الباحث القرآني
لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ أصْنافَ المُنافِقِينَ، وبَيَّنَ طَرائِقَهُمُ المُخْتَلِفَةَ، عَطَفَ عَلى ما سَبَقَ هَذِهِ الطّائِفَةَ مِنهم، وهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: ومِنهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا عَلى أنَّ الَّذِينَ مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ مِنهُمُ المَحْذُوفُ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما تَقَدَّمَها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الذَّمِّ.
وقَرَأ المَدَنِيُّونَ وابْنُ عامِرٍ " الَّذِينَ اتَّخَذُوا " بِغَيْرِ واوٍ، فَتَكُونُ قِصَّةً مُسْتَقِلَّةً، المَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ لا تَقُمْ قالَهُ الكِسائِيُّ.
وقالَ النَّحّاسُ: إنَّ الخَبَرَ هو ﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا﴾ وقِيلَ: الخَبَرُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ يُعَذَّبُونَ، وسَيَأْتِي بَيانُ هَؤُلاءِ البانِينَ لِمَسْجِدِ الضِّرارِ، وضِرارًا مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ، أوْ عَلى العِلِّيَّةِ ﴿وكُفْرًا وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وإرْصادًا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى ضِرارًا.
فَقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنَّ الباعِثَ لَهم عَلى بِناءِ هَذا المَسْجِدِ أُمُورٌ أرْبَعَةٌ: الأوَّلُ: الضِّرارُ لِغَيْرِهِمْ، وهو المُضارَرَةُ.
الثّانِي: الكُفْرُ بِاللَّهِ والمُباهاةُ لِأهْلِ الإسْلامِ، لِأنَّهم أرادُوا بِبِنائِهِ تَقْوِيَةَ أهْلِ النِّفاقِ.
الثّالِثُ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، لِأنَّهم أرادُوا أنْ لا يَحْضُرُوا مَسْجِدَ قُباءٍ فَتَقِلُّ جَماعَةُ المُسْلِمِينَ، وفي ذَلِكَ مِنِ اخْتِلافِ الكَلِمَةِ وبُطْلانِ الأُلْفَةِ ما لا يَخْفى.
الرّابِعُ: الإرْصادُ لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أيِ: الإعْدادُ لِأجْلِ مَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولِهِ.
قالَ الزَّجّاجُ: الإرْصادُ الِانْتِظارُ.
وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الإرْصادُ الِانْتِظارُ مَعَ العَداوَةِ.
وقالَ الأكْثَرُونَ: هو الإعْدادُ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ، يُقالُ: أرْصَدْتُ لِكَذا: إذا أعْدَدْتُهُ مُرْتَقِبًا لَهُ بِهِ.
وقالَ أبُو زَيْدٍ: يُقالُ رَصَدَتْهُ وأرْصَدْتُهُ في الخَيْرِ، وأرْصَدْتُ لَهُ في الشَّرِّ.
وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: لا يُقالُ إلّا أرْصَدْتُ، ومَعْناهُ ارْتَقَبْتُ، والمُرادُ بِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ: المُنافِقُونَ، ومِنهم أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ: أيْ أعَدُّوهُ لِهَؤُلاءِ وارْتَقَبُوا بِهِ وُصُولَهم وانْتَظَرُوهم لِيُصَلُّوا فِيهِ حَتّى يُباهُوا بِهِمُ المُؤْمِنِينَ، وقَوْلُهُ: مِن قَبْلُ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( اتَّخَذُوا ) أيِ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا مِن قَبْلِ أنْ يُنافِقَ هَؤُلاءِ ويَبْنُوا مَسْجِدَ الضِّرارِ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( حارَبَ ) أيْ: لِمَن وقَعَ مِنهُ الحَرْبُ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ مِن قَبْلِ بِناءِ مَسْجِدِ الضِّرارِ.
قَوْلُهُ: ﴿ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا إلّا الحُسْنى﴾ أيْ ما أرَدْنا إلّا الخَصْلَةَ الحُسْنى، وهي الرِّفْقُ بِالمُسْلِمِينَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ فِيما حَلَفُوا عَلَيْهِ.
ثُمَّ نَهى اللَّهُ سُبْحانَهُ رَسُولَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنِ الصَّلاةِ في مَسْجِدِ الضِّرارِ، فَقالَ: ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾ أيْ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ، والنَّهْيُ عَنِ القِيامِ فِيهِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنِ الصَّلاةِ فِيهِ.
وقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الصَّلاةِ بِالقِيامِ، يُقالُ فُلانٌ يَقُومُ اللَّيْلَ: أيْ يُصَلِّي، ومِنهُ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «مَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا بِهِ واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» .
ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عِلَّةَ النَّهْيِ عَنِ القِيامِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ واللّامُ في لَمَسْجِدٌ لامُ القَسَمِ، وقِيلَ: لامُ الِابْتِداءِ، وفي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ. وتَأْسِيسُ البِناءِ: تَثْبِيتُهُ ورَفْعُهُ، ومَعْنى تَأْسِيسِهِ عَلى التَّقْوى: تَأْسِيسُهُ عَلى الخِصالِ الَّتِي تَتَّقِي بِها العُقُوبَةَ.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، فَقالَتْ طائِفَةٌ: هو مَسْجِدُ قُباءٍ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والضَّحّاكِ، والحَسَنِ، والشَّعْبِيِّ، وغَيْرِهِمْ، وذَهَبَ آخَرُونَ إلى أنَّهُ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - والأوَّلُ: أرْجَحُ لِما سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ.
و﴿مِن أوَّلِ يَوْمٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( أُسِّسَ ): أيْ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ مِن أيّامِ تَأْسِيسِهِ.
قالَ بَعْضُ النُّحاةِ: إنَّ مِن هُنا بِمَعْنى مُنْذُ: أيْ مُنْذُ أوَّلِ يَوْمٍ ابْتُدِئَ بِبِنائِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.
والمَعْنى: لَوْ كانَ القِيامُ في غَيْرِهِ جائِزًا لَكانَ هَذا أوْلى بِقِيامِكَ فِيهِ لِلصَّلاةِ ولِذِكْرِ اللَّهِ، لِكَوْنِهِ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ، ولِكَوْنِ ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ أحَقِّيَّةِ قِيامِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فِيهِ: أيْ كَما أنَّ هَذا المَسْجِدَ أوْلى مِن جِهَةِ المَحَلِّ فَهو أوْلى مِن جِهَةِ الحالِ فِيهِ، ويَجُوزُ أنَّ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: حالَ كَوْنِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِفَةً أُخْرى لِ ( مَسْجِدٌ ) .
ومَعْنى مَحَبَّتِهِمْ لِلتَّطَهُّرِ: أنَّهم يُؤْثِرُونَهُ ويَحْرِصُونَ عَلَيْهِ عِنْدَ عُرُوضِ مُوجِبِهِ، وقِيلَ: مَعْناهُ: يُحِبُّونَ التَّطَهُّرَ مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ والِاسْتِغْفارِ، والأوَّلُ أوْلى.
وقِيلَ: يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا بِالحُمّى المُطَهِّرَةِ مِنَ الذُّنُوبِ فَحُمُّوا جَمِيعًا، وهَذا ضَعِيفٌ جِدًّا.
ومَعْنى مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمُ الرِّضا عَنْهم، والإحْسانُ إلَيْهِمْ كَما يَفْعَلُ المُحِبُّ بِمَحْبُوبِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ بَوْنًا بَعِيدًا، فَقالَ: ﴿أفَمَن أسَّسَ بُنْيانَهُ﴾ والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ التَّقْرِيرِيِّ، والبُنْيانُ مَصْدَرٌ كالعُمْرانِ، وأُرِيدَ بِهِ المَبْنِيُّ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. والمَعْنى: أنَّ مَن أسَّسَ بِناءَ دِينِهِ عَلى قاعِدَةٍ قَوِيَّةٍ مُحْكَمَةٍ، وهي تَقْوى اللَّهِ ورِضْوانُهُ، خَيْرٌ مِمَّنْ أسَّسَ دِينَهُ عَلى ضِدِّ ذَلِكَ، وهو الباطِلُ والنِّفاقُ، والمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ ( خَيْرٌ )، وقُرِئَ ﴿أسَّسَ بُنْيانَهُ﴾ عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْفاعِلِ، ونَصْبِ ( بُنْيانَهُ )، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدَةَ، وقُرِئَ عَلى البِناءِ لِلْمَجْهُولِ، وقُرِئَ " أساسُ بُنْيانِهِ " بِإضافَةِ ( أساسُ ) إلى ( بُنْيانِهِ )، وقُرِئَ " أُسُّ بُنْيانِهِ " والمُرادُ: أُصُولُ البِناءِ، وحَكى أبُو حاتِمٍ، قِراءَةً أُخْرى، وهي " آساسُ بُنْيانِهِ " عَلى الجَمْعِ، ومِنهُ:
؎أصْبَحَ المُلْكُ ثابِتَ الآساسِ بِالبَهالِيلِ مِن بَنِي العَبّاسِ
والشَّفا: الشَّفِيرُ، والجُرُفُ: ما يَتَجَرَّفُ بِالسُّيُولِ، وهي الجَوانِبُ الَّتِي تَنْجَرِفُ بِالماءِ، والِاجْتِرافُ: اقْتِلاعُ الشَّيْءِ مِن أصْلِهِ، وقُرِئَ بِضَمِّ الرّاءِ مِن جَرَفَ وبِإسْكانِها.
والهارُ: (p-٥٩٩)السّاقِطُ، يُقالُ هارِ البِناءِ: إذا سَقَطَ، وأصْلُهُ هائِرٌ كَما قالُوا: شاكِ السِّلاحِ وشائِكُ كَذا قالَ الزَّجّاجُ.
وقالَ أبُو حاتِمٍ،: إنَّ أصْلَهُ هاوِرٌ.
قالَ في شَمْسِ العُلُومِ: الجُرُفُ ما جَرَفَ السَّيْلُ أصْلَهُ، وأشْرَفَ أعْلاهُ فَإنِ انْصَدَعَ أعْلاهُ فَهو الهارُ اهـ، جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ هَذا مَثَلًا لِما بَنَوْا عَلَيْهِ دِينَهُمُ الباطِلَ المُضْمَحِلَّ بِسُرْعَةٍ، ثُمَّ قالَ: ﴿فانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ﴾ وفاعِلُ فانْهارَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى الجُرُفِ: أيْ فانْهارَ الجُرُفُ بِالبُنْيانِ في النّارِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ في بِهِ يَعُودُ إلى مَن، وهو البانِي.
والمَعْنى: أنَّهُ طاحَ الباطِلُ بِالبَنّاءِ، أوِ البانِي في نارِ جَهَنَّمَ، وجاءَ بِالِانْهِيارِ الَّذِي هو لِلْجُرُفِ تَرْشِيحًا لِلْمَجازِ، وسُبْحانَ اللَّهِ ما أبْلَغَ هَذا الكَلامَ، وأقْوى تَراكِيبَهُ، وأوْقَعَ مَعْناهُ، وأفْصَحَ مَبْناهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّ بُنْيانَهم هَذا مُوجِبٌ لِمَزِيدِ رَيْبِهِمْ، واسْتِمْرارِ تَرَدُّدِهِمْ وشَكِّهِمْ فَقالَ: ﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ﴾ أيْ شَكًّا في قُلُوبِهِمْ ونِفاقًا، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ:
؎حَلَفْتُ فَلَمْ أتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ∗∗∗ ولَيْسَ وراءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ
وقِيلَ: مَعْنى الرَّيْبِ: الحَسْرَةُ والنَّدامَةُ، لِأنَّهم نَدِمُوا عَلى بُنْيانِهِ.
وقالَ المُبَرِّدُ: أيْ حَرارَةً وغَيْظًا.
وقَدْ كانَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرارِ مُنافِقِينَ شاكِّينَ في دِينِهِمْ، ولَكِنَّهُمُ ازْدادُوا بِهَدْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - نِفاقًا وتَصْمِيمًا عَلى الكُفْرِ، ومَقْتًا لِلْإسْلامِ، لِما أصابَهم مِنَ الغَيْظِ الشَّدِيدِ والغَضَبِ العَظِيمِ بِهَدْمِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ ما يَدُلُّ عَلى اسْتِمْرارِ هَذِهِ الرِّيبَةِ ودَوامِها، وهو قَوْلُهُ: ﴿إلّا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ أيْ لا يَزالُ هَذا إلّا أنْ تَتَقَطَّعَ قُلُوبُهم قِطَعًا، وتَتَفَرَّقَ أجْزاءً: إمّا بِالمَوْتِ أوْ بِالسَّيْفِ، والمَقْصُودُ أنَّ هَذِهِ الرِّيبَةَ دائِمَةٌ لَهم ما دامُوا أحْياءً، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذِكْرُ التَّقَطُّعِ تَصْوِيرًا لِحالِ زَوالِ الرِّيبَةِ.
وقِيلَ: مَعْناهُ: إلّا أنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً تَتَقَطَّعُ بِها قُلُوبُهم نَدَمًا وأسَفًا عَلى تَفْرِيطِهِمْ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ وحَفَصٌ ويَعْقُوبُ وأبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ حَرْفِ المُضارَعَةِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ بِضَمِّها.
ورُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ أنَّهُ قَرَأ " تَقْطَعَ " بِالتَّخْفِيفِ، والخِطابُ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: أيْ إلّا أنْ تَقْطَعَ يا مُحَمَّدُ قُلُوبَهم.
وقَرَأ أصْحابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " ولَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهم " .
وقَرَأ الحَسَنُ ويَعْقُوبُ وأبُو حاتِمٍ، " إلى أنْ تُقْطَعَ " عَلى الغايَةَ، أيْ لا يَزالُونَ كَذَلِكَ إلى أنْ يَمُوتُوا.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا﴾ قالَ: هم أُناسٌ مِنَ الأنْصارِ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا، فَقالَ لَهم أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ: ابْنُوا مَسْجِدَكم واسْتَمِدُّوا بِما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وسِلاحٍ فَإنِّي ذاهِبٌ إلى قَيْصَرَ مِلْكِ الرُّومِ، فَآتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ، فَلَمّا فَرَغُوا مِن مَسْجِدِهِمْ أتَوُا النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالُوا: قَدْ فَرَغْنا مِن بِناءِ مَسْجِدِنا فَيَجِبُ أنْ تَصِلِي فِيهِ وتَدْعُوَ بِالبَرَكَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْهُ قالَ: «لَمّا بَنى رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مَسْجِدَ قُباءٍ خَرَجَ رِجالٌ مِنَ الأنْصارِ مِنهم بَجْدَحٌ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْفٍ، ووَدِيعَةُ بْنُ حِزامٍ، ومُجَمِّعُ بْنُ جارِيَةَ الأنْصارِيُّ، فَبَنَوْا مَسْجِدَ النِّفاقِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لِبَجْدَحٍ: ويْلَكَ يا بَجَدْحُ ما أرَدْتَ إلى ما أرى ؟ ! فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ واللَّهِ ما أرَدْتُ إلّا الحُسْنى وهو كاذِبٌ، فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وأرادَ أنْ يَعْذِرَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وإرْصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ يَعْنِي رَجُلًا يُقالُ لَهُ أبُو عامِرٍ كانَ مُحارِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وكانَ قَدِ انْطَلَقَ إلى هِرَقْلَ، وكانُوا يَرْصُدُونَ إذا قَدِمَ أبُو عامِرٍ أنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وكانَ قَدْ خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ مُحارِبًا لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْهُ أيْضًا قالَ: «دَعا رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ، فَقالَ مالِكٌ لِعاصِمٍ: أنْظِرْنِي حَتّى أخْرُجَ إلَيْكَ بِنارٍ مِن أهْلِي، فَدَخَلَ عَلى أهْلِهِ فَأخَذَ سَعَفاتٍ مِن نارٍ ثُمَّ خَرَجُوا يَشْتَدُّونَ حَتّى دَخَلُوا المَسْجِدَ وفِيهِ أهْلُهُ فَحَرَقُوهُ وهَدَمُوهُ، وخَرَجَ أهْلُهُ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ» .
ولَعَلَّ في هَذِهِ الرِّوايَةِ حَذْفًا بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - دَعا رَسُولُ اللَّهِ مالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ وبَيْنَ قَوْلِهِ: فَقالَ مالِكٌ لِعاصِمٍ، ويُبَيِّنُ ذَلِكَ ما أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي رُهْمٍ كُلْثُومِ بْنِ الحُصَيْنِ الغِفارِيِّ، وكانَ مِنَ الصَّحابَةِ الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ قالَ: «أقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - حَتّى نَزَلَ بِذِي أوانٍ بَلَدٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَدِينَةِ ساعَةً مِن نَهارٍ، وكانَ أصْحابُ مَسْجِدِ الضِّرارِ قَدْ كانُوا أتَوْهُ وهو يَتَجَهَّزُ إلى تَبُوكَ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا بَنِينا مَسْجِدًا لِذِي العِلَّةِ والحاجَةِ واللَّيْلَةِ الشّاتِيَةِ واللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ، وإنّا نُحِبُّ أنْ تَأْتِيَنا فَتُصَلِّيَ لَنا فِيهِ، قالَ: إنِّي عَلى جَناحِ سَفَرٍ، ولَوْ قَدِمْنا إنْ شاءَ اللَّهُ أتَيْناكم فَصَلَّيْنا لَكم فِيهِ، فَلَمّا نَزَلَ بِذِي أوانٍ أتاهُ خَبَرُ المَسْجِدِ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ أخا بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ، ومَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ، وأخاهُ عاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أحَدَ بَنِي العَجْلانِ، فَقالَ: انْطَلِقا إلى هَذا المَسْجِدِ الظّالِمِ أهْلُهُ فاهْدِماهُ وحَرِّقاهُ، فَخَرَجا سَرِيعَيْنِ حَتّى أتَيا بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وهم رَهْطُ مالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ، فَقالَ مالِكٌ لِمَعْنٍ: أنْظِرْنِي حَتّى أخْرُجَ إلَيْكَ، فَدَخَلَ إلى أهْلِهِ فَأخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ فَأشْعَلَ فِيهِ نارًا، ثُمَّ خَرَجا يَشْتَدّانِ، وفِيهِ أهْلُهُ فَحَرَّقاهُ وهَدَّماهُ وتَفَرَّقُوا عَنْهُ، ونَزَلَ فِيهِمْ مِنَ القُرْآنِ ما نَزَلَ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا﴾» إلى آخِرِ القِصَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، إنَّ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرارِ كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وذَكَرا أسْماءَهم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وأبُو يَعْلى، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ حِبّانَ، وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: «اخْتَلَفَ رَجُلانِ: رَجُلٌ مِن بَنِي خُدْرَةَ، وفي لَفْظٍ: تَمارَيْتُ أنا ورَجُلٌ مِن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ في المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، فَقالَ الخُدْرِيُّ: هو مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وقالَ العُمَرِيُّ: هو مَسْجِدُ قُباءٍ، فَأتَيا رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَسَألاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: هو هَذا المَسْجِدُ لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ، وقالَ: في ذَلِكَ خَيْرٌ (p-٦٠٠)كَثِيرٌ، يَعْنِي مَسْجِدَ قُباءٍ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والزُّبَيْرُ بْنُ بَكارٍ في أخْبارِ المَدِينَةِ، وأبُو يَعْلى، وابْنُ حِبّانَ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ في الكُنى، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والخَطِيبُ، والضِّياءُ في المُخْتارَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: «سَألْتُ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنِ المَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى قالَ: هو مَسْجِدِي هَذا» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، والضِّياءُ المَقْدِسِيُّ في المُخْتارَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والطَّبَرانِيُّ، مِن طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمِ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
قالَ عُرْوَةُ: مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنهُ، إنَّما أُنْزِلَتْ في مَسْجِدِ قُباءٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى: مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
وأخْرَجَ المَذْكُورانِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ مِثْلَهُ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ غَيْرِ هَؤُلاءِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّهُ مَسْجِدُ قُباءٍ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الضَّحّاكِ، مِثْلَهُ.
ولا يَخْفاكَ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قَدْ عَيَّنَ هَذا المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، وجَزَمَ بِأنَّهُ مَسْجِدُهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كَما قَدَّمْنا مِنَ الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَلا يُقاوِمُ ذَلِكَ قَوْلُ فَرْدٍ مِنَ الصَّحابَةِ ولا جَماعَةٍ مِنهم ولا غَيْرِهِمْ ولا يَصِحُّ لِإيرادِهِ في مُقابَلَةِ ما قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ولا فائِدَةَ في إيرادِ ما ورَدَ في فَضْلِ الصَّلاةِ في مَسْجِدِ قُباءٍ، فَإنَّ ذَلِكَ لا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، عَلى أنَّ ما ورَدَ في فَضائِلِ مَسْجِدِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أكْثَرُ مِمّا ورَدَ في فَضْلِ مَسْجِدِ قُباءٍ بِلا شَكٍّ ولا شُبْهَةٍ تَعُمُّ.
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أهْلِ قُباءٍ ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ قالَ: وكانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالماءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ» الآيَةُ، وفي إسْنادِهِ يُونُسُ بْنُ الحارِثِ، وهو ضَعِيفٌ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إلى عُوَيْمِ بْنِ ساعِدَةَ فَقالَ: ما هَذا الطُّهُورُ الَّذِي أثْنى اللَّهُ عَلَيْكم ؟، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ما خَرَجَ مِنّا رَجُلٌ ولا امْرَأةٌ مِنَ الغائِطِ إلّا غَسَلَ فَرْجَهُ، أوْ قالَ: مَقْعَدَتَهُ، فَقالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: هو هَذا» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، «عَنْ عُوَيْمِ بْنِ ساعِدَةَ الأنْصارِيِّ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أتاهم في مَسْجِدِ قُباءٍ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّناءَ في الطُّهُورِ في قِصَّةِ مَسْجِدِكم، فَما هَذا الطُّهُورُ الَّذِي تَتَطَهَّرُونَ بِهِ ؟، قالُوا: واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ ما نَعْلَمُ شَيْئًا إلّا أنَّهُ كانَ لَنا جِيرانٌ مِنَ اليَهُودِ، فَكانُوا يَغْسِلُونَ أدْبارَهم مِنَ الغائِطِ فَغَسَلْنا كَما غَسَلُوا»، رَواهُ أحْمَدُ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
حَدَّثَنا أبُو أُوَيْسٍ حَدَّثَنا شُرَحْبِيلُ عَنْ عُوَيْمِ بْنِ ساعِدَةَ فَذَكَرَهُ.
وقَدْ أخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ في صَحِيحِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ الجارُودِ في المُنْتَقى، والدّارَقُطْنِيُّ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نافِعٍ قالَ: حَدَّثَنِي أبُو أيُّوبَ وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ «أنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمّا نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: يا مَعْشَرَ الأنْصارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أثْنى عَلَيْكم خَيْرًا في الطُّهُورِ فَما طُهُورُكم هَذا ؟، قالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ ونَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ، قالَ: فَهَلْ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ ؟، قالُوا: لا، غَيْرَ أنَّ أحَدَنا إذا خَرَجَ إلى الغائِطِ أحَبَّ أنْ يَسْتَنْجِيَ بِالماءِ، قالَ: هو ذاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، والبُخارِيُّ، في تارِيخِهِ وابْنُ جَرِيرٍ، والبَغَوَيُّ في مُعْجَمِهِ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: «لَمّا أتى رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مَسْجِدَ قُباءٍ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أثْنى عَلَيْكم في الطُّهُورِ خَيْرًا أفَلا تُخْبِرُونِي ؟ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا لِنَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنا في التَّوْراةِ الِاسْتِنْجاءُ بِالماءِ، ونَحْنُ نَفْعَلُهُ اليَوْمَ» .
وإسْنادُ أحْمَدَ، في هَذا الحَدِيثِ هَكَذا: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنِي مالِكٌ يَعْنِي ابْنِ مِغْوَلٍ سَمِعْتُ سَيّارًا أبا الحاكِمِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ في ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ نَحْوُ هَذا.
ولا يَخْفاكَ أنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأحادِيثِ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ مَسْجِدِ قُباءٍ وأهْلِهِ، وبَعْضَها ضَعِيفٌ، وبَعْضَها لا تَصْرِيحَ فِيهِ بِأنَّ المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى هو مَسْجِدُ قُباءٍ، وعَلى كُلِّ حالٍ لا تُقاوِمُ تِلْكَ الأحادِيثَ المُصَرِّحَةَ بِأنَّ المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى هو مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في صِحَّتِها وصَراحَتِها.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿فانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ﴾ قالَ: يَعْنِي قَواعِدَهُ في نارِ جَهَنَّمَ.
وأخْرَجَ مُسَدَّدٌ في مُسْنَدِهِ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: لَقَدْ رَأيْتُ الدُّخانَ يَخْرُجُ مِن مَسْجِدِ الضِّرارِ حَيْثُ انْهارَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ﴾ قالَ: يَعْنِي الشَّكَّ ﴿إلّا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ يَعْنِي المَوْتَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ في قَوْلِهِ: ﴿رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ﴾ قالَ: غَيْظًا في قُلُوبِهِمْ ﴿إلّا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ قالَ: إلى أنْ يَمُوتُوا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سُفْيانَ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهم﴾ قالَ: إلّا أنْ يَتُوبُوا.
{"ayahs_start":107,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","لَا تَقُمۡ فِیهِ أَبَدࣰاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ یَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِیهِۚ فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ","أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡیَـٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَ ٰنٍ خَیۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡیَـٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارࣲ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِی نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","لَا یَزَالُ بُنۡیَـٰنُهُمُ ٱلَّذِی بَنَوۡا۟ رِیبَةࣰ فِی قُلُوبِهِمۡ إِلَّاۤ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا وَكُفۡرࣰا وَتَفۡرِیقَۢا بَیۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَإِرۡصَادࣰا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَیَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق