الباحث القرآني

﴿وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا﴾، أيْ: لِلْوَقْتِ الَّذِي وقَّتْنا لَهُ، ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾، (p-٣٧٣)كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا، خَصَّهُ اللَّهُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ - جَلَّ ثَناؤُهُ - وفِيما سَمِعَ، أحَدٌ، ولا مَلَكٌ أسْمَعَهُ اللَّهُ كَلامَهُ، فَلَمّا سَمِعَ الكَلامَ قالَ: ﴿رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾، أيْ: قَدْ خاطَبْتَنِي مِن حَيْثُ لا أراكَ، والمَعْنى: أرِنِي نَفْسَكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿أرِنِي أنْظُرْ﴾، مَجْزُومٌ، جَوابُ الأمْرِ، ﴿قالَ لَنْ تَرانِي﴾، ولَنْ نَفْيٌ لِما يُسْتَقْبَلُ، ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾، أيْ: ظَهَرَ وبانَ، ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾، يَجُوزُ ”دَكًّا“، بِالتَّنْوِينِ، و”دَكاءَ“، بِغَيْرِ تَنْوِينٍ ”، أيْ: جَعَلَهُ مَدْقُوقًا مَعَ الأرْضِ، يُقالُ:“ دَكَكْتُ الشَّيْءَ - إذا دَقَقْتُهُ - أدُكُّهُ، دَكًّا ”، و“ اَلدَّكّاءُ ”، و“ اَلدَّكّاواتُ ”: اَلرَّوابِي الَّتِي مَعَ الأرْضِ ناشِزَةً عَنْها، لا تَبْلُغُ أنْ تَكُونَ جَبَلًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾،“ صَعِقًا ”، مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، وقِيلَ: إنَّهُ خَرَّ مَيْتًا، وقِيلَ: خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ﴿فَلَمّا أفاقَ﴾، ولا يَكادُ يُقالُ لِلْمَيِّتِ: قَدْ أفاقَ مِن مَوْتِهِ، ولَكِنْ لِلَّذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، والَّذِي يَذْهَبُ عَقْلُهُ، قَدْ أفاقَ مِن عِلَّتِهِ، لِأنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَناؤُهُ - قالَ في الَّذِينَ ماتُوا: ﴿ثُمَّ بَعَثْناكم مِن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٦] . وَقَوْلُهُ: ﴿قالَ سُبْحانَكَ﴾، (p-٣٧٤)أيْ: تَنْزِيهًا لَكَ مِنَ السُّوءِ، جاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ قَوْلَهُ:“ سُبْحانَ اللَّهِ ”، تَنْزِيهٌ لِلَّهِ مِنَ السُّوءِ، وأهْلُ اللُّغَةِ كَذَلِكَ يَقُولُونَ، مِن غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِما فِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ولَكِنَّ تَفْسِيرَهُ يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾، أيْ: أوَّلُ المُؤْمِنِينَ بِأنَّكَ لا تُرى في الدُّنْيا، هَذا مَعْنى ﴿أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾، إلى آخِرِ الآيَةِ، وهو قَوْلُ أهْلِ العِلْمِ، وأهْلِ السُّنَّةِ، وقالَ قَوْمٌ: مَعْنى“ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ ”: أرِنِي أمْرًا عَظِيمًا لا يُرى مِثْلُهُ في الدُّنْيا، مِمّا لا تَحْتَمِلُهُ بِنْيَةُ مُوسى، قالُوا: فَأعْلَمَهُ أنَّهُ لَنْ يَرى ذَلِكَ الأمْرَ، وأنَّ مَعْنى ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ تَجَلّى أمْرُ رَبِّهِ، وهَذا خَطَأٌ لا يَعْرِفُهُ أهْلُ اللُّغَةِ، ولا في الكَلامِ دَلِيلٌ أنَّ مُوسى أرادَ أنْ يَرى أمْرًا عَظِيمًا مِن أمْرِ اللَّهِ، وقَدْ أراهُ اللَّهُ مِنَ الآياتِ في نَفْسِهِ ما لا غايَةَ بَعْدَهُ، قَدْ أراهُ عَصاهُ ثُعْبانًا مُبِينًا، وأراهُ يَدَهُ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ، وكانَ آدَمَ، وفَرَقَ البَحْرَ بِعَصاهُ، فَأراهُ مِنَ الآياتِ العِظامِ ما يُسْتَغْنى بِهِ عَنْ أنْ يَطْلُبَ أمْرًا مِن أمْرِ اللَّهِ عَظِيمًا، ولَكِنْ لَمّا سَمِعَ كَلامَ اللَّهِ قالَ:“ رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ، سَمِعْتُ كَلامَكَ فَأنا أُحِبُّ أنْ أراكَ "، فَأعْلَمُهُ الله - جَلَّ ثَناؤُهُ - أنَّهُ لَنْ يَراهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب