الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ الآية. هذا في المطلقة بعد التسمية وقبل الدخول، حكم الله تعالى لها بنصف المهر ولا عِدَّة عليها [[تنظر الآثار في ذلك في "تفسير الطبري" 2/ 540، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 4.]]، وإن مات عنها قبل الدخول فلها المهر كاملًا والميراث، وعليها العدة بلا خلاف [["تفسير الثعلبي" 2/ 1193، "تفسير البغوي" 1/ 286.]]. والآية دلالة ظاهرة على أبي حنيفة حيث أوجب كمال الصداق [[في (ي) (الطلاق).]] بالخلوة [[ينظر: "اختلاف العلماء" للمروزي ص 157، "الإشراف" 3/ 48، "تحفة الفقهاء" للسمرقندي 2/ 193.]]. قال شريح: لم أسمع الله تعالى ذكر في كتابه بابًا ولا سترًا، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق [[رواه سعيد بن منصور في "سننه" 1/ 234، ووكيع في "أخبار القضاة" 2/ 254، وذكره الثعلبي في "سننه" 2/ 1194، والقرطبي 3/ 205.]]. وهو مذهب ابن عباس، قال: إذا خلا بها [[في (أ) و (م) (خلاها).]] ولم يَمَسَّها فلها نصف المهر، لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ الآية [[رواه الشافعي في "الأم" 5/ 230، وعبد الرزاق في "المصنف" 6/ 290، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 236، قال ابن المنذر في "الإشراف" 3/ 49: فأما حديث ابن عباس فإنما رواه ليث بن أبي سليم، وليث يضعف.]]. وقال ابن مسعود: لها نصف المهر وإن قعد بين رجليها [[ذكره البغوي في "تفسيره" 1/ 286، وذكر القرطبي في "تفسيره" 3/ 205 عن ابن مسعود قال: قضى الخلفاء الراشدون فيمن أغلق بابًا أو أرخى سترًا أن لها الميراث وعلها العدة، وروي مرفوعا خرجه الدارقطني.]]. فأما ما ذكر عن زرارة ابن أبي أوفى [[في (أ) و (ي) و (م): (ابن أوفى).]] أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون أن الرجل إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا وجب المهر [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 288، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 234،== وابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 235، والبيهقي 7/ 255 وقال: هذا مرسل، زرارة لم يدركهم، وقد رويناه عن عمر وعلي موصولا، وقد روى مالك في "الموطأ" 2/ 528، وعبد الرزاق في "المصنف" 6/ 285، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 233، وابن أبي شية في "المصنف" 4/ 234 من طرق عن عمر وعلي بنحوه.]]. فإنهم أرادوا أَنَّ لها المطالبةَ بجميع المَهْر والنكاحُ قائمٌ إذا مَكّنت من نفسها، ولم يريدوا إذا طَلَّقها، أو لعلهم قالوا ذلك على استعمال مكارم الأخلاق، فإنَّ من الكرم أن يوفي مَهْرَها إذا خلا بها وإن لم يطأها. وقوله تعالى: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ أي: فَعَلَيكم نصفُ ما فَرَضْتُم، أو فالواجب ذاك [["تفسير القرطبي" 3/ 204.]]. والنصف: الجزء من اثنين على المساواة، وكل شيء بَلَغَ نِصْفَ غيره فقد نَصَفَه، يقال: نصفَ النهارُ ينصُفُ، ونَصَفَ الماءُ القَدَحَ، ونصفَ الساقَ إزاري، ونصفَ الغلامُ القرآنَ، ويجوز في جميع ذلك: أنصف النهار، وأنصف الغلام القرآن [[من قوله: (ويجوز في جميع ذلك). ساقط من (ي).]]، ويجوز في جميع ذلك: أنصف، حكاه الفراء، يقال: أنصف النهار، وأنصف الغلام القرآن [[من قوله: (ويجوز في جميع ذلك): أنصف النهار. ساقط من (ش).]] وَنَصَّفَ [[ينظر في (نصف) "تهذيب اللغة" 4/ 3586 - 3587، "المفردات" ص497، "لسان العرب" 9/ 330 - 332.]]. قال ابن ميادة: تَرَى سَيْفَه لا ينصُفُ الساقَ نعلُه ... أجَلْ لا وإن كانت طِوالا حَمَائِلُه [[وفي رواية: إلى ملك لا تنصف الساق نعلُه ... أجل لا وإن كانت طوالا محامله ونسب لابن ميادة في "ديوانه" ص293، وفي "تهذيب اللغة" 4/ 3587 وروايته:== محاملهُ، وفي "اللسان" 8/ 4443 (نصف). نسب البيت الثاني لذي الرمة في "ديوانه" ص 1266.]] وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ يعنى: النساء، ولذلك لم تسقط [[في (أ) و (م): (يسقط).]] النون مع أن؛ لأن جماعة المؤنث في الفعل المضارع يستوي في الرفع والنصب والجزم، والنون في الدلالة على جمع المؤنث كالواو في الدلالة على جمع المذكر، وكما [[في (م): (مما).]] لا يسقط واو يفعلون في الإعراب كله رفعه ونصبه وجزمه لم يسقط نون يفعلن [[ينظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 155 بنحوه، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 319، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 320، "تفسير الثعلبي" 2/ 1197، "التبيان" ص 142.]]. وقال الفراء: (لو) [[ساقطة من (ي).]] أسقطوها لأشبه فعل الواحد المذكر، ألا ترى أنك لو أسقطت النون من يقمن لالتبس بفعل الواحد المذكر [["معاني القرآن" للفراء 1/ 155 بنحوه.]]. ومعنى ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ إلا أن يترك النساء ذلك النصف فلا يطالبن الأزواج به، إذا كُنَّ بالغاتٍ رشيداتٍ، فيسقطُ عن الرجل أو بعضه، فيسقط ذلك القدر [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 3/ 205 - 206.]]. وقوله تعالى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ اختلفوا في الذي بيده عقدة النكاح. فقال ابن عباس [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 544.]]، في رواية العوفى: هو ولي المرأة. وهذا قول علقمة [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 284، والطبري في "تفسيره" 2/ 543، وابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 282، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]] وأصحاب عبد الله [["تفسير الطبري" 2/ 543.]]، وإبراهيم [[أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" 3/ 886، والطبري في "تفسيره" 2/ 544، 545، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]] وعطاء [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 283، وابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 282، والطبري في "تفسيره" 2/ 544، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]] والحسن [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 96، والطبري في "تفسيره" 2/ 544، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]] والزهري [[انظر المصادر السابقة.]] والسدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 544، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1199.]]. وقال عكرمة: أذن الله تعالى في العفو، وأي [[في (ش) و (ي) (فأي).]] امرأة عَفَتْ جاز عفوها، فإن شَحَّت عفا وليها وجاز عفوه [[أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" 3/ 888، والطبري في "تفسيره" 2/ 545، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 444.]]. وهذا مذهب أهل الحجاز، إلا أنهم قالوا: يجوز عفو ولي البكر، فإذا كانت ثيبا فلا يجوز عفوه عليها [[ينظر: "الموطأ" 2/ 528، و"الكافي" لابن عبد البر 2/ 559، "الإشراف" 3/ 48.]]. وقال ابن عباس، في رواية عمار ابن أبي عمار [[هو: عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله، قال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ، توفي بعد سنة 120هـ. ينظر "الجرح والتعديل" 6/ 389، "التقريب" ص408 (4829).]]: إنه الزوج [[أخرجه ابن أبى شيبة في "المصنف" 4/ 281، والطبري في "تفسيره" 2/ 546، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]]. وهو قول عليٍّ [[أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 281، والطبري في "تفسيره" 2/ 545، ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]]، وسعيد بن المسيب [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 96، والطبري في "تفسيره" 2/ 547، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]]، والشعبي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 547، 548، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]]، ومجاهد [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 96، والطبري 2/ 547 - 548، وذكره ابن أبي حاتم 2/ 445.]]، والقرظي [[أخرجه ابن أبى شيبة 4/ 280، والطبري في "تفسيره" 2/ 548، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]]، والربيع [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 548، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 445.]] وقتادة [[ذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 445، والجصاص في "أحكام القرآن" 1/ 439.]] ومقاتل [[هو مقاتل بن حيان، ذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 445، والثعلبي في "تفسيره" 2/ 1202.]] والضحاك [[أخرجه ابن أبى شيبة في "المصنف" 4/ 281، والطبري في "تفسيره" 2/ 548 - 549، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" 2/ 549.]]. وهو الصحيح الذي عليه عامة الفقهاء اليوم [[كذا ذكره الطبري في "تفسيره" 2/ 549.]]. ومعنى عفو الزوج: أن يعطيها الصداق كاملًا، ولما ذكر الله تعالى عفو المرأة عن النصف الواجب ذكر عفو الزوج عن النصف الساقط، فيحسن لها أن تعفو ولا تطالب بشيء، وللرجل أن يعفو ويوفي المهر كاملاً. روي أن جُبير بن مطعم تزوج امرأة ثم طلقها قبل البناء فأكمل لها الصداق، وقال: أنا أحقُّ بالعفو، وتأوَّل قوله: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 284، وابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 280، والطبري في "تفسيره" 2/ 546.]] ولأنَ المهرَ حقُّ المرأة فليس لغيرها إسقاطه، كما أنه ليس للولي أن يهب من مالها شيئًا، كذلك المهر مال لها [[ينظر في الاستدلال لهذا القول: "تفسير الطبري" 2/ 549، "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 440، "تفسير الثعلبي" 2/ 1203 - 1207، "تفسير البغوي" 1/ 287.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ هذا خطاب للرجال والنساء جميعًا، إلا أن الغلبة [[في (أ) (الغلبة).]] للذكور إذا اجتمعوا مع الإناث، فلذلك غلب التذكير لسبق الأسماء المذكرة [[في (ي) و (ش) (المذكورة).]] وزيادة التأنيث على ما بينَّا، تقول: قائم، ثم تريد [[في (ش) (يريد).]] التأنيث فتقول: قائمة، والمزيد [[في (ي) و (ش) (فالمزيد).]] عليه هو الأصل المغلب [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 319 - 320، والثعلبي في "تفسيره" 2/ 1212، والبغوي في "تفسيره" 1/ 287.]]. وموضع (أنْ) رفع بالابتداء، تقديره: والعفوُ أقربُ للتقوى [["إعراب القرآن" للنحاس 1/ 320، "تفسير الثعلبي" 2/ 1211، "التبيان" ص143، "تفسير القرطبي" 3/ 208، "المسير الكبير" 6/ 144.]]، واللام بمعنى إلى [[قال السمين في "الدر المصون" 2/ 496: وهذا مذهب الكوفيين، أعني: التجوز في الحروف، ومعنى اللام وإلى في هذا الموضع يتقارب. وينظر "التبيان" ص 143.]]. والمعنى: وعفوُ بعضِكم عن بعضٍ أقربُ [[في (ي) (أقرب للتقوى).]] إلى اتِّقاءِ ظلمِ كُلِّ واحد صاحبه ما يجب من حقه [["التفسير الكبير" 6/ 144 - 145.]]. وقيل: معناه: أدعى إلى اتقاء معاصي الله؛ لأن هذا العفو ندب، فإذا انتدب إليه علم أنه لما كان فرضًا كان أشد استعمالًا [["تفسير الثعلبي" 2/ 1212، "التفسير الكبير" 6/ 145.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ قال ابن عباس: لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض، وهذا حث من الله للزوج والمرأة على الفضل والإحسان، وأمر لهما جميعًا أن يستبقا إلى العفو [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1213، "تفسير البغوي" 1/ 287.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب