الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا﴾ عَطْفٌ عَلى ما سَبَقَ أيْ ﴿ومِنهُمُ الَّذِينَ﴾ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ ﴿أفَمَن أسَّسَ﴾ والعائِدُ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ أيْ مِنهم أوِ الخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ فِيمَن وصَفْنا وأنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِمُقَدَّرٍ كَأذُمُّ وأعْنِي
وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ بِغَيْرِ واوٍ، وفِيهِ الِاحْتِمالاتُ السّابِقَةُ إلّا العَطْفَ، وأنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن (آخَرُونَ) عَلى التَّفْسِيرِ المَرْجُوحِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ضِرارًا﴾ مَفْعُولٌ لَهُ وكَذا ما بَعْدَهُ وقِيلَ: مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ أوْ مَفْعُولٌ ثانٍ لِاتَّخَذُوا عَلى أنَّهُ بِمَعْنى صَيَّرُوا أوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أيْ يُضارُّونَ بِذَلِكَ المُؤْمِنِينَ ضِرارًا، والضِّرارُ (p-18)طَلَبُ الضَّرَرِ ومُحاوَلَتُهُ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ جَماعَةً مِنَ الأنْصارِ قالَ لَهم أبُو عامِرٍ: ابْنُوا مَسْجِدًا واسْتَمِدُّوا ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وسِلاحٍ فَإنِّي ذاهِبٌ إلى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ فَآتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأصْحابَهُ فَلَمّا فَرَغُوا مِن مَسْجِدِهِمْ أتَوُا النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالُوا: قَدْ فَرَغْنا مِن بِناءِ مَسْجِدِنا فَنُحِبُّ أنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وتَدْعُوَ بِالبَرَكَةِ فَنَزَلَتْ» . وأخْرَجَ ابْنُ إسْحَقَ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: «أتى أصْحابُ مَسْجِدِ الضِّرارِ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو يَتَجَهَّزُ إلى تَبُوكَ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا قَدْ بَنَيْنا مَسْجِدًا لِذِي العِلَّةِ والحاجَةِ واللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ واللَّيْلَةِ الشّاتِيَةِ وإنّا نُحِبُّ أنْ تَأْتِيَنا فَتُصَلِّيَ لَنا فِيهِ فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: إنِّي عَلى جَناحِ سَفَرٍ وحالِ شُغْلٍ أوْ كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولَوْ قَدِمْنا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى لَأتَيْناكم فَصَلَّيْنا لَكم فِيهِ فَلَمّا رَجَعَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِن سَفَرِهِ ونَزَلَ بِذِي أوانٍ بَلَدٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَدِينَةِ ساعَةٌ مِن نَهارٍ أتاهُ خَبَرُ المَسْجِدِ فَدَعا مالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ أخا بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ ومَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ وأخاهُ عاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أحَدَ بَلْعَجانَ فَقالَ: انْطَلِقا إلى هَذا المَسْجِدِ الظّالِمِ أهْلُهُ فاهْدِماهُ وأحْرِقاهُ فَخَرَجا سَرِيعَيْنِ حَتّى أتَيا بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ وهم رَهْطُ مالِكٍ فَقالَ مالِكٌ لِصاحِبِهِ: أنْظِرْنِي حَتّى أخْرُجَ لَكَ بِنارٍ مِن أهْلِي فَدَخَلَ إلى أهْلِهِ فَأخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأشْعَلَ فِيهِ نارًا ثُمَّ خَرَجا يَشْتَدّانِ حَتّى دَخَلاهُ وفِيهِ أهْلُهُ فَأحْرَقاهُ وهَدَماهُ وتَفَرَّقُوا عَنْهُ ونَزَلَ فِيهِمْ مِنَ القُرْآنِ ما نَزَلَ» وكانَ البانُونَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خُذامُ بْنُ خالِدٍ مِن بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ أحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ومِن دارِهِ أُخْرِجَ المَسْجِدُ، وعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ مَن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أيْضًا، وثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ، ووَدِيعَةُ بْنُ ثابِتٍ وهُما مِن بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ رَهْطِ أبِي لُبابَةَ بْنِ عَبْدِ المُنْذِرِ، ومُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وأبُو حُبَيْبَةَ بْنُ الأزْعَرِ، وحارِثَةُ بْنُ عامِرٍ وابْناهُ مُجَمِّعٌ وزَيْدٌ، ونَبِيلُ بْنُ الحَرْثِ، ونِجادُ بْنُ عُثْمانَ، وبَجَدْحٌ مِن بَنِي ضُبَيْعَةَ. وذَكَرَ البَغَوِيُّ مِن حَدِيثٍ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ - كَما قالَ العِراقِيُّ - بِدُونِ سَنَدٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمَرَ بَعْدَ حَرْقِ المَسْجِدِ وهَدْمِهِ أنْ يُتَّخَذَ كُناسَةً يُلْقى فِيها الجِيَفُ والنَّتْنُ والقُمامَةُ إهانَةً لِأهْلِهِ لَمّا أنَّهُمُ اتَّخَذُوهُ ضِرارًا ﴿وكُفْرًا﴾ أيْ ولِيَكْفُرُوا فِيهِ، وقَدَّرَ بَعْضُهُمُ التَّقْوِيَةَ أيْ وتَقْوِيَةَ الكُفْرِ الَّذِي يُضْمِرُونَهُ وقِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ الكُفْرَ يَصْلُحُ عِلَّةً فَما الحاجَةُ إلى التَّقْدِيرِ. واعْتَذَرَ بِأنَّهُ يَحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِما أنَّ اتِّخاذَهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ مَقُولُهُ لِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ فَتَأمَّلْ ﴿وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ﴾ وهم كَما قالَ السُّدِّيُّ أهْلُ قُباءٍ فَإنَّهم كانُوا يُصَلُّونَ في مَسْجِدِهِمْ جَمِيعًا فَأرادَ هَؤُلاءِ حَسَدًا أنْ يَتَفَرَّقُوا وتَخْتَلِفَ كَلِمَتُهم ﴿وإرْصادًا﴾ أيْ تَرَقُّبًا وانْتِظارًا ﴿لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ وهو أبُو عامِرٍ والِدُ حَنْظَلَةَ غِسِّيلِ المَلائِكَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - «وكانَ قَدْ تَرَهَّبَ في الجاهِلِيَّةِ ولَبِسَ المُسُوحَ وتَنَصَّرَ فَلَمّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ المَدِينَةَ قالَ لَهُ أبُو عامِرٍ: ما هَذا الدِّينُ الَّذِي جِئْتَ بِهِ؟ فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: الحَنِيفِيَّةُ البَيْضاءُ دِينُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. قالَ: فَأنا عَلَيْها. فَقالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: إنَّكَ لَسْتَ عَلَيْها. فَقالَ: بَلى ولَكِنَّكَ أنْتَ أدْخَلْتَ فِيها ما لَيْسَ مِنها. فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ما فَعَلْتُ ولَكِنْ جِئْتُ بِها بَيْضاءَ نَقِيَّةً. فَقالَ أبُو عامِرٍ: أماتَ اللَّهُ تَعالى الكاذِبَ مِنّا طَرِيدًا وحِيدًا. فَأمَّنَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَمّاهُ النّاسُ أبا عامِرٍ الكَذّابَ،» وسَمّاهُ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الفاسِقَ فَلَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ قالَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: لا أجِدُ قَوْمًا يُقاتِلُونَكَ إلّا قاتَلْتُكَ مَعَهم فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إلى يَوْمِ حُنَيْنٍ فَلَمّا انْهَزَمَتْ هَوازِنُ يَوْمَئِذٍ (p-19)ولّى هارِبًا إلى الشّامِ وأرْسَلَ إلى المُنافِقِينَ يَحُثُّهم عَلى بِناءِ مَسْجِدٍ كَما ذَكَرْنا آنِفًا عَنِ الحَبْرِ فَبَنَوْهُ وبَقُوا مُنْتَظَرِينَ قُدُومَهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ ويَظْهَرَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَهُدِمَ كَما مَرَّ وماتَ أبُو عامِرٍ وحِيدًا بِقَنْسَرِينَ وبَقِيَ ما أضْمَرُوهُ حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ
﴿مِن قَبْلُ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِحارَبَ أيْ حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَبْلَ هَذا الِاتِّخاذِ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِاتَّخَذُوا أيِ اتَّخَذُوهُ مِن قَبْلِ أنْ يُنافِقُوا بِالتَّخَلُّفِ حَيْثُ كانُوا بَنَوْهُ قَبْلَ غَرْوَةِ تَبُوكَ كَما سَمِعْتَ، والمُرادُ المُبالَغَةُ في الذَّمِّ ﴿ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا﴾ أيْ ما أرَدْنا بِبِناءِ هَذا المَسْجِدِ ﴿إلا الحُسْنى﴾ أيْ إلّا الخَصْلَةَ الحُسْنى وهي الصَّلاةُ، وذِكْرَ اللَّهِ تَعالى والتَّوْسِعَةَ عَلى المُصَلِّينَ، فالحُسْنى تَأْنِيثُ الأحْسَنِ وهو في الأصْلِ صِفَةُ الخَصْلَةِ وقَدْ وقَعَ مَفْعُولًا بِهِ لِأرَدْنا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ قائِمًا مَقامَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيِ الإرادَةَ الحُسْنى ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ 107﴾ فِيما حَلَفُوا عَلَيْهِ
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق