الباحث القرآني
﴿وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا﴾ لِوَقْتِنا الَّذِي وقَّتْنا لَهُ، وحَدَّدْنا. ومَعْنى اللامِ الِاخْتِصاصُ، أيِ: اخْتَصَّ مَجِيئُهُ بِمِيقاتِنا ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ بِلا واسِطَةٍ، ولا كَيْفِيَّةٍ. ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يَسْمَعُ الكَلامَ مِن كُلِّ جِهَةٍ، وذَكَرَ الشَيْخُ في "التَأْوِيلاتِ": أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ سَمِعَ صَوْتًا دالًّا عَلى كَلامِ اللهِ تَعالى، (p-٦٠٢)وَكانَ اخْتِصاصُهُ بِاعْتِبارِ أنَّهُ أسْمَعَهُ صَوْتًا تَوَلّى تَخْلِيقَهُ، مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَوْتُ مُكْتَسَبًا لِأحَدٍ مِنَ الخَلَقِ، وغَيْرُهُ يَسْمَعُ صَوْتًا مُكْتَسَبًا لِلْعِبادِ، فَيَفْهَمُ مِنهُ كَلامَ اللهِ تَعالى، فَلَمّا سَمِعَ كَلامَهُ طَمِعَ في رُؤْيَتِهِ لِغَلَبَةِ شَوْقِهِ، فَسَألَ الرُؤْيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ ثانِي مَفْعُولَيْ "أرِنِي" مَحْذُوفٌ، أيْ: أرِنِي ذاتَكَ أنْظُرْ إلَيْكَ، يَعْنِي: مَكِّنِي مِن رُؤْيَتِكَ بِأنْ تَتَجَلّى لِي حَتّى أراكَ، (أرْنِي) مَكِّيٌّ، وبِكَسْرِ الراءِ مُخْتَلَسَةً: أبُو عَمْرٍو، وبِكَسْرِ الراءِ مُشْبَعَةً: غَيْرُهُما، وهو دَلِيلٌ لِأهْلِ السُنَّةِ عَلى جَوازِ الرُؤْيَةِ، فَإنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ اعْتَقَدَ أنَّ اللهَ تَعالى يُرى حَتّى سَألَهُ، واعْتِقادُ جَوازِ ما لا يَجُوزُ عَلى اللهِ كُفْرٌ ﴿قالَ لَنْ تَرانِي﴾ بِالسُؤالِ بِعَيْنٍ فانِيَةٍ، بَلْ بِالعَطاءِ والنَوالِ بِعَيْنٍ باقِيَةٍ، وهو دَلِيلٌ لَنا أيْضًا، لِأنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَنْ أرى لِيَكُونَ نَفْيًا لِلْجَوازِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا لِأخْبَرَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ، إذا الحالَةُ حالَةُ الحاجَةِ إلى البَيانِ ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ﴾ بَقِيَ عَلى حالِهِ ﴿فَسَوْفَ تَرانِي﴾ وهو دَلِيلٌ لَنا أيْضًا، لِأنَّهُ عَلَّقَ الرُؤْيَةَ بِاسْتِقْرارِ الجَبَلِ، وهو مُمْكِنٌ، وتَعْلِيقُ الشَيْءِ بِما هو مُمْكِنٌ يَدُلُّ عَلى إمْكانِهِ، كالتَعْلِيقِ بِالمُمْتَنِعِ يَدُلُّ عَلى امْتِناعِهِ، والدَلِيلُ عَلى أنَّهُ مُمْكِنٌ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ ولَمْ يَقُلِ: انْدَكَّ، وما أوْجَدَهُ تَعالى كانَ جائِزًا ألّا يُوجَدَ لَوْ لَمْ يُوجِدْهُ، لِأنَّهُ مُخْتارٌ في فِعْلِهِ، ولِأنَّهُ تَعالى ما آيَسَهُ عَنْ ذَلِكَ، ولا عاتَبَهُ عَلَيْهِ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ مُحالًا لَعاتَبَهُ، كَما عاتَبَ نُوحًا عَلَيْهِ السَلامُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنِّي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ [هُودٌ: ٤٦] حَيْثُ سَألَ إنْجاءَ ابْنِهِ مِنَ الغَرَقِ ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ أيْ: ظَهَرَ، وبانَ ظُهُورًا بِلا كَيْفَ. قالَ الشَيْخُ أبُو مَنصُورٍ رَحِمَهُ اللهُ: مَعْنى التَجَلِّي لِلْجَبَلِ ما قالَهُ الأشْعَرِيُّ: إنَّهُ تَعالى خَلَقَ في الجَبَلِ حَياةً وعِلْمًا ورُؤْيَةً، حَتّى رَأى رَبَّهُ، وهَذا نَصٌّ في إثْباتِ كَوْنِهِ مَرْئِيًّا.
وَبِهَذِهِ الوُجُوهِ يَتَبَيَّنُ جَهْلُ مُنْكِرِي الرُؤْيَةِ، وقَوْلُهُمْ: بِأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ كانَ عالِمًا بِأنَّهُ لا يَرى، ولَكِنْ طَلَبَ قَوْمُهُ أنْ يُرِيَهم رَبَّهُ، كَما أخْبَرَ اللهُ تَعالى عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرى اللهَ جَهْرَةً﴾ [البَقَرَةُ: ٥٥] فَطَلَبَ الرُؤْيَةَ (p-٦٠٣)لِيُبَيِّنَ اللهُ تَعالى أنَّهُ لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ، باطِلٌ، إذْ لَوْ كانَ كَما زَعَمُوا لَقالَ: أرِهم يَنْظُرُوا إلَيْكَ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: لَنْ يَرَوْنِي، لِأنَّها لَوْ لَمْ تَكُنْ جائِزَةً لَما أخَّرَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ الرَدَّ عَلَيْهِمْ -بَلْ كانَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وقْتَ قَرَعَ كَلامُهم سَمْعَهُ- لِما فِيهِ مِنَ التَقْرِيرِ عَلى الكُفْرِ. وهو عَلَيْهِ السَلامُ بُعِثَ لِتَغْيِيرِهِ لا لِتَقْرِيرِهِ، ألا تَرى أنَّهم لَمّا قالُوا لَهُ: ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ لَمْ يُمْهِلْهُمْ، بَلْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِن ساعَتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّكم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ ؟! ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ مَدْكُوكًا، مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ، كَضَرْبِ الأمِيرِ، والدَقُّ والدَكُّ: أخَوانِ، (دَكّاءَ) حَمْزَةُ، وعَلِيٌّ. أيْ: مُسْتَوِيَةً بِالأرْضِ لا أكَمَةَ فِيها، وناقَةٌ دَكّاءُ: لا سِنامَ لَها ﴿وَخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ حالٌ، أيْ: سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ﴿فَلَمّا أفاقَ﴾ مِن صَعْقَتِهِ ﴿قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ﴾ مِنَ السُؤالِ في الدُنْيا ﴿وَأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ بِعَظْمَتِكَ وجَلالِكَ، وبِأنَّكَ لا تُعْطِي الرُؤْيَةَ في الدُنْيا مَعَ جَوازِها.
وَقالَ الكَعْبِيُّ والأصَمُّ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ أرِنِي آيَةً أعْلَمُكَ بِها بِطَرِيقِ الضَرُورَةِ كَأنِّي أنْظُرُ إلَيْكَ،
﴿لَنْ تَرانِي﴾ لَنْ تُطِيقَ مَعْرِفَتِي بِهَذِهِ الصِفَةِ،
﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ﴾ فَإنِّي أُظْهِرُ لَهُ آيَةً، فَإنَّ ثَبَتَ الجَبَلُ لِتَجَلِّيها، واسْتَقَرَّ مَكانَهُ، فَسَوْفَ تَثْبُتُ لَها، وتُطِيقُها، وهَذا فاسِدٌ، لِأنَّهُ قالَ: ﴿أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: إلَيْها، وقالَ: ﴿لَنْ تَرانِي﴾ ولَمْ يَقُلْ: لَنْ تَرى آيَتِي، وكَيْفَ يَكُوفُ مَعْناهُ: لَنْ تَرى آيَتِي، وقَدْ أراهُ أعْظَمَ الآياتِ، حَيْثُ جَعَلَ الجَبَلَ دَكًّا؟!
{"ayah":"وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِی وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِیۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكࣰّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقࣰاۚ فَلَمَّاۤ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق