الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا﴾ هَؤُلاءِ هم بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وهُمُ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ المُنافِقِينَ، وقِيلَ: هم خِذامُ بْنُ خالِدٍ ومِن دارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقاقِ، وثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ، ومُعَتِّبُ بْنُ قَشِيرٍ، وأبُو حَبِيبَةَ بْنُ الأزْعَرِ، وعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وجارِيَةُ بْنُ عامِرٍ، وابْناهُ مُجَمِّعٌ وزَيْدٌ ابْنا جارِيَةَ، ونَبْتَلُ بْنُ الحارِثِ، وبِجادُ بْنُ عُثْمانَ، ووَدِيعَةُ بْنُ ثابِتٍ، وبَحْرَجٌ وهو جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْفٍ، ولَهُ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: « (وَيْلَكَ يا بَحْرَجُ ماذا أرَدْتَ بِما أرى؟ (p-٤٠١)فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما أرَدْتُ إلّا الحُسْنى، وهو كاذِبٌ، فَصَدَّقَهُ، فَبَنى هَؤُلاءِ مَسْجِدَ الشِّقاقِ والنِّفاقِ قَرِيبًا مِن مَسْجِدِ قُباءٍ.
» ﴿ضِرارًا وكُفْرًا وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي ضِرارًا، وكُفْرًا بِاللَّهِ، وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ أنْ لا يَجْتَمِعُوا كُلُّهم في مَسْجِدِ قُباءٍ فَتَجْتَمِعَ كَلِمَتُهم، ويَتَفَرَّقُوا فَتَتَفَرَّقَ كَلِمَتُهم، ويَخْتَلِفُوا بَعْدَ ائْتِلافِهِمْ.
﴿وَإرْصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ وفي الإرْصادِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ انْتِظارُ سُوءٍ يُتَوَقَّعُ.
الثّانِي: الحِفْظُ المَقْرُونُ بِفِعْلٍ.
وَفي مُحارَبَةِ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: مُخالَفَتُهُما.
الثّانِي: عَداوَتُهُما.
والمُرادُ بِهَذا الخِطابِ أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ والِدُ حَنْظَلَةَ بْنِ الرّاهِبِ كانَ قَدْ حَزَّبَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ خافَ فَهَرَبَ إلى الرُّومِ وتَنَصَّرَ واسْتَنْجَدَ هِرَقْلَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَبَنَوْا هَذا المَسْجِدَ لَهُ حَتّى إذا عادَ مِن هِرَقْلَ صَلّى فِيهِ، وكانُوا يَعْتَقِدُونَ أنَّهُ إذا صَلّى فِيهِ نُصِرَ، وكانُوا ابْتَدَأُوا بُنْيانَهُ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ خارِجٌ إلى تَبُوكَ، فَسَألُوهُ أنْ يُصَلِّيَ لَهم فِيهِ فَقالَ: « (أنا عَلى سَفَرٍ ولَوْ قَدِمْنا إنْ شاءَ اللَّهُ أتَيْناكم وصَلَّيْنا لَكم فِيهِ، فَلَمّا قَدِمَ مِن تَبُوكَ أتَوْهُ وقَدْ فَرَغُوا مِنهُ وصَلَّوْا فِيهِ الجُمُعَةَ والسَّبْتَ والأحَدَ، وقالُوا قَدْ فَرَغْنا مِنهُ، فَأتاهُ خَبَرُ المَسْجِدِ وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ ما أُنْزِلَ.
» وحَكى مُقاتِلٌ أنَّ الَّذِي أمَّهم فِيهِ مُجَمِّعُ بْنُ جارِيَةَ وكانَ قارِئًا، ثُمَّ حَسُنَ إسْلامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى الكُوفَةِ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وهو عَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ بَقِيَّةَ القُرْآنِ.
﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا إلا الحُسْنى﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: طاعَةُ اللَّهِ تَعالى.
والثّانِي: الجَنَّةُ.
(p-٤٠٢)والثّالِثُ: فِعْلُ الَّتِي هي أحْسَنُ، مِن إقامَةِ الدِّينِ والجَماعَةِ والصَّلاةِ، وهي يَمِينُ تَحَرُّجٍ.
﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّهم لَكاذِبُونَ في قَوْلِهِمْ خائِنُونَ في إيمانِهِمْ.
والثّانِي: واللَّهُ يُعْلِمُكَ أنَّهم لَكاذِبُونَ خائِنُونَ.
فَصارَ إعْلامُهُ لَهُ كالشَّهادَةِ مِنهُ عَلَيْهِمْ.
﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾ أيْ لا تُصَلِّ فِيهِ أبَدًا، يَعْنِي مَسْجِدَ الشِّقاقِ والنِّفاقِ «فَعِنْدَ ذَلِكَ أنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مالِكَ بْنَ الدَّخْشَمِ وعاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ فَقالَ: انْطَلِقا إلى هَذا المَسْجِدِ الظّالِمِ أهْلُهُ فاهْدِماهُ.
فَذَهَبا إلَيْهِ وأخَذا سَعَفًا وحَرَقاهُ.
» وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلِ انْهارَ المَسْجِدُ في يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ولَمْ يُحَرَّقْ.
﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالمَدِينَةِ، قالَهُ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ ورَواهُ مَرْفُوعًا.
الثّانِي: أنَّهُ مَسْجِدُ قُباءٍ، قالَهُ الضَّحّاكُ وهو أوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ في الإسْلامِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ.
(p-٤٠٣)الثّالِثُ: أنَّهُ كُلُّ مَسْجِدٍ بُنِيَ في المَدِينَةِ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: مِنَ المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا مِنَ الذُّنُوبِ واللَّهُ يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ مِنها بِالتَّوْبَةِ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ.
والثّانِي: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا مِنَ البَوْلِ والغائِطِ بِالِاسْتِنْجاءِ بِالماءِ.
واللَّهُ يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ بِذَلِكَ.
رَوى أبُو أيُّوبَ الأنْصارِيُّ وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لِلْأنْصارِ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: « (يا مَعْشَرَ الأنْصارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أثْنى عَلَيْكم خَيْرًا في الطَّهُورِ فَما طَهُورُكم هَذا قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ نَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ ونَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فَهَلْ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ؟ قالُوا: لا، غَيْرَ أنَّ أحَدَنا إذا خَرَجَ إلى الغائِطِ أحَبَّ أنْ يَسْتَنْجِيَ بِالماءِ، فَقالَ: هو ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) .»
الثّالِثُ: أنَّهُ عَنى المُتَطَهِّرِينَ عَنْ إتْيانِ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ، وهو مَجْهُولٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
{"ayahs_start":107,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","لَا تَقُمۡ فِیهِ أَبَدࣰاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ یَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِیهِۚ فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق