الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ فِيهِ بَيانٌ لِلنَّصِيبِ المَفْرُوضِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٧] إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] والنَّصِيبُ المَفْرُوضُ هو الَّذِي بَيَّنَ مِقْدارَهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] فَقالَ: قَدْ نَسَخَ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] .
وقالَ مُجاهِدٌ: " كانَ المِيراثُ لِلْوَلَدِ وكانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ تَعالى مِن ذَلِكَ ما أحَبَّ، فَجَعَلَ لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وجَعَلَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ الأبَوَيْنِ السُّدُسَ مَعَ الوَلَدِ " . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وقَدْ كانَ الرَّجُلُ إذا ماتَ وخَلَّفَ زَوْجَتَهُ اعْتَدَّتْ سَنَةً كامِلَةً في بَيْتِهِ يُنْفَقُ عَلَيْها مِن تَرِكَتِهِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا وصِيَّةً لأزْواجِهِمْ مَتاعًا إلى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالرُّبُعِ أوِ الثُّمُنِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ﴾ [الأحزاب: ٦] نُسِخَ بِهِ التَّوارُثُ بِالحِلْفِ وبِالهِجْرَةِ وبِالتَّبَنِّي عَلى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنّا؛ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ هي آيَةٌ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ، وهي مُوجِبَةٌ لِنَسْخِ المِيراثِ بِهَذِهِ الأسْبابِ الَّتِي ذَكَرْنا؛ لِأنَّهُ جَعَلَ المِيراثَ لِلْمُسَمَّيْنَ فِيها، فَلا يَبْقى لِأهْلِ هَذِهِ الأسْبابِ شَيْءٌ، وذَلِكَ مُوجِبٌ لِسُقُوطِ حُقُوقِهِمْ في هَذِهِ الحالِ. ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جابِرِ (p-٨)بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «جاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبِنْتَيْنِ لَها فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ هاتانِ بِنْتا ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ ولَمْ يَدَعْ لَهُما عَمُّهُما مالًا إلّا أخَذَهُ، فَما تَرى يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَواَللَّهِ لا تُنْكَحانِ أبَدًا إلّا ولَهُما مالٌ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَقْضِي اللَّهُ في ذَلِكَ فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّساءِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ الآيَةَ، فَقالَ ﷺ: اُدْعُ لِيَ المَرْأةَ وصاحِبَها فَقالَ لِعَمِّهِما: أعْطِهِما الثُّلُثَيْنِ وأعْطِ أُمَّهُما الثُّمُنَ وما بَقِيَ فَلَكَ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ حَوى هَذا الخَبَرُ مَعانِيَ: مِنها أنَّ العَمَّ قَدْ كانَ يَسْتَحِقُّ المِيراثَ دُونَ البِنْتَيْنِ عَلى عادَةِ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ في تَوْرِيثِ المُقاتِلَةِ دُونَ النِّساءِ والصِّبْيانِ، ولَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ حِينَ سَألَتْهُ المَرْأةُ بَلْ أقَرَّ الأمْرَ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ وقالَ لَها: " يَقْضِي اللَّهُ في ذَلِكَ " ثُمَّ لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ أمَرَ العَمَّ بِدَفْعِ نَصِيبِ البِنْتَيْنِ والمَرْأةِ إلَيْهِنَّ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ العَمَّ لَمْ يَأْخُذِ المِيراثَ بَدِيًّا مِن جِهَةِ التَّوْقِيفِ بَلْ عَلى عادَةِ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ في المَوارِيثِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ إنَّما يُسْتَأْنَفُ فِيما يَحْدُثُ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ وما قَدْ مَضى عَلى حُكْمٍ مَنصُوصٍ مُتَقَدِّمٍ لا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِالنَّسْخِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ أخَذَهُ عَلى حُكْمِ الجاهِلِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُنْقَلُوا عَنْها.
ورَوى سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «مَرِضْتُ فَأتانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُنِي فَأتانِي وقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِن وضُوئِهِ فَأفَقْتُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْضِي في مالِي ؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتّى نَزَلَتْ آيَةُ المَوارِيثِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: ذَكَرَ في الحَدِيثِ الأوَّلِ قِصَّةَ المَرْأةِ مَعَ بِنْتَيْها وذَكَرَ في هَذا الحَدِيثِ أنَّ جابِرًا سَألَهُ عَنْ ذَلِكَ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ الأمْرانِ جَمِيعًا قَدْ كانا؛ سَألَتْهُ المَرْأةُ فَلَمْ يُجِبْها مُنْتَظِرًا لِلْوَحْيِ ثُمَّ سَألَهُ جابِرٌ في حالِ مَرَضِهِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ وهي ثابِتَةُ الحُكْمِ مُثْبِتَةٌ لِلنَّصِيبِ المَفْرُوضِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] الآيَةَ. ولَمْ يَخْتَلِفْ أهْلُ العِلْمِ في أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ أوْلادُ الصُّلْبِ، وأنَّ ولَدَ الوَلَدِ غَيْرُ داخِلٍ مَعَ ولَدِ الصُّلْبِ، وأنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ ولَدُ الصُّلْبِ فالمُرادُ أوْلادُ البَنِينَ دُونَ أوْلادِ البَناتِ، فَقَدِ انْتَظَمَ اللَّفْظُ أوْلادَ الصُّلْبِ وأوْلادَ الِابْنِ إذا لَمْ يَكُنْ ولَدُ الصُّلْبِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ أصْحابِنا فِيمَن أوْصى لِوَلَدِ فُلانٍ أنَّهُ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ لِصُلْبِهِ فَهو لِوَلَدِ ابْنِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ قَدْ أفادَ أنَّهُ إنْ كانَ ذَكَرًا وأُنْثى فَلِلذَّكَرِ سَهْمانِ ولِلْأُنْثى سَهْمٌ، وأفادَ أيْضًا (p-٩)أنَّهم إذا كانُوا جَماعَةً ذُكُورًا وإناثًا أنَّ لِكُلِّ ذَكَرٍ سَهْمَيْنِ ولِكُلِّ أُنْثى سَهْمًا، وأفادَ أيْضًا أنَّهُ إذا كانَ مَعَ الأوْلادِ ذَوُو سِهامٍ نَحْوُ الأبَوَيْنِ والزَّوْجِ والزَّوْجَةِ أنَّهم مَتى أخَذُوا سِهامَهم كانَ الباقِي بَعْدَ السِّهامَ بَيْنَ الأوْلادِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ وذَلِكَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ اسْمٌ لِلْجِنْسِ يَشْتَمِلُ عَلى القَلِيلِ والكَثِيرِ مِنهم، فَمَتى ما أخَذَ ذَوُو السِّهامِ سِهامَهم كانَ الباقِي بَيْنَهم عَلى ما كانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذُو سَهْمٍ.
* * *
وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾ فَنَصَّ عَلى نَصِيبِ ما فَوْقَ الِابْنَتَيْنِ وعَلى الواحِدَةِ ولَمْ يَنُصَّ عَلى فَرْضِ الِابْنَتَيْنِ؛ لِأنَّ في فَحَوى الآيَةِ دَلالَةً عَلى بَيانِ فَرْضِهِما، وذَلِكَ لِأنَّهُ قَدْ أوْجَبَ لِلْبِنْتِ الواحِدَةِ مَعَ الِابْنِ الثُّلُثَ، وإذا كانَ لَها مَعَ الذَّكَرِ الثُّلُثُ كانَتْ بِأخْذِ الثُّلُثِ مَعَ الأُنْثى أوْلى، وقَدِ احْتَجْنا إلى بَيانِ حُكْمِ ما فَوْقَهُما؛ فَلِذَلِكَ نَصَّ عَلى حُكْمِهِ. وأيْضًا لَمّا قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ فَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وبِنْتًا كانَ لِلِابْنِ سَهْمانِ ثُلُثا المالِ وهو حَظُّ الأُنْثَيَيْنِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ نَصِيبَ الِابْنَتَيْنِ الثُّلُثانِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ نَصِيبَ الِابْنِ مِثْلَ نَصِيبِ البِنْتَيْنِ وهو الثُّلُثانِ. ويَدُلُّ عَلى أنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أجْرى الإخْوَةَ والأخَواتِ مَجْرى البَناتِ وأجْرى الأُخْتَ الواحِدَةَ مَجْرى البِنْتِ الواحِدَةِ، فَقالَ تَعالى: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] ثُمَّ قالَ: ﴿فَإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالا ونِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١٧٦] فَجَعَلَ حَظَّ الأُخْتَيْنِ كَحَظِّ ما فَوْقَهُما وهو الثُّلُثانِ كَما جَعَلَ حَظَّ الأُخْتِ كَحَظِّ البِنْتِ.
وأوْجَبَ لَهم إذا كانُوا ذُكُورًا وإناثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الِابْنَتانِ كالأُخْتَيْنِ في اسْتِحْقاقِ الثُّلُثَيْنِ لِمُساواتِهِما لَهُما في إيجابِ المالِ بَيْنَهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ إذا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهم، كَما في مُساواةِ الأُخْتِ لِلْبِنْتِ إذا لَمْ يَكُنْ غَيْرُها في اسْتِحْقاقِ النِّصْفِ بِالتَّسْمِيَةِ. وأيْضًا البِنْتانِ أوْلى بِذَلِكَ؛ إذْ كانَتا أقْرَبَ إلى المَيِّتِ مِنَ الأُخْتَيْنِ، وإذا كانَتِ الأُخْتُ بِمَنزِلَةِ البِنْتِ فَكَذَلِكَ البِنْتانِ في اسْتِحْقاقِ الثُّلُثَيْنِ؛ ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ حَدِيثُ جابِرٍ في قِصَّةِ المَرْأةِ الَّتِي أعْطى النَّبِيُّ ﷺ فِيها البِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ والمَرْأةَ الثُّمُنَ والعَمَّ ما بَقِيَ.
ولَمْ يُخالِفْ في ذَلِكَ أحَدٌ إلّا شَيْئًا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ جَعَلَ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ كَنَصِيبِ الواحِدَةِ واحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ﴾، ولَيْسَ في ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفَ وإنَّما فِيهِ نَصٌّ عَلى أنَّ ما فَوْقَ ابْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ (p-١٠)الثُّلُثانِ، فَإنْ كانَ القائِلُ بِأنَّ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مُخالِفًا لِلْآيَةِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ جَعَلَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ إذا كانَتْ وحْدَها، وأنْتَ جَعَلْتَ لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفَ وذَلِكَ خِلافُ الآيَةِ، فَإنْ لَمْ تَلْزَمْهُ مُخالَفَةُ الآيَةِ حِينَ جَعَلَ لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفَ وإنْ كانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ لِلْواحِدَةِ النِّصْفَ فَكَذَلِكَ لا تَلْزَمُ مُخالِفِيهِ مُخالَفَةُ الآيَةِ في جَعْلِهِمْ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَنْفِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ﴾ أنْ يَكُونَ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثانِ وإنَّما نَصَّ عَلى حُكْمِ ما فَوْقَهُما، وقَدْ دَلَّ عَلى حُكْمِهِما في فَحْوى الآيَةِ عَلى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنّا وما ذَكَرْناهُ مِن دَلالَةِ حُكْمِ الأُخْتَيْنِ عَلى حُكْمِ الِابْنَتَيْنِ عَلى ما ذَكَرْنا. وقَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ أنَّ ذِكْرَ " فَوْقَ " هَهُنا صِلَةٌ لِلْكَلامِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ﴾ [الأنفال: ١٢]
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولأبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ﴾ يُوجِبُ ظاهِرُهُ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ مَعَ الوَلَدِ ذَكَرًا كانَ الوَلَدُ أوْ أُنْثى؛ لِأنَّ اسْمَ الوَلَدِ يَنْتَظِمُهُما، إلّا أنَّهُ لا خِلافَ إذا كانَ الوَلَدُ بِنْتًا لا تَسْتَحِقُّ أكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾ فَوَجَبَ أنْ تُعْطى النِّصْفَ بِحُكْمِ النَّصِّ، ويَكُونُ لِلْأبَوَيْنِ لِكُلِّ واحِدٍ السُّدُسُ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، ويَبْقى السُّدُسُ يَسْتَحِقُّهُ الأبُ بِالتَّعْصِيبِ؛ فاجْتَمَعَ هَهُنا لِلْأبِ الِاسْتِحْقاقُ بِالتَّسْمِيَةِ وبِالتَّعْصِيبِ جَمِيعًا؛ وإنْ كانَ الوَلَدُ ذَكَرًا فَلِلْأبَوَيْنِ السُّدُسانِ بِحُكْمِ النَّصِّ؛ والباقِي لِلِابْنِ؛ لِأنَّهُ أقْرَبُ تَعْصِيبًا مِنَ الأبِ. وقالَ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ ووَرِثَهُ أبَواهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ فَأثْبَتَ المِيراثَ لِلْأبَوَيْنِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ثُمَّ فَصَّلَ نَصِيبَ الأُمِّ وبَيَّنَ مِقْدارَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ ولَمْ يَذْكُرْ نَصِيبَ الأبِ فاقْتَضى ظاهِرُ اللَّفْظِ لِلْأبِ الثُّلُثَيْنِ؛ إذْ لَيْسَ هُناكَ مُسْتَحِقٌّ غَيْرُهُ وقَدْ أثْبَتَ المِيراثَ لَهُما بَدِيًّا وقَدْ كانَ ظاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي المُساواةَ لَوِ اقْتَصَرَ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ووَرِثَهُ أبَواهُ﴾ دُونَ تَفْصِيلِ نَصِيبِ الأُمِّ، فَلَمّا قَصَرَ نَصِيبَ الأُمِّ عَلى الثُّلُثِ عُلِمَ أنَّ المُسْتَحَقَّ لِلْأبِ الثُّلُثانِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ قالَ عَلِيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وعُثْمانُ بْنُ عَفّانَ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ وسائِرُ أهْلِ العِلْمِ: " إذا تَرَكَ أخَوَيْنِ وأبَوَيْنِ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وما بَقِيَ فَلِأبِيهِ " وحَجَبُوا الأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إلى السُّدُسِ كَحَجْبِهِمْ لَها بِثَلاثَةِ إخْوَةٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " لِلْأُمِّ الثُّلُثُ " وكانَ لا يَحْجُبُها إلّا بِثَلاثَةٍ مِنَ الإخْوَةِ والأخَواتِ.
ورَوى مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طاوُسٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: " إذا تَرَكَ أبَوَيْنِ وثَلاثَةَ إخْوَةٍ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ولِلْإخْوَةِ السُّدُسُ الَّذِي حَجَبُوا الأُمَّ عَنْهُ وما بَقِيَ فَلِلْأبِ (p-١١)" . ورُوِيَ عَنْهُ: " أنَّهُ إنْ كانَ الإخْوَةُ مِن قِبَلِ الأُمِّ فالسُّدُسُ لَهم خاصَّةً، وإنْ كانُوا مِن قِبَلِ الأبِ والأُمِّ أوْ مِن قِبَلِ الأبِ لَمْ يَكُنْ لَهم شَيْءٌ وكانَ ما بَعْدَ السُّدُسِ لِلْأبِ " .
والحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ أنَّ اسْمَ الإخْوَةِ قَدْ يَقَعُ عَلى الِاثْنَيْنِ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ [التحريم: ٤] وهُما قَلْبانِ؛ وقالَ تَعالى: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ [ص: ٢١] ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٢] فَأطْلَقَ لَفْظَ الجَمْعِ عَلى اثْنَيْنِ؛ وقالَ تَعالى: ﴿وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالا ونِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١٧٦] فَلَوْ كانَ أخًا وأُخْتًا كانَ حُكْمُ الآيَةِ جارِيًا فِيهِما وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «اثْنانِ فَما فَوْقَهُما جَماعَةٌ»، ولِأنَّ الِاثْنَيْنِ إلى الثَّلاثَةِ في حُكْمِ الجَمْعِ أقْرَبُ مِنهُما إلى الواحِدِ؛ لِأنَّ لَفْظَ الجَمْعِ مَوْجُودٌ فِيهِما نَحْوُ قَوْلِكَ: " قاما وقَعَدا وقامُوا وقَعَدُوا " كُلُّ ذَلِكَ جائِزٌ في الِاثْنَيْنِ والثَّلاثَةِ ولا يَجُوزُ مِثْلُهُ في الواحِدِ، فَلَمّا كانَ الِاثْنانِ في حُكْمِ اللَّفْظِ أقْرَبَ إلى الثَّلاثَةِ مِنهُما إلى الواحِدِ وجَبَ إلْحاقُهُما بِالثَّلاثَةِ دُونَ الواحِدِ. وقَدْ رَوى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي الزِّنادِ عَنْ أبِيهِ عَنْ خارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أبِيهِ، أنَّهُ كانَ يَحْجُبُ الأُمَّ بِالأخَوَيْنِ، فَقالُوا لَهُ: يا أبا سَعِيدٍ إنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ﴾ وأنْتَ تَحْجُبُها بِالأخَوَيْنِ فَقالَ: إنَّ العَرَبُ تُسَمِّي الأخَوَيْنِ إخْوَةً. فَإذا كانَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ قَدْ حَكى عَنِ العَرَبِ أنَّها تُسَمِّي الأخَوَيْنِ إخْوَةً، فَقَدْ ثَبَتَ أنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لَهُما فَيَتَناوَلُهُما اللَّفْظُ.
وأيْضًا قَدْ ثَبَتَ أنَّ حُكْمَ الأُخْتَيْنِ حُكْمُ الثَّلاثِ في اسْتِحْقاقِ الثُّلُثَيْنِ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] وكَذَلِكَ حُكْمُ الأُخْتَيْنِ مِنَ الأُمِّ حُكْمُ الثَّلاثِ في اسْتِحْقاقِ الثُّلُثِ دُونَ حُكْمِ الواحِدَةِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ حُكْمُهُما حُكْمَ الثَّلاثِ في حَجْبِ الأُمِّ عَنِ الثُّلُثِ إلى السُّدُسِ؛ إذْ كانَ حُكْمُ كُلِّ واحِدٍ مِن ذَلِكَ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِالجَمْعِ فاسْتَوى فِيهِ حُكْمُ الِاثْنَيْنِ والثَّلاثِ ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ قالَ: " إنَّما يَحْجُبُ الإخْوَةُ الأُمَّ مِن غَيْرِ أنْ يَرِثُوا مَعَ الأبِ؛ لِأنَّهُ يَقُومُ بِنِكاحِهِمْ والنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ دُونَ الأُمِّ " وهَذِهِ العِلَّةُ إنَّما هي مَقْصُورَةٌ عَلى الإخْوَةِ مِنَ الأبِ والأُمِّ والإخْوَةِ مِنَ الأبِ، فَأمّا الإخْوَةُ مِنَ الأُمِّ فَلَيْسَ إلى الأبِ شَيْءٌ مِن أمْرِهِمْ وهم يَحْجُبُونَ أيْضًا كَما يَحْجُبُ الإخْوَةُ مِنَ الأبِ والأُمِّ، ولا خِلافَ بَيْنَ الصَّحابَةِ في ثَلاثَةِ إخْوَةٍ وأبَوَيْنِ أنَّ لِلْأُمِّ السُّدُسَ وما بَقِيَ فَلِلْأبِ؛ إلّا شَيْئًا يُرْوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
ورَوى عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طاوُسٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: " أنَّ لِلْأُمِّ السُّدُسَ ولِلْإخْوَةِ السُّدُسَ الَّذِي حَجَبُوا الأُمَّ عَنْهُ وما بَقِيَ فَلِلْأبِ، وكانَ لا يَحْجُبُ بِمَن (p-١٢)لا يَرِثُ، فَلَمّا حَجَبَ الأُمَّ بِالإخْوَةِ ورَّثَهم " . وهو قَوْلٌ شاذٌّ وظاهِرُ القُرْآنِ خِلافُهُ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿ووَرِثَهُ أبَواهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ووَرِثَهُ أبَواهُ﴾ تَقْدِيرُهُ: ووَرِثَهُ أبَواهُ ولَهُ إخْوَةٌ؛ وذَلِكَ يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ لِلْإخْوَةِ شَيْءٌ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿آباؤُكم وأبْناؤُكم لا تَدْرُونَ أيُّهم أقْرَبُ لَكم نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ قِيلَ إنَّ مَعْناهُ: لا تَعْلَمُونَ أيُّهم أقْرَبُ لَكم نَفْعًا في الدِّينِ والدُّنْيا واَللَّهُ يَعْلَمُهُ فاقْسِمُوهُ عَلى ما بَيَّنَهُ؛ إذْ هو عالِمٌ بِالمَصالِحِ. وقِيلَ إنَّ مَعْناهُ: آباؤُكم وأبْناؤُكم مُتَقارِبُونَ في النَّفْعِ حَتّى لا تَدْرُونَ أيُّهم أقْرَبُ لَكم نَفْعًا، إذْ كُنْتُمْ تَنْتَفِعُونَ بِآبائِكم في حالِ الصِّغَرِ وتَنْتَفِعُونَ بِأبْنائِكم عِنْدَ الكِبَرِ، فَفَرَضَ ذَلِكَ في أمْوالِكم لِلْآباءِ والأبْناءِ عِلْمًا مِنهُ بِمَصالِحِ الجَمِيعِ. وقِيلَ: لا يَدْرِي أحَدُكم أهُوَ أقْرَبُ وفاةً فَيَنْتَفِعُ ولَدُهُ بِمالِهِ، أمِ الوَلَدُ أقْرَبُ وفاةً فَيَنْتَفِعُ الأبُ والأُمُّ بِمالِهِ، فَفَرَضَ في مَوارِيثِكم ما فَرَضَ عِلْمًا مِنهُ وحُكْمًا.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في الحَجْبِ بِمَن لا يَرِثُ، وهو أنْ يُخَلِّفَ الحُرُّ المُسْلِمُ أبَوَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وأخَوَيْنِ كافِرَيْنِ أوْ مَمْلُوكَيْنِ أوْ قاتِلَيْنِ، فَقالَ عَلِيٌّ وعُمَرُ وزَيْدٌ: " لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وما بَقِيَ فَلِلْأبِ، وكَذَلِكَ المُسْلِمَةُ إذا تَرَكَتْ زَوْجًا وابْنًا كافِرًا أوْ مَمْلُوكًا أوْ قاتِلًا، أوِ الرَّجُلُ تَرَكَ امْرَأةً وابْنًا كَذَلِكَ أنَّهم لا يَحْجُبُونَ الزَّوْجَ ولا المَرْأةَ عَنْ نَصِيبِهِما الأكْثَرِ إلى الأقَلِّ " وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ وأبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ ومالِكٍ والثَّوْرِيِّ والشّافِعِيِّ.
وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " يَحْجُبُونَ وإنْ لَمْ يَرِثُوا " . وقالَ الأوْزاعِيُّ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: " المَمْلُوكُ والكافِرُ لا يَرِثانِ ولا يَحْجُبانِ والقاتِلُ لا يَرِثُ ويَحْجُبُ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا خِلافَ أنَّ الأبَ الكافِرَ لا يَحْجُبُ ابْنَهُ مِن مِيراثِ جَدِّهِ وأنَّهُ بِمَنزِلَةِ المَيِّتِ، فَكَذَلِكَ في حُكْمِ حَجْبِ الأُمِّ والزَّوْجِ (p-١٣)والزَّوْجَةِ. واحْتَجَّ مَن حَجَبَ بِظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولأبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ﴾ ولَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الكافِرِ والمُسْلِمِ. فَيُقالُ لَهُ: فَلِمَ حَجَبْتَ بِهِ الأُمَّ دُونَ الأبِ واَللَّهُ تَعالى إنَّما حَجَبَهُما جَمِيعًا بِالوَلَدِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ﴾ ؟ فَإنْ جازَ أنْ لا يَحْجُبَ الأبُ وجَعَلْتَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ﴾ عَلى ولَدٍ يَجُوزُ المِيراثُ، فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ في الأُمِّ.
* * *
بابُ مِيراثِ أوْلادِ الِابْنِ قالَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ بَيَّنّا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ قَدْ أُرِيدَ بِهِ أوْلادُ الصُّلْبِ وأوْلادُ الِابْنِ إذا لَمْ يَكُنْ ولَدُ الصُّلْبِ؛ إذْ لا خِلافَ أنَّ مَن تَرَكَ بَنِي ابْنٍ وبَناتِ ابْنٍ أنَّ المالَ بَيْنَهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ بِحُكْمِ الآيَةِ، وكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنٍ (p-١٤)كانَ لَها النِّصْفُ وإنْ كُنَّ جَماعَةً كانَ لَهُنَّ الثُّلُثانِ عَلى سِهامِ مِيراثِ ولَدِ الصُّلْبِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ أوْلادَ الذُّكُورِ مُرادُونَ بِالآيَةِ.
واسْمُ الوَلَدِ يَتَناوَلُ أوْلادَ الِابْنِ كَما يَتَناوَلُ أوْلادَ الصُّلْبِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ [الأعراف: ٣١] ولا يَمْتَنِعُ أحَدٌ أنْ يَقُولَ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ مِن ولَدِ هاشِمٍ ومِن ولَدِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ اسْمَ الأوْلادِ يَقَعُ عَلى ولَدِ الِابْنِ وعَلى ولَدِ الصُّلْبِ جَمِيعًا؛ إلّا أنَّ أوْلادَ الصُّلْبِ يَقَعُ عَلَيْهِمْ هَذا الِاسْمُ حَقِيقَةً ويَقَعُ عَلى أوْلادِ الِابْنِ مَجازًا، ولِذَلِكَ لَمْ يُرادُوا في حالِ وُجُودِ أوْلادِ الصُّلْبِ ولَمْ يُشارِكُوهم في سِهامِهِمْ، وإنَّما يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ في أحَدِ حالَيْنِ: إمّا أنْ يُعْدَمَ ولَدُ الصُّلْبِ رَأْسًا فَيَقُومُونَ مَقامَهم، وإمّا أنْ لا يَحُوزَ ولَدُ الصُّلْبِ المِيراثَ فَيَسْتَحِقُّونَ بَعْضَ الفَضْلِ أوْ جَمِيعَهُ، فَإمّا أنْ يَسْتَحِقُّوا مِن أوْلادِ الصُّلْبِ عَلى وجْهِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهم كَما يَسْتَحِقُّهُ ولَدُ الصُّلْبِ بَعْضُهم مَعَ بَعْضٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا كانَ الِاسْمُ يَتَناوَلُ ولَدَ الصُّلْبِ حَقِيقَةً ووَلَدَ الِابْنِ مَجازًا لَمْ يَجُزْ أنْ يُرادُوا بِلَفْظٍ واحِدٍ لِامْتِناعِ كَوْنِ لَفْظٍ واحِدٍ حَقِيقَةً ومَجازًا.
قِيلَ لَهُ: إنَّهم لَمْ يُرادُوا بِلَفْظٍ واحِدٍ في حالٍ واحِدَةٍ مَتى وُجِدَ أوْلادُ الصُّلْبِ، فَإنَّ ولَدَ الِابْنِ لا يَسْتَحِقُّونَ المِيراثَ مَعَهم بِالآيَةِ ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يُرادَ ولَدُ الصُّلْبِ في حالِ وُجُودِهِمْ ووَلَدُ الِابْنِ في حالِ عَدَمِ ولَدِ الصُّلْبِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا في حالَيْنِ في إحْداهُما هو حَقِيقَةٌ وفي الأُخْرى هو مَجازٌ ولَوْ أنَّ رَجُلًا قالَ: " قَدْ أوْصَيْتُ بِثُلُثِ مالِي لِوَلَدِ فُلانٍ وفُلانٍ " وكانَ لِأحَدِهِما أوْلادٌ لِصُلْبِهِ ولَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ ولَدٌ لِصُلْبِهِ وكانَ لَهُ أوْلادُ ابْنٍ، كانَتِ الوَصِيَّةُ لِوَلَدِ فُلانٍ لِصُلْبِهِ ولِأوْلادِ أوْلادِ فُلانٍ، ولَمْ يَمْتَنِعْ دُخُولُ أوْلادِ بَنِيهِ في الوَصِيَّةِ مَعَ أوْلادِ الآخَرِ لِصُلْبِهِ وإنَّما يَمْتَنِعُ دُخُولُ ولَدِ فُلانٍ لِصُلْبِهِ ووَلَدِ ولَدِهِ مَعَهُ، فَأمّا ولَدُ غَيْرِهِ لِغَيْرِ صُلْبِهِ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ دُخُولُهُ مَعَ أوْلادِ الآخَرِ لِصُلْبِهِ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ يَقْتَضِي ولَدَ الصُّلْبِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ المَذْكُورِينَ إذا كانَ ولا يَدْخُلُ مَعَهُ ولَدُ الِابْنِ، ومَن لَيْسَ لَهُ ولَدٌ لِصُلْبِهِ ولَهُ ولَدُ ابْنٍ دَخَلَ في اللَّفْظِ ولَدُ ابْنِهِ.
وإنَّما جازَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ خِطابٌ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ النّاسِ، فَكانَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم مُخاطَبًا بِهِ عَلى حِيالِهِ؛ فَمَن لَهُ مِنهم ولَدٌ لِصُلْبِهِ تَناوَلَهُ اللَّفْظُ عَلى حَقِيقَتِهِ ولَمْ يَتَناوَلْ ذَلِكَ ولَدَ ابْنِهِ، ومَن لَيْسَ لَهُ ولَدٌ لِصُلْبِهِ ولَهُ ولَدُ ابْنٍ فَهو مُخاطَبٌ بِذَلِكَ عَلى حِيالِهِ، فَيَتَناوَلُ ولَدَ ابْنِهِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّ اسْمَ الوَلَدِ يَقَعُ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِن ولَدِ الصُّلْبِ ووَلَدُ الِابْنِ حَقِيقَةً لَمْ يَبْعُدْ؛ إذْ كانَ الجَمِيعُ مَنسُوبِينَ إلَيْهِ مِن (p-١٥)جِهَةِ وِلادَتِهِ، ونَسَبُهُ مُتَّصِلٌ بِهِ مِن هَذا الوَجْهِ فَيَتَناوَلُ الجَمِيعَ، كالأُخُوَّةِ لَمّا كانَ اسْمًا لِاتِّصالِ النَّسَبِ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ مِن جِهَةِ أحَدِ أبَوَيْهِ شَمِلَ الِاسْمُ الجَمِيعَ وكانَ عُمُومًا فِيهِمْ جَمِيعًا، سَواءٌ كانُوا لِأبٍ وأُمٍّ أوْ لِأبٍ أوْ لِأُمٍّ. ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] قَدْ عُقِلَ بِهِ حَلِيلَةُ ابْنِ الِابْنِ كَما عُقِلَ حَلِيلَةُ ابْنِ الصُّلْبِ فَإذا تَرَكَ بِنْتًا وبِنْتَ ابْنٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالتَّسْمِيَةِ ولِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وما بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ. فَإنْ تَرَكَ بِنْتَيْنِ وبِنْتَ ابْنٍ وابْنِ ابْنٍ، فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثانِ والباقِي لِابْنِ الِابْنِ وبِنْتِ الِابْنِ بَيْنَهُما لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ.
وكَذَلِكَ لَوْ كانَتْ بِنْتَيْنِ وبَناتِ ابْنٍ وابْنَ ابْنِ ابْنٍ أسْفَلَ مِنهُنَّ كانَ لِلْبَناتِ الثُّلُثانِ وما بَقِيَ فَبَيْنَ بَناتِ الِابْنِ ومَن هو أسْفَلُ مِنهُنَّ مِن بَنِي ابْنِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ. وهَذا قَوْلُ أهْلِ العِلْمِ جَمِيعًا مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ، إلّا ما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ كانَ يَجْعَلُ الباقِيَ لِابْنِ الِابْنِ وإنْ سَفُلَ ولا يُعْطِي بَناتِ الِابْنِ شَيْئًا إذا اسْتَكْمَلَ البَناتُ الثُّلُثَيْنِ، وإنَّما كانَ يَجْعَلُ لِبَناتِ الِابْنِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ مِثْلَ أنْ يَتْرُكَ بِنْتًا وبَناتِ ابْنٍ فَيَكُونُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ولِبَناتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، فَإنْ كانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ لَمْ يُعْطِ بَناتِ الِابْنِ أكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ؛ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ في الأخَواتِ مِنَ الأبِ مَعَ الأخَواتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ؛ وذَهَبَ في ذَلِكَ إلى أنَّ إناثَ ولَدِ الِابْنِ لَوْ كُنَّ وحْدَهُنَّ لَمْ يَأْخُذْنَ شَيْئًا بَعْدَ اسْتِيفاءِ البَناتِ الثُّلُثَيْنِ، فَكَذَلِكَ إذا كانَ لَهُنَّ أخٌ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ شَيْءٌ، ألا تَرى أنَّهُ لَوْ كانَ ابْنُ عَمٍّ مَعَ إحْداهُنَّ لَمْ يَأْخُذْنَ شَيْئًا.
ولَيْسَ هَذا عِنْدَ الجَماعَةِ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ بَناتِ الِابْنِ يَأْخُذْنَ تارَةً بِالفَرْضِ وتارَةً بِالتَّعْصِيبِ، وأخُوهُنَّ ومَن هو أسْفَلُ مِنهُنَّ يَعْصِبُهُنَّ، كَبَناتِ الصُّلْبِ يَأْخُذْنَ تارَةً بِالفَرْضِ وتارَةً بِالتَّعْصِيبِ؛ فَلَوِ انْفَرَدَ البَناتُ لَمْ يَأْخُذْنَ أكْثَرَ مِنَ الثُّلُثَيْنِ وإنْ كَثُرْنَ، ولَوْ كانَ مَعَهُنَّ أخٌ لَهُنَّ وهُنَّ عَشْرٌ كانَ لَهُنَّ خَمْسَةُ أسْداسِ المالِ، فَيَأْخُذْنَ في حالِ كَوْنِ الأخِ مَعَهُنَّ أكْثَرَ مِمّا يَأْخُذْنَ في حالِ الِانْفِرادِ؛ فَكَذَلِكَ حُكْمُ بَناتِ الِابْنِ إذا اسْتَوْفى بَناتُ الصُّلْبِ الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُنَّ فَرْضٌ، فَإنْ كانَ مَعَهُنَّ أخٌ صِرْنَ عَصَبَةً مَعَهُ ووَجَبَ قِسْمَةُ الثُّلُثِ الباقِي بَيْنَهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ. وكَذَلِكَ قالُوا في بِنْتَيْنِ وبِنْتِ ابْنٍ وأُخْتٍ، أنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ والباقِي لِلْأُخْتِ ولا شَيْءَ لِبِنْتِ الِابْنِ؛ لِأنَّها لَوْ أخَذَتْ في هَذِهِ الحالِ الَّتِي لَيْسَ مَعَها ذَكَرٌ كانَتْ مُسْتَحِقَّةً بِفَرْضِ البَناتِ، والبَناتُ قَدِ اسْتَوْعَبْنَ الثُّلُثَيْنِ، فَلَمْ يَبْقَ مِن فَرْضِ البَناتِ شَيْءٌ تَأْخُذُهُ، فَكانَتِ الأُخْتُ أوْلى؛ لِأنَّها عَصَبَةٌ مَعَ البَناتِ، (p-١٦)فَما تَأْخُذُهُ الأُخْتُ في هَذِهِ الحالِ فَإنَّما تَأْخُذُهُ بِالتَّعْصِيبِ؛ فَإذا كانَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أخٌ لَها كانَ الباقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ بَيْنَهُما لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ولا شَيْءَ لِلْأُخْتِ.
وقَدْ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عامِرِ بْنِ زُرارَةَ قالَ: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ عَنِ الأعْمَشِ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ الأوْدِيِّ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الأوْدِيِّ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ وسَلْمانَ بْنِ رَبِيعَةَ فَسَألَهُما عَنْ بِنْتٍ وبِنْتِ ابْنٍ وأُخْتٍ لِأبٍ وأُمٍّ، فَقالا: " لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ولِلْأُخْتِ النِّصْفُ ولَمْ يُوَرِّثا بِنْتَ الِابْنِ شَيْئًا وأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَإنَّهُ سَيُتابِعُنا " فَأتاهُ الرَّجُلُ فَسَألَهُ وأخْبَرَهُ بِقَوْلِهِما، فَقالَ: " لَقَدْ ضَلَلْتَ إذًا وما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ، ولَكِنْ أقْضِي فِيها بِقَضاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لِابْنَتِهِ النِّصْفُ ولِابْنِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وما بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ» . فَهَذا السُّدُسُ تَأْخُذُهُ بِنْتُ الِابْنِ بِالفَرْضِ لا بِالتَّعْصِيبِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلّا ما رُوِيَ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ وسَلْمانَ بْنِ رَبِيعَةَ وهو الآنَ اتِّفاقٌ. ثُمَّ لَمْ يُخالِفْهم عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كانَ مَعَها أخٌ أنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وما بَقِيَ فَبَيْنَ بِنْتِ الِابْنِ وابْنِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وأنَّها لا تُعْطى السُّدُسَ في هَذِهِ الحالِ كَما أُعْطِيَتْ إذا لَمْ يَكُنْ مَعَها أخٌ؛ فَفي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ بِنْتَ الِابْنِ تَسْتَحِقُّ تارَةً بِالفَرْضِ وتارَةً بِالتَّعْصِيبِ مَعَ إخْوَتِها كَفَرائِضِ بَناتِ الصُّلْبِ. ومِن قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ في بِنْتٍ وبَناتِ ابْنٍ وابْنِ ابْنٍ أنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وما بَقِيَ فَبَيْنَ بَناتِ الِابْنِ وابْنِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ما لَمْ تَزِدْ أنْصِباءُ بَناتِ الِابْنِ عَلى السُّدُسِ فَلا يُعْطِيهِنَّ أكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ؛ فَلَمْ يَعْتَبِرِ الفَرْضَ عَلى حِدَةٍ في هَذِهِ الحالِ ولا التَّعْصِيبَ عَلى حِدَةٍ، ولَكِنَّهُ اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ في مَنعِ الزِّيادَةِ عَلى السُّدُسِ واعْتَبَرَ المُقاسَمَةُ في النُّقْصانِ، وهو خِلافُ القِياسِ واَللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
* * *
بابُ مَن يُحْرَمُ المِيراثَ مَعَ وُجُودِ النَّسَبِ
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا خِلافَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ وما عُطِفَ عَلَيْهِ مِن قِسْمَةِ المِيراثِ خاصٌّ في بَعْضِ المَذْكُورِينَ دُونَ بَعْضٍ، فَبَعْضُ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وبَعْضُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَما اتُّفِقَ عَلَيْهِ أنَّ الكافِرَ لا يَرِثُ المُسْلِمَ وأنَّ العَبْدَ لا يَرِثُ وأنَّ قاتِلَ العَمْدِ لا يَرِثُ؛ وقَدْ بَيَّنّا مِيراثَ هَؤُلاءِ في سُورَةِ البَقَرَةِ ما أجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنهُ وما اخْتَلَفُوا فِيهِ. واخْتُلِفَ في مِيراثِ المُسْلِمِ مِنَ الكافِرِ ومِيراثِ المُرْتَدِّ، فَأمّا مِيراثُ المُسْلِمِ مِنَ الكافِرِ فَإنَّ الأئِمَّةَ مِنَ الصَّحابَةِ مُتَّفِقُونَ عَلى نَفْيِ التَّوارُثِ بَيْنَهُما، وهو قَوْلُ عامَّةِ التّابِعِينَ وفُقَهاءِ الأمْصارِ.
ورَوى شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أبِي حَكِيمٍ عَنِ ابْنِ باباهُ عَنْ يَحْيى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ أبِي الأسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قالَ: كانَ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ بِاليَمَنِ فارْتَفَعُوا إلَيْهِ في يَهُودِيٍّ ماتَ وتَرَكَ أخاهُ مُسْلِمًا، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «الإسْلامُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ» .
ورَوى ابْنُ شِهابٍ عَنْ داوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ قالَ: قالَ مَسْرُوقٌ: ما أُحْدِثَ في الإسْلامِ قَضِيَّةٌ أعْجَبُ مِن قَضِيَّةٍ قَضاها مُعاوِيَةُ قالَ: كانَ يُوَرِّثُ المُسْلِمَ مِنَ اليَهُودِيِّ والنَّصْرانِيِّ ولا يُوَرِّثُ اليَهُودِيَّ والنَّصْرانِيَّ مِنَ المُسْلِمِ، قالَ: فَقَضى بِها أهْلُ الشّامِ؛ قالَ داوُدُ: فَلَمّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَدَّهم إلى الأمْرِ الأوَّلِ.
ورَوى هُشَيْمٌ عَنْ مُجالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أنَّ مُعاوِيَةَ كَتَبَ بِذَلِكَ إلى زِيادٍ يَعْنِي تَوْرِيثَ المُسْلِمِ مِنَ الكافِرِ فَأرْسَلَ زِيادٌ إلى شُرَيْحٍ فَأمَرَهُ بِذَلِكَ، وكانَ شُرَيْحٌ قَبْلَ ذَلِكَ لا يُوَرِّثُ المُسْلِمَ مِنَ الكافِرِ، فَلَمّا أمَرَهُ زِيادٌ بِما أمَرَهُ قَضى بِقَوْلِهِ، فَكانَ شُرَيْحٌ إذا قَضى بِذَلِكَ قالَ: هَذا قَضاءُ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ.
وقَدْ رَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمانَ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَتَوارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتّى» وفي لَفْظٍ: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ ولا الكافِرُ المُسْلِمَ» .
ورَوى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَتَوارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْنِ» .
فَهَذِهِ الأخْبارُ تَمْنَعُ تَوْرِيثَ المُسْلِمِ مِنَ الكافِرِ (p-٣٧)والكافِرَ مِنَ المُسْلِمِ، ولَمْ يُرْوَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خِلافُهُ، فَهو ثابِتُ الحُكْمِ في إسْقاطِ التَّوارُثِ بَيْنَهُما.
وأمّا حَدِيثُ مُعاذٍ فَإنَّهُ لَمْ يَعْنِ هَذِهِ المَقالَةَ، وإنَّما تَأوَّلَ فِيها قَوْلَهُ: «الإيمانُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ» والتَّأْوِيلُ لا يُقْضى بِهِ عَلى النَّصِّ والتَّوْقِيفِ وإنَّما يُرَدُّ التَّأْوِيلُ إلى المَنصُوصِ عَلَيْهِ ويُحْمَلُ عَلى مُوافَقَتِهِ دُونَ مُخالَفَتِهِ. وقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «الإيمانُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ» يَحْتَمِلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ مَن أسْلَمَ تُرِكَ عَلى إسْلامِهِ ومَن خَرَجَ عَنِ الإسْلامِ رُدَّ إلَيْهِ؛ وإذا احْتَمَلَ ذَلِكَ واحْتَمَلَ ما تَأوَّلَهُ مُعاذٌ وجَبَ حَمْلُهُ عَلى مُوافَقَةِ خَبَرِ أُسامَةَ في مَنعِ التَّوارُثِ، إذْ غَيْرُ جائِزٍ رَدُّ النَّصِّ بِالتَّأْوِيلِ والِاحْتِمالِ. والِاحْتِمالُ أيْضًا لا تَثْبُتُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لِأنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وهو مُفْتَقِرٌ في إثْباتِ حُكْمِهِ إلى دَلالَةٍ مِن غَيْرِهِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجاجُ بِهِ.
وأمّا قَوْلُ مَسْرُوقٍ: " ما أُحْدِثَ في الإسْلامِ قَضِيَّةٌ أعْجَبُ مِن قَضِيَّةٍ قَضى بِها مُعاوِيَةُ في تَوْرِيثِ المُسْلِمِ مِنَ الكافِرِ " فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى بُطْلانِ هَذا المَذْهَبِ لِإخْبارِهِ أنَّها قَضِيَّةٌ مُحْدَثَةٌ في الإسْلامِ، وذَلِكَ يُوجِبُ أنْ يَكُونَ قَبْلَ قَضِيَّةِ مُعاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يُوَرَّثُ المُسْلِمُ مِنَ الكافِرِ؛ وإذا ثَبَتَ أنَّ مِن قَبْلِ قَضِيَّةِ مُعاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يُوَرَّثُ المُسْلِمُ مِنَ الكافِرِ وأنَّ مُعاوِيَةَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خِلافًا عَلَيْهِمْ، بَلْ هو ساقِطُ القَوْلِ مَعَهم. ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ أيْضًا قَوْلُ داوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ: إنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ رَدَّهم إلى الأمْرِ الأوَّلِ؛ واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ مِيراثِ المُرْتَدِّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في مِيراثِ المُرْتَدِّ الَّذِي اكْتَسَبَهُ في حالِ الإسْلامِ قَبْلَ الرِّدَّةِ عَلى أنْحاءٍ ثَلاثَةٍ:
فَقالَ عَلِيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ والحَسَنُ البَصْرِيُّ وسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وإبْراهِيمُ النَّخْعِيُّ وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وحَمّادٌ والحَكَمُ وأبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ وزُفَرُ وابْنُ شُبْرُمَةَ والثَّوْرِيُّ والأوْزاعِيُّ وشَرِيكٌ: " يَرِثُهُ ورَثَتُهُ مِنَ المُسْلِمِينَ إذا ماتَ أوْ قُتِلَ عَلى رِدَّتِهِ " . وقالَ رَبِيعَةُ وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وابْنُ أبِي لَيْلى ومالِكٌ والشّافِعِيُّ: " مِيراثُهُ لِبَيْتِ المالِ " . وقالَ قَتادَةُ وسَعِيدُ بْنُ أبِي عَرُوبَةَ: " إنْ كانَ لَهُ ورَثَةٌ عَلى دِينِهِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ فَمِيراثُهُ لَهم دُونَ ورَثَتِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ " ورَواهُ قَتادَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ؛ والصَّحِيحُ عَنْ عُمَرَ أنَّ مِيراثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيما اكْتَسَبَهُ في حالِ الرِّدَّةِ إذا قُتِلَ أوْ ماتَ مُرْتَدًّا، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ والثَّوْرِيُّ: " ما اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَهو فَيْءٌ " . وقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ والأوْزاعِيُّ في إحْدى الرِّوايَتَيْنِ: " ما اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ أيْضًا فَهو لَوَرَثَتِهِ (p-٣٨)المُسْلِمِينَ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: ظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ يَقْتَضِي تَوْرِيثَ المُسْلِمِ مِنَ المُرْتَدِّ؛ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ المَيِّتِ المُسْلِمِ وبَيْنَ المُرْتَدِّ.
فَإنْ قِيلَ: يَخُصُّهُ حَدِيثُ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ» كَما خَصَّ تَوْرِيثَ الكافِرِ مِنَ المُسْلِمِ، وهو وإنْ كانَ مِن أخْبارِ الآحادِ فَقَدْ تَلَقّاهُ النّاسُ بِالقَبُولِ واسْتَعْمَلُوهُ في مَنعِ تَوْرِيثِ الكافِرِ مِنَ المُسْلِمِ، فَصارَ في حَيِّزِ المُتَواتِرِ؛ ولِأنَّ آيَةَ المَوارِيثِ خاصَّةً بِالِاتِّفاقِ، وأخْبارُ الآحادِ مَقْبُولَةٌ في تَخْصِيصِ مِثْلِها قِيلَ لَهُ: في بَعْضِ ألْفاظِ حَدِيثِ أُسامَةَ: «لا يَتَوارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ» فَأخْبَرَ أنَّ المُرادَ إسْقاطُ التَّوارُثِ بَيْنَ أهْلِ مِلَّتَيْنِ، ولَيْسَتِ الرِّدَّةُ بِمِلَّةٍ قائِمَةٍ؛ لِأنَّهُ وإنِ ارْتَدَّ إلى النَّصْرانِيَّةِ أوِ اليَهُودِيَّةِ فَغَيْرُ مُقِرٍّ عَلَيْها، فَلَيْسَ هو مَحْكُومًا لَهُ بِحُكْمِ أهْلِ المِلَّةِ الَّتِي انْتَقَلَ إلَيْها، ألا تَرى أنَّهُ وإنِ انْتَقَلَ إلى مِلَّةِ الكِتابِيِّ أنَّهُ لا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وإنْ كانَتِ امْرَأةً لَمْ يَجُزْ نِكاحُها ؟ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ الرِّدَّةَ لَيْسَتْ بِمِلَّةٍ، وحَدِيثُ أُسامَةَ مَقْصُورٌ في مَنعِ التَّوارُثِ بَيْنَ أهْلِ مِلَّتَيْنِ؛ وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ في حَدِيثٍ مُفَسَّرٍ، وهو ما رَواهُ هُشَيْمٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمانَ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَتَوارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتّى، لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ ولا الكافِرُ المُسْلِمَ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ مُرادَ النَّبِيِّ ﷺ في ذَلِكَ هو مَنعُ التَّوارُثِ بَيْنَ أهْلِ مِلَّتَيْنِ وأيْضًا فَإنَّ أبا حَنِيفَةَ مِن أصْلِهِ أنَّ مِلْكَ المُرْتَدِّ يَزُولُ بِالرِّدَّةِ، فَإذا قُتِلَ أوْ ماتَ انْتَقَلَ إلى الوارِثِ؛ ومِن أجْلِ ذَلِكَ لا يُجِيزُ تَصَرُّفَ المُرْتَدِّ في مالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ في حالِ الإسْلامِ، وإذا كانَ هَذا أصْلَهُ فَهو لَمْ يُوَرِّثُ مُسْلِمًا مِن كافِرٍ؛ لِأنَّ مِلْكَهُ زالَ عَنْهُ في آخِرِ الإسْلامِ، وإنَّما ورَّثَ مُسْلِمًا مِمَّنْ كانَ مُسْلِمًا.
فَإنْ قِيلَ: فَإذًا يَكُونُ قَدْ ورَّثْتَهُ مِنهُ وهو حَيٌّ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ يَمْتَنِعُ تَوْرِيثُ الحَيِّ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وأوْرَثَكم أرْضَهم ودِيارَهم وأمْوالَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] وكانُوا أحْياءً؛ وعَلى أنّا إنَّما نَقَلْنا المالَ إلى الوَرَثَةِ بَعْدَ المَوْتِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَوْرِيثُ الحَيِّ. ويُقالُ لِلسّائِلِ عَنْ ذَلِكَ: وأنْتَ إذا جَعَلْتَ مالَهُ لِبَيْتِ المالِ فَقَدْ ورَّثْتَ مِنهُ جَماعَةَ المُسْلِمِينَ وهو كافِرٌ ووَرَّثْتَهم مِنهُ وهو حَيٌّ إذا لَحِقَ بِدارِ الحَرْبِ مُرْتَدًّا. وأيْضًا فَإنَّ المُسْلِمِينَ إذا كانُوا إنَّما يَسْتَحِقُّونَ مالَهُ بِالإسْلامِ فَقَدِ اجْتَمَعَ لِلْوَرَثَةِ القَرابَةُ والإسْلامُ، وجَبَ أنْ يَكُونُوا أوْلى بِمالِهِ لِاجْتِماعِ السَّبَبَيْنِ لَهم وانْفِرادِ المُسْلِمِينَ بِأحَدِهِما دُونَ الآخَرِ، والسَّبَبانِ اللَّذانِ اجْتَمَعا لِلْوَرَثَةِ هو الإسْلامُ وقُرْبُ النَّسَبِ، وأشْبَهَ سائِرَ المَوْتى مِنَ المُسْلِمِينَ لَمّا كانَ مالُهُ مُسْتَحَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ كانَ مَنِ اجْتَمَعَ لَهُ قُرْبُ النَّسَبِ مَعَ الإسْلامِ أوْلى مِمَّنْ بَعُدَ نَسَبُهُ مِنهُ وإنْ (p-٣٩)كانَ لَهُ إسْلامٌ.
فَإنْ قالَ قائِلٌ: هَذِهِ العِلَّةُ تُوجِبُ تَوْرِيثَهُ مِن مالِ الذِّمِّيِّ قِيلَ لَهُ: لا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأنَّ مالَ الذِّمِّيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالإسْلامِ، لِاتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى أنَّ ورَثَتَهُ مِن أهْلِ الذِّمَّةِ أوْلى بِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ، واتِّفاقُ جَمِيعِ فُقَهاءِ الأمْصارِ عَلى أنَّ مالَ المُرْتَدِّ مُسْتَحَقٌّ بِالإسْلامِ، فَمِن قائِلٍ يَقُولُ: يَسْتَحِقُّهُ جَماعَةُ المُسْلِمِينَ، وآخَرِينَ يَقُولُونَ: يَسْتَحِقُّهُ ورَثَتُهُ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ فَلَمّا كانَ مالُهُ مُسْتَحَقًّا بِالإسْلامِ أشْبَهَ مالَ المُسْلِمِ المَيِّتِ لَمّا كانَ مُسْتَحَقًّا بِالإسْلامِ كانَ مَنِ اجْتَمَعَ لَهُ الإسْلامُ وقُرْبُ النَّسَبِ أوْلى مِن جَماعَةِ المُسْلِمِينَ.
فَإنْ قِيلَ: فَلَوْ ماتَ ذِمِّيٌّ وتَرَكَ مالًا ولا وارِثَ لَهُ مِن أهْلِ دِينِهِ ولَهُ قَرابَةٌ مُسْلِمُونَ كانَ مالُهُ لِجَماعَةِ المُسْلِمِينَ ولَمْ يَكُنْ أقارِبُهُ مِنَ المُسْلِمِينَ أوْلى بِهِ لِاجْتِماعِ السَّبَبَيْنِ لَهم مِنَ الإسْلامِ والنَّسَبِ.
قِيلَ لَهُ: إنَّ مالَ الذِّمِّيِّ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالإسْلامِ؛ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّهُ لَوْ كانَتْ لَهُ ورَثَةٌ مِن أهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ المُسْلِمُونَ مالَهُ، وما اسْتَحَقَّ مِن مالِ الذِّمِّيِّ بِالإسْلامِ لا يَكُونُ ورَثَتُهُ مِن أهْلِ الذِّمَّةِ أوْلى بِهِ مِنهم بَلْ يَكُونُونَ هم أوْلى كَمَوارِيثِ المُسْلِمِينَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ مالَ الذِّمِّيِّ وإنْ جُعِلَ لِبَيْتِ المالِ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ وارِثٌ فَلَيْسَ هو مُسْتَحَقًّا بِالإسْلامِ وإنَّما هو مالٌ لا مالِكَ لَهُ وجَدَهُ الإمامُ في دارِ الإسْلامِ؛ كاللُّقَطَةِ الَّتِي لا يُعْرَفُ مُسْتَحِقُّها فَتُصْرَفُ في وُجُوهِ القُرَبِ إلى اللَّهِ تَعالى.
فَإنْ قِيلَ: فَقَدْ قالَ أبُو حَنِيفَةَ فِيما اكْتَسَبَهُ المُرْتَدُّ في حالِ رِدَّتِهِ: " إنَّهُ فَيْءٌ لِبَيْتِ المالِ " وهَذا يَنْقُضُ الِاعْتِلالَ ويَدُلُّ عَلى أصْلِ المَسْألَةِ لِلْمُخالِفِ. قِيلَ لَهُ: لا يَلْزَمُ ذَلِكَ ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى قَوْلِ المُخالِفِ وذَلِكَ لِأنَّ ما اكْتَسَبَهُ في حالِ الرِّدَّةِ هو بِمَنزِلَةِ مالِ الحَرْبِيِّ ولا يَمْلِكُهُ مِلْكًا صَحِيحًا، ومَتى جَعَلْناهُ في بَيْتِ المالِ بَعْدَ مَوْتِهِ أوْ قَبْلَهُ فَإنَّما يَصِيرُ ذَلِكَ المالُ مَغْنُومًا كَسائِرِ أمْوالِ الحَرْبِ إذا ظَفِرْنا بِها، وما يُؤْخَذُ عَلى وجْهِ الغَنِيمَةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ لِبَيْتِ المالِ لِأجْلِ الإسْلامِ؛ لِأنَّ الغَنائِمَ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ لِغانِمِيها بِالإسْلامِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ الذِّمِّيَّ مَتى شَهِدَ القِتالَ اسْتَحَقَّ أنْ يُرْضَخَ لَهُ مِنَ الغَنِيمَةِ.
فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ مالَ الحَرْبِيِّ ومالَ المُرْتَدِّ الَّذِي اكْتَسَبَهُ في الرِّدَّةِ مَغْنُومٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالإسْلامِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ قُرْبُ النَّسَبِ والإسْلامُ كَما اعْتَبَرْنا في مالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ في حالِ الإسْلامِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ المالَ كانَ مُلْكُهُ فِيهِ صَحِيحًا إلى أنِ ارْتَدَّ ثُمَّ زالَ مُلْكُهُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ، فَمَن يَسْتَحِقُّهُ مِنَ النّاسِ فَإنَّما يَسْتَحِقُّهُ بِالمِيراثِ والمَوارِيثُ يُعْتَبَرُ فِيها الإسْلامُ وقُرْبُ النَّسَبِ إذا كانَ مِلْكًا لِمُسْلِمٍ إلى أنْ زالَ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ المُوجِبَةِ لِزَوالِ مِلْكِهِ كَما يَزُولُ بِالمَوْتِ، فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ حُكْمُ مالِهِ المُكْتَسَبِ في حالِ الرِّدَّةِ. ولا يَجُوزُ (p-٤٠)أيْضًا أنْ يَكُونَ أصْلًا لِلْمالِ المُكْتَسَبِ في حالِ الإسْلامِ؛ لِأنَّ مِلْكَهُ فِيهِ كانَ صَحِيحًا إلى أنْ زالَ عَنْهُ المَوْتُ، والمالُ المُكْتَسَبُ في حالِ الرِّدَّةِ بِمَنزِلَةِ مالِ الحَرْبِيِّ مِلْكُهُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأنَّهُ اكْتَسَبَهُ وهو مُباحُ الدَّمِ، فَمَتى حَصَلَ في يَدِ المُسْلِمِينَ صارَ مَغْنُومًا، بِمَنزِلَةِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ إلَيْنا بِغَيْرِ أمانٍ فَأخَذْناهُ مَعَ مالِهِ أنَّ مالَهُ يَكُونُ غَنِيمَةً، فَكَذَلِكَ مالُ المُرْتَدِّ الَّذِي اكْتَسَبَهُ في حالِ الرِّدَّةِ.
فَإنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِحَدِيثِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: مَرَّ بِي خالِي أبُو بُرْدَةَ ومَعَهُ الرّايَةُ فَقُلْتُ: إلى أيْنَ تَذْهَبُ ؟ فَقالَ: «أرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأةَ أبِيهِ أنْ أقْتُلَهُ وآخُذَ مالَهُ» وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مالَ المُرْتَدِّ فَيْءٌ. قِيلَ لَهُ: إنَّما فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ كانَ مُحارِبًا مَعَ اسْتِحْلالِهِ لِذَلِكَ حَرْبِيًّا فَكانَ مالُهُ مَغْنُومًا؛ لِأنَّ الرّايَةَ إنَّما تُعْقَدُ لِلْمُحارَبَةِ؛ وقَدْ رَوى مُعاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أبِيهِ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ جَدَّ مُعاوِيَةَ إلى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأةِ أبِيهِ أنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ ويُخَمِّسَ مالَهُ»، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مالَ ذَلِكَ الرَّجُلِ كانَ مَغْنُومًا بِالمُحارَبَةِ ولِذَلِكَ أُخِذَ مِنهُ الخُمُسُ.
فَإنْ قِيلَ: ما أنْكَرْتَ أنْ يَكُونَ مالُ المُرْتَدِّ مَغْنُومًا ؟ قِيلَ لَهُ: أمّا ما اكْتَسَبَهُ في حالِ الرِّدَّةِ فَهو كَذَلِكَ، وأمّا ما اكْتَسَبَهُ في حالِ الإسْلامِ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ مَغْنُومًا، مِن قِبَلِ أنَّ ما كانَ يُغْنَمُ مِنَ الأمْوالِ سَبِيلُهُ أنْ يَكُونَ مِلْكُ مالِكِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ فِيهِ قَبْلَ الغَنِيمَةِ، كَمالِ الحَرْبِيِّ ومالِ المُرْتَدِّ قَبْلَ الرِّدَّةِ قَدْ كانَ مِلْكُهُ فِيهِ صَحِيحًا، فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَغْنَمَ كَما لا يَغْنَمُ أمْوالَ سائِرِ المُسْلِمِينَ إذا كانَتْ أمْلاكُهم فِيهِ صَحِيحَةً، وزَوالُهُ عَنِ المُرْتَدِّ بِالرِّدَّةِ كَزَوالِهِ بِالمَوْتِ فَمَتى انْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْهُ بِالقَتْلِ أوْ بِالمَوْتِ أوِ اللَّحاقِ بِدارِ الحَرْبِ اسْتَحَقَّهُ ورَثَتُهُ دُونَ سائِرِ المُسْلِمِينَ؛ لِأنَّ سائِرَ المُسْلِمِينَ إنِ اسْتَحَقُّوهُ بِالإسْلامِ لا عَلى أنَّهُ غَنِيمَةٌ كانَتْ ورَثَتُهُ أوْلى بِهِ لِاجْتِماعِ الإسْلامِ والقَرابَةِ لَهم، وإنِ اسْتَحَقُّوهُ بِأنَّهُ غَنِيمَةٌ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِما بَيَّنّا مِن أنَّ شَرْطَ الغَنِيمَةِ أنْ يَكُونَ مالُ المَغْنُومِ غَيْرَ صَحِيحِ المِلْكِ في الأصْلِ.
واخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَن أسْلَمَ قَبْلَ قِسْمَةِ المِيراثِ، فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ في مُسْلِمٍ ماتَ فَلَمْ يُقَسَّمْ مِيراثُهُ حَتّى أسْلَمَ ابْنٌ لَهُ كافِرٌ أوْ كانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ: " إنَّهُ لا شَيْءَ لَهُ "، وهو قَوْلُ عَطاءٍ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ والزُّهْرِيِّ وأبِي الزِّنادِ وأبِي حَنِيفَةَ وأبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ وزُفَرَ ومالِكٍ والأوْزاعِيِّ والشّافِعِيِّ. ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وعُثْمانَ بْنِ عَفّانَ أنَّهُما قالا: " مَن أسْلَمَ عَلى مِيراثٍ قَبْلَ أنْ يُقَسَّمَ شارَكَ في المِيراثِ "، وهو مَذْهَبُ الحَسَنِ وأبِي الشَّعْثاءِ؛ وشَبَّهُوا ذَلِكَ بِالمَوارِيثِ الَّتِي كانَتْ في الجاهِلِيَّةِ، ما طَرَأ عَلَيْهِ الإسْلامُ مِنها قَبْلَ القِسْمَةِ قُسِّمَ عَلى حُكْمِ الإسْلامِ ولَمْ يُعْتَبَرْ وقْتُ المَوْتِ؛ ولَيْسَ هَذا عِنْدَ الأوَّلِينَ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ حُكْمَ (p-٤١)المَوارِيثِ قَدِ اسْتَقَرَّ في الشَّرْعِ عَلى وُجُوهٍ مَعْلُومَةٍ، وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولَكم نِصْفُ ما تَرَكَ أزْواجُكُمْ﴾ [النساء: ١٢] وقالَ: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] فَأوْجَبَ لَها المِيراثَ بِالمَوْتِ، وحَكَمَ لَها بِالنِّصْفِ ولِلزَّوْجِ بِالنِّصْفِ بِحُدُوثِ المَوْتِ مِن غَيْرِ شَرْطِ القِسْمَةِ، والقِسْمَةُ إنَّما تَجِبُ فِيما قَدْ مُلِكَ، فَلا حَظَّ لِلْقِسْمَةِ في اسْتِحْقاقِ المِيراثِ؛ لِأنَّ القِسْمَةَ تَبَعٌ لِلْمِلْكِ؛ ولَمّا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ لا يَزُولَ مِلْكُ الأُخْتِ عَنْهُ بِإسْلامِ الِابْنِ كَما لا يَزُولُ مِلْكُها عَنْهُ بَعْدَ القِسْمَةِ. وأمّا مَوارِيثُ الجاهِلِيَّةِ فَإنَّها لَمْ تَقَعْ عَلى حُكْمِ الشَّرْعِ، فَلَمّا طَرَأ الإسْلامُ حُمِلَتْ عَلى أحْكامِ الشَّرْعِ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ ما وقَعَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ مُسْتَقِرًّا ثابِتًا، فَعُفِيَ لَهم عَمّا قَدِ اقْتَسَمُوهُ وحُمِلَ ما لَمْ يُقَسَّمْ مِنها عَلى حُكْمِ الشَّرْعِ كَما عُفِيَ لَهم عَنِ الرِّبا المَقْبُوضِ، وحُمِلَ بَعْدَ وُرُودِ تَحْرِيمِ الرِّبا ما لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا عَلى حُكْمِ الشَّرْعِ، فَأبْطَلَ وأوْجَبَ عَلَيْهِمْ رَدَّ رَأْسِ المالِ، ومَوارِيثُ الإسْلامِ قَدْ ثَبَتَتْ واسْتَقَرَّ حُكْمُها ولا يَجُوزُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْها فَلا اعْتِبارَ فِيها بِالقِسْمَةِ ولا عَدَمِها، كَما أنَّ عُقُودَ الرِّبا لَوْ أُوقِعَتْ في الإسْلامِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبا واسْتِقْرارِ حُكْمِهِ لا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ المَقْبُوضِ مِنها وغَيْرُ المَقْبُوضِ في بُطْلانِ الجَمْعِ.
وأيْضًا لا خِلافَ نَعْلَمُهُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ أنَّ مَن ورِثَ مِيراثًا فَماتَ قَبْلَ القِسْمَةِ أنَّ نَصِيبَهُ مِنَ المِيراثِ لَوَرَثَتِهِ، وكَذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ مِيراثُهُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وأنَّهُ لا يَكُونُ بِمَنزِلَةِ مَن كانَ مُرْتَدًّا وقْتَ المَوْتِ، فَكَذَلِكَ مَن أسْلَمَ أوْ أعْتَقَ بَعْدَ المَوْتِ قَبْلَ القِسْمَةِ فَلا حَظَّ لَهُ في المِيراثِ، واَللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"یُوصِیكُمُ ٱللَّهُ فِیۤ أَوۡلَـٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَاۤءࣰ فَوۡقَ ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَ ٰحِدَةࣰ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَیۡهِ لِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدࣱۚ فَإِن لَّمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلَدࣱ وَوَرِثَهُۥۤ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥۤ إِخۡوَةࣱ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِی بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍۗ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَیُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعࣰاۚ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق