الباحث القرآني

﴿قَدْ نَرى﴾ رُبَّما نَرى ﴿تَقَلُّبَ وجْهِكَ في السَّماءِ﴾ تَرَدُّدَ وجْهِكَ في جِهَةِ السَّماءِ تَطَلُّعًا لِلْوَحْيِ، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقَعُ في رَوْعِهِ ويَتَوَقَّعُ مِن رَبِّهِ أنْ يُحَوِّلَهُ إلى الكَعْبَةِ، لِأنَّها قِبْلَةُ أبِيهِ إبْراهِيمَ، وأقْدَمُ القِبْلَتَيْنِ وأدْعى لِلْعَرَبِ إلى الإيمانِ، ولِمُخالَفَةِ اليَهُودِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَمالِ أدَبِهِ حَيْثُ انْتَظَرَ ولَمْ يَسْألْ ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً﴾ فَلَنُمَكِّنَنَّكَ مِنِ اسْتِقْبالِها مِن قَوْلِكَ: ولَّيْتُهُ كَذا، إذا صَيَّرْتَهُ والِيًا لَهُ، أوْ فَلَنَجْعَلَنَّكَ تَلِي جِهَتَها تَرْضاها تُحِبُّها وتَتَشَوَّقُ إلَيْها، لِمَقاصِدَ دِينِيَّةٍ وافَقَتْ مَشِيئَةَ اللَّهِ وحِكْمَتَهُ. ﴿فَوَلِّ وجْهَكَ﴾ اصْرِفْ وجْهَكَ. (p-112)﴿شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ نَحْوَهُ. وقِيلَ: الشَّطْرُ في الأصْلِ لِما انْفَصَلَ عَنِ الشَّيْءِ إذا انْفَصَلَ، ودارٌ شَطُورٌ: أيْ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الدُّورِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ لِجانِبِهِ، وإنْ لَمْ يَنْفَصِلْ كالقَطْرِ، والحَرامُ المُحَرَّمُ أيْ مُحَرَّمٌ فِيهِ القِتالُ، أوْ مَمْنُوعٌ مِنَ الظَّلَمَةِ أنْ يَتَعَرَّضُوهُ، وإنَّما ذُكِرَ المَسْجِدُ دُونَ الكَعْبَةِ لِأنَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ في المَدِينَةِ، والبَعِيدُ يَكْفِيهِ مُراعاةُ الجِهَةِ، فَإنَّ اسْتِقْبالَ عَيْنِها حَرَجٌ عَلَيْهِ بِخَلافِ القَرِيبِ. رُوِيَ: «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَصَلّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وُجِّهَ إلى الكَعْبَةِ في رَجَبٍ بَعْدَ الزَّوالِ قَبْلَ قِتالِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ. وَقَدْ صَلّى بِأصْحابِهِ في مَسْجِدِ بَنِي سَلَمَةَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، فَتَحَوَّلَ في الصَّلاةِ واسْتَقْبَلَ المِيزابَ، وتَبادَلَ الرِّجالُ والنِّساءُ صُفُوفَهُمْ، فَسُمِّيَ المَسْجِدُ مَسْجِدَ القِبْلَتَيْنِ.» ﴿وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكم شَطْرَهُ﴾ خَصَّ الرَّسُولَ بِالخُطّابِ تَعْظِيمًا لَهُ وإيجابًا لِرَغْبَتِهِ، ثُمَّ عَمَّمَ تَصْرِيحًا بِعُمُومِ الحُكْمِ وتَأْكِيدًا لِأمْرِ القِبْلَةِ وتَحْضِيضًا لِلْأُمَّةِ عَلى المُتابَعَةِ. ﴿وَإنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ﴾ جُمْلَةٌ لِعِلْمِهِمْ بِأنَّ عادَتَهُ تَعالى تَخْصِيصُ كُلِّ شَرِيعَةٍ بِقِبْلَةٍ، وتَفْصِيلًا لِتَضَمُّنِ كُتُبِهِمْ أنَّهُ ﷺ يُصَلِّي إلى القِبْلَتَيْنِ، والضَّمِيرُ لِلتَّحْوِيلِ أوِ التَّوَجُّهِ ﴿وَما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ﴾ وعْدٌ ووَعِيدٌ لِلْفَرِيقَيْنِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالياءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب