الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾، قال الزجاج: (أي: في الوقت الذي وقتنا له) [["معاني الزجاج" 2/ 372، ونحوه قال الطبري 9/ 49، والنحاس في "معانيه" 3/ 74.]]، ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾. قال المفسرون: (خص الله تعالى [[لفظ: (تعالى) ساقط من (ب).]] موسى عليه السلام بأن أسمعه كلامه من غير أن يكون بينهما أحد، فلما سمع كلام الله تعالى ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾) [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 49 - 50، وقد أخرجه من طرف جيدة عن السدي وابن إسحاق والربيع بن أنس وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 373، والسمرقندي 1/ 567.]].
قال الزجاج: (المعنى: أرني نفسك انظر إليك) [["معاني الزجاج" 2/ 373.]]، وهذا يقطع بأن موسى سأل رؤية الباري، ولو كانت الرؤيا لا تصح في وصفه ما سأل موسى ذلك؛ لأنه كان أعلم بالله من أن يسأله ما يستحيل في وصفه، وليس يحتمل قوله: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ إلا أنه سأله أن يريه نفسه لينظر إليه، وليس يصح أن يقال: إنه سأل أمرًا عظيما على تقدير: أرني أمرًا، أنظر إلى أمرك، ثم حذف المفعول والمضاف؛ لأن سياق الآية يدل على بطلان هذا، وهو قوله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ ﴿فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ﴾. ولا يجوز أن يحمل جميع هذا على حذف المضاف، ولأنه لو سأل آية وأمرًا لأعطاه الله تعالى ما سأل كما أعطاه سائر الآيات، وأي معنى لإحالته على استقرار الجبل ووقوعه مغشيًا عليه، وتوبته بعد ذلك، هذا كله لا يكون في سؤاله أمرًا وعلامة [[انظر: "بدائع التفسير" 2/ 264 - 266.]].
قال أبو إسحاق: (ليس في الكلام دليل على أن موسى أراد أن يرى أمرًا عظيما من أمر الله عز وجل؛ لأن الله تعالى أراه من الآيات ما لا غاية بعده: العصا، واليد، وفرق البحر، فكان يستغنى بما أراه عن أن يطلب أمرًا من أمر الله عز وجل عظيما ، ولكنه لما سمع كلام الله تعالى [[لفظ: (تعالى) ساقط من (أ).]] {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}، أي: قد سمعت كلامك فأنا أحب أن أراك) [["معاني الزجاج" 2/ 374 وزاد فيه: (وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة) اهـ.]]
وقوله تعالى: ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾. هذا [[في (ب): (في هذا أيضًا دليل).]] أيضًا دليل على جواز الرؤية، لأنه لو كان مستحيل الرؤية لقال: لا أرى، ألا ترى أنه لو كان في يد رجل حجر فقال له إنسان: ناولني هذا لآكل، فإنه يقول: (هذا لا يؤكل)، ولا يقول: لا تأكل، ولو كان في يده بدل الحجر تفاحة لقال: لا تأكل، أي: هذا مما يؤكل ولكنك لا تأكل.
وفي قوله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ إبطال قول من يقول: إن موسى سأل الرؤية لقومه؛ لأنهم [[انظر: "الكشاف" 2/ 113.]] قالوا ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: 153]، فسأل موسى الرؤية ليتبين لهم أن ذلك لا يجوز، وذلك أنه لو كان سؤال الرؤية لقومه لقال [[في (أ): (قال)، وهو تحريف.]]: لن يروني، ولقال موسى: أرهم [[في (ب): (أراهم)، وهو تحريف.]]، فلما قال ﴿أَرِنِي﴾ وقيل له: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ بطل أن يكون السؤال لقومه، وقول من قال: إن (لن) [[لفظ: (لن) ساقط من (ب).]] للتأبيد دعوى على أهل اللغة، وليس يشهد لذلك كتاب ولا نقل ولا إسناد ولا أصل [[لن: حرف يدل على النفي في المستقبل، قال ابن هشام في "المغني" 1/ 284: (لن حرف نفي واستقبال ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافا للزمخشري وكلاهما دعوى بلا دليل) اهـ. انظر: "العين" 8/ 350، و"الكتاب" 4/ 220، و"حروف المعاني" ص 8، و"تهذيب اللغة" 4/ 3303، و"معاني الحروف" ص 100، و"رصف المباني" ص 355، و"اللسان" 7/ 4082 (لن).]]، ولكن معنى قول: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ أي: في الدنيا كما قال عبد العزيز بن يحيى الكناني: قال: (قوله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ جواب قول موسى ﴿أَرِنِي﴾ فلا يقع على الآخرة؛ لأن موسى لم يقل: أرني في الآخرة، إنما سأل الرؤية في الدنيا فأجيب عما سأل) [[(ولا أصل) ساقط من (ب)، ونقل قول الواحدي الرازي في "تفسيره" 14/ 233.]]، والجواب يكون على وفق السؤال؛ كيف وقد نص ابن عباس في رواية عطاء في قوله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾. قال: (لن تراني في الدنيا) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 196 أ.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾. قال مقاتل: (لما قال موسى: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ قال له ربه: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾، ولكن اجعل بيني وبينك ما هو أقوى منك، وهو الجبل ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ أي: سكن وثبت ﴿فَسَوْفَ تَرَانِي﴾، وإن لم يستقر مكانه فإنك لا تطيق رؤيتي، كما أن الجبل لا يطيق رؤيتي) [["تنوير المقباس" 2/ 125. وذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 236، وابن الجوزي 3/ 256، وهذا هو الحق ومذهب أهل السنة والجماعة.
قال ابن كثير 2/ 272: (استدل المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة بهذه الآية وهذا أضعف الأقوال؛ لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ بأن المؤمنين يرون ربهم في الدار الآخرة) اهـ.
وانظر: "الإبانة" للأشعري ص 13 - 21، و"تفسير الماوردي" 2/ 257، وابن عطية 6/ 68، وابن الجوزي 3/ 256، والقرطبي 7/ 278.]].
قال الكلبي [["تفسير مقاتل" 2/ 61.]] وغيره [["تنوير المقباس" 2/ 125، وذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 237.]]: (والجبل في قوله: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ أعظم جبل بمدين [[ذكره ابن الجوزي 3/ 257، عن ابن عباس، ذكره الثعلبي في "عرائس المجالس" ص 201، عن السدي، وانظر: "تفسير السمرقندي" 1/ 567، والماوردي 2/ 258.]] يقال [[مدين: مدينة على بحر القلزم محاذية لتبوك. انظر: "معجم البلدان" 5/ 77.]] له: زبير [[في (ب): (فقال زبير)، وهو تحريف.]]) [[الزبير، بفتح الزاء وكسر الباء: اسم للجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام. انظر: "معجم البلدان" 3/ 132، و"اللسان" 3/ 1806 (زبر).
وقد أجمع أهل التفسير على أن جبل المناجاة هو الطور، فكأن الزبير اسم آخر له أو لموضع معين من الطور والله أعلم. انظر: "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 727 - 728.]].
قال أصحابنا: (علَّقَ الله تعالى جواز الرؤية على استقرار الجبل، واستقراره كان جائزًا ، ولكن لم يفعل الله، كذلك الرؤية كانت جائزة، ولكن الله لم يخلقها لموسى، وضدّ هذه الآية قوله: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: 40]. علق دخولهم الجنة بما يستحيل وجوده فلا يدخلونها قط).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾. قال الزجاج [[ذكره الثعلبي في "الكشف" ص 196 عن المتكلمين من أهل السنة، وانظر: "زاد المسير" 3/ 256.]] وجميع أهل اللغة [["معاني الزجاج" 2/ 373، وفي "تهذيب اللغة" 1/ 624، قال الزجاج: (أي: ظهر وبان وهو قول أهل السنة والجماعة) اهـ.]]: (أي: ظهر وبان، ومنه يقال: جلوت العروس إذا أبرزتها، وجلوت المرآة والسيف إذا أخرجته من الصدى) [[انظر: "العين" 6/ 180، و"الجمهرة" 1/ 492، و"الصحاح" 6/ 2303، و"المجمل" 1/ 193، و"مقاييس اللغة" 1/ 468، و"المفردات" ص 200، و"اللسان" 2/ 670 (جلا).]].
وقوله تعالى: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾. قال أبو إسحاق: (يجوز ﴿دَكًّا﴾ بالتنوين و ﴿دَكًّاءَ﴾ بغير تنوين، أي: جعله مدقوقًا مع الأرض، يقال: دككت الشيء إذا دققته، أدكه دكا، والدكاء والدكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها لا تبلغ أن تكون جبلًا) [[هذا قول ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص180، وانظر: "تفسير الطبري" 9/ 52، و"نزهة القلوب" ص 158، و"تفسير المشكل" ص 87.]]، فعلى هذا الدك مصدر والدكاء [["معاني الزجاج" 2/ 373.]] اسم.
أخبرني العروض رحمه الله عن الأزهري قال: أخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: (قال الأخفش في قوله: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [[الدّك - الدق وكسر الشيء وتفتيته، ومنه الناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها. انظر: "العين" 5/ 274، و"الجمهرة" 1/ 114، و"الصحاح" 4/ 1583، و"المجمل" 2/ 318، و"مقاييس اللغة" 2/ 258، و"المفردات" ص 316، و"اللسان" 3/ 1404 (دك).]] بالتنوين، كأنه قال: دكه دكًا مصدر مؤكد [[في (ب): (مؤكدة).]]، قال: ويجوز جعله ذا [[في "تهذيب اللغة" 2/ 1212: (ويجوز جعله أرضًا ذات دك) اهـ.]] دك كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: 82].
قال: ومن قرأ [[قرأ حمزة والكسائي ﴿دَكًّاءَ﴾ بالمد والهمز من غير تنوين، وقرأ الباقون: ﴿دَكًّا﴾ بالقصر والتنوين من غير مد ولا همز. انظرة "السبعة" ص 293، و"المبسوط" ص 185، و"التذكرة" 2/ 425، و"التيسير" ص 113، و"النشر" 2/ 271 - 272.]] ﴿دَكًّاءَ﴾ ممدودة أراد جعله مثل دكاء فحذف (مثل)، قال: والدكاء الناقة التي لاسنام لها) [[انظر: "معاني الأخفش" 2/ 309.]]، فمعنى [[في (ب): (ومعنى).]] قوله: ﴿جَعَلَهُ دَكًّاءَ﴾ أي: مثل دكاء في أنه بقي أكثره.
قال أبو العباس: (ولا حاجة به إلى إضمار (مثل)، والمعنى: جعل الجبل أرضًا دكاء) [["تهذيب اللغة" 2/ 1212 (دك).]].
فحصل من هذه الأقوال أن من قرأ ﴿دَكًّا﴾ بالتنوين كان الدك مصدرًا بمعنى المفعول على قول [[لفظ: (قول) ساقط من (ب).]] أبي إسحاق، وعلى قول الأخفش ويكون مصدرًا مؤكدًا؛ لأنه يقول معنى قوله: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾. أي: دكه دكًا، ويجوز على قوله أيضًا أن يكون بمعنى: ذا دكٍ، أي: ذا كسر فحذف المضاف، ومن قرأ بالمدّ فعلى قول الأخفش (الدكاء) الناقة الذاهبة السنام، والمضاف محذوف، وعلى قول أبي العباس (الدكاء) الأرض غير الغليظة المرتفعة، ولا حاجة إلى تقدير المضاف [[أكثرهم على أن من قرأ بالمد جعله صفة أي: جعل الجبل أرضًا ملساء دكاء ومن قرأ بالقصر والتنوين جعله مصدرًا.
انظر: "الحجة" لأبي علي 4/ 75، و"معاني القراءات" 1/ 422، و"إعراب القراءات" 1/ 205، و"الحجة" لابن خالويه ص 163، و"الكشف" 1/ 475.]].
فأما التفسير فقال المفسرون [[أكثرهم على أن معنى جعله: ﴿دَكًّا﴾ أي: مستويًا ألصقه بالأرض. انظر: "مجاز القرآن" 1/ 228، و"غريب القرآن" لليزيدي ص 150، و"تفسير غريب القرآن" ص 180، و"نزهة القلوب" ص 227، و"تفسير المشكل" ص 87]]: (ساح في الأرض فهو يذهب حتى الآن). وهو قول الحسن [[ذكره الماوردي 2/ 258، عن الحسن وسفيان الثوري.]] وسفيان [["تفسير سفيان الثوري" ص 113، وأخرجه الطبري 9/ 53، وابن أبي حاتم 5/ 1561 من طرق جيدة عن سفيان الثوري.]]، وأبي بكر [[أبو بكر الهذلي البصري مشهور بكنيته وهو سلمى بن عبد الله بن سلمى، وقيل اسمه: روح، روى عن الحسن البصري والشعبي وعكرمة وغيرهم، وهو علامة إخباري متروك الحديث، توفي سنة 167 هـ. انظر: "ميزان الاعتدال" 4/ 497، و"المغني" في الضعفاء 2/ 773، و"تهذيب التهذيب" 4/ 498.]] الهذلي [[أخرجه الطبري 9/ 53 بسند جيد.]]، وهذا على قراءة من قرأ بالمد، وقال الكلبي [["تنوير المقباس" 2/ 225، وذكره الثعلبي 196 ب، والبغوي 3/ 278.]]: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ أي: كسرا جبالا صغارًا) [[في (ب): أي: (كسرا جبالا لا صغار)، وهو تحريف.]].
وروي هذا المعنى مرفوعًا عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال في قوله ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾: (صار لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة، أحد وورقان، ورضوى [[أحد، بالضم: جبل أحمر بالمدينة المنورة في شمالها بينه وبينها قرابة ميل، انظر: "معجم البلدان" 1/ 109، وورقان بالفتح ثم الكسر جبل عظيم أسود على يمين المصعد من المدينة إلى مكة، انظر: "معجم البلدان" 5/ 372، ورضوى -بالفتح ثم السكون- جبل بالمدينة قرب ينبع، انظر: "معجم البلدان" 3/ 51.]]، ووقع ثلاثة بمكة ثور [[ثور، بالفتح ثم السكون: جبل مشهور بمكة خلفها على طريق اليمن، انظر: "معجم البلدان" 2/ 86، وثبير، بالفتح ثم الكسر وسكون الياء: جبل بمكة. انظر: "معجم البلدان" 2/ 72، وحراء، بالكسر والتخفيف والمد: جبل مشهور على ثلاثة أميال من مكة انظر: "معجم البلدان" 2/ 233.]] وثبير وحراء) [[أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1560، والواحدي في "الوسيط" 2/ 237 - 238 بسند ضعيف جدًّا، فيه، الجلد بن أيوب البصري متروك الحديث، انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 420، و"المغني" في الضعفاء 1/ 135 "لسان الميزان" 2/ 133، وذكر الحديث ابن كثير في "تفسيره" 2/ 272، وقال: (هذا حديث غريب بل منكر) وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 24، نحوه عن ابن عباس عن النبي ﷺ وقال: (وراه الطبراني في "الأوسط" وفيه طلحة بن عمرو المكي وهو متروك) اهـ. وذكره الشوكاني في "فتح القدير" 2/ 358، وزاد نسبته إلى (أبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية والديلمي) وانظر: "الدر المنثور" 3/ 221 - 222.]].
وهذا التفسير يقوي قراءة من قرأ بالتنوين، والتفسير الموافق للقراءتين مما روي عن [[في (ب): (ما روي عن أنس عن ابن عباس)، وهو تحريف.]] ابن عباس أنه قال: (جعله ترابًا) [[أخرجه الطبري 9/ 53، وابن أبي حاتم 5/ 1560 بسند جيد.]]. ونحو ذلك قول مسروق: (صار صحراء [[في: (ب): (صر صخرا ترابا) وهو تحريف.]] ترابًا) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 196 ب.]].
وقوله تعالى: ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾. قال الليث: (الصعق مثل الغشي يأخذ الإنسان) [["تهذيب اللغة" 2/ 2018، وانظر: "العين" 1/ 128، و"تأويل مشكل القرآن" ص 501.]].
والصعقة الغشية، يقال: صعِق الرجل وصعَق، فمن قال: صعِق، قال: فهو صعِق، ومن قال: صعَق قال: فهو مصعوق، ويقال أيضا: صعق إذا مات، ومنه قال: ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر: 68] فسروه الموت، ومنه قوله: ﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: 45] أي: يموتون، ويقال: أصعقته الصيحة أي: قتلته.
وأنشد الفراء:
أُحَادَ وَمَثْنَى أَصْعَقتها صوَاهِلُهْ [[الشاهد لابن مقبل في "ديوانه" ص 252 وصدره:
ترى النُّعَرات الزرق تحت لَبَانه
وهو في: "إصلاح المنطق" ص 205، و"المعاني الكبير" ص/ 606، و"الأضداد" لابن الأنباري ص 302، و"الصحاح" 4/ 1507 (صعق)، و"المخصص" 8/ 184، و"اللسان" 4/ 2450 (صعق)، وبلا نسبة في "معاني الفراء" 1/ 255، 345، و"مجالس ثعلب" ص 128، و"التكملة" لأبي علي ص 425، والنُّعَرَات جمع نُعَرَة؛ ذباب يسقط على الدواب، واللبان الصدر، وصواهلة جمع صاهلة، وهو الصهيل والشاعر يصف فرسا بشدة صهيله وأنه يقتل الذباب.]]
أي: قتلها صوته [[النص كله من "تهذيب اللغة" 8/ 2012 - 2019، وانظر: "الجمهرة" 2/ 885، و"المجمل" 2/ 533؛ و"مقاييس اللغة" 3/ 285، و"المفردات" ص 484 (صعق).]].
فأما التفسير: فقال ابن عباس [[أخرجه الطبري 9/ 53، وابن أبي حاتم 5/ 1561 من طرق جيدة.]]، والحسن [[ذكره الماوردي 2/ 258، وابن الجوزي 3/ 257 عن ابن عباس والحسن وابن زيد، وذكره البغوي 3/ 278 عن ابن عباس والحسن.]]، وابن زيد [[أخرجه الطبري 9/ 53 بسند جيد.]]: (مغشيًّا عليه). وقال قتادة: (ميتًا) [[أخرجه الطبري 9/ 53، وابن أبي حاتم 5/ 1561 بسند جيد، وذكر النحاس في "معانيه" 3/ 75 عن قتادة أنه قال: (أي: مغشيًا عليه) اهـ.]].
والذي يدل على صحة قول ابن عباس قوله: ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ﴾.
قال الزجاج: (ولا يكاد يقال للميت: قد أفاق من موته، ولكن يقال للذي يغشى عليه والذي قد ذهب عقله: قد أفاق من علته؛ لأن الله عز وجل قال في الذين ماتوا: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [["معاني الزجاج" 2/ 373 ومثله ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 2018 (صعق)، وهذا القول أظهر وهو اختيار الجمهور، قال ابن الأنباري في "الزاهر" 2/ 121: (فيه قولان: أحدهما: قد غُشي عليه، والقول الآخر قد مات. والأول هو الكثير المشهور) اهـ. وانظر: "تفسير غريب القرآن" ص 180، والطبري 9/ 53، وابن عطية 6/ 71، وابن الجوزي 3/ 257، والرازي 14/ 235.]] [البقرة: 56].
وقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَكَ﴾. أي: تنزيهًا لك [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 374.]] من السوء. ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾. أي: من مسألتي الرؤية. قاله [[في (ب): (قال)، وهو تحريف.]] الكلبي [["تنوير المقباس" 2/ 125.]] ومجاهد [[أخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" ص 113، عبد الرزاق 1/ 2/238، والطبري 9/ 55، وابن أبي حاتم 5/ 1562 من طرق جيدة.]]، والمعنى: من مسألتي الرؤية في الدنيا؛ لأن هذه القصة وقعت من مسألته الرؤية في الدنيا.
وقال أهل العلم: (إن الرؤية وإن كانت جائزة فإن موسى سألها من غير استئذان من الله تعالى، فلذلك [[في (ب): (فكذلك)، وهو تحريف.]] تاب لأنه كان بغير إذن، وهذا إجماع من الأمة أن توبته لم تكن عن معصية؛ لأن عندنا سأل الرؤية لنفسه، ولا يكون هذا [[في (ب): (لهذا)، وهو تحريف.]] السؤال عندنا معصية [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 55، وابن عطية 6/ 71.]]، وعند من خالفنا [[انظر: "الكشاف" 2/ 112 - 116.]]: سأل الرؤية لقومه مع علمه أن ذلك لا يكون، أو سأل أمرًا عظيمًا، وكل واحد من هذين لا يكون معصية) [[انظر: "تفسير الماوردي" 2/ 259، وابن الجوزي 3/ 257، وقال القرطبي 7/ 279: (أجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية، فإن الأنبياء معصومون، وأيضًا عند أهل السنة والجماعة الرؤية جائزة، وعند المبتدعة سأل لأجل القوم ليبين لهم أنها غير جائزة وهذا لا يقتضى التوبة، فقيل: أي تبت إليك من قتل القبطي، وقيل: قالها على جهة الإنابة إلى الله والخشوع له عند ظهور الآيات) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قال مجاهد: (وأنا أول قومي إيماناً) [[أخرجه الطبري 9/ 56، وابن أبي حاتم 5/ 1562، من طرق جيدة.]]، وقاله السدي أيضًا [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 197 أ، والواحدي في "الوسيط" 2/ 238، والبغوي 3/ 279، عن مجاهد والسدي، وأخرجه الطبري 9/ 56، من طرق جيدة عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس، وأخرج الطبري 9/ 55، وابن أبي حاتم 5/ 1562، من طرق جيدة عن ابن عباس قال: (أنا أول من آمن أنه لا يراك أحد من خلقك في الدنيا) اهـ.]].
وقال أبو العالية: (وأنا أول من آمن أنه لا يراك أحد قبل يوم القيامة) [[أخرجه الطبري 9/ 55، بسند لا بأس به، وذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 568.]]. واختاره الزجاج فقال: (أي: أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا) [["معاني الزجاج" 2/ 374، وهذا هو الظاهر وهو اختيار الطبري 9/ 56، وقول الإِمام أحمد رحمه الله تعالى قال في الرد على الجهمية ص 96: (يعني: أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات)، وانظر: "مرويات الإِمام أحمد في التفسير" 2/ 197، وقال ابن كثير 2/ 273: (وهذا قول حسن له تجاه) اهـ. وانظر: "تأويل مشكل القرآن" ص 281.]].
{"ayah":"وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِی وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِیۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكࣰّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقࣰاۚ فَلَمَّاۤ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق