الباحث القرآني
قوله تعالى: {عَنِ الخمر والميسر} : الخمرُ: المُعْتَصَرُ من العِنَبِ إذا غَلى وقَذَفَ بالزَّبَدِ، ويُطْلَقُ على ما غلى وقَذَف بالزَّبَد من غيرِ ماءِ العنب مجازاً.
وفي تسميِتها «خمراً» أربعةُ أقوال، أحدُها: - وهو المشهورُ - أنها سُمِّيتْ بذلك لأنهَا تَخْمُر العقلَ أي تستُرُه، ومنه: خِمارُ المرأة لسَتْرِهِ وَجْهَها، و: «خامِري حَضاجِرُ، أتَاك ما تُحَاذِرُ» يُضْرَبُ للأحمقِ، وحضاجرُ عَلَمٌ للضبُع، أي: استتر عن الناس. ودخَل في خِمار الناس وغِمارهم. وفي الحديث: «خَمِّروا آنيتَكم» ، وقال:
941 - ألا يا زيدُ والضحاكَ سِيرا ... فَقَدْ جاوَزْتُما خَمَرَ الطرِيقِ
أي: ما يَسُْرُكما من شجرٍ وغيرِه. وقال العَّجاج يصف مسير جيشٍ ظاهر: 942 - في لامعِ العِقْبَانِ لا يَمْشِي الخَمَرْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والثاني: لأنها تُغَطَّى حتى تُدْرَكَ وتشتدَّ، ومنه «خَمِّروا آنيتَكم»
والثالث: - قال ابنُ الأنباري - لأنها تخامِرُ العقلَ أي: تخالِطُه، يقال: خامره الداءُ أي: خالَطَه. والرابع: لأنها تُتْرَكُ حتى تُدْرَكَ، ومنه: «اختمر العجينُ» أي: بَلَغَ إدراكُه، وخَمَّر الرأيَ أي: تركَه حتى ظهرَ له فيه وجهُ الصوابِ، وهذه أقوالٌ متقاربةٌ. وعلى هذه الأقوال كلِّها تكونُ الخمرُ في الأصل مصدراً مراداً به اسمُ الفاعلِ أو اسمُ المفعولِ.
والمَيْسِرُ: القِمار، مَفْعِل من اليُسْر، يقال: يَسَرَ يَيْسِر. قال علقمة:
943 - لو يَيْسِرون بخيلٍ قد يَسَرْتُ بها ... وكلُّ ما يَسَرَ الأقَوامُ مَغْرومُ
وقال آخر:
944 - أقولُ لهم بالشِّعْبِ إذ يَيْسِرونَني ... ألم تَيْئَسوا أني ابنُ فارسِ زَهْدَمِ
وفي اشتقاقِه أربعةُ أقوال، أحدُها: من اليُسْر وهو السهولةُ، لأنَّ أَخْذَه سهل. الثاني: من اليَسار وهو الغنى، لأنه يَسْلُبه يساره، الثالثة: مِنْ يَسَر لي كذا أي: وَجَب، حكَاه الطبري عن مجاهد. وردَّ ابنُ عطية عليه. الرابع: من يَسَر إذا جَزَر، والياسرُ الجازرُ، وهو الذي يُجَزِّىء الجَزُور أجزاءً. قال ابن عطية: «وسُمِّيت الجَزُور التي يُسْتَهَمُ عليها مَيْسِراً لأنَّها موضعُ اليُسْرِ، ثم سُمِّيت السهامُ مَيْسِراً للمجاورة» واليَسَرُ: الذي يَدْخُل في الضربِ بالقِدَاح، ويُجْمع على أَيْسار، وقيل، بل «يُسَّر» جمع ياسِر كحارِس وحُرَّس وأَحْراس.
وللميسر كيفيةٌ، ولسهامه - وتُسَمَّى القِداحَ والأزلامَ أيضاً - أسماءٌ لا بُدَّ من ذِكْرها لتوقَّفِ المعنى عليها. فالكيفيةُ أنَّ لهم عشرةَ أقداح وقيل أحدَ عشرَ، لسبعةٍ منها حظوظٌ، وعلى كل منها خطوطٌ، فالخطُّ يقدِّرُ الحَظَّ، وتلك القداحُ هي: الفَذُّ وله سهمٌ واحد، والتَّوْءَمُ وله اثنان، والرقيبُ وله ثلاثةُ، والحِلْسُ وله أربعةٌ، والنافِسُ وله خمسةٌ، والمُسْبِلُ وله ستةٌ، والمُعَلَّى وله سبعةٌ، وثلاثةٌ أغفالٌ لا خطوطَ عليها وهي المَنِيح والسَّفِيح والوَغْدُ، ومَنْ زاد رابعاً سمَّاه المُضَعَّفُ. وإنما كَثُروا بهذه الأغفالِ ليختلطَ على الحُرْضَة وهو الضاربُ، فلا يميلُ مع أحدٍ، وهو رجلٌ عَدْلٌ عندهم، فيجثوا ويلتحِفُ بثوبٍ، ويُخْرِج رأسه، فيجعلُ تلك القداحَ في الرِّبابة وهي الخَريطةُ، ثم يُخَلْخِلُها ويُدْخِلُ يده فيها، ويُخْرِجُ باسم رجلٍ رجلٍ قَدَحاً فَمَنْ خَرَجَ على اسمه قدحٌ: فإنْ كانَ من ذوات السهام فاز بذلك النصيبِ وأخذَه، وإنْ كان من الأغفال غرِّم من الجَزور، وكانوا يفعلون هذا في الشَّتْوة وضيقِ العيش، ويُقَسِّمونه على الفقراء ولا يأكلون منه شيئاً، ويفتخرون بذلك، ويسمون مَنْ لم يَدْخُل معهم فيه: البَرَم، والجَزورُ تُقْسَمُ عند الجمهور على عددِ القداحِ فتقسَمُ عشرةَ أجزاء، وعند الأصمعي على عددِ خطوط القداحِ، فتقسم على ثمانيةٍ وعشرين جزءاً.
وخَطَّأ ابنُ عطية الأصمعيَّ في ذلك، وهذا عجيبٌ منه، لأنه يُحْتَمل أنَّ العربَ كانت تقسِّمُها مرةً على عشرةٍ ومرةً على ثمانية وعشرين/.
وقولُه {عَنِ الخمر} لا بد من حذفِ مضافٍ، إذ السؤالُ عن ذَاتَيْ الخمرِ والميسرِ غيرُ مُرادٍ. والتقدير. عن حكمِ الخمرِ والميسرِ حِلاًّ، وحُرْمَةً، ولذلك جاء الجوابُ مناسباً لهذا المُقَدَّرِ.
قوله: {فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} الجارُّ خبرٌ مقدمٌ، و «إثمٌ» مبتدأٌ مؤخر، وتقديمُ الخبرِ هنا ليس بواجبٍ وإن كان المبتدأُ نكرةً، لأنَّ هنا مسوغاً آخر، وهو الوصفُ أو العطفُ، ولا بد من حَذْفِ مضافٍ أيضاً، أي: في تعاطِيهما إثمٌ، لأنَّ الإِثمَ ليس في ذاتِهما.
وقرأ حمزةُ الكسائي: «كثيرٌ» بالثاء المثلثة، والباقونَ بالباء ثانيةِ الحروفِ. ووجهُ قراءةِ الجمهور واضح، وهو أن الإِثمَ يُوصف بالكِبرَ، ومنه آية {حُوباً كَبِيراً} [النساء: 2] . وسُمِّيت الموبِقات: «الكبائر» ، ومنه قولُه تعالى: {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم} [الشورى: 37] ، وشربُ الخمرِ والقمارُ من الكبائرِ، فناسب وصفُ إثمهما بالكِبَر، وقد أجمعَتِ السبعةُ على قوله: «وإثْمهما أكبرُ» بالباء الموحَّدة، وهذه توافقها لفظاً.
وأمَّا وجهُ قراءة الأَخَوَين: فإمَّا باعتبارِ الآثمين من الشاربين والمقامرين فلكلِّ واحدٍ إثمٌ، وإما باعتبارِ ما يترتب على تعاطيهما من توالي العقابِ وتضعيفه، وإمّا باعتبارِ ما يترتَّبُ على شُرْبها مِمَّا يصدُر من شاربها من الأقوال السيئة والأفعال القبيحةِ، وإمَّا باعتبار مَنْ يزاولها من لَدُنْ كانت عِنباً إلى أن شُربَتْ، فقد لَعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمر، ولعن معها عشرةً: بائِعَها ومُبتاعَها، فناسَب ذلك أن يُوصَف إثمُها بالكثرةِ. وأيضاً فإن قوله: «إثم» مقابلٌ ل «منافع» و «منافع» جمعٌ، فناسَبَ أن تُوصفَ مقابلةً بمعنى الجمعية وهو الكَثْرَةُ. وهذا الذي ينبغي أن يفعله الإِنسانُ في القرآن، وهو أن يَذْكر لكلِّ قراءةٍ توجيهاً من غير تعرُّضٍ لتضعيفِ القراءة الأخرى كما فعل بعضهُم، وقد تقدَّم فصلٌ صالحٌ من ذلك في قراءَتَيْ: «مَلِكَ» و «مالِك» .
وقال أبو البقاء: «الأحسنُ القراءةُ بالباء لأنه يُقال: إثمٌ كبير وصغير، ويُقال في الفواحش العظامِ» الكَبائرُ «، وفيما دونَ ذلك» الصغائرُ «وقد قُرىء بالثاءِ وهو جَيدٌ في المعنى، لأن الكثرةَ كِبر، والكثيرَ كبيرٌ، كما أنَّ الصغيرَ حقيرٌ ويَسيرٌ.
{"ayah":"۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِۖ قُلۡ فِیهِمَاۤ إِثۡمࣱ كَبِیرࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَاۤ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَیَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق