الباحث القرآني

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن أعلم الخلق به في زمانه وهو كليمه ونجيه وصفيه من أهل الأرض أنه سأل ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك وتعالى: ﴿لَنْ تَرانِي ولَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة: أحدها: أنه لا يظن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه بل ما هو من أبطل الباطل وأعظم المحال وهو عند فروخ اليونان والصابئة والفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل ويشرب وينام ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه، فيا لله العجب كيف صار أتباع الصابئة والمجوس والمشركين عباد الأصنام وفروخ الجهمية والفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران، وبما يستحيل عليه ويجب له وأشد تنزيها له منه. الوجه الثاني أن الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله ولو كان محالا لأنكره عليه، ولهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه، ولما سأل عيسى ابن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال: ﴿إنِّي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أسْألَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وإلّا تَغْفِرْ لِي وتَرْحَمْنِي أكُنْ مِنَ الخاسِرِينَ (٤٧)﴾. الوجه الثالث أنه أجابه بقوله ﴿لَنْ تَرانِي﴾ ولم يقل لا تراني ولا إني لست بمرئي ولا تجوز رؤيتي. والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله. وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع وهو قوله ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي﴾ فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف. الوجه الخامس أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه وليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن، وقد علق به الرؤية ولو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته ولو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام، فالأمران عندكم سواء. الوجه السادس قوله سبحانه وتعالى ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامتهم ويريهم نفسه؟! فأعلم سبحانه وتعالى موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر أضعف. الوجه السابع أن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه منه إليه وخاطبه وناجاه وناداه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم، وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا أن يكلم أحدا أو يراه أحد، ولهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه وأسمعه كلامه، وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطا به وتكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه ولكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه وأما قوله تعالى: ﴿لَنْ تَرانِي﴾ فإنما يدل على النفي في المستقبل ولا يدل على دوام النفي ولو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبَدًا﴾ مع قوله تعالى: ﴿وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب