الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ رَوى السُّدِّيُّ قالَ: «كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ لا يُوَرِّثُونَ الجَوارِيَ ولا الضُّعَفاءَ مِنَ الغِلْمانِ، لا يُوَرِّثُونَ الرَّجُلَ مِن ولَدِهِ إلّا مَن أطاقَ القِتالَ، فَماتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أخُو حَسّانَ الشّاعِرِ وتَرَكَ امْرَأةً يُقالُ لَها أُمُّ كُجَّةَ، وتَرَكَ خَمْسَ أخَواتٍ، فَجاءَتِ الوَرَثَةُ فَأخَذُوا مالَهُ، فَشَكَتْ أُمُّ كُجَّةَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.
» ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ﴾ فَفَرَضَ لِلثَّلاثِ مِنَ البَناتِ، إذا انْفَرَدَتْ عَنْ ذَكَرٍ، الثُّلُثَيْنِ، وفَرَضَ لِلْواحِدَةِ إذا انْفَرَدَتِ النِّصْفَ، واخْتُلِفَ في الثِّنْتَيْنِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: النِّصْفُ، مِن أجْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ وذَهَبَ الجَماعَةُ إلى أنَّ فَرْضَهُما الثُّلُثانِ كالثَّلاثِ فَصاعِدًا اعْتِبارًا بِالأخَواتِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ المالُ لِلْوَلَدِ، وكانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وجَعَلَ لِلْأبَوَيْنِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ.
ثُمَّ قالَ: ﴿مِمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ ووَرِثَهُ أبَواهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ فَسَوّى بَيْنَ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الوالِدَيْنِ مَعَ وُجُودِ الوَلَدِ في أنَّ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسَ، ثُمَّ فاضَلَ بَيْنَهُما مَعَ عَدَمِ الوَلَدِ في أنْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ والباقِي لِلْأبِ، وإنَّما كانَ هَكَذا لِأنَّ الأبَوَيْنِ مَعَ الوَلَدِ يَرِثانِ فَرْضًا بِالوِلادَةِ الَّتِي قَدِ اسْتَوَيا فِيها، فَسَوّى بَيْنَ فَرْضِهِما، وإذا عُدِمَ الوَلَدُ ورِثَتِ الأُمُّ فَرْضًا لِعَدَمِ التَّعَصُّبِ فِيها، ووَرِثَ الأبُ بِالتَّعْصِيبِ، لِأنَّهُ أقْوى مِيراثًا، وجَعَلَ فَرْضَها شَطْرَ ما حازَهُ الأبُ بِتَعْصِيبِهِ، لِيَصِيرَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ.
﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ فَلا خِلافَ أنَّ الثَّلاثَةَ مِنَ الإخْوَةِ يَحْجُبُونَها مِنَ الثُّلُثِ الَّذِي هو أعْلى فَرْضِها إلى السُّدُسِ الَّذِي هو أقَلُّهُ، ويَكُونُ الباقِي بَعْدَ سُدُسِها لِلْأبِ. (p-٤٥٩)
وَحُكِيَ عَنْ طاوُسٍ أنَّهُ يَعُودُ عَلى الإخْوَةِ دُونَ الأبِ لِيَكُونَ ما حَجَبُوها عَنْهُ عائِدًا عَلَيْهِمْ لا عَلى غَيْرِهِمْ.
وَهَذا خَطَأٌ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ الأبَ يُسْقِطُ مَن أدْلى بِهِ كالجَدِّ.
والثّانِي: أنَّ العَصَبَةَ لا يَتَقَدَّرُ لَهم في المِيراثِ فَرْضٌ كالأبْناءِ.
فَأمّا حَجْبُ الأُمِّ بِالأخَوَيْنِ، فَقَدْ مَنَعَ مِنهُ ابْنُ عَبّاسٍ تَمَسُّكًا بِظاهِرِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ﴾ وخالَفَهُ سائِرُ الصَّحابَةِ مُحَجِّبُو الأُمِّ بِالأخَوَيْنِ فَصاعِدًا، وإنْ لَمْ تُحْجَبْ بِالأخِ الواحِدِ لِأنَّ لَفْظَ الجَمْعِ لا يَمْنَعُ أنْ يُوضَعَ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ [التَّحْرِيمِ: ٤] مَعَ أنَّ الِاثْنَتَيْنِ تَقُومانِ في الفَرائِضِ مَقامَ الجَمْعِ الكامِلِ، كالأخَواتِ، ووَلَدِ الأُمِّ.
﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ﴾ فَقَدَّمَ الدَّيْنَ والوَصِيَّةَ عَلى المِيراثِ، لِأنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ عَلى المَيِّتِ، والوَصِيَّةَ حَقٌّ لَهُ، وهُما مُقَدَّمانِ عَلى حَقِّ ورَثَتِهِ، ثُمَّ قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلى الوَصِيَّةِ وإنْ كانَ في التِّلاوَةِ مُؤَخَّرًا، لِأنَّ ما عَلى المَيِّتِ مِن حَقٍّ أوْلى أنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلى ما لَهُ مِن حَقٍّ.
وَقَدْ رَوى ابْنُ إسْحاقَ عَنِ الحارِثِ الأعْوَرِ «عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: (إنَّكم تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ﴾ وإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ» فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ قَدَّمَ ذِكْرَ الوَصِيَّةِ عَلى الدَّيْنِ إنْ كانَ في الحُكْمِ مُؤَخَّرًا؟ قِيلَ: لِأنَّ ( أوْ ) لا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ وإنَّما تُوجِبُ إثْباتَ أحَدِ الشَّيْئَيْنِ مُفْرَدًا أوْ مَصْحُوبًا، فَصارَ كَأنَّهُ قالَ: مِن بَعْدِ أحَدِهِما أوْ مِن بَعْدِهِما(. ﴿آباؤُكم وأبْناؤُكم لا تَدْرُونَ أيُّهم أقْرَبُ لَكم نَفْعًا﴾ يَعْنِي في الدِّينِ أوِ الدُّنْيا.
{"ayah":"یُوصِیكُمُ ٱللَّهُ فِیۤ أَوۡلَـٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَاۤءࣰ فَوۡقَ ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَ ٰحِدَةࣰ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَیۡهِ لِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدࣱۚ فَإِن لَّمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلَدࣱ وَوَرِثَهُۥۤ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥۤ إِخۡوَةࣱ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِی بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍۗ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَیُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعࣰاۚ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق