الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ يَعْنِي المُخَلَّياتِ، والطَّلاقُ: التَّخْلِيَةُ كَما يُقالُ لِلنَّعْجَةِ المُهْمَلَةِ بِغَيْرِ راعٍ: طالِقٌ، فَسُمِّيَتِ المَرْأةُ المُخَلّى سَبِيلُها بِما سُمِّيَتْ بِهِ النَّعْجَةُ المُهْمَلُ أمْرُها، وقِيلَ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن طَلْقِ الفَرَسِ، وهو ذَهابُهُ شَوْطًا لا يُمْنَعُ، فَسُمِّيَتِ المَرْأةُ المُخَلّاةُ طالِقًا لِأنَّها لا تَمْنَعُ مِن نَفْسِها بَعْدَ أنْ كانَتْ مَمْنُوعَةً، ولِذَلِكَ قِيلَ لِذاتِ الزَّوْجِ: إنَّها في حِبالِهِ لِأنَّها كالمَعْقُولَةِ بِشَيْءٍ، وأمّا قَوْلُهُمْ: طَلَقَتِ المَرْأةُ فَمَعْناهُ غَيْرُ هَذا، إنَّما يُقالُ: طَلَقَتِ المَرْأةُ إذا نَفَسَتْ، هَذا مِنَ الطَّلْقِ وهو وجَعُ الوِلادَةِ، والأوَّلُ مِنَ الطَّلاقِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ أيْ مُدَّةَ ثَلاثَةِ قُرُوءٍ، واخْتَلَفُوا في الأقْراءِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: هي الحِيَضُ، وهو قَوْلُ عُمَرَ، وعَلِيٍّ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وأبِي (p-٢٩١)مُوسى، ومُجاهِدٍ، وقَتادَةَ، والضَّحّاكِ، وعِكْرِمَةَ، والسُّدِّيِّ، ومالِكٍ، وأبِي حَنِيفَةَ، وأهْلِ العِراقِ، اسْتِشْهادًا بِقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎ يا رُبَّ ذِي صِغْنٍ عَلَيَّ فارِضِ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الحائِضِ
والثّانِي: هي الأطْهارُ، وهو قَوْلُ عائِشَةَ، وابْنِ عُمَرَ، وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، والزُّهْرِيِّ، وأبانَ بْنِ عُثْمانَ، والشّافِعِيِّ، وأهْلِ الحِجازِ، اسْتِشْهادًا بِقَوْلِ الأعْشى:
؎ أفِي كُلِّ عامٍ أنْتَ جاشِمٌ غَزْوَةً ∗∗∗ تَشُدُّ لِأقْصاها عَزِيمَ عَزائِكا ∗∗∗ مُوَرِّثَةً مالًا وفي الحَيِّ رِفْعَةٌ ∗∗∗ لِما ضاعَ فِيها مِن قُرُوءِ نِسائِكا
واخْتَلَفُوا في اشْتِقاقِ القُرْءِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ القُرْءَ الِاجْتِماعُ، ومِنهُ أُخِذَ اسْمُ القُرْآنِ لِاجْتِماعِ حُرُوفِهِ، وقِيلَ: قَدْ قَرَأ الطَّعامَ في شِدْقِهِ وقَرَأ الماءَ في حَوْضِهِ إذا جَمَعَهُ، وقِيلَ: ما قَرَأتِ النّاقَةُ سَلًى قَطُّ، أيْ لَمْ يَجْتَمِعْ رَحِمُها عَلى ولَدٍ قَطُّ، قالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
؎ تُرِيكَ إذا دَخَلَتْ عَلى خَلاءٍ ∗∗∗ وقَدْ أمِنَتْ عُيُونَ الكاشِحِينا ∗∗∗ ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍ ∗∗∗ هَجانَ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينا
وَهَذا قَوْلُ الأصْمَعِيِّ، والأخْفَشِ، والكِسائِيِّ، والشّافِعِيِّ، فَمَن جَعَلَ القُرُوءَ اسْمًا لِلْحَيْضِ سَمّاهُ بِذَلِكَ، لِاجْتِماعِ الدَّمِ في الرَّحِمِ، ومَن جَعَلَهُ اسْمًا لِلطُّهْرِ فَلِاجْتِماعِهِ في البَدَنِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ القُرْءَ الوَقْتُ، لِمَجِيءِ الشَّيْءِ المُعْتادِ مَجِيؤُهُ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، ولِإدْبارِ الشَّيْءِ المُعْتادِ إدْبارُهُ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، وكَذَلِكَ قالَتِ العَرَبُ: أقْرَأْتُ حاجَةَ فُلانٍ عِنْدِي، أيْ دَنا وقْتُها وحانَ قَضاؤُها.
وَأقْرَأ النَّجْمُ إذا جاءَ وقْتُ أُفُولِهِ، وقَرَأ إذا جاءَ وقْتُ طُلُوعِهِ، قالَ الشّاعِرُ:
؎ إذا ما الثُّرَيّا وقَدْ أقْرَأتْ ∗∗∗ ... ... ...
(p-٢٩٢)
وَقِيلَ: أقْرَأتِ الرِّيحُ، إذا هَبَّتْ لِوَقْتِها، قالَ الهُذَلِيُّ:
؎ كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شَلِيلٍ ∗∗∗ إذا لِقارِئِها الرِّياحُ
يَعْنِي هَبَّتْ لِوَقْتِها، وهَذا قَوْلُ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ.
فَمَن جَعَلَ القُرْءَ اسْمًا لِلْحَيْضِ، فَلِأنَّهُ وقْتُ خُرُوجِ الدَّمِ المُعْتادِ، ومَن جَعَلَهُ اسْمًا لِلطُّهْرِ، فَلِأنَّهُ وقْتُ احْتِباسِ الدَّمِ المُعْتادِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أرْحامِهِنَّ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّهُ الحَيْضُ، وهو قَوْلُ عِكْرِمَةَ، والزُّهْرِيِّ، والنَّخَعِيِّ.
والثّانِي: أنَّهُ الحَمْلُ، قالَهُ عُمَرُ وابْنُ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: أنَّهُ الحَمْلُ والحَيْضُ قالَهُ عُمَرُ ومُجاهِدٌ.
﴿إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ وعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لَهُنَّ، واخْتُلِفَ في سَبَبِ الوَعِيدِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: لِما يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ مِنَ الرَّجْعَةِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: لِإلْحاقِ نَسَبِ الوَلِيدِ بِغَيْرِهِ كَفِعْلِ الجاهِلِيَّةِ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ﴾ البَعْلُ: الزَّوْجُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِعُلُوِّهِ عَلى الزَّوْجَةِ بِما قَدْ مَلَكَهُ عَنْ زَوْجِيَّتِها ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتَدْعُونَ بَعْلا﴾ [الصّافّاتِ: ١٢٥] أيْ رَبًّا لِعُلُوِّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، ﴿أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ﴾ أيْ بِرَجْعَتِهِنَّ، وهَذا مَخْصُوصٌ في الطَّلاقِ الرَّجْعِيِّ دُونَ البائِنِ.
﴿إنْ أرادُوا إصْلاحًا﴾ يَعْنِي إصْلاحَ ما بَيْنَهُما مِنَ الطَّلاقِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: ولَهُنَّ مِن حُسْنِ الصُّحْبَةِ والعِشْرَةِ بِالمَعْرُوفِ عَلى أزْواجِهِنَّ، مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مِنَ الطّاعَةِ، فِيما أوْجَبَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِنَّ لِأزْواجِهِنَّ، وهو قَوْلُ الضَّحّاكِ. (p-٢٩٣)
والثّانِي: ولَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ مِنَ التَّصَنُّعِ والتَّزَيُّنِ، مِثْلُ ما لِأزْواجِهِنَّ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: أنَّ الَّذِي لَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ، تَرْكُ مُضارَّتِهِنَّ، كَما كانَ ذَلِكَ لِأزْواجِهِنَّ، وهو قَوْلُ أبِي جَعْفَرٍ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ وفِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: فَضْلُ المِيراثِ والجِهادِ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ.
والثّانِي: أنَّهُ الإمْرَةُ والطّاعَةُ، وهو قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، وابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ إعْطاءُ الصَّداقِ، وأنَّهُ إذا قَذَفَها لاعَنَها، وإنْ قَذَفَتْهُ حُدَّتْ، وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.
والرّابِعُ: أفْضالُهُ عَلَيْها، وأداءُ حَقِّها إلَيْها، والصَّفْحُ عَمّا يَجِبُ لَهُ مِنَ الحُقُوقِ عَلَيْها، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ.
والخامِسُ: أنْ جُعِلَ لَهُ لِحْيَةٌ، وهو قَوْلُ حُمَيْدٍ.
{"ayah":"وَٱلۡمُطَلَّقَـٰتُ یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوۤءࣲۚ وَلَا یَحِلُّ لَهُنَّ أَن یَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِیۤ أَرۡحَامِهِنَّ إِن كُنَّ یُؤۡمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوۤا۟ إِصۡلَـٰحࣰاۚ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِی عَلَیۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَیۡهِنَّ دَرَجَةࣱۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق