الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾، لَمْ يُبَيِّنْ هُنا حِكْمَةَ تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلى الأُنْثى في المِيراثِ مَعَ أنَّهُما سَواءٌ في القَرابَةِ، ولَكِنَّهُ أشارَ إلى ذَلِكَ في مَوْضِعٍ آخَرَ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ﴾ [ ٤ ]؛ لِأنَّ القائِمَ عَلى غَيْرِهِ المُنْفِقَ مالَهُ عَلَيْهِ مُتَرَقِّبٌ لِلنَّقْصِ دائِمًا، والمُقَوَّمَ عَلَيْهِ المُنْفَقَ عَلَيْهِ المالُ مُتَرَقِّبٌ لِلزِّيادَةِ دائِمًا، والحِكْمَةُ في إيثارِ مُتَرَقِّبِ النَّقْصِ عَلى مُتَرَقِّبِ الزِّيادَةِ جَبْرٌ لِنَقْصَةِ المُتَرَقِّبَةِ ظاهِرَةٌ جِدًّا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾ الآيَةَ، صَرَّحَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بِأنَّ البَناتِ إنْ كُنَّ ثَلاثًا فَصاعِدًا، فَلَهُنَّ الثُّلْثانِ وقَوْلُهُ: ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ يُوهِمُ أنَّ الِاثْنَتَيْنِ لَيْسَتا كَذَلِكَ، وصَرَّحَ بِأنَّ الواحِدَةَ لَها النِّصْفُ، ويُفْهَمُ مِنهُ أنَّ الِاثْنَتَيْنِ لَيْسَتا كَذَلِكَ أيْضًا، وعَلَيْهِ فَفي دَلالَةِ الآيَةِ عَلى قَدْرِ مِيراثِ البِنْتَيْنِ إجْمالٌ. وَقَدْ أشارَ تَعالى في مَوْضِعَيْنِ إلى أنَّ هَذا الظَّرْفَ لا مَفْهُومَ مُخالَفَةٍ لَهُ، وأنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ أيْضًا: الأوَّلُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾، إذِ الذَّكَرُ يَرِثُ مَعَ الواحِدَةِ الثُّلُثَيْنِ بِلا نِزاعٍ، فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثانِ في صُورَةٍ، وإلّا لَمْ يَكُنْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ؛ لِأنَّ الثُّلُثَيْنِ لَيْسا بِحَظٍّ لَهُما أصْلًا، لَكِنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَيْسَتْ صُورَةَ الِاجْتِماعِ، إذْ ما مِن صُورَةٍ يَجْتَمِعُ فِيها الِابْنَتانِ مَعَ الذَّكَرِ ويَكُونُ لَهُما الثُّلُثانِ، فَتَعَيَّنُ أنْ تَكُونَ صُورَةَ انْفِرادِهِما عَنِ الذَّكَرِ. واعْتِراضُ بَعْضِهِمْ هَذا الِاسْتِدْلالَ بِلُزُومِ الدَّوْرِ قائِلًا: إنَّ مَعْرِفَةَ أنَّ لِلذَّكَرِ الثُّلُثَيْنِ في الصُّورَةِ المَذْكُورَةِ تَتَوَقَّفُ عَلى مَعْرِفَةِ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ؛ لِأنَّهُ ما عُلِمَ مِنَ (p-٢٢٥)الآيَةِ إلّا أنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَتَيْنِ، فَلَوْ كانَتْ مَعْرِفَةُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ مُسْتَخْرَجَةً مِن حَظِّ الذَّكَرِ لَزِمَ الدَّوْرَ ساقِطٌ؛ لِأنَّ المُسْتَخْرَجَ هو الحَظُّ المُعَيَّنُ لِلْأُنْثَيَيْنِ وهو الثُّلُثانِ، والَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ حَظِّ الذَّكَرِ هو مَعْرِفَةُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ مُطْلَقًا، فَلا دَوْرَ لِانْفِكاكِ الجِهَةِ، واعْتَرَضَهُ بَعْضُهم أيْضًا بِأنَّ لِلِابْنِ مَعَ البِنْتَيْنِ النِّصْفَ، فَيَدُلُّ عَلى أنَّ فَرْضَهُما النِّصْفُ، ويُؤَيِّدُ الأوَّلَ أنَّ البِنْتَيْنِ لَمّا اسْتَحَقَّتا مَعَ الذَّكَرِ النِّصْفَ عُلِمَ أنَّهُما إنِ انْفَرَدَتا عَنْهُ، اسْتَحَقَّتا أكْثَرَ مِن ذَلِكَ؛ لِأنَّ الواحِدَةَ إذا انْفَرَدَتْ أخَذَتِ النِّصْفَ بَعْدَما كانَتْ مَعَهُ تَأْخُذُ الثُّلُثَ، ويَزِيدُهُ إيضاحًا أنَّ البِنْتَ تَأْخُذُ مَعَ الِابْنِ الذَّكَرِ الثُّلُثَ بِلا نِزاعٍ، فَلِأنْ تَأْخُذَهُ مَعَ الِابْنَةِ الأُنْثى أوْلى. فَبِهَذا يَظْهَرُ أنَّهُ جَلَّ وعَلا أشارَ إلى مِيراثِ البِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾، كَما بَيَّنّا، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الجَماعَةِ مِنَ البَناتِ، وحُكْمَ الواحِدَةِ مِنهُنَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾، ومِمّا يَزِيدُهُ إيضاحًا، أنَّهُ تَعالى فَرَّعَهُ عَلَيْهِ بِالفاءِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ كُنَّ﴾، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيما قَبْلَهُ ما يَدُلُّ عَلى سَهْمِ الإناثِ لَمْ تَقَعِ الفاءُ مَوْقِعَها كَما هو ظاهِرٌ. المَوْضِعُ الثّانِي: هو قَوْلُهُ تَعالى في الأُخْتَيْنِ: ﴿فَإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦]؛ لِأنَّ البِنْتَ أمَسُّ رَحِمًا، وأقْوى سَبَبًا في المِيراثِ مِنَ الأُخْتِ بِلا نِزاعٍ. فَإذا صَرَّحَ تَعالى: بِأنَّ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، عُلِمَ أنَّ البِنْتَيْنِ كَذَلِكَ مِن بابٍ أوْلى، وأكْثَرُ العُلَماءِ عَلى أنَّ فَحْوى الخِطابِ، أعْنِي: مَفْهُومَ المُوافَقَةِ الَّذِي المَسْكُوتُ فِيهِ أوْلى بِالحُكْمِ مِنَ المَنطُوقِ، مِن قَبِيلِ دَلالَةِ اللَّفْظِ لا مِن قَبِيلِ القِياسِ، خِلافًا لِلشّافِعِيِّ وقَوْمٍ، كَما عُلِمَ في الأُصُولِ فاللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ أفْهَمَ بِذَلِكَ أنَّ البِنْتَيْنِ كَذَلِكَ مِن بابِ أوْلى. وَكَذَلِكَ لَمّا صَرَّحَ أنَّ لِما زادَ عَلى الِاثْنَتَيْنِ مِنَ البَناتِ الثُّلُثَيْنِ فَقَطْ، ولَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ ما زادَ عَلى الِاثْنَتَيْنِ مِنَ الأخَواتِ، أفْهَمَ أيْضًا مِن بابٍ أوْلى أنَّهُ لَيْسَ لِما زادَ مِنَ الأخَواتِ غَيْرُ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأنَّهُ لَمّا لَمْ يُعْطِ لِلْبَناتِ عُلِمَ أنَّهُ لا تَسْتَحِقُّهُ الأخَواتُ، فالمَسْكُوتُ عَنْهُ في الأمْرَيْنِ أوْلى بِالحُكْمِ مِنَ المَنطُوقِ بِهِ، وهو دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ قَصَدَ أخْذَهُ مِنهُ، ويَزِيدُ ما ذَكَرْنا إيضاحًا ما أخْرَجَهُ الإمامُ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجَهْ عَنْ جابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ (p-٢٢٦)عَنْهُ - قالَ: «جاءَتِ امْرَأةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هاتانِ ابْنَتا سَعْدٍ قُتِلَ أبُوهُما يَوْمَ أُحُدٍ، وإنَّ عَمَّهُما أخَذَ مالَهُما، ولَمْ يَدَعْ لَهُما مالًا، ولا يُنْكَحانِ إلّا ولَهُما مالٌ فَقالَ ﷺ: ”يَقْضِي اللَّهُ تَعالى في ذَلِكَ“ فَنَزَلَتْ آيَةُ المِيراثِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى عَمِّهِما، فَقالَ: ”أعْطِ ابْنَتِي سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وأعْطِ أُمَّهُما الثُّمُنَ، وما بَقِيَ فَهو لَكَ»“ . وَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - مِن أنَّهُ قالَ: لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ﴾، فَصَرَّحَ بِأنَّ الثُّلُثَيْنِ إنَّما هُما لِما فَوْقَ الِاثْنَتَيْنِ فِيهِ أُمُورٌ: الأوَّلُ: أنَّهُ مَرْدُودٌ بِمِثْلِهِ؛ لِأنَّ اللَّهَ قالَ أيْضًا: ﴿وَإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾، فَصَرَّحَ بِأنَّ النِّصْفَ لِلْواحِدَةِ جاعِلًا كَوْنَها واحِدَةً شَرْطًا مُعَلَّقًا عَلَيْهِ فَرْضُ النِّصْفِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ أنَّ المَفاهِيمَ إذا تَعارَضَتْ قُدِّمَ الأقْوى مِنها، ومَعْلُومٌ أنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أقْوى مِن مَفْهُومِ الظَّرْفِ؛ لِأنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ مِنَ المَفاهِيمِ، إلّا ما قالَ فِيهِ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّهُ مَنطُوقٌ لا مَفْهُومٌ وهو النَّفْيُ والإثْباتُ، وإنَّما مِن صِيَغِ الحَصْرِ والغايَةِ، وغَيْرُ هَذا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ، قالَ في ”مَراقِي السُّعُودِ“ مُبَيِّنًا مَراتِبَ مَفْهُومِ المُخالَفَةِ: [ الرَّجَزِ ] ؎أعْلاهُ لا يُرْشَدُ إلّا العِلْما فَما لِمَنطُوقٍ بِضَعْفٍ انْتَمى ؎فالشَّرْطُ فالوَصْفُ الَّذِي يُناسِبُ ∗∗∗ فَمُطْلَقُ الوَصْفِ الَّذِي يُقارِبُ ؎فَعَدَدٌ ثَمَّتَ تَقْدِيمٌ يَلِي ∗∗∗ وهو حُجَّةٌ عَلى النَّهْجِ الجَلِيِّ وَقالَ صاحِبُ ”جَمْعِ الجَوامِعِ“ ما نَصُّهُ: مَسْألَةُ الغايَةِ قِيلَ: مَنطُوقٌ والحَقُّ مَفْهُومٌ يَتْلُوهُ الشَّرْطُ، فالصِّفَةُ المُناسِبَةُ، فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ غَيْرُ العَدَدِ، فالعَدَدُ، فَتَقْدِيمُ المَعْمُولِ إلَخْ. وَبِهَذا تَعْلَمُ أنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ في قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾ أقْوى مِن مَفْهُومِ الظَّرْفِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ . الثّانِي: دَلالَةُ الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ عَلى أنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ. الثّالِثُ: تَصْرِيحُ النَّبِيِّ ﷺ بِذَلِكَ في حَدِيثِ جابِرٍ المَذْكُورِ آنِفًا. (p-٢٢٧)الرّابِعُ: أنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ. قالَ الألُوسِيُّ في ”تَفْسِيرِهِ“ ما نَصُّهُ: وفي ”شَرْحِ اليَنْبُوعِ“ نَقْلًا عَنِ الشَّرِيفِ شَمْسِ الدِّينِ الأرْمُونِيِّ أنَّهُ قالَ في ”شَرْحِ فَرائِضِ الوَسِيطِ“: صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - عَنْ ذَلِكَ فَصارَ إجْماعًا. ا هـ مِنهُ بِلَفْظِهِ. * * * * تَنْبِيهانِ الأوَّلُ: ما ذَكَرَهُ بَعْضُ العُلَماءِ وجَزَمَ بِهِ الألُوسِيُّ في ”تَفْسِيرِهِ“ مِن أنَّ المَفْهُومَ في قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾ مَفْهُومُ عَدَدٍ غَلَطٌ. والتَّحْقِيقُ هو ما ذَكَرْنا مِن أنَّهُ مَفْهُومُ شَرْطٍ، وهو أقْوى مِن مَفْهُومِ العَدَدِ بِدَرَجاتٍ كَما رَأيْتَ فِيما تَقَدَّمَ. قالَ في ”نَشْرِ البُنُودِ عَلى مَراقِي السُّعُودِ“ في شَرْحِ قَوْلِهِ: ؎وَهُوَ ظَرْفُ عِلَّةٍ وعَدَدُ ومِنهُ شَرْطُ غايَةٍ تُعْتَمَدُ ما نَصَّهُ: والمُرادُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ ما فُهِمَ مِن تَعْلِيقِ حُكْمٍ عَلى شَيْءٍ بِأداةِ شَرْطٍ كَإنْ وإذا، وقالَ في شَرْحِ هَذا البَيْتِ أيْضًا قَبْلَ هَذا ما نَصُّهُ: ومِنها الشَّرْطُ نَحْوَ: ﴿وَإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، مَفْهُومُ انْتِفاءِ المَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفاءِ الشَّرْطِ، أيْ: فَغَيْرُ أُولاتِ حَمْلٍ لا يَجِبُ الإنْفاقُ عَلَيْهِنَّ ونَحْوَ: مَن تَطَهَّرْ صَحَّتْ صِلاتُهُ. اهـ مِنهُ بِلَفْظِهِ. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾، عُلِّقَ فِيهِ فَرْضُ النِّصْفِ عَلى شَرْطٍ هو كَوْنُ البِنْتِ واحِدَةً، ومَفْهُومُهُ أنَّهُ إنِ انْتَفى الشَّرْطُ الَّذِي هو كَوْنُها واحِدَةً انْتَفى المَشْرُوطُ الَّذِي هو فَرْضُ النِّصْفِ كَما هو ظاهِرٌ، فَإنْ قِيلَ: كَذَلِكَ المَفْهُومُ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾؛ لِتَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فالجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ كَوْنَهُنَّ نِساءً، وقَوْلُهُ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وصْفٌ زائِدٌ، وكَوْنُها واحِدَةً هو نَفْسُ الشَّرْطِ لا وصْفٌ زائِدٌ، وقَدْ عَرَفْتَ تَقْدِيمَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ عَلى مَفْهُومِ الصِّفَةِ ظَرْفًا كانَتْ أوْ غَيْرَهُ. الثّانِي: أنّا لَوْ سَلَّمْنا جَدَلِيًّا أنَّهُ مَفْهُومُ شَرْطٍ لَتَساقَطَ المَفْهُومانِ لِاسْتِوائِهِما ويُطْلَبُ الدَّلِيلُ مِن خارِجٍ، وقَدْ ذَكَرْنا الأدِلَّةَ عَلى كَوْنِ البِنْتَيْنِ تَرِثانِ الثُّلُثَيْنِ كَما تَقَدَّمَ. الثّانِي: إنْ قِيلَ: فَما الفائِدَةُ في لَفْظَةِ ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ إذا كانَتِ الِاثْنَتانِ كَذَلِكَ ؟ (p-٢٢٨)فالجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: هو ما ذَكَرْنا مِن أنَّ حُكْمَ الِاثْنَتَيْنِ أُخِذَ مِن قَوْلِهِ قَبْلَهُ: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾، كَما تَقَدَّمَ وإذَنْ قَوْلُهُ: ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ تَنْصِيصٌ عَلى حُكْمِ الثَّلاثِ فَصاعِدًا كَما تَقَدَّمَ. الثّانِي: أنَّ لَفْظَةَ فَوْقَ ذُكِرَتْ؛ لِإفادَةِ أنَّ البَناتِ لا يَزِدْنَ عَلى الثُّلُثَيْنِ ولَوْ بَلَغَ عَدَدُهُنَّ ما بَلَغَ. وَأمّا ادِّعاءُ أنَّ لَفْظَةَ فَوْقَ زائِدَةٌ وادِّعاءُ أنَّ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ مَعْناهُ اثْنَتانِ فَما فَوْقَهُما فَكُلُّهُ ظاهِرُ السُّقُوطِ كَما تَرى، والقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ مِثْلِهِ وإنْ قالَ بِهِ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب