الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وإرْصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا إلّا الحُسْنى واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ لَمّا ذَكَرَ طَرائِقَ ذَمِيمَةً لِأصْنافِ المُنافِقِينَ أقْوالًا وأفْعالًا؛ ذَكَرَ أنَّ مِنهم مَن بالَغَ في الشَّرِّ حَتّى ابْتَنى مَجْمَعًا لِلْمُنافِقِينَ يُدَبِّرُونَ فِيهِ ما شاءُوا مِنَ الشَّرِّ، وسَمَّوْهُ مَسْجِدًا. ولَمّا بَنى عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ مَسْجِدَ قُباءٍ وبَعَثُوا إلى الرَّسُولِ ﷺ فَجاءَ وصَلّى فِيهِ ودَعا لَهم - حَسَدَهم بَنُو عَمِّهِمْ (p-٩٨)بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، وبَنُو سالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وحَرَّضَهم أبُو عَمْرٍو الفاسِقُ عَلى بِنائِهِ حِينَ نَزَلَ الشّامَ هارِبًا مِن وقْعَةِ حُنَيْنٍفَراسَلَهم في بِنائِهِ وقالَ: ابْنُوا لِي مَسْجِدًا فَإنِّي ذاهِبٌ إلى قَيْصَرَ آتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ، فَبَنَوْهُ إلى مَسْجِدِ قُباءٍ، وكانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ المُنافِقِينَ: خِذامُ بْنُ خالِدٍ، ومِن دارِهِ أخْرَجَ المَسْجِدَ، وثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ، ومُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وحارِثَةُ بْنُ عامِرٍ، وابْناهُ مُجَمِّعٌ وزَيْدٌ، ونَبْتَلُ بْنُ الحارِثِ، وعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، ونِجادُ بْنُ عُثْمانَ، ووَدِيعَةُ بْنُ ثابِتٍ، وأبُو حَنِيفَةَ الأزْهَرُ، وبَحْزَجُ بْنُ عَمْرٍو، ورَجُلٌ مِن بَنِي ضُبَيْعَةَ، وقالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: بَنَيْنا مَسْجِدًا لِذِي العِلَّةِ والحاجَةِ واللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ والشّاتِيَةِ، ونَحْنُ نُحِبُّ أنْ تُصَلِّيَ لَنا فِيهِ، وتَدْعُوَ لَنا بِالبَرَكَةِ، فَقالَ ﷺ: «إنِّي عَلى جَناحِ سَفَرٍ وحالِ شُغْلٍ، وإذا قَدِمْنا إنْ شاءَ اللَّهُ صَلَّيْنا فِيهِ»، وكانَ إمامُهم مُجَمِّعُ بْنُ جارِيَةَ وكانَ غُلامًا قارِئًا لِلْقُرْآنِ حَسَنَ الصَّوْتِ، وهو مِمَّنْ حَسُنَ إسْلامُهُ، ووَلّاهُ عُمَرُ إمامَةَ مَسْجِدِ قُباءٍ بَعْدَ مُراجَعَةٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ إلى الكُوفَةِ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنُ، فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ نَزَلَ بِذِي أوانٍ بَلَدٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَدِينَةِ ساعَةٌ مِن نَهارٍ، ونَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ في شَأْنِ مَسْجِدِ الضِّرارِ، فَدَعا مالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ ومَعْنًا وعاصِمًا ابْنَيْ عَدِيٍّ. وقِيلَ: بَعَثَ عَمّارَ بْنَ ياسِرٍ ووَحْشِيًّا قاتِلَ حَمْزَةَ بِهَدْمِهِ وتَحْرِيقِهِ، فَهُدِمَ وحُرِّقَ بِنارٍ في سَعَفٍ، واتُّخِذَ كُناسَةً تُرْمى فِيها الجِيَفُ والقُمامَةُ. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: صَلَّوْا فِيهِ الجُمُعَةَ والسَّبْتَ والأحَدَ وانْهارَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ولَمْ يُحَرَّقْ. وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ: نافِعٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وغَيْرُهم، وابْنُ عامِرٍ: ”الَّذِينَ“ بِغَيْرِ واوٍ، كَذا هي في مَصاحِفِ المَدِينَةِ والشّامِ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ: ﴿وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ﴾ [التوبة: ١٠٦]، وأنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِداءٍ تَقْدِيرُهُ: هُمُ الَّذِينَ، وأنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً. وقالَ الكِسائِيُّ: الخَبَرُ ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾ . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَتَّجِهُ بِإضْمارِ إمّا في أوَّلِ الآيَةِ، وإمّا في آخِرِها، بِتَقْدِيرِ: لا تَقُمْ في مَسْجِدِهِمْ. وقالَ النَّحّاسُ والحَوْفِيُّ: الخَبَرُ (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) . وقالَ المَهْدَوِيُّ: الخَبَرُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: مُعَذَّبُونَ أوْ نَحْوُهُ.
وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: (والَّذِينَ) بِالواوِ عَطْفًا عَلى (وآخَرُونَ)، أيْ: ومِنهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ كَخَبَرِهِ بِغَيْرِ الواوِ إذا أُعْرِبَ مُبْتَدَأً. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: (والَّذِينَ اتَّخَذُوا) ما مَحَلُّهُ مِنَ الإعْرابِ ؟ قُلْتُ: مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى الِاخْتِصاصِ كَقَوْلِهِ تَعالى: (والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وقِيلَ: هو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، مَعْناهُ فِيمَن وصَفْنا (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨]، وانْتَصَبَ (ضِرارًا) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ، أيْ: مُضارَّةً لِإخْوانِهِمْ أصْحابِ مَسْجِدِ قُباءٍ، ومُعادَةً وكُفْرًا وتَقْوِيَةً لِلنِّفاقِ، وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّهم كانُوا يُصَلُّونَ مُجْتَمِعِينَ في مَسْجِدِ قُباءٍ فَيَغْتَصُّ بِهِمْ، فَأرادُوا أنْ يَفْتَرِقُوا عَنْهُ وتَخْتَلِفَ كَلِمَتُهم، إذْ كانَ مَن يُجاوِزُ مَسْجِدَهم يَصْرِفُونَهُ إلَيْهِ، وذَلِكَ داعِيَةٌ إلى صَرْفِهِ عَنِ الإيمانِ. ويَجُوزُ أنْ يَنْتَصِبَ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ. وأجازَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثانِيًا لِـ (اتَّخَذُوا)، (وإرْصادًا)، أيْ: إعْدادًا لِأجْلِ مَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ وهو أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ أعَدُّوهُ لَهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، ويَظْهَرَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَ قَدْ تَعَبَّدَ في الجاهِلِيَّةِ فَسُمِّيَ الرّاهِبَ، وسَمّاهُ الرَّسُولُ ﷺ الفاسِقَ، وكانَ سَيِّدًا في قَوْمِهِ نَظِيرًا وقَرِيبًا مِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَلَمّا جاءَ اللَّهُ بِالإسْلامِ نافَقَ ولَمْ يَزَلْ مُجاهِرًا بِذَلِكَ، وقالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ مُحاوَرَةٍ: ”لا أجِدُ قَوْمًا يُقاتِلُونَكَ إلّا قاتَلْتُكَ مَعَهم“، فَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُهُ وحَزَّبَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الأحْزابَ، فَلَمّا رَدَّهُمُ اللَّهُ بِغَيْظِهِمْ أقامَ بِ مَكَّةَ مُظْهِرًا لِلْعَداوَةِ، فَلَمّا كانَ الفَتْحُ هَرَبَ إلى الطّائِفِ، فَلَمّا أسْلَمَ أهْلُ الطّائِفِ هَرَبَ إلى الشّامِ يُرِيدُ قَيْصَرَ مُسْتَنْصِرًا عَلى الرَّسُولِ، فَماتَ وحِيدًا طَرِيدًا غَرِيبًا بِقِنِّسَرِينَ، وكانَ قَدْ دَعا بِذَلِكَ عَلى الكافِرِينَ وأمَّنَ الرَّسُولُ، فَكانَ كَما دَعا، وفِيهِ يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ:(p-٩٩)
؎مَعاذَ اللَّهِ مِن فِعْلٍ خَبِيثٍ كَسَعْيِكَ في العَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو
؎وقُلْتَ بِأنَّ لِي شَرَفًا وذِكْرًا ∗∗∗ فَقَدْ تابَعْتَ إيمانًا بِكُفْرِ
وقَرَأ الأعْمَشُ: (وإرْصادًا لِلَّذِينَ حارَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ)، والظّاهِرُ أنَّ ”مِن قَبْلُ“ مُتَعَلِّقًا بِـ (حارَبَ)، يُرِيدُ في غَزْوَةِ الأحْزابِ وغَيْرِها، أيْ: مِن قَبْلِ اتِّخاذِ هَذا المَسْجِدِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: بِمَ يَتَّصِلُ قَوْلُهُ تَعالى: (مِن قَبْلُ) ؟ قُلْتُ: بِـ (اتَّخَذُوا)، أيْ: اتَّخَذُوا مَسْجِدًا مِن قَبْلُ أنْ يُنافِقَ هَؤُلاءِ بِالتَّخَلُّفِ. انْتَهى. ولَيْسَ بِظاهِرٍ، والخالِفُ هو الَّذِي لا يَخْرُجُ، أيْ لِلْغَزْوِ. ما أرَدْنا بِبِناءِ هَذا المَسْجِدِ إلّا الحُسْنى والتَّوْسِعَةِ عَلَيْنا وعَلى مَن ضَعُفَ أوْ عَجَزَ عَنِ المَسِيرِ إلى مَسْجِدِ قُباءٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ما أرَدْنا بِبِناءِ هَذا المَسْجِدِ إلّا الخَصْلَةَ الحُسْنى، أوْ لِإرادَةِ الحُسْنى وهي الصَّلاةُ وذِكْرُ اللَّهِ تَعالى والتَّوَسُّعُ عَلى المُصَلِّينَ. انْتَهى. كَأنَّهُ في قَوْلِهِ: إلّا الخَصْلَةَ الحُسْنى جَعَلَهُ مَفْعُولًا، وفي قَوْلِهِ: أوْ لِإرادَةِ الحُسْنى جَعَلَهُ عِلَّةً، وكَأنَّهُ ضَمَّنَ أرادَ مَعْنى قَصَدَ، أيْ: ما قَصَدْنا بِبِنائِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ إلّا لِإرادَةِ الحُسْنى وهي الصَّلاةُ، وهَذا وجْهٌ مُتَكَلَّفٌ. فَأكْذَبَهُمُ اللَّهُ في قَوْلِهِمْ، ونَهاهُ أنْ يَقُومَ فِيهِ فَقالَ: (لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا) نَهاهُ؛ لِأنَّ بُناتَهُ كانُوا خادَعُوا الرَّسُولَ ﷺ، فَهَمَّ الرَّسُولُ ﷺ بِالمَشْيِ مَعَهم، واسْتَدْعى قَمِيصَهُ لِيَنْهَضَ، فَنَزَلَتْ: (لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا)، وعَبَّرَ بِالقِيامِ عَنِ الصَّلاةِ فِيهِ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وفِرْقَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ: المُؤَسَّسُ عَلى التَّقْوى مَسْجِدُ قُباءٍ، أسَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وصَلّى فِيهِ أيّامَ مَقامِهِ بِ قُباءٍ، وهي: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، والثُّلاثاءِ، والأرْبِعاءِ، والخَمِيسِ، وخَرَجَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وهو أوْلى لِأنَّ المُوازَنَةَ بَيْنَ مَسْجِدِ قُباءٍ ومَسْجِدِ الضِّرارِ أوْقَعُ مِنها بَيْنَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ ومَسْجِدِ الضِّرارِ، وذَلِكَ لائِقٌ بِالقِصَّةِ. وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، وأبِي سَعِيدٍ، وابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ مَسْجِدُ الرَّسُولِ. ورُوِيَ أنَّهُ ﷺ قالَ: ”هو مَسْجِدِي هَذا“ لَمّا سُئِلَ عَنِ المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى. وإذا صَحَّ هَذا النَّقْلُ لَمْ يُمْكِنْ خِلافُهُ، ومِن هُنا دَخَلَتْ عَلى الزَّمانِ، واسْتَدَلَّ بِذَلِكَ الكُوفِيُّونَ عَلى أنَّ ”مِن“ تَكُونُ لِابْتِداءِ الغايَةِ في الزَّمانِ، وتَأوَّلَهُ البَصْرِيُّونَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: مِن تَأْسِيسِ أوَّلِ يَوْمٍ؛ لِأنَّ مِن مَذْهَبِهِمْ أنَّها لا تَجُرُّ الأزْمانَ، وتَحْقِيقُ ذَلِكَ في عِلْمِ النَّحْوِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَحْسُنُ عِنْدِي أنْ يُسْتَغْنى عَنْ تَقْدِيرِ، وأنْ تَكُونَ ”مِن“ تَجُرُّ لَفْظَةَ ”أوَّلِ“ لِأنَّها بِمَعْنى البُداءَةِ، كَأنَّهُ قالَ: مِن مُبْتَدَأِ الأيّامِ، وقَدْ حُكِيَ لِي هَذا الَّذِي اخْتَرْتُهُ عَنْ بَعْضِ أئِمَّةِ النَّحْوِ. انْتَهى. و(أحَقُّ) بِمَعْنى حَقِيقٌ، ولَيْسَتْ أفْعَلَ تَفْضِيلٍ، إذْ لا اشْتِراكَ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ في الحَقِّ، والتّاءُ في (أنْ تَقُومَ) تاءُ خِطابٍ لِلرَّسُولِ ﷺ .
وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدٍ: (فِيهِ) بِكَسْرِ الهاءِ، (فِيهُ) الثّانِيَةَ بِضَمِّ الهاءِ، جَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ، والأصْلُ الضَّمُّ، وفِيهِ رَفْعُ تَوَهُّمِ التَّوْكِيدِ، ورَفَعَ (رِجالٌ) فَيَقُومُ إذْ فِيهِ الأُولى في مَوْضِعِ نَصْبٍ، والثّانِيَةُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ. وجَوَّزُوا في (فِيهِ رِجالٌ) أنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَسْجِدٍ، والحالَ، والِاسْتِئْنافَ. وفي الحَدِيثِ «قالَ لَهم: ”يا مَعْشَرَ الأنْصارِ رَأيْتُ اللَّهَ أثْنى عَلَيْكم بِالطَّهُورِ فَماذا تَفْعَلُونَ ؟“ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا رَأيْنا جِيرانَنا مِنَ اليَهُودِ يَتَطَهَّرُونَ بِالماءِ يُرِيدُونَ الِاسْتِنْجاءَ بِالماءِ فَفَعَلْنا ذَلِكَ، فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ لَمْ نَدَعْهُ فَقالَ: ”فَلا تَدَعُوهُ إذًا“» وفي بَعْضِ ألْفاظِ هَذا الحَدِيثِ زِيادَةٌ واخْتِلافٌ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في الِاسْتِنْجاءِ بِالحِجارَةِ أوْ بِالماءِ، أيُّهِما أفْضَلُ. ورَأتْ فِرْقَةٌ الجَمْعَ بَيْنَهُما، وشَذَّ ابْنُ حَبِيبٍ فَقالَ: لا يُسْتَنْجى بِالحِجارَةِ حَيْثُ يُوجَدُ الماءُ، فَعَلى ما رُوِيَ في هَذا الحَدِيثِ يَكُونُ التَّطْهِيرُ عِبارَةً عَنِ اسْتِعْمالِ الماءِ في إزالَةِ النَّجاسَةِ في الِاسْتِنْجاءِ. وقِيلَ: هو عامٌّ في النَّجاساتِ كُلِّها. وقالَ الحَسَنُ: مِنَ التَّطْهِيرِ مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ. وقِيلَ: يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا بِالحُمّى المُكَفِّرَةِ لِلذُّنُوبِ، فَحُمُّوا عَنْ آخِرِهِمْ. وفي دَلائِلَ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ: «أنَّ أهْلَ قُباءٍ شَكَوا الحُمّى، فَقالَ: ”إنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَأزالَها عَنْكم، وإنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُها لَكم طُهْرَةً“ فَقالُوا: بَلِ اجْعَلْها لَنا (p-١٠٠)طُهْرَةً» . ومَعْنى مَحَبَّتِهِمُ التَّطْهِيرُ أنَّهم يُؤْثِرُونَهُ ويَحْرِصُونَ عَلَيْهِ حِرْصَ المُحِبِّ الشَّيْءَ المُشْتَهى لَهُ عَلى أشْياءَ، ومَحَبَّةُ اللَّهِ إيّاهم أنَّهُ يُحْسِنُ إلَيْهِمْ كَما يَفْعَلُ المُحِبُّ بِمَحْبُوبِهِ. وقَرَأ ابْنُ مُصَرِّفٍ والأعْمَشُ: (يَطَّهَرُوا) بِالإدْغامِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي طالِبٍ: (المُتَطَهِّرِينَ) .
{"ayahs_start":107,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","لَا تَقُمۡ فِیهِ أَبَدࣰاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ یَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِیهِۚ فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق