الباحث القرآني

قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إنّ أوّل ما نسخ من أمور الشّرع أمر القبلة وذلك إنّ رسول الله ﷺ‎ وأصحابه كانوا يصلّون بمكّة إلى الكعبة فلمّا هاجر النبيّ ﷺ‎ إلى المدينة وقدمها لليلتين خليا من شهر ربيع الأوّل أمره تعالى أن يصلّي نحو الصخرة ببيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إيّاه إذا صلّى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة هذا قول عامّة المفسّرين. وقال عبد الرحمن بن زيد: قال الله لنبيه ﷺ‎: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال رسول الله ﷺ‎: «هؤلاء يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله، فلو [أنّا] استقبلناه» [4] [[تفسير الطبري- جامع البيان-: 1/ 702.]] فاستقبله النبيّ ﷺ‎، قالوا جميعا: فصلّى النبيّ وأصحابه نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا وكانت الأنصار قد صلّت إلى بيت المقدّس سنتين قبل قدوم النبيّ ﷺ‎. وكانت الكعبة أحبّ القبلتين إلى النبيّ ﷺ‎ ، واختلفوا في السبب الّذي كان ﷺ‎ يكره من أجله قبلة بيت المقدس ويهوى قبلة الكعبة. فقال ابن عبّاس: لأنّها كانت قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. مجاهد: من أجل أنّ اليهود قالوا: يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا. مقاتل بن حيّان: لمّا أمر رسول الله ﷺ‎ أن يصلّي نحو بيت المقدس قالت اليهود: زعم محمّد أنّه نبي وما يراه أحد إلّا في ديننا، أليس يصلّي إلى قبلتنا ويستنّ بسنّتنا فإن كانت هذه نبوّة فنحن أقدم وأوفر نصيبا فبلغ ذلك رسول الله ﷺ‎ فشقّ عليه وزاده شوقا إلى الكعبة. ابن زيد: لمّا استقبل النبيّ ﷺ‎ بيت المقدس بلغه أنّ اليهود تقول: والله ما ندري محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم. قالوا جميعا فقال رسول الله ﷺ‎ لجبرئيل: «وددت أنّ الله صرفني من قبلة اليهود إلى غيرها فإنّي أبغضهم وأبغض توافقهم» [5] . فقال جبرئيل: إنما أنا عبد مثلك ليس إليّ من الأمر شيئا فأسأل ربّك [[أسباب النزول للواحدي: 26، والدر المنثور: 1/ 142.]] ؟ فعرج جبرئيل وجعل رسول الله يديم النظر إلى السّماء رجاء أن ينزل عليه جبرئيل بما يجيء من أمر القبلة. قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ تحوّل وتصرف وجهك يا محمّد في السّماء. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ فلنحوّلنّك ولنصرفنّك. قِبْلَةً تَرْضاها تحبّها وترضاها. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي نحوه وقصده. قال الشاعر: واطعن بالقوم شطر الملوك ... حتّى إذا خفق المخدج أي: نحوهم وهو نصب على الظرف. والمسجد الحرام: المحرّم كالكتاب بمعنى المكتوب والحساب بمعنى المحسوب. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ في برّ أو بحر أو سهل أو جبل شرق أو غرب فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فحوّل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين. مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية ورسول الله ﷺ‎ في مسجد بني سلمة، وقد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحوّل في الصلاة واستقبل الميزاب، وحوّل الرّجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين. قال ابن عبّاس: البيت كلّه قبلة وقبلة البيت الباب والبيت قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل الحرم والحرم قبلة أهل الأرض كلّها فلمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة قالت اليهود: يا محمّد ما أمرت بهذا- يعنون القبلة. وما هو إلّا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك. قتادة: فصلّى إلى بيت المقدس وتارة يصلّي إلى الكعبة ولو ثبتّ على قبلتنا لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الّذي ننتظره ورأيناكم تطوفون بالكعبة وهي حجارة مبنية فأنزل الله: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ يعني أمر الكعبة الحقّ. مِنْ رَبِّهِمْ وإنّها قبلة إبراهيم ثمّ هددهم فقال: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [قرأ ابو جعفر وابن ... والكسائي بالتاء وقال بريد: إنكم يا معشر ... تطلبون وصالي وما ... عن ثوابكم وجوابكم. وقرأ الباقون ... يعني ما الله بغافل عما يعمل اليهود فأجازيهم في الدنيا والآخرة] [[عن هامش المخطوط.]] وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني يهود المدينة، ونصارى نجران. قالوا للنبيّ ﷺ‎ آتنا بآية كما أتى بها الأنبياء قبلك، فأنزل الله تعالى وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ. بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ يعني الكعبة، وقال الأخفش، والزّجاج: أجيئت لئن بما لأنّها بمعنى لو، وقيل: إنّها أجيبت بما لما فيه من معنى اليمين كأنّه قال: والله لئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكل آية إلى وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ لأن اليهود تستقبل بيت المقدس، والنّصارى تستقبل المشرق. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مرادهم في أمر القبلة. مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إنّها حقّ وإنّها قبلة إبراهيم. إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ الجاحدين الضارين أنفسهم. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه. يَعْرِفُونَهُ يعني محمّدا كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ من بين النصارى. الكلبي عن الربيع عن ابن عبّاس قال: لمّا قدم رسول الله ﷺ‎ المدينة قال عمر لعبد الله ابن سلام: لقد أنزل الله على نبيّه الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فكيف يا عبد الله هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان يلعب، وأنا أشدّ معرفة بمحمّد منّي لابني، فقال عمر: وكيف ذاك؟ فقال: أشهد إنّه رسول حقّ من الله، وقد نعته الله في كتابنا وما أدري ما تصنع النساء، فقال له عمر: وفقك الله يا بن سلام فقد صدقت وأصبت. وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يعني صفة محمّد ﷺ‎ وأمر الكعبة. وَهُمْ يَعْلَمُونَ ثمّ قال الْحَقُّ 147 أي هذا الحقّ خبر ابتداء مضمر. وقيل: رفع بإضمار فعل أي جاءك الحقّ كما قال وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ [[سورة هود: 120.]] وقرأ علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه الْحَقَّ مِنْ رَبِّكَ نصبا على الإغراء. فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكّين مفتعل من المرية والخطاب في هذه الآية: وفي ما قبلها للنبيّ ﷺ‎ والمراد به غيره وكلّ ما ورد عليك من هذا النحو فهو سبيله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب