قوله تعالى: {والذين اتخذوا} : قرأ نافع وابن عامر: «الذين اتخذوا» بغير واو، والباقون بواو العطف. فأمَّا قراءةُ نافع وابن عامر فلموافقة مصاحفِهم، فإنَّ مصاحف المدينة والشام حُذفت منها الواوُ وهي ثابتةٌ في مصاحف غيرهم. و «الذين» على قراءة مَنْ أسقط الواوَ قبلها فيها أوجه، أحدها: أنها بدلٌ مِنْ «آخرون» قبلها. وفيه نظر لأن هؤلاء الذين اتخذوا مسجداً ضِراراً، لا يُقال في حَقِّهم إنهم مُرْجَوْن لأمر الله، لأنه يُروى في التفسير أنهم من كبار المنافقين كأبي عامر الراهب.
الثاني: أنه مبتدأ وفي خبره حينئذٍ أقوالٌ أحدها: أنه «أفَمَنْ أَسَّسَ بنيانَه» والعائد محذوفٌ تقديره: بنيانَه منهم. الثاني: أنه «لا يزال بنيانُهم» قاله النحاس والحوفي، وفيه بُعْدٌ لطول الفصل. الثالث: أنه «لا تقمْ فيه» قاله الكسائي. قال ابن عطية: «ويتجه بإضمارٍ: إمَّا في أول الآية، وإمَّا في آخرها بتقدير: لا تقم في مسجدهم» . الرابع: أن الخبرَ محذوفٌ تقديرُه: معذَّبون ونحوه، قاله المهدوي.
الوجه الثالث أنه منصوبٌ على الاختصاص. وسيأتي هذا الوجهُ أيضاً في قراءة الواو.
وأمَّا قراءةُ الواو ففيها ما تقدَّم، إلا أنه يمتنع وجهُ البدل مِنْ «آخرون» لأجل العاطف. وقال الزمخشري: «فإن قلت:» والذين اتخذوا «ما محلُّه من الإِعراب؟ قلت: محلُّه النصب على الاختصاص، كقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} [النساء: 162] . وقيل: هو مبتدأ وخبرُه محذوفٌ معناه: فيمَنْ وَصَفْنا الذين اتخذوا، كقوله: {والسارق والسارقة} [المائدة: 38] ، قلت: يريد على مذهب سيبويه فإن تقديره: فيما يُتْلى عليكم السارق، فحذف الخبرَ وأبقى المبتدأ كهذه الآية.
قوله: {ضِرَاراً} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: / أنه مفعولٌ من أجله أي: مُضَارَّةً لإِخوانهم. الثاني: أنه مفعولٌ ثان ل» اتَّخذ «قاله أبو البقاء. الثالث: أنه مصدر في موضع الحال من فاعل» اتخذوا «أي: اتخذوه مضارِّين لإِخوانهم، ويجوز أن ينتصبَ على المصدرية أي: يَضُرُّون بذلك غيرهم ضِراراً، ومتعلَّقاتُ هذه المصادرِ محذوفةٌ أي: ضِراراً لإِخوانهم وكفراً بالله.
قوله: {مِن قَبْلُ} فيه وجهان، أحدهما وهو الذي لم يذكر الزمخشري غيره أنه متعلقٌ بقوله:» اتخذوا «أي: اتخذوا مسجداً مِنْ قبل أن ينافقَ هؤلاء. والثاني: أنه متعلقٌ ب» حارب «أي: حارب مِنْ قبل اتِّخاذ هذا المسجد.
قوله: {وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا} لَيَحْلِفُنَّ: جوابُ قسم مقدر أي: والله ليحلِفُنَّ. وقوله:» إن أَرَدْنا «جوابٌ لقولِه:» ليحلِفُنَّ «فوقع جوابُ القسم المقدر فعلَ قسم مجابٍ بقوله:» إنْ أَرَدْنا «.» إنْ «نافية ولذلك وقع بعدها» إلا «. و» الحسنى «صفةً لموصوفٍ محذوفٍ أي: إلا الخصلة الحسنى أو إلا الإِرادةَ الحسنى. وقال الزمخشري:» ما أَرَدْنا ببناء هذا المسجد إلا الخَصْلة الحسنى، أو إلا لإِردة الحسنى وهي الصلاة «. قال الشيخ:» كأنه في قوله: «إلا الخصلة الحُسْنى» جعله مفعولاً، وفي قوله: «أو لإِرادة الحسنى» جعله علةً فكأنه ضَمَّن «أراد» معنى قَصَد أي: ما قصدوا ببنائه لشيء من الأشياء إلا لإِرادة الحسنى «قال:» وهذا وجهٌ متكلف «.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}