﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ وهي الحِيَض: [[في اللسان ٨/٤١٢: "والحيضة المرة الواحدة من دفع الحيض ونوبه. والحيضات جماعة. والحيضة الاسم بالكسر، والجمع الحيض".]] وهي: الأطهار أيضا [[راجع كلام الشافعي في الرسالة ٥٦٢ - ٥٨٦، وأحكام القرآن له: ١/٢٤٢ - ٢٤٧.]] . واحدها قُرْءٌ. ويُجمع على أقْرَاء أيضا. قال الأعشى:
وَفِي كلِّ عام أنت جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأقْصاها عَزِيمَ عَزَائِكَا [[ديوانه ٦٧، ومجاز القرآن ١/٧٤، والكامل: ١/٢٣٨ وتفسير الطبري ٤/٥١٢، وتفسير القرطبي ٣/١١٣، والأضداد لابن الأنباري ٢٤. والعزيم: العزم. والعزاء: حسن الصبر على كل مفقود.]]
مُوَرِّثةٍ مالا وفي الحَيّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا [[البيت في الصحاح ١/٦٤. وفي الأضداد: "معناه من أطهار نسائك، أي ضيعت أطهار النساء فلم تغشهن مؤثرا للغزو؛ فأورثك ذاك المال والرفعة" وهو مع شرحه في اللسان ١/١٢٦ وفي ديوانه: "وفي المجد رفعة". وفي المصادر الأخرى: "وفي الأصل".]]
فالقُروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءَه، فأضاع قُرُوءَهُنَّ؛ أي أطْهَارَهُن.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: " تقعد عن الصلاة أيام أقرائها " [[اللسان ١/١٢٥، ١٢٦.]] ؛ يريد أيام حِيَضها. قال الشاعر:
يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عليَّ فَارِضٍ ... لَهُ قُروءٌ كقُروء الحائضِ [[سبق في صفحة ٥٣.]] فالقُرُوء في هذا البيت: الحِيَضُ. يريد: أن عدواته تَهِيجُ في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة.
وإنما جُعل الحيضُ قرأً والطهر قرأً: لأن أصل القرء في كلام العرب: الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذَليّ:
كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إذا هَبَّت لقارِئِها الرِّياحُ [[البيت لمالك بن الحارث، كما في ديوان الهذليين: ٣/٨٣، والأضداد لابن الأنباري ٢٢ ومعجم ما استعجم للبكري ٣/٩٥٠ وغير منسوب في تفسير الطبري ٤/٥١١ وتفسير القرطبي ٣/١١٣ واللسان ٦/٢٧٦ والعقر: اسم مكان كرهه لأنه قوتل فيه. وفسره الأصمعي بالقصر، وأنشد البيت شاهدا عليه كما في معجم ما استعجم. وشليل: جد جرير ابن عبد الله البجلي.]]
أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت.
﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ يعني: الحمل [[راجع قول الشافعي في الأم ٥/١٩٥ وأحكام القرآن ١/٢٤٨.]] .
﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ ؛ يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة.
﴿وَلَهُنَّ﴾ على الأزواج، ﴿مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ للأزواج.
﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ﴾ فِي الْحَقِّ ﴿دَرَجَةٌ﴾ أي: فضيلةٌ [[وقيل: بل تلك الدرجة: الإمرة والطاعة، وقيل غير ذلك. قال أبو جعفر الطبري ٤/٥٣٥ "وأولى هذه الأقوال بتأويل تلك الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن "الدرجة: الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه. . . وهذا القول من الله وإن كان ظاهره ظاهر الخبر، فمعناه معنى ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل، ليكون لهم عليهن فضل درجة" وانظر بقية كلام الطبري، فهو رائع بالغ الروعة، دقيق عظيم الدقة.]] .
{"ayah":"وَٱلۡمُطَلَّقَـٰتُ یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوۤءࣲۚ وَلَا یَحِلُّ لَهُنَّ أَن یَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِیۤ أَرۡحَامِهِنَّ إِن كُنَّ یُؤۡمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوۤا۟ إِصۡلَـٰحࣰاۚ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِی عَلَیۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَیۡهِنَّ دَرَجَةࣱۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ"}