الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ .
أخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى يَوْمَ الطُّورِ كَلَّمَهُ بِغَيْرِ الكَلامِ الَّذِي كَلَّمَهُ يَوْمَ ناداهُ، فَقالَ لَهُ مُوسى: يا رَبِّ أهَذا كَلامُكَ الَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ ؟ قالَ: يا مُوسى، إنَّما كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلافِ لِسانٍ، ولِي قُوَّةُ الألْسُنِ كُلِّها وأقْوى مِن ذَلِكَ. فَلَمّا رَجَعَ مُوسى إلى بَنِي إسْرائِيلَ قالُوا: يا مُوسى صِفْ لَنا كَلامَ الرَّحْمَنِ. فَقالَ: لا تَسْتَطِيعُونَهُ، ألَمْ تَرَوْا إلى أصْواتِ الصَّواعِقِ الَّتِي تُقْبِلُ في أحْلى حَلاوَةٍ سَمِعْتُمُوهُ، فَذاكَ قَرِيبٌ مِنهُ ولَيْسَ بِهِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ، عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ قالَ: كانَ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قُبَّةٌ طُولُها سِتُّمِائَةِ ذِراعٍ، يُناجِي فِيها رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ قِي نَوادِرِ الأُصُولِ، عَنْ كَعْبٍ قالَ: لَمّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى قالَ: يا رَبِّ، أهَكَذا كَلامُكَ ؟ قالَ: يا مُوسى، إنَّما أُكَلِّمُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ (p-٥٤٢)آلافِ لِسانٍ، ولِي قُوَّةُ الألْسِنَةِ كُلِّها، ولَوْ كَلَّمْتُكَ بِكُنْهِ كَلامِي لَمْ تَكُ شَيْئًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنْ كَعْبٍ قالَ: لَمّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى كَلَّمَهُ بِالألْسِنَةِ كُلِّها قَبْلَ كَلامِهِ - يَعْنِي كَلامَ مُوسى - فَجَعَلَ يَقُولُ: يا رَبِّ لا أفْهَمُ. حَتّى كَلَّمَهُ آخِرَ الألْسِنَةِ بِلِسانِهِ بِمِثْلِ صَوْتِهِ، فَقالَ: يا رَبِّ هَكَذا كَلامُكَ ؟ قالَ: لا لَوْ سَمِعْتَ كَلامِي - أيْ عَلى وجْهِهِ - لَمْ تَكُ شَيْئًا. قالَ: يا رَبِّ هَلْ في خَلْقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلامَكَ ؟ قالَ: لا، وأقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلامِي أشَدُّ ما سَمِعَ النّاسُ مِنَ الصَّواعِقِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالَ: قِيلَ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ما شَبَّهْتَ كَلامَ رَبِّكَ مِمّا خَلَقَ ؟ فَقالَ مُوسى: الرَّعْدُ السّاكِنُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ أبِي الحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاوِيَةَ قالَ: إنَّما كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى بِقَدْرِ ما يُطِيقُ مِن كَلامِهِ، ولَوْ تَكَلَّمَ بِكَلامِهِ كُلِّهِ لَمْ يُطِقْهُ شَيْءٌ، فَمَكَثَ مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يَراهُ أحَدٌ إلّا ماتَ مِن نُورِ رَبِّ العالَمِينَ. (p-٥٤٣)وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: ”«لَمّا خَرَجَ أخِي مُوسى إلى مُناجاةِ رَبِّهِ كَلَّمَهُ ألْفَ كَلِمَةٍ ومِائَتَيْ كَلِمَةٍ، فَأوَّلُ ما كَلَّمَهُ بِالبَرْبَرِيَّةِ أنْ قالَ: يا مُوسى ونَفْسِي مُعَبِّرًا: أيْ أنا اللَّهُ الأكْبَرُ. قالَ مُوسى: يا رَبِّ، أعْطَيْتَ الدُّنْيا لِأعْدائِكَ ومَنَعْتَها أوْلِياءَكَ، فَما الحِكْمَةُ في ذَلِكَ ؟ فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: أعْطَيْتُها أعْدائِي لِيَتَمَرَّغُوا، ومَنَعْتُها أوْلِيائِي لِيَتَضَرَّعُوا» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ قالَ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى بِالألْسِنَةِ كُلِّها، وكانَ فِيما كَلَّمَهُ لِسانُ البَرْبَرِ، فَقالَ كَلِمَتَهُ بِالبَرْبَرِيَّةِ: أنا اللَّهُ الكَبِيرُ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «يَوْمَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى كانَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، وكِساءُ صُوفٍ، وسَراوِيلُ صُوفٍ، وكُمَّةُ صُوفٍ، ونَعْلانِ مِن جِلْدِ حِمارٍ غَيْرِ ذَكِيٍّ» .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاوِيَةَ قالَ: لَمّا كَلَّمَ مُوسى رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ (p-٥٤٤)مَكَثَ أرْبَعِينَ يَوْمًا لا يَراهُ أحَدٌ إلّا ماتَ مِن نُورِ رَبِّ العالَمِينَ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قالَ: كانَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَأْتِ النِّساءَ مُنْذُ كَلَّمَهُ رَبُّهُ، وكانَ قَدْ أُلْبِسَ عَلى وجْهِهِ بُرْقُعٌ، فَكانَ لا يَنْظُرُ إلَيْهِ أحَدٌ إلّا ماتَ، فَكَشَفَ لَها عَنْ وجْهِهِ فَأخَذَتْها مِن غَشْيَتِهِ مِثْلُ شُعاعِ الشَّمْسِ، فَوَضَعَتْ يَدَها عَلى وجْهِها وخَرَّتْ لِلَّهِ ساجِدَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخُ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى في ألْفِ مَقامٍ، فَكانَ كُلَّما كَلَّمَهُ رَأى النُّورَ عَلى وجْهِهِ ثَلاثَةَ أيّامٍ. قالَ: وما قَرِبَ مُوسى امْرَأةً مُنْذُ كَلَّمَهُ رَبُّهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيِّ قالَ: قالَتِ امْرَأةُ مُوسى لِمُوسى: إنِّي أيِّمٌ مِنكَ مُذْ أرْبَعِينَ سَنَةً فَأمْتِعْنِي بِنَظْرَةٍ. فَرَفَعَ البُرْقُعَ عَنْ وجْهِهِ، فَغَشِيَ وجْهَهُ نُورُ التَمَعَ بَصَرَها، فَقالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي زَوْجَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: عَلى ألّا تَزَوَّجِي بَعْدِي، وألّا تَأْكُلِي إلّا مِن عَمَلِ يَدَيْكِ. قالَ: فَكانَتْ تَتْبَعُ الحَصّادِينَ، فَإذا رَأوْا ذَلِكَ تَحاطُّوا لَها، فَإذا أحَسَّتْ بِذَلِكَ تَجاوَزَتْهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ في الزُّهْدِ، وأبُو خَيْثَمَةَ في كِتابِ العِلْمِ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ كَلَّمَهُ (p-٥٤٥)رَبُّهُ: أيْ رَبِّ، أيُّ عِبادِكَ أحَبُّ إلَيْكَ ؟ قالَ: أكْثَرُهم لِي ذِكْرًا. قالَ: أيُّ عِبادِكَ أحْكَمُ ؟ قالَ: الَّذِي يَقْضِي عَلى نَفْسِهِ كَما يَقْضِي عَلى النّاسِ. قالَ: رَبِّ، أيُّ عِبادِكَ أغْنى ؟ قالَ: الرّاضِي بِما أعْطَيْتُهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ الحَسَنِ، أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ سَألَ رَبَّهُ جِماعًا مِنَ الخَيْرِ، فَقالَ: اصْحَبِ النّاسَ بِما تُحِبُّ أنْ تُصْحَبَ بِهِ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ، والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، مِن طَرِيقٍ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى ناجى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِمِائَةِ ألْفٍ وأرْبَعِينَ ألْفَ كَلِمَةٍ في ثَلاثَةِ أيّامٍ، فَلَمّا سَمِعَ مُوسى كَلامَ الآدَمِيِّينَ مَقَتَهم؛ لِما وقَعَ في مَسامِعِهِ مِن كَلامِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ، فَكانَ فِيما ناجاهُ أنْ قالَ: يا مُوسى، إنَّهُ لَمْ يَتَصَنَّعِ المُتَصَنِّعُونَ بِمِثْلِ الزُّهْدِ في الدُّنْيا، ولَمْ يَتَقَرَّبْ إلَيَّ المُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ الوَرَعِ عَمّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ، ولَمْ يَتَعَبَّدِ المُتَعَبِّدُونَ بِمِثْلِ البُكاءِ مِن خَشْيَتِي. فَقالَ مُوسى: يا رَبِّ ويا إلَهَ البَرِيَّةِ كُلِّها، ويا مالِكَ يَوْمِ الدِّينِ، ويا ذا الجَلالِ والإكْرامِ، ماذا أعْدَدْتَ لَهم، وماذا جَزَيْتَهم ؟ قالَ: أمّا الزّاهِدُونَ في الدُّنْيا، فَإنِّي أُبِيحُهم جَنَّتِي حَتّى يَتَبَوَّءُوا فِيها حَيْثُ شاءُوا، (p-٥٤٦)وأمّا الوَرِعُونَ عَمّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ لَمْ يَبْقَ عَبْدٌ إلّا ناقَشْتُهُ الحِسابَ وفَتَّشْتُ عَمّا في يَدَيْهِ إلّا الوَرِعُونَ؛ فَإنِّي أسْتَحْيِيهِمْ وأُجِلُّهم وأُكْرِمُهم، وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ، وأمّا الباكُونَ مِن خَشْيَتِي، فَأُولَئِكَ لَهُمُ الرَّفِيقُ الأعْلى لا يُشارِكُهم فِيهِ أحَدٌ» .
وأخْرَجَ أبُو يَعْلى، وابْنُ حِبّانَ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ:“ «قالَ مُوسى: يا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أذْكُرُكَ بِهِ وأدْعُوكَ بِهِ. قالَ: قُلْ يا مُوسى: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. قالَ: يا رَبِّ كُلُّ عِبادِكَ يَقُولُ هَذا. قالَ: قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. قالَ: لا إلَهَ إلّا أنْتَ يا رَبِّ، إنَّما أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ. قالَ: يا مُوسى لَوْ أنَّ السَّماواتِ السَّبْعَ وعامِرَهُنَّ غَيْرِي، والأرَضِينَ السَّبْعَ في كِفَّةٍ، ولا إلَهَ إلّا اللَّهُ في كِفَّةٍ، مالَتْ بِهِنَّ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ الأوْلِياءِ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا رَبِّ، مَن أهْلُكَ الَّذِينَ هم أهْلُكَ، الَّذِينَ تُظِلُّهم في ظِلِّ عَرْشِكَ ؟ قالَ: هُمُ البَرِيئَةُ أيْدِيهِمُ، الطّاهِرَةُ قُلُوبُهُمُ، الَّذِينَ يَتَحابُّونَ بِجَلالِي، الَّذِينَ إذا ذُكِرْتُ ذُكِرُوا بِي، وإذا ذُكِرُوا ذُكِرْتُ بِذِكْرِهِمُ، الَّذِينَ يُسْبِغُونَ الوُضُوءَ في المَكارِهِ، ويُنِيبُونَ إلى ذِكْرِي كَما (p-٥٤٧)تُنِيبُ النُّسُورُ إلى وُكُورِها، ويَكْلَفُونَ بِحُبِّي كَما يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِحُبِّ النّاسِ، ويَغْضَبُونَ لِمَحارِمِي إذا اسْتُحِلَّتْ كَما يَغْضَبُ النَّمِرُ إذا حُرِّبَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ عِمْرانَ القَصِيرِ قالَ: قالَ مُوسى بْنُ عِمْرانَ: أيْ رَبِّ أيْنَ أبْغِيكَ ؟ قالَ: ابْغِنِي عِنْدَ المُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهم، إنِّي أدْنُو مِنهم كُلَّ يَوْمٍ باعًا، ولَوْلا ذَلِكَ انْهَدَمُوا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ وأحْمَدُ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: يا رَبِّ حَدِّثْنِي بِأحَبِّ النّاسِ إلَيْكَ. قالَ: ولِمَ ؟ قالَ: لِأُحِبَّهُ لِحُبِّكَ إيّاهُ. فَقالَ: عَبْدٌ في أقْصى الأرْضِ سَمِعَ بِهِ عَبْدٌ آخَرُ في أقْصى الأرْضِ لا يَعْرِفُهُ، فَإنْ أصابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَكَأنَّما أصابَتْهُ، [١٧٢و] وإنْ شاكَتْهُ شَوْكَةٌ فَكَأنَّما شاكَتْهُ، ما ذاكَ إلّا لِي، فَذَلِكَ أحَبُّ خَلْقِي إلَيَّ. قالَ: يا رَبِّ، خَلَقْتَ خَلْقًا تُدْخِلُهُمُ النّارَ أوْ تُعَذِّبُهم ! فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: كُلُّهم خَلْقِي. ثُمَّ قالَ: ازْرَعْ زَرْعًا. فَزَرَعَهُ، فَقالَ: اسْقِهِ. فَسَقاهُ، ثُمَّ قالَ: قُمْ عَلَيْهِ. فَقامَ عَلَيْهِ فَحَصَدَهُ ورَفَعَهُ، فَقالَ: ما فَعَلَ زَرْعُكَ يا مُوسى ؟ قالَ: فَرَغْتُ مِنهُ ورَفَعْتُهُ، قالَ: ما تَرَكْتَ مِنهُ شَيْئًا ؟ قالَ: ما لا خَيْرَ فِيهِ. قالَ: كَذَلِكَ أنا، لا أُعَذِّبُ إلّا مَن لا خَيْرَ فِيهِ.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ”«إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: يا رَبِّ، أخْبِرْنِي بِأكْرَمِ خَلْقِكَ عَلَيْكَ. قالَ: الَّذِي يُسْرِعُ إلى (p-٥٤٨)هَوايَ إسْراعَ النَّسْرِ إلى هَواهُ، والَّذِي يَكْلَفُ بِعِبادِي الصّالِحِينَ كَما يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالنّاسِ، والَّذِي يَغْضَبُ إذا انْتُهِكَتْ مَحارِمِي غَضَبَ النَّمِرِ لِنَفْسِهِ، فَإنَّ النَّمِرَ إذا غَضِبَ لَمْ يُبالِ أقَلَّ النّاسُ أمْ كَثُرُوا» .
وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ مَوْقُوفًا.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: سَألَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ فَقالَ: أيُّ عِبادِكَ أغْنى ؟ قالَ: الَّذِي يَقْنَعُ بِما يُؤْتى. قالَ: فَأيُّ عِبادِكَ أحْكَمُ ؟ قالَ: الَّذِي يَحْكُمُ لِلنّاسِ بِما يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ. قالَ: فَأيُّ عِبادِكَ أعْلَمُ ؟ قالَ: أخْشاهم.
وأخْرَجَ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي عاصِمٍ في كِتابِ السُّنَّةِ، وأبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَمْشِي ذاتَ يَوْمٍ في الطَّرِيقِ، فَناداهُ الجَبّارُ عَزَّ وجَلَّ: يا مُوسى. فالتَفَتَ يَمِينًا وشِمالًا فَلَمْ يَرَ أحَدًا، ثُمَّ ناداهُ الثّانِيَةَ: يا مُوسى بْنَ عِمْرانَ. فالتَفَتَ يَمِينًا وشِمالًا فَلَمْ يَرَ أحَدًا، وارْتَعَدَتْ فَرائِصُهُ، ثُمَّ نُودِيَ الثّالِثَةَ: يا مُوسى بْنَ عِمْرانَ، إنَّنِي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا، فَقالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ. فَخَرَّ لِلَّهِ تَعالى ساجِدًا، فَقالَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يا مُوسى بْنَ عِمْرانَ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: يا مُوسى إنْ أحْبَبْتَ أنْ تَسْكُنَ في ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلِّي، كُنْ كالأبِ الرَّحِيمِ، وكُنْ لِلْأرْمَلَةِ كالزَّوْجِ العَطُوفِ، يا مُوسى بْنَ (p-٥٤٩)عِمْرانَ»، ارْحَمْ تُرْحَمْ، يا مُوسى كَما تَدِينُ تُدانُ، يا مُوسى نَبِّئْ بَنِي إسْرائِيلَ، إنَّهُ مَن لَقِيَنِي وهو جاحِدٌ بِمُحَمَّدٍ ﷺ أدْخَلْتُهُ النّارَ. فَقالَ: ومَن أحْمَدُ ؟ قالَ: يا مُوسى، وعِزَّتِي وجَلالِي ما خَلَقْتُ خَلْقًا أكْرَمَ عَلِيَّ مِنهُ، كَتَبْتُ اسْمَهُ مَعَ اسْمِي في العَرْشِ قَبْلَ أنْ أخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ والشَّمْسَ والقَمَرَ بِألْفَيْ سَنَةٍ، وعِزَّتِي وجَلالِي إنَّ الجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلى جَمِيعِ خَلْقِي حَتّى يَدْخُلَها مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ. قالَ مُوسى: ومَن أمَّةُ أحْمَدَ ؟ قالَ: أمَّتُهُ الحَمّادُونَ، يَحْمَدُونَ صُعُودًا وهُبُوطًا وعَلى كُلِّ حالٍ، يَشْدُونَ أوْساطَهم ويُطَهِّرُونَ أطْرافَهم، صائِمُونَ بِالنَّهارِ، رُهْبانٌ بِاللَّيْلِ، أقْبَلُ مِنهُمُ اليَسِيرَ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ بِشَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. قالَ: اجْعَلْنِي نَبِيَّ تِلْكَ الأُمَّةِ. قالَ: نَبِيُّها مِنها. قالَ: اجْعَلْنِي مِن أُمَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ، قالَ: اسْتَقْدَمْتَ واسْتَأْخَرَتْ يا مُوسى، ولَكِنْ سَأجْمَعُ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ في دارِ الجَلالِ.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ، عَنْ وهْبٍ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: إلَهِي، ما جَزاءُ مَن ذَكَرَكَ بِلِسانِهِ وقَلْبِهِ ؟ قالَ: يا مُوسى أُظِلُّهُ يَوْمَ القِيامَةِ بِظِلِّ عَرْشِي، وأجْعَلُهُ في كَنَفِي. قالَ: يا رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أشْقى ؟ قالَ: مَن لا تَنْفَعُهُ مَوْعِظَةٌ، ولا يَذْكُرُنِي إذا خَلا.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ، عَنْ كَعْبٍ قالَ: قالَ مُوسى: يا رَبِّ ما جَزاءُ مَن آوى يَتِيمًا حَتّى يَسْتَغْنِيَ، أوْ كَفَلَ أرْمَلَةً ؟ قالَ: أُسْكِنُهُ جَنَّتِي، وأُظِلُّهُ يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا (p-٥٥٠)ظِلِّي.
وأخْرَجَ ابْنُ شاهِينٍ في التَّرْغِيبِ، عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا رَبِّ، ما لِمَن عَزّى الثَّكْلى ؟ قالَ: أُظِلُّهُ بِظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلِّي.
وأخْرَجَ آدَمُ بْنُ أبِي إياسٍ في كِتابِ العِلْمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: لَمّا قُرِّبَ مُوسى نَجِيًّا أبْصَرَ في ظِلِّ العَرْشِ رَجُلًا فَغَبَطَهُ بِمَكانِهِ، فَسَألَ عَنْهُ فَلَمْ يُخْبَرْ بِاسْمِهِ، وأُخْبِرَ بِعَمَلِهِ، فَقالَ لَهُ: هَذا رَجُلٌ كانَ لا يَحْسُدُ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، بَرٌّ بِالوالِدَيْنِ، لا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. قالَ: فَقالَ اللَّهُ: يا مُوسى ما جِئْتَ تَطْلُبُ ؟ قالَ: جِئْتُ أطْلُبُ الهُدى يا رَبِّ. قالَ: قَدْ وجَدْتَ يا مُوسى. قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ما مَضى مِن ذُنُوبِي، وما غَبَرَ، وما بَيْنَ ذَلِكَ، وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، وأعُوذُ بِكَ مِن وسْوَسَةِ نَفْسِي وسُوءٍ عَمَلِي. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ كُفِيتَ يا مُوسى. قالَ: رَبِّ أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلَيْكَ أنْ أعْمَلَهُ ؟ قالَ: اذْكُرْنِي يا مُوسى. قالَ: رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أتْقى ؟ قالَ: الَّذِي يَذْكُرُنِي ولا يَنْسانِي. قالَ: رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أغْنى ؟ قالَ: الَّذِي يَقْنَعُ بِما يُؤْتى. قالَ: رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أفْضَلُ ؟ قالَ: الَّذِي يَقْضِي بِالحَقِّ ولا يَتَّبِعُ الهَوى. قالَ: رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أعْلَمُ ؟ قالَ: الَّذِي يَطْلُبُ عِلْمَ النّاسِ إلى عِلْمِهِ، لَعَلَّهُ يَسْمَعُ كَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلى هُدًى (p-٥٥١)أوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى. قالَ: رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أحَبُّ إلَيْكَ عَمَلًا ؟ قالَ: الَّذِي لا يَكْذِبُ لِسانُهُ، ولا يَزْنِي فَرْجُهُ، ولا يَفْجُرُ قَلْبُهُ. قالَ: رَبِّ، ثُمَّ أيٌّ عَلى أثَرِ هَذا ؟ قالَ: قَلْبٌ مُؤْمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ. قالَ: رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أبْغَضُ إلَيْكَ ؟ قالَ: قَلْبٌ كافِرٌ في خُلُقٍ سَيِّئٍ. قالَ: رَبِّ ثُمَّ أيٌّ عَلى أثَرِ هَذا ؟ قالَ: جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ بَطّالٌ بِالنَّهارِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، عَنْ أبِي الجَلْدِ، أنَّ اللَّهَ أوْحى إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: إذا ذَكَرْتَنِي فاذْكُرْنِي وأنْتَ تَنْتَفِضُ أعْضاؤُكَ، وكُنْ عِنْدَ ذِكْرِي خاشِعًا مُطَمْئِنًا، وإذا ذَكَرْتَنِي فاجْعَلْ لِسانَكَ وراءَ قَلْبِكَ، وإذا قُمْتَ بَيْنَ يَدَيَّ فَقُمْ مَقامَ العَبْدِ الحَقِيرِ الذَّلِيلِ، وذُمَّ نَفْسَكَ فَهي أوْلى بِالذَّمِّ، وناجِنِي حِينَ تُناجِينِي بِقَلْبٍ وجِلٍ ولِسانٍ صادِقٍ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ قَسِيٍّ، رَجُلٍ مِن أهْلِ الكِتابِ، قالَ: إنَّ اللَّهَ أوْحى إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا مُوسى، إنْ جاءَكَ المَوْتُ وأنْتَ عَلى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلا تَلُومَنَّ إلّا نَفْسَكَ. قالَ: وأوْحى إلَيْهِ: إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَدْفَعُ بِالصَّدَقَةِ سَبْعِينَ بابًا مِنَ السُّوءِ؛ مِثْلَ الغَرَقِ والحَرَقِ والسَّرَقِ وذاتِ الجَنْبِ. قالَ: وقالَ لَهُ: والنّارَ ؟ قالَ: والنّارَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ كَعْبِ الأحْبارِ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى مُوسى: أنْ عَلِّمِ الخَيْرَ (p-٥٥٢)وتَعَلَّمْهُ، فَإنِّي مُنَوِّرٌ لِمُعَلِّمِ الخَيْرِ ومُتَعَلِّمِهِ في قُبُورِهِمْ حَتّى لا يَسْتَوْحِشُوا لِمَكانِهِمْ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: لَمّا ارْتَقى مُوسى طُورَ سَيْناءَ رَأى الجَبّارُ في إصْبَعِهِ خاتَمًا، فَقالَ: يا مُوسى ما هَذا ؟ وهو أعْلَمُ بِهِ. قالَ: شَيْءٌ مِن حُلِيِّ الرِّجالِ يا رَبِّ. قالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أسْمائِي مَكْتُوبٌ أوْ كَلامِي ؟ قالَ: لا. قالَ: فاكْتُبْ عَلَيْهِ: لِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ، عَنْ عَطاءٍ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا رَبِّ، أيْتَمْتَ الصَّبِيَّ مِن أبَوَيْهِ، وتَدَعُهُ هَكَذا ؟ قالَ: يا مُوسى، أما تَرْضى بِي كافِلًا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، عَنْ عَطاءٍ قالَ: قالَ مُوسى: يا رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أحَبُّ إلَيْكَ ؟ قالَ: أعْلَمُهم بِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، عَنْ وهْبٍ قالَ: قالَ مُوسى: يا رَبِّ إنَّهم سَيَسْألُونِي كَيْفَ كانَ بَدْؤُكَ ؟ قالَ: فَأخْبِرْهم أنِّي أنا الكائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، والمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ، والكائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، عَنْ أبِي الجَلْدِ، أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ سَألَ رَبَّهُ (p-٥٥٣)قالَ: أيْ رَبِّ، أنْزِلْ عَلَيَّ آيَةً مُحْكَمَةً أسِيرُ بِها في عِبادِكَ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: يا مُوسى، أنِ اذْهَبْ فَما أحْبَبْتَ أنْ يَأْتِيَهُ عِبادِي إلَيْكَ فَأْتِهِ إلَيْهِمْ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ قَتادَةَ، أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: أيْ رَبِّ، أيَّ شَيْءٍ وضَعْتَ في الأرْضِ أقَلَّ ؟ قالَ: العَدْلُ أقَلُّ ما وضَعْتُ في الأرْضِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا رَبِّ أيُّ النّاسِ أتْقى ؟ قالَ: الَّذِي يَذْكُرُ ولا يَنْسى، قالَ: فَأيُّ النّاسِ أعْلَمُ ؟ قالَ: الَّذِي يَأْخُذُ مِن عِلْمِ النّاسِ إلى عِلْمِهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وأبُو نُعَيْمٍ، عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أحَبُّ إلَيْكَ ؟ قالَ: مَن أُذْكَرُ بِرُؤْيَتِهِ، قالَ: أيْ رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أحَبُّ إلَيْكَ ؟ قالَ: الَّذِينَ يَعُودُونَ المَرْضى، ويُعَزُّونَ الثَّكْلى، ويُشَيِّعُونَ الهَلْكى.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: لَمّا قِيلَ لِلْجِبالِ: أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتَجَلّى. تَطاوَلَتِ الجِبالُ كُلُّها، وتَواضَعَ الجَبَلُ الَّذِي تَجَلّى لَهُ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ مِن طَرِيقِ أحْمَدَ بْنِ أبِي الحَوارِيِّ، عَنْ (p-٥٥٤)أبِي سُلَيْمانَ قالَ: إنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ في قُلُوبِ الآدَمِيِّينَ فَلَمْ يَجِدْ قَلْبًا أشَدَّ تَواضُعًا مِن قَلْبِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَخَصَّهُ بِالكَلامِ لِتَواضُعِهِ، قالَ: وقالَ غَيْرُ أبِي سُلَيْمانَ: أوْحى اللَّهُ إلى الجِبالِ: إنِّي مُكَلِّمٌ عَلَيْكِ عَبْدًا مِن عَبِيدِي، فَتَطاوَلَتِ الجِبال لِيُكَلِّمَهُ عَلَيْها، وتَواضَعَ الطُّورُ، قالَ: إنْ قُدِّرَ شَيْءٌ كانَ. قالَ: فَكَلَّمَهُ عَلَيْهِ لِتَواضُعِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ كَثِيرٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: يا مُوسى، أتَدْرِي لِمَ كَلَّمْتُكَ ؟ قالَ: لا يا رَبِّ، قالَ: لِأنِّي لَمْ أخْلُقْ خَلْقًا تَواضَعَ لِي تَواضُعَكَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، عَنْ نَوْفٍ البِكالِيِّ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى الجِبالِ: إنِّي نازِلٌ عَلى جَبَلٍ مِنكم. قالَ: فَشَمَخَتِ الجِبالُ كُلُّها إلّا جَبَلَ الطُّورِ فَإنَّهُ تَواضَعَ، قالَ: أرْضى بِما قُسِمَ لِي. فَكانَ الأمْرُ عَلَيْهِ، وفي لَفْظٍ: قالَ: إنْ قُدِّرَ لِي شَيْءٌ فَسَيَأْتِينِي. فَأوْحى اللَّهُ: إنِّي سَأنْزِلُ عَلَيْكَ بِتَواضُعِكَ لِي ورِضاكَ بِقُدْرَتِي.
وأخْرَجَ الخَطِيبُ في تارِيخِهِ، عَنْ أبِي خالِدٍ الأحْمَرِ قالَ: لَمّا كَلَّمَ اللَّهُ تَعالى مُوسى عَرَضَ إبْلِيسُ عَلى الجَبَلِ، فَإذا جِبْرِيلُ قَدْ وافاهُ فَقالَ: اخْزَ يا لِعَيْنُ، أيْشِ تَعْمَلُ هَهُنا ؟ قالَ: جِئْتُ أتَوَقَّعُ مِن مُوسى ما تَوَقَّعْتُ مِن أبِيهِ، فَقالَ لَهُ جِبْرِيلُ: اخْزَ يا لِعَيْنُ، ثُمَّ قَعَدَ جِبْرِيلُ يَبْكِي حِيالَ مُوسى، فَأنْطَقَ اللَّهُ الجُبَّةَ (p-٥٥٥)فَقالَتْ: يا جِبْرِيلُ، أيْشِ هَذا البُكاءُ ؟ قالَ: إنِّي في القُرْبِ مِنَ اللَّهِ، وإنِّي لَأشْتَهِي أنْ أسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ كَما يَسْمَعُهُ مُوسى، قالَتِ الجُبَّةُ: يا جِبْرِيلُ أنا جُبَّةُ مُوسى، وأنا عَلى جِلْدِ مُوسى، أنا أقْرَبُ إلى مُوسى أوْ أنْتَ يا جِبْرِيلُ ؟ أنا لا أسْمَعُهُ، تَسْمَعُهُ أنْتَ !
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ رَبِّ أرِنِي﴾ يَقُولُ: أعْطِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: ﴿قالَ رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ قالَ: لَمّا سَمِعَ الكَلامَ طَمِعَ في الرُّؤْيَةِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: حِينَ قالَ مُوسى لِرَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ قالَ اللَّهُ لَهُ: يا مُوسى إنَّكَ ﴿لَنْ تَرانِي﴾ . قالَ: يَقُولُ: لَيْسَ تَرانِي، قالَ: لا يَكُونُ ذَلِكَ أبَدًا يا مُوسى، إنَّهُ لا يَرانِي أحَدٌ فَيَحْيا، فَقالَ مُوسى: رَبِّ، أنْ أراكَ ثُمَّ أمُوتَ، أحَبُّ إلَيَّ مِن ألّا أراكَ ثُمَّ أحْيا، فَقالَ اللَّهُ لِمُوسى: يا مُوسى انْظُرْ إلى الجَبَلِ العَظِيمِ الطَّوِيلِ الشَّدِيدِ ﴿فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ﴾ يَقُولُ: فَإنْ ثَبَتَ مَكانَهُ لَمْ يَتَضَعْضَعْ، ولَمْ يَنْهَدَّ لِبَعْضِ ما يَرى مِن عِظَمِي، ﴿فَسَوْفَ تَرانِي﴾ أنْتَ لِضَعْفِكَ وذِلَّتِكَ، وإنِ الجَبَلُ تَضَعْضَعَ وانَهْدَّ (p-٥٥٦)بِقُوَّتِهِ وشِدَّتِهِ وعِظَمِهِ، فَأنْتَ أضْعَفُ وأذَلُّ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: تَلا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ قالَ:“ قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: يا مُوسى إنَّهُ لا يَرانِي حَيٌّ إلّا ماتَ، ولا يابِسٌ إلّا تَدَهْدَهَ، ولا رَطْبٌ إلّا تَفَرَّقَ، وإنَّما يَرانِي أهْلُ الجَنَّةِ الَّذِينَ لا تَمُوتُ أعْيُنُهم ولا تَبْلى أجْسادُهم» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: ﴿قالَ لَنْ تَرانِي ولَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ﴾ فَإنَّهُ أكْبَرُ مِنكَ وأشَدُّ خَلْقًا، قالَ ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ فَنَظَرَ إلى الجَبَلِ لا يَتَمالَكُ، وأقْبَلَ الجَبَلُ يَنْدَكُّ عَلى أوَّلِهِ، فَلَمّا رَأى مُوسى ما يَصْنَعُ الجَبَلُ خَرَّ مُوسى صَعِقا.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمّا أوْحى اللَّهُ إلى مُوسى بْنِ عِمْرانَ: إنِّي مُكَلِّمُكَ عَلى جَبَلِ طُورِ سَيْناءَ. صارَ مِن مَقامِ مُوسى إلى جَبَلِ طُورِ سَيْناءَ أرْبَعَ فَراسِخَ في أرْبَعِ فَراسِخَ؛ رَعْدٌ وبَرْقٌ وصَواعِقُ، فَكانَتْ لَيْلَةَ قُرٍّ، فَجاءَ مُوسى حَتّى وقَفَ بَيْنَ يَدَيْ صَخْرَةِ جَبَلِ طُورِ سَيْناءَ، فَإذا هو بِشَجَرَةٍ خَضْراءَ، الماءُ يَقْطُرُ مِنها، وتَكادُ النّارُ تَلْفَحُ مِن جَوْفِها، فَوَقَفَ مُوسى مُتَعَجِّبًا فَنُودِيَ مِن جَوْفِ الشَّجَرَةِ: يا مَيْشا، فَوَقَفَ مُوسى مُسْتَمِعًا لِلصَّوْتِ، فَقالَ مُوسى: مَن هَذا الصَّوْتُ العِبْرانِيُّ يُكَلِّمُنِي ؟ فَقالَ اللَّهُ لَهُ: يا مُوسى إنِّي (p-٥٥٧)لَسْتُ بِعِبْرانِيٍّ، إنِّي أنا اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ، فَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى في ذَلِكَ المَقامِ بِسَبْعِينَ لُغَةً، لَيْسَ مِنها لُغَةٌ إلّا وهي [١٧٢ظ] مُخالِفَةٌ لِلُّغَةِ الأُخْرى، وكَتَبَ لَهُ التَّوْراةَ في ذَلِكَ المَقامِ، فَقالَ مُوسى: إلَهِي أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ، قالَ: يا مُوسى إنَّهُ لا يَرانِي أحَدٌ إلّا ماتَ، فَقالَ مُوسى: إلَهِي أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ وأمُوتَ. فَأجابَ مُوسى جَبَلُ طُورِ سَيْناءَ: يا مُوسى بْنَ عِمْرانَ، لَقَدْ سَألْتَ أمْرًا عَظِيمًا، لَقَدِ ارْتَعَدَتِ السَّماواتُ السَّبْعُ ومَن فِيهِنَّ، والأرَضُونَ السَّبْعُ ومَن فِيهِنَّ، وزالَتِ الجِبالُ واضْطَرَبَتِ البِحارُ؛ لِعِظَمِ ما سَألْتَ يا ابْنَ عِمْرانَ، فَقالَ مُوسى وأعادَ الكَلامَ: رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ، فَقالَ: يا مُوسى انْظُرْ إلى الجَبَلِ، فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَإنَّكَ تَرانِي. ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ مِقْدارَ جُمُعَةٍ، فَلَمّا أفاقَ مُوسى مَسَحَ التُّرابَ عَنْ وجْهِهِ وهو يَقُولُ: ﴿سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ فَكانَ مُوسى بَعْدَ مَقامِهِ لا يَراهُ أحَدٌ إلّا ماتَ، واتَّخَذَ مُوسى عَلى وجْهِهِ البُرْقُعَ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النّاسَ بِقَفاهُ، فَبَيْنا مُوسى ذاتَ يَوْمٍ في الصَّحْراءِ، فَإذا هو بِثَلاثَةِ نَفَرٍ يَحْفِرُونَ قَبْرًا، حَتّى انْتَهَوْا إلى الضَّرِيحِ، فَجاءَ مُوسى حَتّى أشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَقالَ لَهم: لِمَن تَحْفِرُونَ هَذا القَبْرَ ؟ قالُوا لَهُ: لِرَجُلٍ كَأنَّهُ أنْتَ أوْ مِثْلُكَ أوْ في طُولِكَ، أوْ نَحْوُكَ، فَلَوْ نَزَلْتَ فَقَدَرْنا عَلَيْكَ هَذا الضَّرِيحَ، فَنَزَلَ مُوسى فَتَمَدَّدَ في الضَّرِيحِ، فَأمَرَ اللَّهُ الأرْضَ فانْطَبَقَتْ بِهِ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ عَدِيٍّ في الكامِلِ، وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمُ (p-٥٥٨)وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في كِتابِ الرُّؤْيَةِ مِن طُرُقٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ: هَكَذا، وأشارَ بِإصْبَعَيْهِ، ووَضَعَ طَرَفَ إبْهامِهِ عَلى أُنْمُلَةِ الخِنْصَرِ - وفي لَفْظٍ: عَلى المَفْصِلِ الأعْلى مِنَ الخِنْصَرِ - فَساخَ الجَبَلُ ﴿وخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ وفي لَفْظٍ: فَساخَ الجَبَلُ في الأرْضِ، فَهو يَهْوِي فِيها إلى يَوْمِ القِيامَةِ» .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ «مِن طَرِيقِ ثابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ قالَ: أظْهَرَ مِقْدارَ هَذا. ووَضَعَ الإبْهامَ عَلى خِنْصَرِ الإصْبَعِ الصُّغْرى. فَقالَ حُمَيْدٌ: يا أبا مُحَمَّدٍ، ما تُرِيدُ إلى هَذا ؟ فَضَرَبَ في صَدْرِهِ وقالَ: مَن أنْتَ يا حُمَيْدُ، وما أنْتَ يا حُمَيْدُ ؟ ! يُحَدِّثُنِي أنَسُ بْنُ مالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وتَقُولُ أنْتَ: ما تُرِيدُ إلى هَذا» .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الجَبَلُ الَّذِي أمَرَ اللَّهُ أنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ: الطُّورُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، والبَيْهَقِيُّ في الرُّؤْيَةِ (p-٥٥٩)عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ قالَ: ما تَجَلّى مِنهُ إلّا قَدْرُ الخِنْصَرِ ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ: تُرابًا. ﴿وخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ قالَ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَمّا تَجَلّى اللَّهُ لِمُوسى كانَ يُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ عَلى الصَّفا في اللَّيْلَةِ الظَّلْماءِ مِن مَسِيرَةِ عَشَرَةِ فَراسِخَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، والدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: لَمّا تَجَلّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ طارَتْ لِعَظَمَتِهِ سِتَّةُ أجْبُلٍ، فَوَقَعَتْ ثَلاثَةٌ بِالمَدِينَةِ؛ أُحُدٌ ووَرِقانُ ورَضْوى، وبِمَكَّةَ حِراءٌ وثَبِيرٌ وثَوْرٌ» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لَمّا تَجَلّى اللَّهُ لِمُوسى تَطايَرَتْ سَبْعَةُ جِبالٍ، فَفي الحِجازِ مِنها خَمْسَةٌ، وفي اليَمَنِ اثْنانِ؛ في الحِجازِ أُحُدٌ وثَبِيرٌ وحِراءٌ وثَوْرٌ ووَرِقانُ، وفي اليَمَنِ حَضُورٌ وصَبِيرٌ» . (p-٥٦٠)وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ: أسْمَعَ مُوسى، قالَ لَهُ: إنِّي أنا اللَّهُ. قالَ: وذاكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وكانَ الجَبَلُ بِالمَوْقِفِ، فانْقَطَعَ عَلى سَبْعِ قِطَعٍ، قِطْعَةٌ سَقَطَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وهو الَّذِي يَقُومُ الإمامُ عِنْدَهُ في المَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وبِالمَدِينَةِ ثَلاثَةٌ؛ طَيْبَةُ وأُحُدٌ ورَضْوى، وطُورُ سَيْناءَ بِالشّامِ، وإنَّما سُمِّيَ الطُّورَ لِأنَّهُ طارَ في الهَواءِ إلى الشّامِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ أخْرَجَ خِنْصَرَهُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أنَسٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأ: ( فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاءَ ) مُثَقَّلَةً مَمْدُودَةَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ أنَسٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأ: ”دَكًّا“ مُنَوَّنَةً ولَمْ يَمُدَّهُ» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ طارَتْ لِعَظَمَتِهِ سِتَّةُ أجْبُلٍ فَوَقَعْنَ بِالمَدِينَةِ؛ أُحُدٌ ووَرِقانُ ورَضْوى، ووَقَعَ بِمَكَّةَ ثَوْرٌ وثَبِيرٌ وحِراءٌ» . (p-٥٦١)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ مُوسى لَمّا كَلَّمَهُ رَبُّهُ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ، فَسَألَهُ فَقالَ: ﴿لَنْ تَرانِي ولَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ﴾ قالَ: فَحَفَّ حَوْلَ الجَبَلِ المَلائِكَةَ، وحَفَّ حَوْلَ المَلائِكَةِ بِنارٍ، وحَفَّ حَوْلَ النّارِ بِمَلائِكَةٍ، وحَفَّ حَوْلَهم بِنارٍ، ثُمَّ تَجَلّى رَبُّكَ لِلْجَبَلِ، تَجَلّى مِنهُ مِثْلُ الخِنْصَرِ، فَجَعَلَ الجَبَلَ دَكًّا، وخَرَّ مُوسى صَعِقًا، فَلَمْ يَزَلْ صَعِقًا ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إنَّهُ أفاقَ فَقالَ: ﴿سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي: أوَّلُ المُؤْمِنِينَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ قالَ: كَشَفَ بَعْضَ الحُجُبِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ هَذا الحَرْفَ: ( فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاءَ ) قالَ: كانَ حَجَرًا أصَمَّ، فَلَمّا تَجَلّى لَهُ صارَ تَلًّا تُرابًا، دَكّاءُ مِنَ الدَّكّاءاتِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ سُفْيانَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ: ساخَ الجَبَلُ في الأرْضِ حَتّى وقَعَ في البَحْرِ، فَهو يَذْهَبُ بَعْدُ. (p-٥٦٢)وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ أبِي مَعْشَرٍ قالَ: مَكَثَ مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يَنْظُرُ إلَيْهِ أحَدٌ إلّا ماتَ، مِن نُورِ رَبِّ العالَمِينَ، ومِصْداقُ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ: تُرابًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قالَ: كانَتِ الجِبالُ قَبْلَ أنْ يَتَجَلّى اللَّهُ لِمُوسى عَلى الطُّورِ صُمًّا مُلْسًا لَيْسَ فِيها كُهُوفٌ ولا شُقُوقٌ، فَلَمّا تَجَلّى اللَّهُ لِمُوسى عَلى الطُّورِ، صارَ الطُّورُ دَكًّا، وتَفَطَّرَتِ الجِبالُ، فَصارَتْ فِيها هَذِهِ الكُهُوفُ والشُّقُوقُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الأعْمَشِ في قَوْلِهِ: ﴿دَكًّا﴾ قالَ: الأرْضُ المُسْتَوِيَةُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ قالَ: دَكَّ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ قالَ: غُشِيَ عَلَيْهِ إلّا أنَّ رُوحَهُ في جَسَدِهِ، فَلَمّا أفاقَ قالَ لِعِظَمِ ما رَأى: ﴿سُبْحانَكَ﴾ تَنْزِيهًا للَّهِ مِن أنْ يَراهُ أحَدٌ، ﴿تُبْتُ إلَيْكَ﴾ رَجَعْتُ (p-٥٦٣)عَنِ الأمْرِ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، ﴿وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ: أوَّلُ المُصَدِّقِينَ الآنَ أنَّهُ لا يَراكَ أحَدٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ: أنا أوَّلُ مَن يُؤْمِنُ أنَّهُ لا يَراكَ شَيْءٌ مِن خَلْقِكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ أيْ مَيِّتًا ﴿فَلَمّا أفاقَ﴾ قالَ: فَلَمّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ ونَفْسَهُ ﴿قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ أنَّهُ لَنْ تَراكَ نَفْسٌ فَتَحْيا، وإلَيْها يَفْزَعُ كُلُّ عالِمٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿تُبْتُ إلَيْكَ﴾ قالَ: مِن سُؤالِي إيّاكَ الرُّؤْيَةَ، ﴿وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: أوَّلُ قَوْمِي إيمانًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ أبِي العالِيَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: قَدْ كانَ قَبْلَهُ مُؤْمِنُونَ، ولَكِنْ يَقُولُ: أنا أوَّلُ مَن آمَنَ (p-٥٦٤)بِأنَّهُ لا يَراكَ أحَدٌ مِن خَلْقِكَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا تُخَيِّرُونِي مِن بَيْنِ الأنْبِياءِ؛ فَإنَّ النّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، فَأكُونُ أوَّلَ مَن يُفِيقُ، فَإذا مُوسى آخِذٌ بِقائِمَةٍ مِن قَوائِمِ العَرْشِ، فَلا أدْرِي أفاقَ قَبْلِي أمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ» .
{"ayah":"وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِی وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِیۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكࣰّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقࣰاۚ فَلَمَّاۤ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق