الباحث القرآني
الفاعل في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يعود إلى الصحابة رضي الله عنهم، والضمير المفعول به ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يعود إلى النبي ﷺ، وقد أنزل الله تعالى في الخمر أربع آيات: آية تبيحه، وآية تعرّض بتحريمه، وآية تمنعه في وقت من الأوقات، وآية تمنعه دائمًا، أما الآية التي تبيحه فهي قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل ٦٧]، وأما الآية التي تُعرّض به؛ أي بالتحريم فهذه الآية التي معنا، وأما الآية التي تمنعه في وقت دون آخر فآية النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾، وأما الآية التي تمنعه مطلقًا فآية المائدة التي نزلت في السنة الثامنة من الهجرة، فيكون تحريم الخمر تحريمًا باتًّا متأخرًا إلى السنة الثامنة من الهجرة.
وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ سبب سؤالهم هو أن الإنسان العاقل إذا رأى ما يترتب على الخمر والميسر من المضار التي تخالف الفطرة فلا بد أن يكون عنده إشكال في ذلك، ولهذا سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عنهم عن حكمهما لا عن معناهما؛ لأن المعنى معلوم، لكن عن الحكم، وقد سبق لنا أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي عليه الصلاة والسلام أسئلة كثيرة، لكن في القرآن كم سؤالًا سألوا الرسول؟
* طالب: ثلاثة عشر.
* طالب آخر: اثنا عشر.
* الشيخ: اثنا عشر أو ثلاثة عشر؟ المعروف أنها اثنا عشر سؤالًا.
وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ﴾ الخمر من أين هو مشتق؟ قيل: إنه مشتق من (خَمَرْتُه أخْمِرُه) إذا غطيته، فهو من التغطية، وقيل: إنه مشتق من (خَامَره يُخامِره) إذا خالطه، والصحيح أنه مشتق من الأمرين جميعًا؛ وذلك لأن الخمر يخالط العقل ويغطي العقل أيضًا، فهو يخالطه، ثم بعد ذلك يغطيه حتى يُلحق صاحبه بالمجانين الذين لا عقول لهم.
ثم ما هو الخمر؟ هل الخمر ما أسكر من نبيذ العنب فقط؟ أو الخمر ما أسكر من أي شيء كان؟
الصواب: أن الخمر ما أسكر من أي شيء كان، ولا نقول: إن هذا من باب الاصطلاح الفقهي، بل هو من باب المعنى اللغوي، والدليل على ذلك أن النبي ﷺ وهو أفصح العرب قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»[[أخرجه مسلم (٢٠٠٣ / ٧٣) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]] فبين التعريف والحكم -عليه الصلاة والسلام- في هذا، «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» هذا التعريف، وكل مسكر حرام، هذا الحكم، وعلى هذا فلا يتقيد بشيء من الأشياء؛ لا بعنب، ولا بتمر، ولا بشعير، ولا بعسل، ولا ببُرّ، ولا بغير ذلك، كل ما أسكر فإنه خمر، فالخمر كل مسكر، ولكن ما معنى الإسكار؟
قال العلماء: معنى الإسكار هو تغطية العقل على سبيل اللذة والطرب، ما هو مجرد ما يفقد الإنسان وعيه يكون سكرانًا، فإن (البنج) مثلًا يغطي العقل، لكن لا على سبيل اللذة والطرب، فلا يكون مسكرًا، إنما الخمر يغطي العقل على سبيل اللذة والطرب، ولهذا السكران يرى نفسه في بحبوحة من العيش، وكأنه ملك من الملوك وكأنه مالك لكل شيء، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
؎وَنَشْرَبُهَـــا فَتَتْرُكُنَــــا مُلُوكًـــــا ∗∗∗ .......................
يعني: تتركنا كالملوك في تخيل الإنسان نفسه، وكما يشهد لذلك الواقع أيضًا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاء إلى حمزة بن عبد المطلب حين شرب فسكر فغنَّته جاريته:
؎أَلَا يَا حَمزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ ∗∗∗ ........................
وكان قد مر به ناضحانِ لعلي بن أبي طالب، قام رضي الله عنه -أي: حمزة- فجبّ أسنمتهما، وأظنه بقر بطونهما أيضًا، فجاء علي بن أبي طالب إلى رسول الله ﷺ يشكو، فلما أقبل النبي عليه الصلاة والسلام إلى حمزة وجده قد ثمل، ولم يصحو بعد فكلّمه، فقال له حمزة بن عبد المطلب: هل أنتم إلا عبيد أبي؟[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠٩١)، ومسلم (١٩٧٩ / ١) من حديث علي بن أبي طالب.]]. هذا يدل على أن عنده في تلك الساعة نشوة وطرب وعلو وارتفاع ولهذا قال: هل أنتم إلا عبيد أبي؟
هذا هو الخمر وهذا هو اشتقاقه، أما حكمه فإنه سيبيّن في هذه الآية. وقوله: ﴿وَالْمَيْسِرِ﴾ ﴿الْمَيْسِرِ﴾ قيل: إنه مأخوذ من (اليُسْر)، وقيل: مأخوذ من الإيسار، والمادة كما تشاهدون تشتمل على الياء والسين والراء، والحق أنه مأخوذ من الأمرين جميعًا، ففيه يسر وفيه إيسار، كما أن فيه إعسارًا أيضًا، الميسر هو المغالبات والمقامرات بالعوض، المغالبات في العوض هذا هو الميسر، مشتق من (اليُسْر)؛ لأن الإنسان يكتسب فيه المال الكثير بيسر وسهولة، مشتق من (الإيسار)؛ لأن هذا الكاسب يكون بعد الفقر موسرًا، فهو مشتق من المعنيين جميعًا. وكانوا -أي العرب في الجاهلية- يستعملون هذه المغالبة والمقامرة؛ يستعملونها بالأقداح وبالأزلام، وأحيانًا يستعملونها بغير ذلك، والمهم المعنى دون الصورة، فلو تقامرنا على شيء من المال بأي صفة من الصفات فإن ذلك يعتبر ميسرًا، ومن ذلك ما يسمى بالحظ والنصيب؛ فإنه ميسر، ومن ذلك التأمينات على الأموال، على السيارات، أو على البضائع، أو على البيوت، أو على النفوس، أو ما أشبه ذلك، فإنها من الميسر؛ يعني فيها مغالبة في الحقيقة، فإن هذا الدافع للتأمين قد يربح وقد يخسر؛ لأنه إن سلم صار خاسرًا، إن سلم كان خاسرًا؟!
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: كيف السالم هو الخاسر؟! لأنه أخذ منه العوض بدون مقابل، إن سلم فهو خاسر وإن خسر فهو غانم، إذا حصل حادث أكثر مما بذل مثل أن يكون دفع قيمة التأمين خمس مئة ريال، ثم حصل عليه حادث بخمسة آلاف ريال صار غانمًا؛ يعني صار أخذ أكثر مما دفع، وهذا هو مبنى الميسر؛ أن يكون مبنيًّا على الحظ والنصيب، يكسب الإنسان الشيء بدون حق، فهذا حرام سيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
* طالب: ومنها المراهنة، يا شيخ؟
* الشيخ: إيه، والمراهنة منها؛ من الميسر، لو قال: أنا أقول: كذا وكذا، فقال الثاني: أنا أقول: كذا وكذا، قال: يلّا اللي يُغلب منا عليه كذا وكذا، هذا منه، وسيأتينا إن شاء الله في الفوائد أن الشرع استثنى من ذلك ثلاثة أمور وهي: النصل، والخُف، والحافر.
قال الله تعالى في الجواب: ﴿قُلْ﴾ يعني: قل للسائلين، أو قل لجميع الناس؟
* طلبة: لجميع الناس.
* طالب: ليس الكل.
* الشيخ: نعم، ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ يعني: قل لجميع الأمة، كما قال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور ٣٠] مثلًا، وهنا يمكن أن نأخذ قاعدة، وهي: أنه قد يكون الجواب موجهًا إلى أكثر من السائل كما قالوا في الحكم: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهنا قد نقول: إن السائل قوم معينون، ولكن الجواب لهم ولغيرهم.
﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ وفي قراءة: ﴿إِثْمٌ كَثِيرٌ﴾ ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَثِيرٌ﴾ ﴿فِيهِمَا﴾ أي: في الخمر والميسر، ﴿إِثْمٌ﴾ ما هو الإثم؟ الإثم هو العقوبة، أو ما كان سببًا للعقوبة، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة ٢]. ويقال: فلان آثم؛ يعني: مستحق للعقوبة.
وقوله: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ والقراءة أخرى: ﴿كَثِيرٌ﴾ الفرق بينهما أن الكِبَر يعود إلى الكيفية، والكثرة تعود إلى الكمية؛ فالمعنى أن فيهما إثمًا كثيرًا بحسب ما يتعامل بهما الإنسان، والإنسان المبتلى بذلك -والعياذ بالله- ما يكاد يفلت منه، وهذا يستلزم تعدد الفعل منه، وتعدد الفعل يستلزم كثرة الإثم، كذلك أيضًا الإثم فيها كبير؛ يعني عظيم؛ لأنهما يتضمنان مفاسد كثيرة في العقل، والدين، والبدن، والاجتماع، والسلوك، وقد ذكر محمد رشيد رضا -رحمه الله- في هذا المكان، ذكر لهما أضرارًا كثيرة جدًّا، من قرأ هذه الأضرار عرف كيف عبّر الله عن ذلك بقوله: ﴿إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ أو ﴿إِثْمٌ كَثِيرٌ﴾ . هل هاتان القراءتان تتنافيان؟ لا، كيف ما يتنافيان؟ لماذا لا يتنافيان؟ نقول: لأنه يمكن اجتماعهما فيكون الإثم كثيرًا باعتبار آحاده، كبيرًا باعتبار كيفيته، وأنت قد يكون عندك عشر من الحمام، وعشرون من الإبل، عشرون من الإبل فضلت عشرًا من الحمام بماذا؟ بالكمية والكيفية، وهذا ليس بممتنع.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ منافع جمع (منفعة)، وهي من صيغة منتهى الجموع، ولهذا قال: ﴿مَنَافِعُ﴾ ولم يقل: منافعٌ؛ لأنها اسم لا ينصرف، وصيغة منتهى الجموع تدل على الكثرة؛ لأنها صيغة منتهى الجموع، ففيهما منافع كثيرة عظيمة، فإن قلت: كيف قال الله عز وجل: ﴿مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ بهذا الجمع الكثير؟ أليس هذا مما يستلزم أن يُقبل الناس عليهما؟ لأن الإثم ذكره مفردًا، وإن كان قد وُصف بالكبر أو بالكثرة، لكن المنافع ذُكرت بالجمع؟
قلنا: هذا قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس، ولكن فيها بلاغة عظيمة: أنه مع كثرة منافعهما فإن إثمهما أكبر وأعظم؛ لأن لو كانت منفعة واحدة قلنا: ممكن أن يكون الإثم أكبر، لكن حتى وإن تعددت المنافع وكثرت فإن الإثم أكبر وأعظم، ولهذا قال: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ وإن كان هناك منافع كثيرة. ما هذه المنافع؟
من المنافع في الخمر: الطرب، والفرح، وإن كان فرحًا يعقبه غم، لكن في تلك اللحظة يفرح الإنسان ويطرب، وربما ينشرح صدره، ومنها: أنهم ذكروا أنه قد يكون سببًا لهضم الطعام، ومنها: أنه يُتّجر به فيكون مصدرًا اقتصاديًّا، وكذلك بالنسبة للميسر إذا كسب الإنسان مليونًا وقد دخل بعشرة ريالات ويش يكون، يفرح؟ يفرح، وإن كان فرحه بما يضره، المهم أنه ينتفع بذلك، كان بالأول ما عنده إلا مئتين ريال ودخل حلبة القمار فكسب مليون ريال، يروح يشتري له فيلا ويأخذ السيارة، ويأخذ له زوجة مثلًا، ويأخذ له أشياء من زهرة الدنيا، هذه منفعة في نظره، فيهما منافع، وتأمل قوله: ﴿مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ ولم يقل: منافع للمؤمنين؛ لأن هذه المنافع منافع مادية بحتة تصلح للناس من حيث هم أناس، وليست منافع ذات خير ينتفع بها المؤمنون، وإنما هي منافع للناس من حيث هم أناس. ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ أين خبر المبتدأ في قوله: ﴿مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾؟
* طالب: فيهما.
* الشيخ: محذوف تقول؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: وين؟
* الطالب: مقدم.
* الشيخ: ﴿فِيهِمَا﴾ مقدم؟ ما هي ﴿فِيهِمَا﴾ خبر لقوله ﴿إثْمٌ﴾؟
* الطالب: معطوف.
* الشيخ: معطوفة صح، فأنت إذا قلت: زيد وعمرو قائمان، فإن (قائمان) خبر لهما، وإذا قلت: زيد وعمرو في البيت، فإن (في البيت) خبر لهما، وإذا قلت: في البيت زيد وعمرو، فإن (في البيت) خبرًا لهما. ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ﴾، الخبر ﴿فِيهِمَا﴾ مقدم.
قال الله تعالى: ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ إثمهما؛ يعني ما يترتب عليهما من العقوبة أكبر من نفعهما، لماذا؟ لأن العقوبة في الأخرى، وأما النفع ففي الدنيا، والضرر في الغالب أعظم من النفع أثرًا؛ لأن النفع كمال، والضرر نقص، الكمال قد يستغنى عنه، لكن النقص متى تبني ما نقص وما انهدم، فلهذا قال: الإثم أكبر، لسببين: السبب الأول: أنه نقص أخروي، وربما يكون دنيويًّا أيضًا، والثاني: أن النقص ثَلْم، والمنفعة كمال تكميل وتتميم، فهذا والنقص إذا نقص الشيء متى عاد ينبني.
وقوله: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ حتى الإثم لو فرضنا أن النفع كثير فيهما يغطّي على الضرر الدنيوي، فإننا نقول: الضرر الأخروي أشد. وتأمل قوله: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ عندما قال: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ الآن نحتاج إلى المقارنة؛ لأنه صار لدينا شيئان: إثم، ومنافع، فأيهما نرجح؟
بيّن الله عز وجل الراجح فقال: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ حينئذٍ تبيّن أن تقابل هذين يقتضي أن نبتعد عن ما فيه أو عما فيهما من المنافع ما دام الإثم أكبر من النفع، ولهذا انتهى كثير من الصحابة رضي الله عنهم عن الخمر والميسر حين نزلت هذه الآية، فقالوا: ما دام الإثم أكبر من النفع فلماذا نفعله؟ ولكن، هذا لا يقتضي التحريم، وإنما يقتضي عرض المسألة للعاقل، والعاقل ماذا يرجّح؟
* طالب: يرجح المنافع.
* الشيخ: كيف؟! لا ما يرجح المنافع، يرجح ترك الإثم.
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ شوف سؤالان في آية واحدة ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ السؤال هنا يتعدى إلى مفعول واحد ولَّا إلى مفعولين؟ تقدم لنا أنه إذا كان السؤال بمعنى طلب المال فإنه يتعدى إلى مفعولين، أو لا؟ من سأل الله شيئًا أعطاهُ، شوف (الله) هذا هو الأول، و(شيئًا) هو الثاني، هذا إذا كان السؤال طلب مال، أما إذا كان السؤال استفهامًا فإنه يتعدى إلى مفعول واحد، وإلى الثاني بحرف (عن)، وأيش تقول؟ تقول: سألته عن كذا. ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ﴾ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف ١٨٧] ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢] وما أشبه ذلك، يكون ينصب أيش؟ مفعولًا واحدًا، ويتعدى الثاني بـ (عن)، وربما يستغنى عن الثاني بجملة استفهامية كما في الآية التي معنا ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾. والفرق بين تعدّيه إلى جملة استفهامية، وتعدّيه إلى المفعول الثاني بحرف الجر، أنه إذا عُدّي إلى الثاني بصيغة الاستفهام صارت هذه الصيغة نفس لفظ السائل، تكون هي لفظ السائل بعينه، وإذا تعدى بـ (عن) فقد تكون هي لفظ السائل بعينه، وقد تكون غير ذلك، لكن إذا جاءت بصيغة الاستفهام فهي تكون هي لفظ السائل بعينه، كأنهم قالوا: ماذا ننفق يا رسول الله؟ ماذا ننفق؟ فقال الله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ يعني: يقولون: ماذا ينفقون، عرفتم؟
وقوله: ﴿مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ تقدم لنا نظير لهذا التركيب، وبيّنا أنه يجوز فيه وجهان: أن تكون (ما) أو (ماذا) مفعولًا مقدمًا لأيش؟ لكلمة: ﴿يُنْفِقُونَ﴾ مفعولًا مقدمًا لـ (ينفقون)، والثاني: أن تكون (ما) اسم استفهام و(ذا) اسمًا موصولًا، فـ (ما) على هذا التقدير مبتدأ، و(ذا) خبر المبتدأ، وعلى هذا التقدير يحتاج أن يكون هناك ضمير عائد على الموصول، وهو هنا محذوف، والتقدير: ماذا ينفقونه؛ أي: ما الذي ينفقونه؟ عرفتم؟
إذن في إعرابها وجهان: الوجه الأول: أن نجعل (ماذا) مفعولًا مقدمًا، أو (ما) وحدها و(ذا) زائدة، مفعولًا مقدمًا لينفقوا وحينئذٍ هل يحتاج ﴿يُنْفِقُونَ﴾ إلى مفعول؟ لا؛ لأن مفعوله هو هذا المتقدم ما يحتاج إلى ضمير.
والثاني: أن نجعل (ما) اسم استفهام مبتدأ، و(ذا) اسمًا موصولًا خبره، وجملة ﴿يُنْفِقُونَ﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: ماذا ينفقونه؟
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾، وقد مر علينا نظيرها بهذا اللفظ في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾ [البقرة ٢١٥].
قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ ﴿الْعَفْوَ﴾ فيها قراءتان: النصب، والرفع، فالرفع على تقدير (ما) اسم استفهام مبتدأ، و(ذا) اسمًا موصولًا خبره، ما الذي ينفقونه؟ الجواب: العفوُ؛ يعني هو العفو، وأما النصب فعلى تقدير (ماذا) مفعولًا مقدمًا، فتكون ﴿الْعَفْوَ﴾ يعني: يقول: أنفقوا العفوَ، أو قل: تنفقون العفوَ، وإنما قلنا: إن الرفع أو النصب مبني على إعراب الجملة التي قبلها؛ لأن الجواب مبني على السؤال، فهنا كلمة: (ما) هذه الموصولية أو الاستفهامية هي التي فُسرت بكلمة العفو ولَّا لا؟ لأن الآن المسؤول ما الذي يُنفق؟ أجب. العفو، فإذا كانت تفسيرًا لها فلها حكمها في الإعراب، إن نصبت ﴿مَاذَا﴾ فانصب ﴿الْعَفْوَ﴾، وإن رفعت ﴿مَاذَا﴾ فارفع ﴿الْعَفْوُ﴾.
وقوله: ﴿الْعَفْوَ﴾ لا تظنوا أنه العفو عن عدوان عليك، بل المراد بالعفو الزائد الفاضل؛ يعني أنفقوا العفو، أي: ما زاد عن حاجتكم وضرورتكم، وذلك لأن العفو يراد به التجاوز أحيانًا كما في قوله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة ١٠٩]. وقوله: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾. ويراد به الزيادة والفضل كما في قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف ١٩٩]. يعني: خذ ما فضل من الناس وما جاؤوا به، ولا تطلبوا كمال الحق، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أَعْفُوا اللِّحَى»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٨٩٣)، ومسلم (٢٥٩ / ٥٢) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ]] المراد بالعفو ما هو؟ أو بالإعفاء؟ الزيادة. فقوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ أي: ما زاد عن حاجتكم، وأما ما كان داخلًا في الحاجة فلا تنفقوه؛ لأن الإنسان يبدأ بنفسه، ثم بمن يعول، فكونه يذهب يتصدق على أجنبي وأهله جياع هذا خلاف الحكمة، وخلاف الشرع أيضًا، وسبب ذلك أن بعض الناس يظنون أن إنفاقهم على..
أن الشرع استثنى من ذلك ثلاثة أمور وهي: النصل، والخف، والحافر، قال الله تعالى في الجواب: ﴿قُلْ﴾ يعني: قل للسائلين، أو قل لجميع الناس؟
* طالب: كل الخلق.
* الشيخ: نعم، ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ يعني: قل لجميع الأمة، كما قال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور ٣٠] مثلًا، وهنا يمكن أن نأخذ قاعدة وهي: أنه قد يكون الجواب مُوجَّها إلى أكثر من السائل كما قالوا في الحكم: إن العبرة بماذا؟ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهنا قد نقول: إن السائل قوم معينون، ولكن الجواب لهم ولغيرهم.
﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ وفي قراءة: ﴿إِثْمٌ كَثِيرٌ﴾ ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَثِيرٌ﴾ ، ﴿فِيهِمَا﴾ أي: في الخمر والميسر.
﴿إِثْمٌ﴾ ما هو الإثم؟ الإثم هو العقوبة، أو ما كان سببًا للعقوبة، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة ٢]، ويقال: فلان آثِمٌ، يعني: مستحق للعقوبة.
وقوله: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ والقراءة الأخرى ﴿كَثِيرٌ﴾ الفرق بينهما: أن الكِبَر يعود إلى الكيفية، والكثرة تعود إلى الكمية، فالمعنى: أن فيهما إثمًا كثيرًا بحسب ما يتعامل بهما الإنسان، والإنسان المبتلى بذلك -والعياذ بالله- ما يكاد يفلت منه، وهذا يستلزم تعدد الفعل منه، وتعدد الفعل يستلزم كثرة الإثم، كذلك أيضًا الإثم فيها كبير، الإثم فيهما كبير، يعني: عظيم؛ لأنهما يتضمنان مفاسد كثيرة في العقل، والدين، والبدن، والاجتماع، والسلوك.
وقد ذكر محمد رشيد رضا -رحمه الله- في هذا المكان، ذكر لهما أضرارًا كثيرة جدًّا، من قرأ هذه الأضرار عرف كيف عبَّر الله عن ذلك بقوله تعالى: ﴿إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ أو ﴿إِثْمٌ كَثِيرٌ﴾.
هل هاتان القراءتان تتنافيان؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، كيف ما يتنافيان؟ لماذا لا يتنافيان؟ نقول: لأنه يمكن اجتماعهما، فيكون الإثم كثيرًا باعتبار آحاده، كبيرًا باعتبار كيفيته، وأنت قد يكون عندك عَشْرٌ من الحمام، وعشرون من الإبل، عشرون من الإبل فضلت عشرًا من الحمام بماذا؟ بالكمية والكيفية، وهذا ليس بممتنع.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ ﴿مَنَافِعُ﴾ جمع منفعة، وهي من صيغة منتهى الجموع؛ ولهذا قال: ﴿مَنَافِعُ﴾ ولم يقل: منافعٌ؛ لأنها اسم لا ينصرف، وصيغة منتهى الجموع تدل على الكثرة؛ لأنها صيغة منتهى الجموع، ففيهما منافع كثيرة عظيمة.
فإن قلت: كيف قال الله عز وجل: ﴿مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ بهذا الجمع الكثير؟ أليس هذا مما يستلزم أن يقبل الناس عليهما؛ لأن الإثم ذكره مفردًا وإن كان قد وصف بالكبر أو بالكثرة لكن المنافع ذكرت بالجمع؟
قلنا: هذا قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس، ولكن فيها بلاغة عظيمة: أنه مع كثرة منافعهما فإن إثمهما أكبر وأعظم؛ لأنه لو كان منفعة واحدة قلنا: ممكن يكون الإثم أكبر، لكن حتى وإن تعددت المنافع وكثرت، فإن الإثم أكبر وأعظم؛ ولهذا قال: ﴿َإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾، وإن كان هناك منافع كثيرة، ما هذه المنافع؟
من المنافع في الخمر: الطَّرب والفرح، وإن كان فرحًا يعقبه غم، لكن في تلك اللحظة يفرح الإنسان ويطرب، وربما ينشرح صدره
ومنها: أنهم ذكروا أنه قد يكون سببًا لهضم الطعام.
ومنها: أنه يتَّجر به فيكون مصدرًا اقتصاديًّا.
وكذلك بالنسبة للميسر إذا كسب الإنسان مليونًا وقد دخل بعشرة ريالات ويش يكون؟ يفرح؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: يفرح، وإن كان فرحه بما يضره، المهم أنه ينتفع بذلك، كان بالأول ما عنده إلا مئتين ريال ودخل حلبة القمار، فكسب مليون ريال، يروح يشتري فيلا، يأخذ له السيارة، ويأخذ له زوجة مثلًا، ويأخذ له أشياء من زهرة الدنيا، هذه منفعة في نظره، ففيهما منافع.
وتأمل قوله: ﴿َمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ ولم يقل: منافع للمؤمنين؛ لأن هذه المنافع منافع ماديَّة بحتة تصلح للناس من حيث هم أناس، وليست منافع ذات خير ينتفع بها المؤمنون، وإنما هي منافع للناس من حيث هم أناس.
﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ أين خبر المبتدأ في قوله: ﴿مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾؟
* طالب: ﴿فِيهِمَا﴾.
* الشيخ: محذوف تقول؟
* الطالب: لا، ﴿فِيهِمَا﴾.
* الشيخ: وين؟
* الطالب: المقدم.
* الشيخ: ﴿فِيهِمَا﴾ المقدم؟ ما هي ﴿فِيهِمَا﴾ خبر لقوله: ﴿إِثْمٌ﴾؟
* طالب: معطوف.
* الشيخ: معطوف صح، فأنت إذا قلت: زيدٌ وعمرٌو قائمان، فإن (قائمان) خبر لهما، وإذا قلت: زيدٌ وعمرٌو في البيت، فإن (في البيت) خبر لهما، وإذا قلت: في البيت زيدٌ وعمرٌو، فإن (في البيت) خبر لهما. ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ﴾ الخبر؟ ﴿فِيهِمَا﴾ مُقدَّم.
قال الله تعالى: ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ ﴿إِثْمُهُمَا﴾ يعني: ما يترتب عليهما من العقوبة أكبر من نفعهما، لماذا؟ لأن العقوبة في الأخرى، وأما النفع ففي الدنيا، والضرر -في الغالب- أعظم من النفع أثرًا؛ لأن النفع كمال، والضرر نقص، الكمال قد يستغنى عنه، لكن النقص متى تبني ما نقص وما انهدم؟ فلهذا قال: الإثم أكبر؛ لسببين:
السبب الأول: أنه نقص أخروي، وربما يكون دنيويًّا أيضًا.
والثاني: أن النقص ثَلْم، والمنفعة كمال، تكميل وتتميم، فهذا والنقص إذا نقص الشيء متى عاد ينبني؟
وقوله: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ حتى الإثم لو فرضنا أن النفع كثير فيهما يغطي على الضرر الدنيوي، فإننا نقول: الضرر الأخروي أشد وأبلغ.
وتأمل قوله: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ لما قال: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ الآن نحتاج إلى المقارنة؛ لأنه صار لدينا شيئان: إثم، ومنافع، فأيهما نرجح؟ بين الله عز وجل الراجح فقال: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾، حينئذٍ تبين أن تقابل هذين يقتضي أن نبتعد عما فيهما من المنافع ما دام الإثم أكبر من النفع؛ ولهذا انتهى كثير من الصحابة رضي الله عنهم عن الخمر والميسر حين نزلت هذه الآية فقالوا: ما دام الإثم أكبر من النفع فلماذا نفعله؟
ولكن هذا لا يقتضي التحريم، وإنما يقتضي عرض المسألة للعاقل، والعاقل، ماذا يرجح؟
* طالب: المنافع.
* الشيخ: لا، ما يرجح المنافع، يرجح ترك الإثم.
قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ سؤالان في آية واحدة ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾، السؤال هنا يتعدى إلى مفعول واحد ولَّا إلى مفعولين؟ تقدم لنا أنه إذا كان السؤال بمعنى طلب المال، فإنه يتعدى إلى مفعولين، أو لا؟ من سأل اللهَ شيئًا أعطاه، شوف (الله) هذا هو الأول، و(شيئًا) هو الثاني، هذا إذا كان السؤال طلب مال.
أما إذا كان السؤال استفهامًا فإنه يتعدى إلى مفعول واحد، وإلى الثاني بحرف (عن)، ويش تقول؟ تقول: سألته عن كذا.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ﴾ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف ١٨٧]، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢] وما أشبه ذلك، يكون ينصب أيش؟ مفعولًا واحدًا، ويتعدى للثاني بـ(عن). وربما يستغنى عن الثاني بجملة استفهامية كما في الآية التي معنا ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾.
والفرق بين تعديه إلى جملة استفهامية وتعديه إلى المفعول الثاني بحرف الجر: أنه إذا عدي إلى الثاني بصيغة الاستفهام صارت هذه الصيغة نفس لفظ السائل، تكون هي لفظ السائل بعينه، وإذا تعدى بعن فقد تكون هي لفظ السائل بعينه وقد تكون غير ذلك، لكن إذا جاءت بصيغة الاستفهام، فهي تكون هي لفظ السائل بعينه، كأنهم قالوا: ماذا ننفق يا رسول الله؟ ماذا ننفق؟ فقال الله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ يعني يقولون: ماذا ينفقون؟ عرفتم؟
وقوله: ﴿مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ تقدم لنا نظيرٌ لهذا التركيب، وبينا أنه يجوز فيه وجهان:
أن تكون (ما) أو (ماذا) مفعولًا مقدما لأيش؟ لكلمة: ﴿يُنْفِقُونَ﴾.
والثاني: أن تكون (ما) اسم استفهام و(ذا) اسمًا موصولًا، فـ(ما) على هذا التقدير مبتدأ، و(ذا) خبر المبتدأ، وعلى هذا التقدير يحتاج أن يكون هناك ضمير عائد على الموصول، وهو هنا محذوف، والتقدير: ماذا ينفقونه؟ أي: ما الذي ينفقونه؟ عرفتم؟
إذن في إعرابها وجهان:
الوجه الأول: أن نجعل (ماذا) مفعولًا مقدمًا، أو (ما) وحدها و(ذا) زائدة، مفعولًا مقدمًا لـ﴿لينفقون﴾، وحينئذٍ هل يحتاج ﴿يُنْفِقُونَ﴾ إلى مفعول؟ لا؛ لأن مفعوله هو هذا المتقدم، ما يحتاج إلى ضمير.
والثاني: أن نجعل (ما) اسم استفهام مبتدأ، و(ذا) اسمًا موصولًا خبره، وجملة ﴿يُنْفِقُونَ﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: ماذا ينفقونه؟
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ وقد مر علينا نظيرها بهذا اللفظ في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾ [البقرة ٢١٥].
قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ ﴿الْعَفْوَ﴾ فيها قراءتان: النصب، والرفع، فالرفع على تقدير (ما) اسم استفهام مبتدأ، و(ذا) اسمًا موصولًا خبره، ما الذين ينفقونه؟ الجواب: العفوُ، يعني: هو العفوُ. وأما النصب فعلى تقدير (ماذا) مفعولًا مقدمًا، فتكون: ﴿الْعَفْوَ﴾ يعني: قل: أنفقوا العفوَ، أو قل: تنفقون العفوَ.
وإنما قلنا: إن الرفع أو النصب مبني على إعراب الجملة التي قبلها؛ لأن الجواب مبني على السؤال، فهنا كلمة: (ما) هذه الموصولية أو الاستفهامية هي التي فسرت بكلمة (العفو) ولَّا لا؟ لأن الآن المسؤول: ما الذي يُنفق؟ أجب؟ العفو، فإذا كانت تفسيرًا لها، فلها حكمها في الإعراب، إن نصبت ﴿مَاذَا﴾ فانصب ﴿الْعَفْوَ﴾، وإن رفعت ﴿مَاذَا﴾ فارفع ﴿الْعَفْوُ﴾.
وقوله: ﴿الْعَفْوُ﴾ لا تظنوا أنه العفو عن عدوان عليك، بل المراد بالعفو: الزائد الفاضل، يعني: أنفقوا العفو، أي: ما زاد عن حاجتكم وضرورتكم؛ وذلك لأن العفو يراد به التجاوز أحيانًا، كما في قوله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة ١٠٩]، وقوله: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠]، ويراد به الزيادة والفضل، كما في قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف ١٩٩]، يعني: خذ ما فضل من الناس وما جاؤوا به ولا تطلبوا كمال الحق، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أَعْفُوا اللِّحَى»[[أخرجه النسائي في المجتبى (٥٠٤٦)، عن ابن عمر رضي الله عنه.]]، المراد بالعفو ما هو أو بالإعفاء؟ الزيادة.
فقوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ أي: ما زاد عن حاجتكم، وأما ما كان داخلًا في الحاجة فلا تنفقوه؛ لأن الإنسان يبدأ بنفسه، ثم بمن يعول.
فكونه يذهب يتصدق على أجنبي وأهله جياع، هذا خلاف الحكمة وخلاف الشرع أيضًا، وسبب ذلك: أن بعض الناس يظنون أن إنفاقهم على أنفسهم وأهليهم لا أجر فيه، وليس صدقة، ولكن هذا جهل منهم، فإن إنفاقك على نفسك وعلى أهلك صدقة، وإذا كان صدقة، فإن بذل مالك في الأقارب أولى من بذله في الأباعد.
قال الله تعالى: ﴿قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ ﴿كَذَلِكَ﴾ إعرابها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...)؛ أي: يبين الله لكم تبيينًا مثل ذلك البيان، قوله: ﴿ذلك﴾ المشار إليه ما هو؟ المشار إليه ما سبق من بيان حكم الخمر والميسر، وبيان ما ينفق، فقد بين الله تعالى غاية البيان.
فإن قلت: كيف بينه الله عز وجل وهو ليس فيه تفصيل؟ يعني ما فصل الله المنافع، ولا فصل الإثم؟ فيقال في الجواب عن ذلك: إن الله سبحانه وتعالى أشار إلى أن الإثم كثير أو كبير، وهذا بيان، فكلما ازداد الإنسان من شربه، ازداد إثمًا، وهذا بيان، والمنافع أيضًا أجملها الله عز وجل؛ لأن تعدادها لا فائدةَ فيه، وربما يكون في تعدادها إغراء لذوي النظر القصير، وكذلك قوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ بيِّن واضح ما فيه إشكال، أي: ما زاد على حاجتكم وضرورتكم وليس فيه إشكال.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ ﴿يُبَيِّنُ﴾: يظهر، بَيَّنْتُهُ فَتَبَيَّنَ، يعني: ظهر، ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة ١٨٧]، ﴿يَتَبَيَّنَ﴾ بمعنى: يظهر، فمعنى ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ أي: يظهرها حتى تكون واضحة جلية.
و﴿الْآيَاتِ﴾ جمع آية، وقد مر علينا كثيرًا أن الآيات تنقسم إلى قسمين؟
* طالب: شرعية وقدرية.
* الشيخ: نعم، شرعية وقدرية ما فيه تعبير ثانٍ غير القدرية؟
* الطالب: كونية.
* الشيخ: كونية، الآيات الشرعية ما هي؟
* طالب: هي المخلوقات.
* الشيخ: الآيات الشرعية هي المخلوقات؟!
* الطالب: الآيات الشرعية التي في الكتب.
* الشيخ: (...) بيَّنها، لا الآيات الكونية ولا الآيات الشرعية، بيَّنها بيانًا تامًّا، لكن الآيات الشرعية بينها الله تعالى بيانًا مفصلًا لحاجتنا إلى العبادة، فإننا محتاجون إلى العبادة إجمالًا وتفصيلًا؛ ولهذا جاءت الآيات الشرعية مفصلة، كما« قال أبو ذر رضي الله عنه: لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه عِلْمًا[[أخرجه أحمد في المسند (٢١٣٦١)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.]]، وقال رجل لسلمان الفارسي: علَّمكم نبيكم حتى الخِراءة؟ قال: أجل، ثم قال: لقد نهانا أن نستقبل القبلة في غائط أو بول، وأن نستنجي باليمين، وأن نستنجي برجيع أو عظم»[[أخرجه مسلم (٢٦٢ / ٥٧)، من حديث سلمان رضي الله عنه.]].
إذن الآيات الشرعية مبينة مفصلة على وجه التفصيل لحاجتنا إليها، أما الآيات الكونية فإن التفصيل فيها يكون بالأجناس أو بالأنواع لا بالأفراد، تجد مثلًا ﴿مِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ﴾ [فصلت ٣٧] في أيش؟ ويش يدلنا عليه؟ لكن ابحث أنت تجد الشيء الكثير، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الروم ٢٢] على أي شيء هي آية؟ ابحث وتجد، وعلى هذا فقِس، فالآيات الكونية جعلها الله تعالى مجملة عامة ما بينها تفصيلًا؛ لأن الناس ليسوا بحاجة إليها على وجه التفصيل، وأيضًا فإنها آيات مشهودة محسوسة يمكنهم أن يعرفوا ما فيها على وجه التفصيل بقدر استطاعتهم.
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (لعل) هذه للتعليل، واسمها الكاف، وخبرها جملة: ﴿تَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ عندي هذه موقف، لكن نتفكر بماذا؟ أو في ماذا؟
قال: ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا﴾ واضح أن التفكر في الدنيا، لكن قوله: ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ هل الناس في يوم القيامة يتفكرون؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: إذن تتفكرون في الدنيا والآخرة في شؤونهما، وليس المعنى أن التفكر واقع في الآخرة، لا، إنما نتفكر في هذه الدنيا، في حياتنا، فيما يتعلق بشؤون الدنيا وشؤون الآخرة، وهذا مما يؤيد أن الآيات في قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ شامل للآيات الشرعية والآيات الكونية؛ لأن ما يتعلق بشأن الآخرة غالبه من الآيات الشرعية، وما يتعلق بأمر الدنيا غالبه من الآيات الكونية، يعني: يتفكر في شؤونهم.
وإذا تفكر الإنسان في الدنيا وجد أنها كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾، لماذا اختلط؟ لكثرته، وامتداده، امتد وتشابك، وكثر فتشابك، ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ يعني: كمال زينتها، ﴿وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ وأنه ما بقي إلا أن يجنوها ويستثمروها، ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس ٢٤]، وقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ [الحديد ٢٠].
* * *
(...) ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ شوف كلها معطوفة بالواو، كأنها أسئلة متتابعة، سألوا أولًا عن الخمر والميسر، ثم سألوا ماذا ينفقون، وجه الارتباط بين السؤالين واضح جدًّا؛ لأن في الخمر والميسر إتلاف المال بدون فائدة، وفي الإنفاق إتلاف المال بفائدة. ثم قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾؛ لأنك إذا عرفت السبب عرفت وجه ارتباط السؤال الثالث بالسؤالين قبله.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ اليتامى جمع يتيم، وهو: الذي مات أبوه ولم يبلغ، مشتق من: اليُتْم، وهو الانفراد، واليتيم بما أن أباه قد توفي يحتاج إلى عناية ورعاية أكثر؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم جاءت الوصاية بهم كثيرًا، فقوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ سبب ذلك: أن الله عز وجل لما أنزل ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء ١٠]، وأنزل ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام ١٥٢] آيتين، أشكل على الصحابة رضي الله عنهم فصاروا يجعلون طعام الأيتام على حدة، وطعامهم هم على حدة، بمعنى أنه إذا طبخ لليتيم طبخًا جعله له وحده، هذا الطبخ إما أن يفسد ولا يصلح للأكل، وإما أن يصلح للأكل لكن ليس على وجه أكمل، فتحرجوا من ذلك، وشق عليهم أن يجعلوا لليتامى طعامًا على حدة ولهم طعام على حدة، وأشكل عليهم فيما لو خلطوا طعامهم مع طعام اليتامى، والله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾، فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك فأجابهم الله عز وجل بجواب في غاية ما يكون من البلاغة والاختصار والوضوح، فقال: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾، وكلمة ﴿إِصْلَاحٌ﴾ تعني أن الإنسان يتبع ما هو أصلح لهم في جميع الشؤون، سواء كان ذلك في التربية أو في المال، وسواء كان ذلك بالإيجاب أو بالسلب، أي شيء يكون إصلاحًا لهم فهو خير.
وكلمة: (خير) هل هي تفضيل مطلق أو تفضيل مقيد؟ بمعنى: هل التقدير: إصلاحٌ لهم خيرٌ من الإفساد أو أنه خيرية مطلقة؟ الجواب: خيرية مطلقة، الإصلاح خير من كل شيء، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء ١٢٨]، هذه الجملة في شمولها وعمومها ووضوحها كالجملة الثانية.
﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ هذه الجملة الثانية مما تضمنه الجواب، لأني قلت قبل: إن الجواب تضمن جملتين؟ إحداهما: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾، والثانية: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ يعني: إن خالطتموهم في الأكل والشرب وجعلتم طعامهم مع طعامكم، فإنهم ليسوا أجانب منكم، بل هم إخوانكم في الدين أو في النسب؟
* الطلبة: في الدين.
* الشيخ: في الدين، أو في النسب، أو فيهما جميعًا، قد يكون الأخ الصغير قد مات أبوه وهو أخوك، فيكون أخًا لك في الدين وفي النسب، وقد يكون اليتيم من أبناء عمك وهو مؤمن فيكون أخًا لك؟
* طالب: في الدين والنسب.
* الشيخ: في الدين، وقد يكون أخًا لك، لكنه ليس بمؤمن، فيكون أخًا لك في النسب.
المهم أنهم إخوان لنا، سواء في الدين، أو في النسب، أو فيهما جميعًا، ومعلوم أن مخالطة الأخ لأخيه أمر لا يستنكف منه ولا يخشى منه، فإذا شعرتم وأنتم تخالطونهم بأنهم إخوانكم، فإنكم سوف تحرصون على أن لا تخالطوهم إلا على وجه فيه مصلحة لهم؛ ولهذا قال: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾، ومعروف أن الأخ يحنو على أخيه.
بهذا ارتفع الحرج، وتأمل أن الله عز وجل بدأ بالإصلاح قبل المخالطة، كأنه يفيد أنه إذا لم يكن في المخالطة إصلاح فالأفضل؟
* طالب: عدم المخالطة.
* الشيخ: عدم المخالطة، وإن كان فهي إصلاح فهي خير وهم إخوان لكم، لا يمكن أن تضروهم بشيء. إذن يجوز الآن المخالطة ولَّا لا؟
يجوز، تفهم من قوله: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾، كأنكم صنوا أصل واحد، ولكن لا بد من أن يكون في ذلك إصلاح.
* طالب: شيخ، كيف يكون في أنفسهم حرج (...)؟
* الشيخ: (...) ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ قوله: ﴿يَعْلَمُ﴾ العلم هنا علمُ معرفةٍ؛ لأنه لم ينصب إلا مفعولًا واحدًا، فقد قال ابن مالك:
؎لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَـهْ ∗∗∗ تَــعْــدِيَــــةٌ لِــوَاحِــــدٍ مُــلْــتَــزَمَــهْ
يعني: يعرف سبحانه وتعالى، يعلم علم معرفة المفسدَ من المصلح في هذا وفي غيره؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقوله: ﴿يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ لم يقل: يعلم المفسد والمصلح، بل قال: ﴿الْمُفْسِدَ مِنَ﴾، كأنه ضمن العلم معنى التمييز، يعني: يعلمه فيميز بين هذا وهذا، ويجازي كل إنسان بما يستحق؛ لأن التمييز بين هذا وهذا يقتضي أن يميز بينهما أيضًا في الثواب والجزاء.
وقوله: ﴿يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ يشمل الإفساد الديني والدنيوي، والإصلاح الديني والدنيوي، عرفتم؟ ولَّا بس في أمور الدنيا فقط؟ في أمور الدين والدنيا، فهو يعلم عز وجل المفسد من الإنسان المصلح، وكلمة (مُفسد) و(مُصلح) هل تعني الذي فعلًا أفسد أو تشمل حتى من نوى الإفساد والإصلاح؟ حتى من نوى، فمن كانت نيته الإفساد، فإن الله عالم به، وقد لا يحصل له مقصوده، قد يكون إنسانًا مفسدًا يحب إفساد الخلق ولا يتسنى له ذلك، وقد يكون كذلك مصلحًا، ولكن يحال بينه وبين إصلاحه، ولكن من علم الله من نيته هذا أو هذا، فإنه يجازيه بما يستحق.
وهل يشمل هذا المفسد من المصلح في شؤون اليتامى؟ يشمل، معلوم؛ لأن الأصوليين يقولون: إن مسألة السبب نصٌّ في المراد، يعني أنها قطعية الدخول، فإذا قلنا: يعلم المفسد من المصلح في جميع الشؤون، فإن أول ما يدخل في ذلك ما هي؟ الإصلاح والإفساد في اليتامى؛ لأنها هي السبب، وما كان سببًا فهو قطعي الدخول في العموم.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (لو) شرطية، شرطها قوله: ﴿شَاءَ اللَّهُ﴾، وجوابها؟
* طالب: ﴿لَأَعْنَتَكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿لَأَعْنَتَكُمْ﴾، وهل اللام في جواب (لو) واجبة أو غالبة؟
* طالب: غالبة.
* الشيخ: غالبة، ومن حذفها قوله تعالى: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة ٧٠]، والأكثر وجود اللام في جوابها.
﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ أي: لشق عليكم، بماذا؟ شق عليكم بأمرين في مسألة اليتامى:
أحدهما: أن تجعلوا طعامهم وشرابهم على حدة.
الثاني: أن تقدروا ذلك الطعام والشراب بحيث لا يبقى شيء يكون عرضة للتلف والفساد، وهذا شيء شاق على الناس، ولكن الله عز وجل برحمته نفى ذلك.
والعنت قلت: إنه بمعنى المشقة، ومنه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء ٢٥] ويش معنى العنت؟ أي: المشقة.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ هذه الجملة تعليل لما سبق، ولكن هل هو تعليل لما سبق في الآية الأخيرة ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ إلى آخره، أو حتى لما سبق من قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾؛ لأن هذه الآيات كلها معطوف بعضها على بعض؟ يحتمل هذا وهذا، لكن لو أخذنا بالعموم لم يكن فيه مانع.
و(العزيز) تقدم لنا أنه من أسماء الله عز وجل، وأن له ثلاثة معانٍ وهي:
* طالب: القدر.
* الشيخ: القَدَر ولا القَدْري؟ ما الفرق بينهما؟
* الطالب: القَدْر.
* الشيخ: القَدْر بالسكون، نعم.
* الطالب: القهر.
* الشيخ: عزة قدر، وعزة قهر، وعزة امتناع، عزة القَدْر: أي لا يُدانيه أحد في علو شأنه. عزة القهر: لا يغلبه أحد بل هو الغالب. عزة الامتناع: أي يمتنع عليه كل نقص وعيب، فهو عزيزٌ لا يعتريه النقص، عزيزٌ لا يعتريه الذل، بل هو الغالب القاهر سبحانه وتعالى، عزيزٌ يعني أنه ذو قدر عالٍ وشأن رفيع.
أما (الحكيم) فقد تقدم لنا أنه مشتق من الحُكْم والحِكْمة، وأن الحكم نوعان: كوني، وشرعي، وأن الحِكمة نوعان: غائية، وصورية، يعني: كون الشيء على هذه الصورة هذه حكمة، والغاية منه حكمة أيضًا، فإذا ضربت اثنين في اثنين تكون أربعة: حكمة في القَدَر، صورته وغايته، حكمة في الشرع، صورته وغايته.
وجه المناسبة لختم الآية الكريمة بالعزة والحكمة أنه سبحانه وتعالى له الحكم لو شاء لأعنتنا؛ لأنه عزيز وهو صاحب السلطان؛ ولأنه حكيم فهو صاحب الحكم ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف ٥٤]، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام ٥٧]، ولكن مع كونه جل وعلا عزيزًا حكيمًا فهو عفوٌّ رحيم؛ ولهذا لطف بعباده في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج ٧٨].
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ النكاح في الأصل: الضم والجمع، ومنه قول الشاعر:
؎أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ∗∗∗ عَمْرَكَ اللَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ؎أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ∗∗∗ ......................يعني: أيها المريد أن تجمع بين الثريا وسهيل..
فقوله: (كيف يجتمعان) يدل على أن النكاح في الأصل الجمع والضم، وأما في الشرع: فهو عقد على محللة للاستمتاع بها وصيانة الفرج إلى آخره وغيره من المصالح التي تتعلق بالنكاح، فهو عقد على محللة لقصد المصالح المترتبة على النكاح من تحصين الفرج والولادة والاستمتاع وغير ذلك.
يقول الله عز وجل هنا: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾.
* طالب: ما معنى (...)؟
* الشيخ: لا، يجمع بينهم. ﴿الْمُشْرِكَاتِ﴾ جمع مشركة، والمشركة أو المشرك هو من جعل لله تعالى شريكًا فيما يختص به، سواء كان ذلك في الربوبية، أو في الألوهية، أو في الأسماء والصفات، فمن اتخذ مع الله إلهًا يعبده فهو مشرك ولو آمن بأن الله خالق السماوات والأرض، ومن اعتقد أن مع الله خالقًا للكون، أو منفردًا بشيء من الكون، أو معينًا لله تعالى في الخلق، في خلق شيء من الكون فهو مشرك، ثلاثة أشياء ما هي؟
* طالب: من يتخذ مع الله إلهًا. (...)
* الشيخ: خلق الكون فإنه مشرك.
* طالب: لكن نهى عن قول متصرفًا؟ (...)
* الشيخ: حتى الكتابيات، وإن أخذنا بمعهودها المعروف فإنه لا يشمل اليهود والنصارى؛ لأنه ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة ٦] فعطف المشركين على أهل الكتاب فدل على أنهم؟
* طالب: غيرهم.
* الشيخ: غيرهم، وهذا الخلاف ينبني عليه هل هذه الآية باقية على عمومها أو مخصصة بآية المائدة يأتي إن شاء الله تعالى. (...)
في هذه الآية الكريمة ينهى الله عز وجل.
(...) على المشركات ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ حتى يدخلن في الدين الإسلامي ويؤمِنَّ بالله ورسوله، المشركات لا يحل للمؤمن أن يتزوج بهن كما قال الله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة ١٠]، وقوله: ﴿لَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ يشمل من أشركن بالله في عبادته، أو أشركن به في ربوبيته، فمن اعتقدت أن مع الله خالقًا فإنه لا يجوز نكاحها من المؤمن، وإن عبدت مع الله غيره فإنه لا يجوز للمؤمن نكاحها. وقوله: ﴿لَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ هل يدخل في ذلك نساء النصارى، فهم يقولون: إن الله ثالث ثلاثة ويجعلون المسيح عيسى بن مريم إلهًا مع الله؟ اختلف في ذلك أهل العلم، والصحيح أنه لا يدخل في ذلك نساء أهل الكتاب وإن كن يزعمن أن عيسى إله مع الله؛ لأن الله تعالى في سورة المائدة قال: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة ٥] وسورة المائدة من آخر ما نزل، ولهذا قال بعض العلماء: إنه ليس فيها نسخ، كل ما فيها فهو محكم، وفي نفس السورة التي أباح الله فيها نساء أهل الكتاب قال: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة ٧٣] فوصفهم بالكفر وأحل نساءهم، ولكن مع ذلك مع كونها مباحة فإن الأَوْلى ألا يتزوجها؛ لأنه يؤثر على أولادها منه، وربما يؤثر عليه هو أيضًا إذا أعجب بها مثلًا وبجمالها وسلبت عقله فربما تفضي به إلى أن يكفر كما حدثني بذلك بعض الناس أن أحدًا لما سافر إلى بلد كافرة أعجب بفتاة فخطبها إلى نفسه فقالت له: لا يمكن حتى تحضر الكنيسة معي وتقول: إن الله ثالث ثلاثة، فحاول أن يمتنع ولكنه -والعياذ بالله- قد ملك عقلَه جمالُها وشغف بها وأخيرًا ذهب معها إلى الكنيسة وشهد أن الله ثالث ثلاثة -نسأل الله العافية- ولكن هذا الرجل الذي فعل هكذا أبشِّركم أنه تاب، تاب إلى الله وندم مما صنع، وجاء يستفهم: ماذا يكون عليه في هذه الحال التي أغرته فيها هذه المرأة، وكان ردنا على ذلك أن نقول: إذا تاب تاب الله عليه، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر ٥٣].
وقوله: ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ قد يقول قائل: لماذا لم يقل: حتى يُوَحِّدْن؛ لأن ضد الشرك التوحيد، ولِمَ قال: ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾؟ نقول: لأن الإيمان أعم إذ إنه يشمل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به من توحيد الله والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فلو أنها انتهت عن الشرك لكنها لم تؤمن بكل ما يجب الإيمان به فإنها لا تحل، هذا هو السر في العدول عن التعبير بالمقابل إلى التعبير بالإيمان.
وقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ بيَّن الله سبحانه وتعالى العلة في ذلك والحكمة فقال: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ صدق الله، الأمة المؤمنة خير من المشركة حتى لو أعجبت الإنسان في جمالها، أو أعجبت الإنسان في مالها، أو أعجبت الإنسان في علمها، أو أعجبت الإنسان في خِفتها وما إلى ذلك فإن الأمة المؤمنة خير من المشركة، ثم قال: ﴿وَلَأَمَةٌ﴾ لا تظنوا أنه يعني بذلك الأمة المملوكة، وسنبين إن شاء الله تعالى في سورة النساء أنه لا يجوز نكاح الإماء إلا بشروط، لكن المراد بالأمة هنا أمة الله، أي العابدة لله عز وجل، والإنسان الذكر يقال: عبد الله، والأنثى يقال: أمة الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٩٠٠) ومسلم (٤٤٢ / ١٣٦) من حديث ابن عمر.]]، وقال ﷺ في حديث ابن مسعود: «ابْنُ أَمَتِكَ»[[أخرجه أحمد في مسنده (٣٧١٢) من حديث ابن مسعود.]] ذكر الأم والأب، الأب قال: «عَبْدُكَ» والأم قال: «أَمَتِكَ»، وبهذا نعرف أن ما ورد به الحديث في سيد الاستغفار وهو: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ»[[أخرجه البخاري (٦٣٠٦) من حديث شداد بن أوس.]] وأما من كان أنثى فإنها تقول: أمتك. كما قال به شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال بعض العلماء: إنها تقول في حديث سيد الاستغفار تقول: وأنا عبدك، على تأويل أنها شخص، شخص مذكر ولّا مؤنث؟
* الطلبة: مذكر.
* الشيخ: مذكر، ولكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أبلغ في التذلل والعبودية، فإن المرأة إذا قالت: وأنا عبدك، كأنما تشعر أنها رجل، لكن إذا قالت: وأنا أمتك، صار ذلك أبلغ في ذُلّها، فقوله سبحانه: ﴿وَلَأَمَةٌ﴾ هنا وأيش معنى الأمة؟ امرأة ﴿خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ لا يراد به التفضيل بين المفضل والمفضل عليه، أي: عدم التفضيل، يراد به البيان أنها من الخير فقط، كالصلاة خير، والصدقة خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير، من الخير الذي هو ضد الشر، أما إذا ذكر المفضل عليه لفظًا أو تقديرًا فإن (خيرًا) تكون للتفضيل، وهنا سؤال على هذه الآية (...) وأن القاعدة في اسم التفضيل أن المفضل والمفضل عليه يتفقان في أصل الوصف، ويختلفان في مقداره، كحديث: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٤٥) ومسلم (٦٥٠ / ٢٤٩) من حديث عبد الله بن عمر.]] فهنا الصلاتان متفقان في الخيرية لكن تتميز صلاة الجماعة بالأفضلية، وهو المعروف عند أهل العلم بـ(أفعل التفضيل) أنه إذا ذكر مفضل ومفضل عليه فإنهما متفقان في أصل الصفة، ويتميز المفضل على المفضل عليه في مقدارها.
وهنا يقول الله عز وجل: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ ومعلوم أن المشركة لا خير فيها المشرك لا خير فيه فكيف قال: ﴿خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾؟ الجواب على ذلك من أحد وجهين، الأول: أنه قد يرد اسم التفضيل بين شيئين (...) الطرفين ليس فيه شيء منه، ويراد به التفضيل المطلق كقوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤] والله ما في أهل النار خير، لكن هذا من باب كون اسم التفضيل دل على التفضيل وليس للطرف الآخر منه شيء، والثاني أن نقول: إن ناكح المشركة قد يظن فيها خيرًا لكونها جميلة مثلًا؛ ولذلك قال: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ فقد يظن الإنسان أن اتصاله بهذه المشركة خير، فبين الله سبحانه وتعالى أن ما يعتقده الإنسان خيرًا في نكاح مشركة فإننا نقول له: نكاح الأمة المؤمنة خير بناء على ما كان يعتقده من خيرية في نكاح المشركة. ثم قال: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ (تُنكحوا) مبني للمعلوم أم للمجهول؟
* طالب: للمجهول.
* الشيخ: لا. لماذا؟
* الطالب: مبني للمعلوم.
* الشيخ: إذا قلنا: إنه ما هو مبني للمجهول ما بيقول لك: إنه مبني للمعلوم، (...) مبنيًّا على أساس؟
* الطالب: .(...)
* الشيخ: المضارع المبني للمجهول يُضم أوله ويُفتح ما قبل آخره، قال في ذلك ابن مالك:
؎وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحًا ∗∗∗ كَيَنْتَحِي الْمَقُولُ فِيهِ يُنْتَحَى
فـ (تُنكحوا) ليس مبنيًّا للمجهول بل هو مبني للمعلوم لكنه من فعل رباعي، الأول: من نكح يَنكِح والثاني: من أنكح يُنكِح، ولذلك قال في الأول: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾ وفي الثاني: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا﴾ الأول للزوج الذي يتولى العقد بنفسه لنفسه ما له ولي، والزوجة ما تزوج نفسها وإنما يزوجها وليها، فهو إذن من أنكح الرباعي. قال تعالى: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ النهي عن تزويج المشرك أو إنكاح المشرك لا استثناء فيه حتى ولو كان من أهل الكتاب فإنه لا يجوز أن يُنكَح بمسلمة، نصراني خطب منا امرأة مسلمة نزوجه؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا يجوز، ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ هذا عام ما فيه استثناء بخلاف ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ فإنه يستثنى من ذلك من كان كتابيًّا. تناظر رجلان في مصر قبطي ومسلم فاحتج القبطي على المسلم وقال: لماذا تستحلون نساءنا ولا تحلون لنا نساءكم؟ هذا خلاف العدل. قال: لأننا نعترف بدين النصارى قبلنا، فالمسلم إذا تزوج امرأة دينها دين النصارى ازدادت خيرًا اعترف بدينها وبدين الإسلام، لكن لو كان رجلًا كافرًا نصرانيًّا يريد أن يتزوج بمسلمة فإنه لا يقر بدينها، فالنصراني لا يعترف بمحمد ﷺ.
* طالب: إذا قال: أعترف؟
* الشيخ: ما يكفي، ما دخل في دين محمد ﷺ، فالمسيح بشرهم بالرسول الخاتم، وأمرهم أن يدعوا دينهم ويتبعوه.
﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ وسبق القول باختلاف المقابلة حيث قال: ﴿الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ ولم يقل: حتى يُوَحِّدوا؛ لأنه لا بد من الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، فكان العدول عن ذكر المقابل إلى ذكر ما لا يقابله، هذا موجود كثيرًا في القرآن، وهو لا يوجد غالبًا إلا لفائدة، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ لا يقضون بالحق ولَّا لا يقضون بشيء؟
* الطلبة: ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾.
* الشيخ: ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ [غافر ٢٠] لماذا لم يقل: لا يقضون بالحق؟ لأن ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أبلغ، أبلغ في نقص هذه الأصنام، لا تقضي بشيء لا حق ولا باطل، انتبه لهذه النكتة من كتاب الله عز وجل. وهو أنه إذا عدل عن ذكر المقابل إلى شيء آخر فإنه لا بد أن يكون لذلك فائدة فتأملها.
قال: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ العبد المؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، صدق الله العبد المؤمن الذي يؤمن بالله ورسله وبما يجب الإيمان به خير من المشرك، فلو كان مشرك عالمًا بصناعة الطائرات، والصواريخ، والمراكب الفضائية، شيء عبقري، ورجل مسلم لا يعرف من هذا شيئًا أيهما خير؟
* طالب: المسلم.
* الشيخ: العبد المؤمن، فلو أن امرأة قالت: إنها تريد أن تتزوج هذا الكافر؛ لأن عنده من علوم الطبيعة ما ليس عند المسلم، نقول لها: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ وما قال: ولو أعجبكن. ولم يقل: ولو أعجبتها؛ لأن عقد نكاح المرأة بيد وليٍّ، فالخطاب للأولياء، فالمشرك لو أعجبكم ونال إعجابكم بماله وغيره فلا يجوز لكم لكن إنكاحه مُوَلِّيتكم.
ثم بيَّن عز وجل وجه هذه الخيرية فقال: ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ ﴿أُولَئِكَ﴾ الضمير يعود على المشركين والمشركات، ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ بأقوالهم وأفعالهم وربما تكون في ظاهرها خيرًا لنا -أذلهم الله ولعنهم (...) يبثون الدعوة إلى دينهم وشركهم بكل ما يستطيعون بالمال والقول والعمل حتى إننا نسمع أنهم يبنون المدارس ويبنون المستشفيات ويعالجون المريض حتى يشفى؛ لاستمالتنا إلى دينهم، ولا يزالون يدعون إلى يومنا هذا إلى دين النصارى لكن والحمد لله ليس لها قبول. (...)
كلام الذي يقولونه في إذاعاتهم (...) ثم يرسلونها على عنوان بعض المؤسسات (...) خبرة وبحثًا عن أحوال المسلمين (...)
ما يدري إلا وقد جاءه شريط (...) والحمد لله أنهم يبوؤون بالفشل في كل ما يدعون إليه مهما دعوا إنما يدعون إلى النار ولّا من أسباب دخول الجنة؟ ولم لا يقال في أعمالهم الخيرية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة ١٩٥] لأن هذه الأعمال الخيرية لا تنفعهم، لا تنفعهم شيئًا، ويقبلها الله هي نفسها أن تكون من مسلم، قال الله تعالى في الكفار: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣] إذن هل في ذلك خير ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، لماذا؟ لأن أعمالهم دعوة إلى النار، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال ٣٦] فعلى شباب المسلمين أن ينتبهوا لهذه النقطة وهي نشاط المبشرين في دعوتهم لدينهم بوجوه الإنفاق، فيخبر الله عنهم أنهم إنما ينفقونها ليصدوا عن سبيل الله، فهدف نفقاتهم حرب الرحمن وعداؤه، فعلينا أن ننتبه لهذا وألا نغتر بهم وبأعمالهم، ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ دعوة إلى النار، ودعوة إلى الجنة والمغفرة، ومع ذلك نجد أن المسألة ليس فيها تقابل، وإلا لو كان فيها تقابل لقال: أولئك يدعون إلى النار والمؤمنون يدعون إلى الجنة والمغفرة، لكنه عدل عن دعوة المؤمن إلى دعوة الله؛ لأن المؤمن يكون منه تقصير في الدعوة إلى جنة الله ومغفرته، لكن الله عز وجل دعا إلى الجنة والمغفرة، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا بالله ازداد دعوةً إلى جنة الله ومغفرته، وهنا يقول: ﴿يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ﴾ الجنة جزاء الأعمال الصالحة، والمغفرة جزاء الأعمال السيئة إذا استغفر الإنسان منها، وذلك لأن الإنسان في عمله دائر بين أمرين: إما عمل صالح محض هذا يكون سببًا لدخول الجنة، وإما عمل غير صالح لكنه يتاب منه، فهذه دعوة إلى المغفرة.
وقوله عز وجل: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ ﴿يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ ينقسم إذن الله عز وجل إلى إذن شرعي وإذن كوني، فإذنه سبحانه إذا ما تعلق بالمخلوقات والتقديرات فهو إذن كوني، وما تعلق بالتشريعات فهو إذن شرعي، وإذنه في قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥] ما تقولون في الإذن؟ هل هو شرعي ولا كوني؟ إذن كوني، يعني يأذن الله فيشفع، ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١] هذا شرعي. وقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩] الإذن هنا كوني ولّا شرعي؟ طيب نشوف الاستفهام هنا للإنكار ولا للتقرير؟ للإنكار والتوبيخ، فيكون إذنُ الله عز وجل لهؤلاء كونًا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ثابت ولّا غير ثابت؟
* الطالب: ثابت.
* الشيخ: ثابت، لكن إذنه لهم شرعًا غير (...) هنا الآية اللي معنا ﴿يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ أترونها إذنًا شرعيًّا أم إذنًا كونيًّا؟
* طالب: شرعيًّا.
* الشيخ: أو كلاهما؟
* الطلبة: كلاهما.
* الشيخ: أو شرعي؟ أو كوني؟
* الطلبة: كلاهما.
* الشيخ: الصبي إذا سألته عن شيء فهو على الأخير، تقول له مثلًا: اليوم السبت ولّا الأحد؟ يقول: الأحد. اليوم الأحد ولّا السبت؟ يقول: السبت. في هذه الآية التي معنا الظاهر والله أعلم أنها تشمل الكوني والشرعي؛ وذلك أن دخول الإنسان فيما يكون سببًا للجنة والمغفرة كوني، وشرْعُ ما يكون سببًا للجنة والمغفرة هذا إذن شرعي.
وقوله: ﴿وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿يُبَيِّنُ﴾ يعني يُظهر، ﴿آيَاتِهِ﴾ جمع آية وهي العلامة القاطعة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ [يس ٣٧] وقوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس ٤١] فالعلامة القاطعة التي تستلزم الاستدلال بها على وجود الله، ﴿يُبَيِّنُ آيَاتِهِ﴾ الآيات تنقسم إلى قسمين: شرعية وكونية، وكلاهما قد بينها الله عز وجل، فبيَّن لعباده الآيات الشرعية وبيَّن أيضًا الآيات الكونية، فلم يبق شيء يحتاج الناس إليه في أمور دينهم ولا في أمور دنياهم إلا بينه، قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩] وقال أبو ذر: «لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وما طائرٌ يُقَلِّبُ جَناحَيْهِ في السماءِ إلَّا وهُو يُذَكِّرُنا منه عِلمًا »[[أخرجه البزار في المسند (٣٨٩٧) من حديث أبي ذر بنحوه.]]. وقد يشكل على بعض الناس قد يخفى عليه بعض الآيات الشرعية، لا يتبين له فيها وجه الشرع، ثم يتبين له بعد ذلك، فمما نأخذه من الآية أنه إذا ما تبين الحكم الشرعي لشخص من الأشخاص لا يعني أن الحكم الشرعي في حد ذاته كان مخفيًّا، إنه قد يخفى على الإنسان إما لقلة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في طلب الحق، هذه أسباب ثلاثة توجب الخفاء: إما لقلة علمه، وإما لـأنه ناقص الفهم في أشياء كثيرة، وإما تجده ما يهتم ترد عليه المسألة مشكلة يقول: هذه أتوقف فيها ولا أبحث، لكن الحق في حد ذاته قد بينه الله تعالى بيانًا كاملًا، وطرق البيان في الآيات الشرعية كثيرة، منها عمومية اللفظ وشموله، وإما بدخولها في عمومه إذا اتفقا في العلة فقد شملهما المعنى فيشملهما الحكم.
إذن لا نقص فيه، وانظر إلى قول الله عز وجل في آيات المواريث قال: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء ١٧٦].
والآيات الكونية هي ما يتعلق بالمخلوقات، وهي آية من آيات الله عز وجل، آية على أي شيء؟ على العلم ولَّا على القدرة؟ على كل هذا، مثلًا اختلاف الليل والنهار من آيات الله الدالة على أيش؟
* الطلبة: على القدرة.
* الشيخ: على القدرة والعلم والرحمة والسلطان؛ لأن كونها دالة على القدرة واضح، فإن أحدًا من الناس لا يستطيع أن يقدم طلوع الشمس ولا أن يؤخرها له، ولكن خالقها الذي أمرها أن تسير بإذنه دليل على علمه بها وقدرته عليها، فما من مفعول إلا وهو مسبوق بالعلم والقدرة، هب لو أنك صنعت ثوبًا فأنت لا تخيطه إلا وأنت عالم كيف تخيطه وكذلك قادر على خياطته وإلا ما يمكن أن تخيطه، فكذا لا يمكن أن يكون اختلاف الليل والنهار إلا عن علم الله وقدرته التي يختلف بها الليل والنهار، وهو كدليل على سلطانه آية على سلطانه؛ لأن اختلاف الليل والنهار يشمل الاختلاف الحسي والمعنوي (...) والحسي هو الذي قال الله فيه: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١٤٠] يغني فقيرًا ويفقر غنيًّا ويهدي ضالًّا ويضل مهتديًا. الحاصل أن الآيات الكونية آية على خالقها عز وجل (...) كأن تقول: على القدرة أو الرحمة أو ما أشبه ذلك لا، تقول: هي آية على كل معنى يناسب تلك الآية فيختلف بحسب الآيات. هل بيَّن الله لنا الآيات الكونية؟ بيَّن الله عز وجل وأيش سبب طول النهار (...) بيَّن لنا أن ذلك بقدرته: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس ٣٩] ثم إذا كان هناك سبب حسي أو إذا كان هناك (...) أن الإنسان يدرس علم الفلك ليستفيد، ليستفيد مما (...) الآيات الشرعية مبينة والآيات الكونية مبينة، ولكن سؤالي الآن: هل بيان الآيات الشرعية أبلغ وأدق أو بيان الآيات الكونية؟ الأول الآيات الشرعية أبلغ وأدق وأشمل؛ لأن الإنسان في أمس الحاجة إليها حاجة ضرورية عليها مدار سعادته في الدنيا والآخرة، ولهذا بيَّن الله عز وجل لعباده من الآيات الشرعية حتى آداب الجلوس والاستئذان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور ٢٧] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المجادلة ١١] بيَّن الله حتى هذا الأمر، وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي: «إنَّ نبيَّكم علمكم كلَّ شيءٍ حتى علَّمَكم كيفَ تأتونَ الخلاءَ. قال: نعم، وألا نستنجي برجيع أو عظم »[[أخرجه مسلم (٢٦٢ / ٥٧) من حديث سلمان الفارسي.]] (...) بيان الرسول صلى لله عليه وسلم من بيان الله؛ لأنه ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠] بيان الوحي للآيات الشرعية هو أشمل من البيان للآيات الكونية، الآيات الكونية تأتي على سبيل العموم، بخلاف الشرعية؛ لأن الشرع لا بد أن يتلقى من الوحي (...) ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ [البقرة ٢٤٢] إذا آمنت بهذه الجملة فإنه قد يعرض لك مسألة لا تجدها في كلام الفقهاء ولا في كلام المحدثين، وعندما تتأمل القرآن تجدها واضحة صريحة، أو عندما تتأمل السنة تجدها واضحة مبينة فيها، وهذا شيء معلوم، ولهذا أحثكم أنتم طلبة العلم على أن يكون دأبكم في الوصول إلى غائص المسائل الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولا حرج أن نستعين بكلام أهل العلم؛ لأن اعتماد الإنسان على نفسه في فهم الكتاب والسنة قد يحصل فيه خلل كثير، فلا بد أن يعرف القواعد التي قعَّدها السلف من الصحابة والتابعين مستنبطين لها من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
* طالب: (...).
* الشيخ: نحن عندما نتكلم نتكلم عن بيانها في حد ذاته، أما كونها تعمى أو تُعَمَّى على بعض الناس هذا وارد، فإن الكفار قد يطَّلعون من الآيات الكونية على ما لا يطلعه المسلمون لكنها لا تنفعهم؛ لأنهم لا يستدلون بها على رحمة الله أو على وجوده، إنما نحن إذا تكلمنا فإنما نتكلم على أيش؟ الآيات الشرعية من حيث هي آيات بقطع النظر عن الممتثل بها، ولهذا الآن نحن جميعًا نعرف أن بعضنا يفهم من كتاب الله وسنة رسوله ما لا يفهمه الآخر، ويقال: إن الإمام الشافعي رحمه الله استضاف الإمام أحمد ليلة من الليالي، فلما قدَّم إليه العشاء أكله كله (...).
* طالب: (...)
* الشيخ: عمر أراد أن يمنع منه سياسة ولكنه لم يمنع منه حكمًا شرعيًّا، هو اجتهاد منه لكنه هو غير موفق فيه، فهو نفسه رضي الله عنه ما استدل بدليل، وإنما خشي على من تزوج بكتابيات خشي عليه هو فقط.
* الطالب: الخشية موجودة الآن؟
* الشيخ: هذه لولي الأمر إذا رأى أن السياسة تمنع من التزوج فله المنع مثل ما يوجد عندنا الآن في الحكومة السعودية وفقها الله تمنع من التزوج بالأجانب إلا بشروط ترضاها وتوافق عليها، فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع الناس من التزوج بالأجانب حتى ولو كن مسلمات لأمر يتعلق بمصالح البلد فله أن يفعل ذلك؛ لأن ولي الأمر إذا قلنا: إنك ما تفعل إلا شيئًا ما تأمر إلا بمأمور به ولا تنهى إلا عن منهي عنه بقيت سلطته عديمة التأثير، فلا بد أن يكون لولي الأمر شيء من النظر يمنع فيما يرى أن الحق في منعه أو يبيح ما يرى أن الحق في إباحته إذا لم يتعارض مع النص.
* طالب: شيخ، فإذا تقدمت المصلحة في نظام الحكم الشرعي؟ (...)
* الشيخ: لا، الحكم الشرعي الإباحة، فلولي الأمر أن يمنع إذا رأى أن المصلحة في المنع مثل ما أبيحت الرجعة في الطلقات الثلاث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، ورأى عمر أن المصلحة تقتضي المنع فمنع، فالمصلحة التي رآها رأى الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة وأن الواحد منهم بدأ كلما غضب أدنى غضبة على زوجته بتَّ طلاقها، فرأى رضي الله عنه أن يمنع من مراجعتها في هذه الحالة، فهذه ترجع إلى اجتهاد الحاكم وهو فيما بينه وبين الله إذا كان يريد الحق فهو مأجور سواء أصاب أم لم يصب، وإذا كان يريد شيئًا آخر فربه يحاسبه.
* طالب: إن الله سبحانه وتعالى علل في آخر الآية: ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ ومع أن هذه العلة موجودة في أهل الكتاب؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما وجهه؟
* الشيخ: وجهه أن أهل الكتاب فيه مصلحة أخرى تقابل هذه العلة، وهي أن ما عند المرأة من العلم الذي قد يدعوها إلى الإسلام أكثر وأكبر من الجهل الذي قد تستمر فيه على الشرك.
* طالب: نقول: إن أهل الكتاب عندهم شرك، كيف نخرجهم من تحت المشركين؟
* الشيخ: لأن الله أخرجهم قال: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة ٥].
* الطالب: يعني نقول: إن الآية هذه الآية آية المائدة ناسخة لآية البقرة؟
* الشيخ: مخصصة، هذا إذا قلنا: إن الآية التي معنا عامة مع أن بعض العلماء يقول: المراد بها المشركون ويدخل فيها أهل الكتاب من الأصل، أو ما دخلوا فيها فتكون عامًّا أريد به الخصوص.
في هذه الآية الكريمة: تحريم نكاح المشركات على المؤمنين، من أين نأخذها؟ ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾.
وفيها: أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، منين؟ لقوله: ﴿حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ فدل ذلك على أنه متى زال الشرك حل النكاح ومتى انتفى انتفى النكاح.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الزوج ولي نفسه، من أين تؤخذ؟ ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ فوجه الخطاب للزوج.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المؤمن خير من المشرك ولو كان في المشرك من الأوصاف ما يعجبه، لقوله تعالى: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾، ومثله قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة ١٠٠] فلا تغتر بالكثرة، ولا تغتر بالمهارة، ولا بالجودة، ولا بالفصاحة، ولا بغير ذلك، ارجع إلى الأوصاف الشرعية التي عُلِّقت بها الصفات المحمودة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تفاضل الناس في أحوالهم وأنهم ليسوا على حد سواء، لقوله: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ﴾ وفيه رد واضح على الذين قالوا أو على الذين أطلقوا أن دين الإسلام دين مساواة، كيف ذلك؟ لأن التفضيل ينافي المساواة، والعجيب أنه لم يأت في الإسلام لا في الكتاب ولا في السنة لفظ المساواة بها أبدًا، ولا أن الله أمر بها ولا رغَّب فيها؛ لأنه ما هي صحيحة، إذا قلت بالمساواة دخل الفاسق والعدل والكافر والمؤمن والذكر والأنثى، وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام من المسلمين؛ أن يجعلوا دين الإسلام دين مساواة ما فيه فرق، لكن جاء الإسلام بكلمة هي خير من تلك الكلمة وليس فيها احتمال أبدًا، وهي: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل ٩٠] كلمة (العدل) تقتضي أن نسوي بين الاثنين حيث اتفقا في الصفات المقتضية للتسوية، وأن نفرق بينهما حيث اختلفا في الصفات المقتضية للتفريق أليس كذلك؟ أكثر ما يوجد في القرآن نفي المساواة في هذا الباب: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ [الرعد ١٦] ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء ٩٥]،﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد ١٠] وآيات كثيرة في هذا النوع ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [هود ٢٤] وما أشبهها، والحاصل أن هذه الكلمة أدخلها أعداء الإسلام على المسلمين، وأكثر المسلمين ولا سيما ذوي الثقافة العامة ليس عندهم تحقيق وتدقيق في الأمور وتمييز بين العبارات، ولهذا تجدهم يرون هذه الكلمة كلمة نور تُحمل على الرؤوس: الإسلام دين المساواة، نقول: كذبتم، الإسلام دين العدل، وأْتُوا لنا بحرف من كتاب الله أو من سنة رسوله يأمر بالتسوية أبدًا، لكن القرآن كله عدل يأمر بالعدل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل ٩٠] ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات ٩] ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ [الشعراء ١٨٢] وما أشبه ذلك، فهذه الكلمة وغيرها الكثير يجب أن نتنبه لها.
* طالب: يا شيخ، بعضهم قيدها قال: المساواة في الحقوق والواجبات، فهل هذا صحيح؟
* الشيخ: حتى هذا غلط ما هو صحيح، من لا مال عنده هل يساوي من عنده مال في الزكاة؟ ومَن ماله مليون هل هو مثل مَن ماله ألف؟ لأ واللي يقدر يصلي قائم مثل اللي ما يقدر؟ (...)
{"ayahs_start":219,"ayahs":["۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِۖ قُلۡ فِیهِمَاۤ إِثۡمࣱ كَبِیرࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَاۤ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَیَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ","فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡیَتَـٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحࣱ لَّهُمۡ خَیۡرࣱۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَ ٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ","وَلَا تَنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ حَتَّىٰ یُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةࣱ مُّؤۡمِنَةٌ خَیۡرࣱ مِّن مُّشۡرِكَةࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ حَتَّىٰ یُؤۡمِنُوا۟ۚ وَلَعَبۡدࣱ مُّؤۡمِنٌ خَیۡرࣱ مِّن مُّشۡرِكࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ یَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَیُبَیِّنُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"],"ayah":"۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِۖ قُلۡ فِیهِمَاۤ إِثۡمࣱ كَبِیرࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَاۤ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَیَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق