الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وجْهِكَ في السَّماءِ﴾، اَلْمَعْنى: في النَّظَرِ إلى السَّماءِ، وقِيلَ: ”تَقَلُّبَ عَيْنِكَ“، والمَعْنى واحِدٌ، لِأنَّ التَّقَلُّبَ إنَّما كانَ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ أمَرَ بِتَرْكِ الصَّلاةِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَكانَ يَنْتَظِرُ أنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ إلى أيِّ قِبْلَةٍ يُصَلِّي، و”تَقَلُّبَ“، مَصْدَرُ ”تَقَلَّبَ، تَقَلُّبًا“، ويَجُوزُ في الكَلامِ: ”تِقْلابًا“، ولا يَجُوزُ في القُرْآنِ، لِأنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها﴾، (p-٢٢٢)قَدْ كانَ النَّبِيُّ ﷺ بِالمَدِينَةِ حِينَ أُمِرَ بِأنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الصَّلاةِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَأُمِرَ بِأنْ يُصَلِّيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ، وقِيلَ في قَوْلِهِ: ”تَرْضاها“، قَوْلانِ: قالَ قَوْمٌ: مَعْناهُ تُحِبُّها، لا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ راضِيًا بِتِلْكَ القِبْلَةِ، لِأنَّ كُلَّ ما أمَرَ اللَّهُ الأنْبِياءَ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - بِهِ فَهي راضِيَةٌ بِهِ، وإنَّما أحَبَّها النَّبِيُّ ﷺ لِأنَّها كانَتْ - فِيما يُرْوى - قِبْلَةَ الأنْبِياءِ، وقِيلَ لِأنَّها كانَتْ عِنْدَهُ أدْعى لِقَوْمِهِ إلى الإيمانِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ أيْ: اَلْمَسْجِدِ الحَرامِ، فَأُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ - وهو بِالمَدِينَةِ - مَكَّةَ، والبَيْتَ الحَرامَ، وأُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ البَيْتَ حَيْثُ كانَ النّاسُ، ومَعْنى ”اَلشَّطْرُ“: اَلنَّحْوُ، و”شَطْرَ“، مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎إنَّ العَسِيرَ بِها داءٌ يُخامِرُها ∗∗∗ فَشَطْرَها نَظَرُ العَيْنَيْنِ مَحْسُورُ أيْ: فَنَحْوَها، ولا اخْتِلافَ بَيْنَ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّ ”اَلشَّطْرُ“: اَلنَّحْوُ، وقَوْلُ النّاسِ: ”فُلانٌ شاطِرٌ“، مَعْناهُ: قَدْ أخَذَ في نَحْوٍ غَيْرِ الِاسْتِواءِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: ”شاطِرٌ“، لِعُدُولِهِ عَنْ الِاسْتِواءِ، يُقالُ: ”قَدْ شَطَرَ الرَّجُلُ، يَشْطُرُ، شِطارَةً، وشَطارَةً“، ويُقالُ: ”هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُشاطِرُونا“، أيْ: دُورُهم تَتَّصِلُ بِدُورِنا، كَما تَقُولُ: ”هَؤُلاءِ يُناحُونَنا“، أيْ: ”نَحْنُ نَحْوُهُمْ، وهم نَحْوُنا“، فَلِذَلِكَ هم شاطَرُونا. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣]، (p-٢٢٣)إنْ قالَ قائِلٌ: ما مَعْنى: ”﴿إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣]“، واللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - قَدْ عَلِمَ ما يَكُونُ قَبْلَ كَوْنِهِ؟ فالجَوابُ في ذَلِكَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ لا يَتَّبِعُهُ مِن قَبْلِ وُقُوعِهِ، وذَلِكَ العِلْمُ لا تَجِبُ بِهِ مُجازاةٌ في ثَوابٍ، ولا عِقابٍ، ولَكِنَّ المَعْنى: لِيَعْلَمَ ذَلِكَ مِنهم شَهادَةً، فَيَقَعَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ العِلْمِ اسْمُ ”مُطِيعِينَ“، واسْمُ ”عاصِينَ“، فَيَجِبَ ثَوابُهم عَلى قَدْرِ عَمَلِهِمْ، ويَكُونَ مَعْلُومُ ما في حالِ وُقُوعِ الفِعْلِ مِنهم عِلْمَ شَهادَةٍ، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ [الرعد: ٩]، فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ عِلْمُ غَيْبٍ، وعِلْمُهُ بِهِ في حالِ وُقُوعِهِ شَهادَةٌ، وكُلُّ ما عَلِمَهُ اللَّهُ شَهادَةً فَقَدْ كانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ غَيْبًا، لِأنَّهُ يَعْلَمُهُ قَبْلَ كَوْنِهِ، وهَذا يُبَيِّنُ كُلَّ ما في القُرْآنِ مِثْلَهُ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ مِنكم والصّابِرِينَ ونَبْلُوَ أخْبارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب