُونَ التَّلَفُّظِ. ودِينُ الإسْلامِ حَرِيٌّ بِالعِنايَةِ بِإصْلاحِ شَأْنِ المَرْأةِ، وكَيْفَ لا وهي نِصْفُ النَّوْعِ الإنْسانِيِّ، والمُرَبِّيَةُ الأُولى، الَّتِي تُفِيضُ التَّرْبِيَةَ السّالِكَةَ إلى النُّفُوسِ قَبْلَ غَيْرِها، والَّتِي تُصادِفُ عُقُولًا لَمْ تَمَسَّها وسائِلُ الشَّرِّ، وقُلُوبًا لَمْ تَنْفُذْ إلَيْها خَراطِيمُ الشَّيْطانِ. فَإذا كانَتْ تِلْكَ التَّرْبِيَةُ خَيْرًا، وصِدْقًا، وصَوابًا، وحَقًّا، كانَتْ أوَّلُ ما يَنْتَقِشُ في تِلْكَ الجَواهِرِ الكَرِيمَةِ، وأسْبَقَ ما يَمْتَزِجُ بِتِلْكَ الفِطَرِ السَّلِيمَةِ، فَهَيَّأتْ لِأمْثالِها، مِن خَواطِرِ الخَيْرِ، مَنزِلًا رَحْبًا، ولَمْ تُغادِرْ لِأغْيارِها مِنَ الشُّرُورِ كَرامَةً ولا حُبًّا. (p-٤٠١)ودِينُ الإسْلامِ دِينُ تَشْرِيعٍ ونِظامٍ، فَلِذَلِكَ جاءَ بِإصْلاحِ حالِ المَرْأةِ، ورَفْعِ شَأْنِها لِتَتَهَيَّأ الأُمَّةُ الدّاخِلَةُ تَحْتَ حُكْمِ الإسْلامِ، إلى الِارْتِقاءِ وسِيادَةِ العالَمِ. وقَوْلُهُ ﴿ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ إثْباتٌ لِتَفْضِيلِ الأزْواجِ. في حُقُوقٍ كَثِيرَةٍ عَلى نِسائِهِمْ لِكَيْلا يُظَنَّ أنَّ المُساواةَ المَشْرُوعَةَ بِقَوْلِهِ ﴿ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ مُطَّرِدَةٌ، ولِزِيادَةِ بَيانِ المُرادِ مِن قَوْلِهِ بِالمَعْرُوفِ، وهَذا التَّفْضِيلُ ثابِتٌ عَلى الإجْمالِ لِكُلِّ رَجُلٍ، ويَظْهَرُ أثَرُ هَذا التَّفْضِيلِ عِنْدَ نُزُولِ المُقْتَضَياتِ الشَّرْعِيَّةِ والعادِيَّةِ. وقَوْلُهُ ولِلرِّجالِ خَبَرٌ عَنْ دَرَجَةٍ، قُدِّمَ لِلِاهْتِمامِ بِما تُفِيدُهُ اللّامُ مِن مَعْنى اسْتِحْقاقِهِمْ تِلْكَ الدَّرَجَةَ، كَما أُشِيرَ إلى ذَلِكَ الِاسْتِحْقاقِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤] وفي هَذا الِاهْتِمامِ مَقْصِدانِ أحَدُهُما دَفْعُ تَوَهُّمِ المُساواةِ بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ في كُلِّ الحُقُوقِ، تَوَهُّمًا مِن قَوْلِهِ آنِفًا ﴿ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ وثانِيهُما تَحْدِيدُ إيثارِ الرِّجالِ عَلى النِّساءِ بِمِقْدارٍ مَخْصُوصٍ، لِإبْطالِ إيثارِهِمُ المُطْلَقَ، الَّذِي كانَ مُتَّبَعًا في الجاهِلِيَّةِ. والرِّجالُ جَمْعُ رَجُلٍ، وهو الذَّكَرُ البالِغُ مِنَ الآدَمِيِّينَ خاصَّةً، وأمّا قَوْلُهم: امْرَأةٌ رَجُلَةُ الرَّأْيِ، فَهو عَلى التَّشْبِيهِ أيْ تُشْبِهُ الرَّجُلَ. والدَّرَجَةُ ما يُرْتَقى عَلَيْهِ في سُلَّمٍ أوْ نَحْوِهِ، وصِيغَتْ بِوَزْنِ فَعَلَةٍ مِن دَرَجَ إذا انْتَقَلَ عَلى بُطْءٍ، ومَهْلٍ، يُقالُ: دَرَجَ الصَّبِيُّ، إذا ابْتَدَأ في المَشْيِ، وهي هُنا اسْتِعارَةٌ لِلرِّفْعَةِ المُكَنّى بِها عَنِ الزِّيادَةِ في الفَضِيلَةِ الحُقُوقِيَّةِ، وذَلِكَ أنَّهُ تَقَرَّرَ تَشْبِيهُ المَزِيَّةُ في الفَضْلِ بِالعُلُوِّ والِارْتِفاعِ، فَتَبِعَ ذَلِكَ تَشْبِيهُ الأفْضَلِيَّةِ بِزِيادَةِ الدَّرَجاتِ في سَيْرِ الصّاعِدِ، لِأنَّ بِزِيادَتِها زِيادَةَ الِارْتِفاعِ، ويُسَمُّونَ الدَّرَجَةَ إذا نَزَلَ مِنها النّازِلُ: دَرَكَةً، لِأنَّهُ يُدْرِكُ بِها المَكانَ النّازِلَ إلَيْهِ. والعِبْرَةُ بِالمَقْصِدِ الأوَّلِ. فَإنْ كانَ القَصْدُ مِنَ الدَّرَجَةِ الِارْتِفاعَ كَدَرَجَةِ السُّلَّمِ والعُلُوَّ فَهي دَرَجَةٌ وإنْ كانَ القَصْدُ النُّزُولَ كَدَرَكِ الدّامُوسِ فَهي دَرَكَةٌ، ولا عِبْرَةَ بِنُزُولِ الصّاعِدِ، وصُعُودِ النّازِلِ. وهَذِهِ الدَّرَجَةُ اقْتَضاها ما أوْدَعَهُ اللَّهُ في صِنْفِ الرِّجالِ: مِن زِيادَةِ القُوَّةِ العَقْلِيَّةِ، والبَدَنِيَّةِ، فَإنَّ الذُّكُورَةَ في الحَيَوانِ تَمامٌ في الخِلْقَةِ، ولِذَلِكَ نَجِدُ صِنْفَ الذَّكَرِ في كُلِّ أنْواعِ الحَيَوانِ أذْكى مِنَ الأُنْثى، وأقْوى جِسْمًا، وعَزْمًا، وعَنْ إرادَتِهِ يَكُونُ الصَّدْرُ، ما لَمْ يَعْرِضْ لِلْخِلْقَةِ عارِضٌ يُوجِبُ انْحِطاطَ بَعْضِ أفْرادِ الصِّنْفِ، وتَفَوُّقَ بَعْضُ أفْرادِ الآخَرِ نادِرًا، فَلِذَلِكَ كانَتِ الأحْكامُ التَّشْرِيعِيَّةُ الإسْلامِيَّةُ جارِيَةً عَلى وفْقِ النُّظُمِ التَّكْوِينِيَّةِ، لِأنَّ واضِعَ الأمْرَيْنِ واحِدٌ. (p-٤٠٢)وهَذِهِ الدَّرَجَةُ هي ما فُضِّلَ بِهِ الأزْواجُ عَلى زَوْجاتِهِمْ: مِنَ الإذْنِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَةِ لِلرَّجُلِ، دُونَ أنْ يُؤْذَنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِلْأُنْثى، وذَلِكَ اقْتَضاهُ التَّزَيُّدُ في القُوَّةِ الجِسْمِيَّةِ، ووَفْرَةِ عَدَدِ الإناثِ في مَوالِيدِ البَشَرِ، ومِن جَعْلِ الطَّلاقِ بِيَدِ الرَّجُلِ دُونَ المَرْأةِ، والمُراجَعَةِ في العِدَّةِ كَذَلِكَ، وذَلِكَ اقْتَضاهُ التَّزَيُّدُ في القُوَّةِ العَقْلِيَّةِ وصِدْقُ التَّأمُّلِ، وكَذَلِكَ جَعْلُ المَرْجِعِ في اخْتِلافِ الزَّوْجَيْنِ إلى رَأْيِ الزَّوْجِ في شُئُونِ المَنزِلِ، لِأنَّ كُلَّ اجْتِماعٍ يُتَوَقَّعُ حُصُولُ تَعارُضِ المَصالِحِ فِيهِ، يَتَعَيَّنُ أنْ يُجْعَلَ لَهُ قاعِدَةٌ في الِانْفِصالِ والصَّدْرُ عَنْ رَأْيٍ واحِدٍ مُعَيَّنٍ، مِن ذَلِكَ الجَمْعِ، ولَمّا كانَتِ الزَّوْجِيَّةُ اجْتِماعَ ذاتَيْنِ لَزِمَ جَعْلُ إحْداهُما مَرْجِعًا عِنْدَ الخِلافِ، ورَجَحَ جانِبُ الرَّجُلِ لِأنَّ بِهِ تَأسَّسَتِ العائِلَةُ، ولِأنَّهُ مَظِنَّةُ الصَّوابِ غالِبًا، ولِذَلِكَ إذا لَمْ يُمْكِنِ التَّراجُعُ، واشْتَدَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ النِّزاعُ، لَزِمَ تَدَخُّلُ القَضاءِ في شَأْنِهِما، وتَرَتَّبَ عَلى ذَلِكَ بَعْثُ الحَكَمَيْنِ كَما في آيَةِ ﴿وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما﴾ [النساء: ٣٥] . ويُؤْخَذُ مِنَ الآيَةِ حُكْمُ حُقُوقِ الرِّجالِ غَيْرِ الأزْواجِ، بِلَحْنِ الخِطابِ، لِمُساواتِهِمْ لِلْأزْواجِ في صِفَةِ الرُّجُولَةِ الَّتِي كانَتْ هي العِلَّةَ في ابْتِزازِهِمْ حُقُوقَ النِّساءِ في الجاهِلِيَّةِ فَلَمّا أسَّسَتِ الآيَةُ حُكْمَ المُساواةِ والتَّفْضِيلِ، بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ. الأزْواجُ إبْطالًا لِعَمَلِ الجاهِلِيَّةِ، أخَذْنا مِنها حُكْمَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجالِ غَيْرِ الأزْواجِ عَلى النِّساءِ، كالجِهادِ، وذَلِكَ مِمّا اقْتَضَتْهُ القُوَّةُ الجَسَدِيَّةُ، وكَبَعْضِ الوِلاياتِ المُخْتَلَفِ في صِحَّةِ إسْنادِها إلى المَرْأةِ، والتَّفْضِيلِ في بابِ العَدالَةِ، ووِلايَةِ النِّكاحِ، والرِّعايَةِ، وذَلِكَ مِمّا اقْتَضَتْهُ القُوَّةُ الفِكْرِيَّةُ، وضَعْفُها في المَرْأةِ وسُرْعَةُ تَأثُّرِها، وكالتَّفْضِيلِ في الإرْثِ وذَلِكَ مِمّا اقْتَضَتْهُ رِئاسَةُ العائِلَةِ المُوجِبَةُ لِفَرْطِ الحاجَةِ إلى المالِ، وكالإيجابِ عَلى الرَّجُلِ إنْفاقَ زَوْجِهِ، وإنَّما عُدَّتْ هَذِهِ دَرَجَةً، مَعَ أنَّ لِلنِّساءِ أحْكامًا لا يُشارِكُهُنَّ فِيها الرِّجالُ كالحَضانَةِ، تِلْكَ الأحْكامُ الَّتِي أشارَ إلَيْها قَوْلُهُ تَعالى ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢] لِأنَّ ما امْتازَ بِهِ الرِّجالُ كانَ مِن قَبِيلِ الفَضائِلِ. فَأمّا تَأْدِيبُ الرَّجُلِ المَرْأةَ إذا كانا زَوْجَيْنِ، فالظّاهِرُ أنَّهُ شُرِعَتْ فِيهِ تِلْكَ المَراتِبُ رَعْيًا لِأحْوالِ طَبَقاتِ النّاسِ، مَعَ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] أنَّ ذَلِكَ يُجْرِيهِ وُلاةُ الأُمُورِ، ولَنا فِيهِ نَظَرٌ عِنْدَما نَصِلُ إلَيْهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. (p-٤٠٣)وقَوْلُهُ ﴿واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ العَزِيزُ: القَوِيُّ، لِأنَّ العِزَّةَ في كَلامِ العَرَبِ القُوَّةُ ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] وقالَ شاعِرُهم: ؎وإنَّما العِزَّةُ لِلْكاثِرِ والحَكِيمِ : المُتْقِنُ الأُمُورَ في وضْعِها، مِنَ الحِكْمَةِ كَما تَقَدَّمَ. والكَلامُ تَذْيِيلٌ وإقْناعٌ لِلْمُخاطَبِينَ، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا شَرَّعَ حُقُوقَ النِّساءِ كانَ هَذا التَّشْرِيعُ مَظِنَّةَ المُتَلَقِّي بِفَرْطِ التَّحَرُّجِ مِنَ الرِّجالِ، الَّذِينَ ما اعْتادُوا أنْ يَسْمَعُوا أنَّ لِلنِّساءِ مَعَهم حُظُوظًا، غَيْرَ حُظُوظِ الرِّضا، والفَضْلِ، والسَّخاءِ، فَأصْبَحَتْ لَهُنَّ حُقُوقٌ يَأْخُذْنَها مِنَ الرِّجالِ كَرْهًا، إنْ أبَوْا، فَكانَ الرِّجالُ بِحَيْثُ يَرَوْنَ في هَذا ثَلْمًا لِعِزَّتِهِمْ، كَما أنْبَأ عَنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ المُتَقَدِّمُ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أيْ قَوِيٌّ لا يُعْجِزُهُ أحَدٌ، ولا يَتَّقِي أحَدًا، وأنَّهُ حَكِيمٌ يَعْلَمُ صَلاحَ النّاسِ، وأنَّ عِزَّتَهُ تُؤَيِّدُ حِكْمَتَهُ فَيُنَفِّذُ ما اقْتَضَتْهُ الحِكْمَةُ بِالتَّشْرِيعِ، والأمْرَ الواجِبَ امْتِثالُهُ، ويَحْمِلُ النّاسَ عَلى ذَلِكَ وإنْ كَرِهُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب