قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اتَّخَذُوا مَسْجِدَ قُباءٍ، وبَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يَأْتِيَهم، فَأتاهم فَصَلّى فِيهِ، فَحَسَدَهم إخَوَتُهم بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، وقالُوا: نَبْنِي مَسْجِدًا ونُرْسِلُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَما صَلّى في مَسْجِدِ إخْوانِنا، ولْيُصَلِّ فِيهِ أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ إذا قَدِمَ مِنَ الشّامِ، وكانَ أبُو عامِرٍ قَدْ تَرَهَّبَ في الجاهِلِيَّةِ وتَنَصَّرَ ولَبِسَ المُسُوحَ، وأنْكَرَ دِينَ الحَنِيفِيَّةِ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ وعاداهُ، وسَمّاهُ النَّبِيُّ ﷺ أبا عامِرٍ الفاسِقَ، وخَرَجَ إلى الشّامِ، وأرْسَلَ إلى المُنافِقِينَ أنْ أعِدُّوا واسْتَعِدُّوا بِما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وسِلاحٍ، وابْنُوا لِي مَسْجِدًا، فَإنِّي ذاهِبٌ إلى قَيْصَرَ فَآتِي بِجُنْدِ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ. فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا إلى جَنْبِ مَسْجِدِ قُباءٍ، وكانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خِذامُ بْنُ خالِدٍ - ومِن دارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقاقِ - وثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ، ومُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وأبُو حَبِيبَةَ بْنُ الأزْعَرِ، وعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، وجارِيَةُ بْنُ عامِرٍ، وابْناهُ مُجَمِّعٌ وزَيْدٌ، ونَبْتَلُ بْنُ الحارِثِ، وبَحْزَجٌ، وبِجادُ بْنُ عُثْمانَ، ووَدِيعَةُ بْنُ ثابِتٍ. فَلَمّا فَرَغُوا مِنهُ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا قَدْ بَنَيْنا مَسْجِدًا لِذِي العِلَّةِ والحاجَةِ، واللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ واللَّيْلَةِ الشّاتِيَةِ، وإنّا نُحِبُّ أنْ تَأْتِيَنا فَتُصَلِّيَ لَنا فِيهِ. فَدَعا بِقَمِيصِهِ لِيَلْبَسَهُ فَيَأْتِيَهم، فَنَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وأخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ خَبَرَ مَسْجِدِ الضِّرارِ وما هَمُّوا بِهِ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مالِكَ بْنَ الدَّخْشَمِ، ومَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ، وعامِرَ بْنَ السَّكَنِ، ووَحْشِيًّا قاتِلَ حَمْزَةَ، وقالَ لَهم: ”انْطَلِقُوا إلى هَذا المَسْجِدِ الظّالِمِ أهْلُهُ فاهْدِمُوهُ وأحْرِقُوهُ“ . فَخَرَجُوا، وانْطَلَقَ مالِكٌ وأخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأشْعَلَ فِيهِ نارًا، ثُمَّ دَخَلُوا المَسْجِدَ وفِيهِ أهْلُهُ، فَحَرَّقُوهُ وهَدَمُوهُ، وتَفَرَّقَ عَنْهُ أهْلُهُ. وأمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنْ يُتَّخَذَ ذَلِكَ كُناسَةً تُلْقى فِيها الجِيَفُ والنَّتْنُ والقُمامَةُ. وماتَ أبُو عامِرٍ بِالشّامِ وحِيدًا غَرِيبًا.
أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، قالَ: أخْبَرَنا أبُو العَبّاسِ بْنُ إسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِيكالَ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ مُوسى الأهْوازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ الزِّبْرِقانِ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، عَنْ أبِيها قالَ: إنَّ المُنافِقِينَ عَرَضُوا المَسْجِدَ يَبْنُونَهُ لِيُضاهُونَ بِهِ مَسْجِدَ قُباءٍ، وهو قَرِيبٌ مِنهُ، لِأبِي عامِرٍ الرّاهِبِ، يَرْصُدُونَهُ إذا قَدِمَ لِيَكُونَ إمامَهم فِيهِ، فَلَمّا فَرَغُوا مِن بِنائِهِ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا بَنَيْنا مَسْجِدًا فَصَلِّ فِيهِ حَتّى نَتَّخِذَهُ مُصَلًّى. فَأخَذَ ثَوْبَهُ لِيَقُومَ مَعَهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾ .
{"ayahs_start":107,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","لَا تَقُمۡ فِیهِ أَبَدࣰاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ یَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِیهِۚ فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}