الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ الآية. المطلقات: المُخَلَّيات من حبال الأزواج [["تفسير الثعلبي" 2/ 1050.]] [[ساقطة من (ي).]]، أراد المطلقات المدخول بهن البالغات غير الحوامل؛ لأن في الآية بيان عدتهن. وذكرنا معنى التربص. ومعنى الآية: أنهن ينتظرن بِأَنفُسِهِنَّ [[ساقطة من (ي).]] انقضاء ثلاثة قروء أو مضي ثلاثة قروء [[زيادة من (ي).]] ولا يتزوَّجن، لفظه خبر ومعناه الأمر، كقوله: ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ [البقرة: 233]، ومثله كثير [[ينظر: "الكشاف" "التبيان" ص 136، "البحر المحيط" 1/ 185.]]. قال الزجاج: هو كما تقول: حسبك درهم، لفظه خبر ومعناه: اكتف بدرهم. وقال غيره: معناه [[ساقطة من (ي).]]: يتربصن في حكم الله الذي أوجبه، فحذف للدلالة عليه [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 185.]]. وقيل: أراد: ليتربصن، فحذف اللام [[ينظر: "التبيان" ص 136، "البحر المحيط" 2/ 185، واستبعد هذا القول جدا.]]. والقُرُوْءُ: جمع قُرْءٍ [[في (ش) (قرؤ).]]، وجمعه القليل أَقرء، والكثير: أَقْراء وقروء [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1051، قال في "اللسان" 6/ 3564 مادة "قرأ": والجمع أقراء، وقروء على فُعول، وأقرؤ، الأخيرة عن اللحياني في أدنى العدد، ولم يعرف سيبويه أقراءً ولا أقرؤًا، قال: استغنوا عنه بفعول.]]. وهذا الحرف من الأضداد يقال للحِيَض: قُرُوءٌ، وللأَطهارِ: قُروء، والعَربُ تقول: أَقْرَأتِ المرأةُ. في الأمرين جميعًا. وعلى هذا يونس [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 304.]] وأبو عمرو بن العلاء [[هو: زبان بن العلاء بن عمار التميمي البصري، أحد القراء السبعة المشهورين، كان إماما في التفسير والعربية، توفي سنة 154هـ. ينظر معرفة القراء الكبار 1/ 100، "الأعلام" 3/ 41.]] [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 304.]] وأبو عبيد أنها من الأضداد [[من قوله: يقال للحيض .. ساقط من (ي).]] [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2912 - 2913 مادة: (قرأ).]]، وهي في لغة العرب مُستعملة في المعنيين [[في (م) (الأمرين).]] جميعًا [[قال الراغب ص 399 - 400: والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر، ولما كان اسما جامعا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما؛ لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام، ثم قد يسمى كل واحد بانفراده به، وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء، وكذا الحائض التي استمِر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك.]]، وكذلك في الشرع [[ينظر في القرء: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 174 - 175، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 302 - 304، "تهذيب اللغة" 3/ 2912 - 2914 مادة (قرأ)، "المفردات" ص 399 - 400، "عمدة الحفاظ" 3/ 338 - 340، "اللسان" 6/ 3564 - 3565 مادة (قرأ).]]. أما في استعمال العرب فقد أنشد الأئمة حجة للحيض قول الراجز: له قُرُوءٌ كَقُروء الحائضِ [[ذكره الزجاج بقوله: وأنشدوا في القرء والحيض، ينظر "معاني القرآن" 1/ 303.]]. وأنشدوا حجةً للطُّهْر قول الأعشى: ما ضَاعَ فيها من قُرُوءِ نِسَائِكَا [[مطلع البيت: مورِّثةً مالا وفي الأصل رفعة البيت في "ديوان الأعشى" ص 67، "مجاز القرآن" 1/ 74، ينظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 304.]] والذي ضاع الأطهار لا الحيض؛ لأنه خرج إلى الغزو فلم يغش نساءه. وأما في الشرع فقال [[في (ي): (فقد قال).]] النبي ﷺ في المستحاضة "تنتظر [[في (م): (ينتظر).]] أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك" [[أخرجه الدارمي في الطهارة، باب: في غسل المستحاضة 1/ 202، وأحمد في "المسند" ص 3/ 323.]] يعنى: أنها تجلس عن الصلاة أيام حيضها، فالخبر دليل على أن الأقراء قد يكون الحيض، وأما استعمال الشرع إياها في الأطهار، فقوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ أي: ثلاثة أطهار، يدل عليه قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي: لوقت عدتهن وزمان عدتهن، وبين النبي ﷺ: أن وقت العدة: زمان الطهر في حديث ابن عُمر، وهو أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي ﷺ لعمر: "مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك" [[أخرجه البخاري رقم (5258) كتاب: الطلاق، باب: من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، ومسلم (1471) كتاب: الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها.]] فبين أن زمان الطلاق الطهر؛ لتكون المرأة مستقبلة العدة. ومن هذا الاختلاف في اللغة وقع الخلاف في الأقراء بين الصحابة وفقهاء الأمة. فعند علي [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 315، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 332 [ط. حبيب الرحمن]، والطبري 2/ 441، وعزاه في "الدر" 6/ 349 إلى الشافعي وعبد بن حميد.]] وابن مسعود [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 316، والطبري في "تفسيره" 2/ 439.]] وأبي موسى الأشعري [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 317، والطبري في "تفسيره" 2/ 440.]] ومجاهد [["تفسير مجاهد" 1/ 108، ورواه الطبري في "تفسيره" 2/ 439، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" 2/ 415.]] ومقاتل [[هو ابن حيان. ينظر "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 415، والحيري في "الكفاية في التفسير" 1/ 179.]] وفقهاء الكوفة [[ينظر "مختصر الطحاوي" ص 217، و"شرح معاني الآثار" 3/ 64، "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 364.]]: أنها الحيض. وعند زيد بن ثابت [[رواه مالك في "الموطأ" 2/ 577، والشافعي في الأم 5/ 224، والطبري 2/ 442.]] وابن عمر [[رواه مالك في "الموطأ" 2/ 577، والطبري في "تفسيره" 2/ 443.]] وعائشة [[رواه مالك في "الموطأ" 2/ 576، والشافعي في "الأم" 5/ 224، والطبري في "تفسيره" 2/ 442.]] ومالك [["الموطأ" 2/ 578، و"التمهيد" 15/ 85.]] والشافعي [["الرسالة" ص 569، و"الأم" 5/ 224.]] وأهل المدينة [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1056.]]: أنها الأطهار. وهذا الخلاف فيما ذكر منها في العدة، فأما كونها حيضًا وطهرًا وأن [[في (ي) (فإن).]] اللفظ صالح لهما جميعًا، فمما لا يختلف فيه أحد [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1061.]]. وأصل هذا اللفظ واشتقاقه مختلف فيه أيضًا [[ينظر في القرء: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 74، "معاني القرآن" للأخفش 1/ 174 - 175، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 302 - 304، "تهذيب اللغة" 3/ 2912، "المفردات" ص 399 - 400، "عمدة الحفاظ" 3/ 338 - 340، "اللسان" 3/ 2912 - 2913.]]، قال أبو عبيد: أصله من دُنُو وِقت الشيء [[في "تفسير الثعلبي" ذكر أبا عبيدة وهو عنده في "مجاز القرآن" 1/ 74.]]، وروى الأزهري عن الشافعي: أن القرء اسم للوقت، فلما كان الحيض يجيء لوقتٍ والطهر يجيء لوقت [[قوله: والطهر يجيء الوقت. ساقط من (ش).]]، جاز أن يكون الأقراء حيضًا وأطهارًا [["تهذيب اللغة" 3/ 2912.]]. وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء: الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: هذا قارئ الرياح، لوقت هبوبها [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 304، "تهذيب اللغة" 3/ 2913، ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 60 عن أبي عمرو.]] وأنشد أهل اللغة للهذلي: إذا هَبَّتْ لِقَارِئِها الرِّيَاحُ [[مطلع البيت: شَنِئْتُ العَقْر عَقْر بني شَلَيْلٍ والبيت لمالك بن الحارث الهذلي، ينظر "ديوان الهذليين" 3/ 83، والطبري في "تفسيره" 2/ 444، "لسان العرب" مادة: قرأ 6/ 3565 ينظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 304، ورواية الثعلبي 2/ 1062: كرهت، ورواية "اللسان": لقارئها. وقوله: شنئت: أي: (كرهت)، والعقر: مكان، وهبت لقاريها: لوقت هبوبها. وشليل: جد جرير بن عبد الله البجلي ينظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري 1/ 239.]] أي: لوقت هبوبها، [[من قوله: (وأنشد) .. زيادة من (ي) و (ش). وهنا ينتهي كلام أبي عمرو كما في "تهذيب اللغة".]] [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 304 - 305.]] ومن هذا يقال: أَقْرَأَتِ النُّجُوم، إذا طَلَعَتْ، وأَقْرَأَتْ، إذا أَفَلَتْ [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1062.]]، قال كُثَيِّر: إذا ما الثُّرَيّا وقد أقْرَأَتْ ... أحسَّ السَّمَاكَانِ منها أُفُولاَ [[البيت ليس في "ديوانه" الذي بتحقيق إحسان عباس، وهو في "تفسير الطبري" 2/ 444، "تفسير الثعلبي" 2/ 1062، "النكت والعيون" 1/ 291 بلا نسبة، والسماكان: نجمان نيران. ينظر "لسان العرب" 4/ 2099 مادة "سمك".]] أي: غابت، وأنشد ابن الأعرابي عن أحمد بن يحيى: مواعيد لا يأتي لقَرْءٍ حويرها [[في (ش): (حويزها).]] ... تكون هبا يوم نكباء صرصرا [[البيت لم أهتد لقائله ولا من ذكره.]] أي: لا تأتي [[في (ش): (لا يأتي).]] لوقت رجوعها [[ساقطة من (ش).]]، قال: والقُرُءُ: الأوقات، واحدها قَرْؤٌ، فعلى هذا الأصل القَرْؤ يجوز أن يكون الحيض، لأنه وقت سيلان الدم، ويكون الطُّهْر لأنه وقت إمسَاكِهِ، على عادة جارية فيه [[ينظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 77 - 78، "تفسير الطبري" 2/ 444، "والأضداد" لابن الأنباري 26، "تفسير الثعلبي" 2/ 1062.]]. وقال قوم: أصل القرء: الجمع، يقال: ما قَرَأَتِ الناقةُ سَلًا قَطّ، أي: ما جَمَعَتْ في رحمها ولدًا قَطُّ، ومنه قولُ عمرو بن كلثوم: هِجَانِ اللونِ لم تَقْرأْ جَنِيْنَا [[سبق تخريجه.]] وقال الأخفش: يقال: ما قَرَأَتْ حَيْضَةً، أي: ما ضمت [[في (ش): (صمت).]] رحمها على حيضة [["معاني القرآن" للأخفش 1/ 174، ولفظه: ما قرأت حيضة قط.]]، والقرآن من القرء الذي هو الجمع، وقرأ القارئ: أي جمع الحروف بعضها إلى بعض في لفظِهِ. وهذا الأصل يقوي أن الأقراء هي الأطهار [[ينظر: "الأضداد" لقطرب ص 108، و"الأضداد" لابن الأنباري ص 29، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 305، "تفسير الثعلبي" 2/ 1063.]]. قال أبو إسحاق: والذي عندي في حقيقة هذا أن القرء الجمع [[في (ش): (تجمع).]] في اللغة، وأن قولهم: قريت الماء في الحوض وإن كان قد لزم [[في (ش): (ألزم).]] الياء فهو جمعت، وقرأت القرآن لفظت به مجموعًا، والقرد يقرى، أي: يجمع ما يأكل في فيه [[في (ي): (وقته)]]، فإنما القُرء اجتماع الدم في الرحم، وذلك إنما يكون [[ساقطة من (ي).]] في الطهر. هذا كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 305، وينظر في بسط أدلة القولين والترجيح بينهما: "تفسير الثعلبي" 2/ 1051 - 1064، " التفسير الكبير" 6/ 94 - 98، "زاد المعاد" 5/ 629.]]. وذكر أبو حاتم عن الأصمعي أنه قال في قوله: ﴿ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾: جاء هذا على غير قياس، والقياس: ثلاثة أَقْرؤ؛ لأن القروء للجمع الكثير [[في (ي): (الكبير).]]، ولا يجوز أن تقول: ثلاثة فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلس [[ساقطة من (ي).]]، فإذا كثرت فهي الفلوس [["تهذيب اللغة" 3/ 2912.]]. قال أبو حاتم: وقال النحويون في هذا: أراد ثلاثة من القروء [[انظر المصدر السابق مادة "قرأ".]]. وقال أهل المعاني: لما كانت كلُّ مطلقة يلزمها [[في (ش) و (ي): (يلزمه).]] هذا، دخله معنى الكثرة، فأتي بناء الكثير [[في (ي): (الكثيرة).]] للإشعار بذلك، فالقروء [[في (أ) و (م): (قال: فالقروء).]] كثيرة إلا أنها في القسمة ثلاثة ثلاثة. فمن قال: القرء: الحيض، قال: لا تخرج المرأة من عدتها ما لم تنقض الحيضة الثالثة، ومن قال: إنها الأطهار، قال: إن طلقها في خلال الحيض لم يحتسب [[في (م) (يحتسبه).]] كسر زمان الحيض من العدة، وعدتها ثلاثة أطهار كوامل، وإن طلقها وهي طاهر كانت بقية الطهر محسوبةً طهرًا ثم عليها طهران آخران [[ينظر في الأحكام: "المحرر الوجيز" 2/ 272، "التفسير الكبير" 6/ 94 - 95.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ الرحم: منبت الولد ووعاؤه في البطن، قال عكرمة [[رواه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 233، والطبري في "تفسيره" 2/ 447، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" 2/ 416.]] وإبراهيم [[رواه عنه ابن أبي شيبة 5/ 234، والطبري 2/ 446، والبيهقي 7/ 420.]]: يعنى: الحيض، وهو أن تكون المرأة في العدة، فأراد الرجل أن يراجعها فقالت: إني قد حضت الثالثة. وقال ابن عباس [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 449، وذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 44، وروى ابن أبي شيبة عنه في "المصنف" 5/ 234 الجمع بين القولين.]] وقتادة [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 330، والطبري في "تفسيره" 2/ 449، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 415.]] ومقاتل [["تفسير مقاتل" 1/ 194.]]: يعنى: الحبل والولد. وهذا القول أولى؛ لأن قوله: ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ أدل على الولد منه على الحيض، كقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ [آل عمران: 6]، ومعنى الآية: لا يحل لهن أن يكتمن الحمل ليبطلن حق الزّوج من الرجعة والولد [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 305 - 306.]]. وقال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ﴾ الآية، وذلك أن المرأة السوء تكتم الحبل شوقًا منها إلى الزوج، وتستبطئ [[في (م): (تستنظر).]] العدة؛ لأن عدة ذات الحمل أن تضع حملها [[تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي ص 92.]]، ذكر هذا في سورة الحج في قوله: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الحج: 5]. وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ معناه: من كان مؤمنًا [[في (م): (يؤمن).]] بالله واليوم الآخر [[من قوله: (معناه). ساقط من (ي).]] فهذه صفته فيما يلزمه، لا أنه على المؤمن دون غيره. قال [[في (ي) و (ش): (وقال).]] أبو إسحاق: وهذا كما تقول للرجل يظلم [[في (ش): (تظلم).]]: إن كنت مؤمنًا فلا تظلم، لا تقول له هذا مُطْلِقًا الظلمَ لغيرِ المؤمن، ولكن المعنى: إن كنت مؤمنًا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 306.]]. وفي هذه الآية أمر متوجه على النساء في إظهار ما يخلق [[في (ي): (خلق).]] الله في أرحامهن من الحيض والولد، وهن مُؤَمناتٌ على ذلك، إذ لا مرجع إلى غيرهن فيه، فإن كتمن أثمن وفسقن بالخيانة في الأمانة، وإذا أخبرن واحتمل ما قلن وجب الرجوع إلى قولهن، وإن كن متهمات فعليهن اليمين، وقد أغلظ الله القول عليهن حيث قال: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ البُعُولَة: جمع بَعْل، كالفُحُولة والذُّكُورة والخُؤُولَة والعُمُومة، وهذه الهاء زيادة [[في (ي) (زائدة).]] مؤكدة تأنيث الجماعة، ولا يجوز إدخالها في كل جمع إلا فيما رواه أهل اللغة عن العرب، لا تقول في كعب: كُعُوبة، ولا في كلب: كلابة [[من كلام الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 306 بتصرف، وفيه زيادة: لأن القياس في هذه الأشياء معلوم.]]. والبعولة أيضًا: مصدر البَعْل، يقال: بَعَل الرجل يَبْعَلُ بُعُولةً، إذا صار بَعْلًا، أنشد يعقوب [[هو: أبو يوسف يعقوب بن أسحاق السكيت النحوي اللغوي، تقدمت ترجمته 2/ 51، [البقرة: 2].]]: يارُبَّ بَعْلٍ سَاء ما كان بَعَلْ [[البيت ورد بغير نسبة في "تهذيب اللغة" 1/ 363 (بعل).]] ومن هذا يقال [[ساقطة من (م).]] للجماع ومُلاعَبَةِ الرَّجُلِ أهلَه: بِعَال، يقال للمرأة: هي تُباعِل زوجَها بِعالًا، إذا فَعَلتْ ذلك معه. ومنه قول الحُطَيْئَة: وكَمْ من حَصَانٍ ذاتِ بعْلٍ تَرَكْتها ... إذا الليلُ أَدْجَى لم تَجِدْ مَنْ تباعِلُه [[البيت من الطويل، وهو للحطيئة في "ديوانه" ص80، "تهذيب اللغة" 1/ 363 "لسان العرب" 1/ 316 مادة: بعل. وأراد: أنك قتلت زوجها أو أسرته.]] وامرأةٌ حَسَنَةُ التَّبَعُّل: إذا كانت تحْسِنُ عِشْرَة زَوْجها. ومنه الحديث "إذا أَحْسَنْتُنّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجِكُن [[الحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 420 - 421، برقم (8743)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 1788 في ترجمة أسماء بنت زيد الأشهلية، و"تاريخ واسط" ص 75.]] [[ينظر في مادة: بعل "معاني القرآن" للزجاج 1/ 306، "تهذيب اللغة" 1/ 316، "تفسير الثعلبي" 2/ 1066، "المفردات" 64 - 65، "اللسان" 1/ 362 - 363. قال الراغب: ولما تُصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾، سمي باسمه كلُّ مستعل على غيره، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا؛ لاعتقادهم ذلك فيه، نحو قوله تعالى: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾، ويقال: أتانا بعل هذه الدابة، أي المستعلي عليها، وقيل للأرض المستعلية على غيرها بعل.]] ". ومعنى ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾، أي: إلى النكاح والزوجية، يعنى: أحق بمراجعتهن [[في (ي) زيادة أي في ذلك أي.]] ﴿فِي ذَلِكَ﴾ أي: في الأجل الذي [[ساقط من (ي).]] أمرن أن يتربصن فيه. ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ لا إضرارًا، وذلك أن الرجل في الجاهلية إذا أراد الإضرار بامرأته، طلقها واحدةً وتركها حتى [[ساقط من (أ) و (م).]] إذا قرب انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها، يضارها بذلك، فالله تعالى جعل الزوج أحق بالرجعة على وجه الإصلاح، لا على الإضرار [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1067.]]. ويستغني الزوج في المراجعة عن الولي وعن رضاها وعن تسمية مهر، وإذا راجعها سقطت بقية العدة وحل جماعها في الحال. والاحتياط الإشهاد على الرجعة. ولفظ الرجعة أن تقول: راجعتك أو رددتك إلى النكاح. وقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: للنساء على الرجال مثل الذي للرجال عليهن من الحق ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة [["تفسير الثعلبي" 2/ 1067.]]. روي عن ابن عباس أنه قال: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي لقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ مثل الذي عليهن بالمعروف [[رواه الطبري عنه 2/ 453، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 417، وعزاه في "الدر" 1/ 493 - 494 إلى وكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ يقال: رَجَلٌ بَين الرُّجْلَة [[يقال: رجل جيد الرُّجلة، ورجل بين الرجولة والرُّجلة والرُّجْلِيَّة والرجولية، وهي من المصادر التي لا أفعال لها. ينظر "اللسان" 3/ 1597 مادة "رجل".]]، أي: القُوة، وهو أَرْجَلُ الرَّجُلَين، أي: أقواهما، وفَرَسٌ رَجِيلٌ، قويٌّ على المشي، والرِّجْل: معروفة لقوتها على المشي، وارتَجَل الكَلامَ، أي: قَوِيَ [[في (ي) (أقوى).]] عليه من ركوبِ فِكرةٍ ورويّة، وتَرَجَّلَ النهار: قويَ ضياؤه [[ينظر في رجل: "تهذيب اللغة" 3/ 1596 - 1601، "المفردات" 196، "عمدة الحفاظ" 2/ 81 - 83، "اللسان" 3/ 1596 - 1601.]]. والدَّرَجَة: المنزلة، وأصلها من دَرَجْتُ الشيء أَدْرُجُه دَرْجًا، وأَدْرَجْتُه إدراجًا: إذا طويتُه. ودَرَجَ القومُ قرنًا بعد قرن، أي: فَنُوا. وأدرجهم الله إدراجًا؛ لأنه [[ساقطة من (ي).]] كطي الشيء منزلة بعد منزلة. ومعنى دَرَج القوم: طووا عمْرَهم شيئًا فشيئا، وأدرجهم الله: طواهم الله، ومَدْرَجَةُ الطريق: قَارِعَتُهُ؛ لأنه يُطْوى منزلةً بعدَ مَنْزِلَة، والدَّرَجَةُ: المنزلة من منازل الطَّيّ، ومنه: الدَّرَجَة التي يُرْتقى [[في (ش) (يرتقي).]] فيها [[ينظر في درج: "تهذيب اللغة" 2/ 1167، "المفردات" ص 174، "اللسان" 3/ 1351. قال الراغب: الدَّرَجة نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة: درجة، إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيط كدرجة السطح والسلم، ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة، قال تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾.]]. وأما المعنى [[في (ي) (فقد قال).]] فقال ابن عباس: بما ساق إليها من المهر، وأنفق عليها من المال [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1074، والماوردي في "النكت والعيون" 1/ 293، والبغوي في "تفسيره" 1/ 269، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 261.]]. وقيل: بالعقل. وقيل: بالدية. وقيل: بالميراث [[ينظر في هذه الأقوال: "تفسير الثعلبي" 2/ 1074 - 1075، و"تفسير البغوي" 1/ 269، "زاد المسير" 1/ 261.]]. وقال قتادة: بالجهاد [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 93، والطبري في "تفسيره" 2/ 454، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 418.]]. قال أبو إسحاق: المعنى: أن المرأة تنال من اللذة من الرجل، كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه عليها [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 307.]]. ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي: مالك يأمر كما أراد، ويمتحن كما أحب، ولا يكون ذلك إلا عن حكمة بالغة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب