الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة ٢٣٤].
أولًا: إعراب الآية ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ؛ اسم موصول مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، وجملة: ﴿يُتَوَفَّوْنَ﴾ صلته؛ صلة الموصول، لا بد للموصول من صلة، وجملة: ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ خبر ﴿الَّذِينَ﴾.
وفيها إشكال حيث لم يوجد رابط يربطها بالخبر؛ لأن قوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ ما فيها ضمير يعود على ﴿الَّذِينَ﴾، فاختلف الناس في تقدير الخبر، أو في كيفية الربط بين المبتدأ والخبر؛ فقال بعضهم: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا بعدهم يتربصن، وعلى هذا فيكون الضمير في بعدهم هو الرابط الذي يربط بين المبتدأ والخبر، وقال بعضهم: تربص، وأزواج الذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن، فجعل المبتدأ شيئًا مُقدرًا، أي: وأزواج الذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن، هذان وجهان، ولكن الأول أيسر من الثاني، الأول أيسر: والذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجًا بعدهم يتربصن، أو ويذرون أزواجًا يتربصن بعدهم أربعة أشهر وعشرًا.
أيضًا قوله: ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ أربعة إعرابها: نائبة مناب الظرف؛ لأنها مضافة إليه، وقوله: ﴿وَعَشْرًا﴾ أي: عشر ليال، وعُبر عن الأيام بالليالي لأن الليالي هي غرر الأيام حيث إنها قبلها.
وقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ لم يقل: فلا جناح عليهن، بل قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ مخاطبًا الرجال؛ لأنهم أولياء النساء، إلى آخره.
نعود الآن إلى المعنى ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ﴾ قال: ﴿يُتَوَفَّوْنَ﴾ بضم الياء، ولم يقل: يَتوفون؛ لأن الإنسان مُتوفًّى، والتوفي بمعنى قبض الحق وافيًا، ويقال: تَوفَّيت حقي منه؛ أي: قضيته وافيًا، والإنسان مُتوفًّى؛ لأنه يقضي أجله في الدنيا ثم تُقبض روحه.
وقوله: ﴿يُتَوَفَّوْنَ﴾ بالبناء للمجهول، من الذي يَتوفى؟
* طالب: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ورد في القرآن على ثلاثة أوجه: فمرة أُضيف إلى الله، ومرة أضيف إلى ملك الموت، ومرة أضيف إلى الرسل الذين هم الملائكة؛ قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر ٤٢] فهنا أضاف الوفاة إلى من؟
* طالب: إلى الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: إلى الله، وقال عز وجل: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة ١١] فأضاف التوفي إلى ملك الموت، وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام ٦١] فأضاف التوفي إلى الرسل.
والجمع بين هذه الوجوه الثلاثة سهل وممكن؛ أما إضافة التوفي إلى الله فلأنه بأمره، وإذا وقع الشيء بأمره فهو الفاعل له؛ كما يقال: بنى عمرو بن العاص مدينة الفسطاط. بنى عمرو بن العاص، هو ما بناها بيده، ولكنه بُنيت بأمره، وكذلك تقول: بنى الملك قصرًا مشيدًا؛ أي: أمر ببنائه، فوقعت إضافة التوفي إلى الله لأن ذلك بأمره. وأما الجمع بين الرسل وبين ملك الموت: فالرسل جمع، وملك الموت مفرد، والجمع بين الآيتين: أن لملك الموت أعوانًا يساعدونه ويسوقون الروح من أسفل البدن إلى الحلقوم، ثم يأتي ملك الموت ويقبضها، أو نقول: إن ملك الموت يقبض الروح ويعطيها الملائكة، ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؛ ولهذا بُنيت الآية الكريمة هنا، بُني الفعل فيها للمجهول ﴿يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ﴾.
هل يصح في غير القرآن أن نقول: فلان تَوفَّى؟ بالبناء للفاعل؟
* طالب: لا، لا يصح.
* الشيخ: قال بعضهم: إنه يصح، والمعنى: تَوفَّى أجلَه المقدَّر له؛ أي: استوفاه، كأنه حق له فاستوفاه.
وقوله: ﴿يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ﴾ الخطاب لمن؟ الخطاب للناس جميعًا؛ لأن الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤]، وعلى هذا: فكل كاف خطاب في القرآن فإنها للناس جميعًا.
وقوله: ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ أي: يتركون وراءهم أزواجًا، و﴿أَزْوَاجًا﴾ جمع زوج، وهو من عُقد له النكاح من رجل أو امرأة، الرجل يقال له: زوج، والمرأة يقال لها: زوج، إلا أن الفرضيين رحمهم الله اصطلحوا على أن الرجل يقال له: زوج، والمرأة يقال لها: زوجة، من أجل التمييز بينهما في التمثيل.
وقوله: ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ نكرة، فيشمل الصغيرة والكبيرة، والحرة والأمة، والمدخول بها وغير المدخول بها، كذا؟ ويخرج بها من ليست بزوجة كالسُّرّية، وأم الولد، فإنه إذا مات السيد عن أمته فلا تدخل في الآية الكريمة.
ولو مات عن أم ولده التي كان يطؤها وأتت منه بولد فإنها لا تدخل في الآية الكريمة؛ لأن الله يقول: ﴿أَزْوَاجًا﴾.
ولو عقد على امرأة عقدًا غير صحيح فإنها لا تدخل في الآية؛ لأن الله يقول: ﴿أَزْوَاجًا﴾، وهذه ليست بزوجة، فلو عقد على امرأة وهو لا يصلي؛ تارك للصلاة، ثم مات فإنها لا تدخل في هذه الآية، ما عليها عِدة، لكن إن كان قد وطئها فعليها استبراء فقط، لماذا؟
* طالب: العقد غير الزواج.
* الشيخ: لأنها غير زوجة؛ إذ إن هذا العقد ليس بصحيح، باطل.
وقوله: ﴿يَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ يعني: ينتظرن؛ لأن تربَّص مشتملة في حروفها الأصول على الراء والباء والصاد، فهي موافقة لمادة (صبر)؛ ولهذا كان معنى التربص الحبس، ومعنى الصبر الحبس، وقوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ أي: ينتظرن، تنتظر بنفسها، وإنما قال: تربص بنفسها؛ لأن المرأة بطبيعتها تطلب النكاح، فقال الله لها: تربصي بنفسك؛ يعني: انتظري، مثلما أقول: ارفق بنفسك، هوِّن على نفسك وما أشبهها.
وأما قول من قال: إن (أنفسهن) توكيد للفاعل في ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ زيدت فيه الباء، وجعل معنى الآية: يتربصن أنفسُهُن، فزيدت الباء، فهذا ليس بصحيح؛ لأن الأصل عدم الزيادة، ولأن مثل هذا التركيب شاذ في اللغة العربية، وعلى هذا فالمعنى الصحيح: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ أي: ينتظرن بأنفسهن فلا يعجلن.
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ عشرًا، يعني: عشرة أيام ولَّا عشر ليال؟
* الطلبة: عشر ليال.
* الشيخ: عشر ليال، بل عشرة أيام، لكن يعبر عن الأيام بالليالي؛ ولهذا قال الله عز وجل في سورة طه: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ [طه ١٠٢ - ١٠٤].
فتبين أن المراد بالعشر هنا: الأيام، فهنا قوله: ﴿وَعَشْرًا﴾ يعني: عشرة أيام، لكن قال أهل اللغة: إنهم يعبرون –أي: العرب- بالليالي عن الأيام؛ لأنها سابقتها.
وهل الأربعة أشهر وعشر تعتبر بالأهلة أو بالأيام؟ فيها خلاف سيأتينا إن شاء الله تعالى في ذكر الفوائد.
وقوله: ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ لماذا اختير هذا العدد ولم يُعلَّق الحكم بالأقراء كما في المطلقات؟
قال بعض العلماء: اختير هذا العدد لأن أقل ما يمكن أن يتحرك فيه الجنين أربعة أشهر، وزيدت العشرة للاستثبات، هكذا ذكره بعض أهل العلم، ولكنك عند التأمل يتبين لك ضعف هذا التعليل، لماذا؟ لأن المرأة المتوفى عنها زوجها قد تكون صغيرة لا يمكن أن تحمل، وقد تكون كبيرة آيسة من الحمل، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ثم إن الاحتياط بأربعة أشهر وعشر يمكن العلم ببراءة الرحم قبل هذه المدة، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: يمكن العلم قبل هذه المدة، فتبين بهذا أن الحكمة شيء آخر، وعندي -والله أعلم- أن الحكمة هو أنه لما كانوا في الجاهلية تبقى المرأة حولًا كاملًا في العدة بعد موت زوجها، وأين تبقى؟ تبقى في حش؛ بيت في بيتها -يعني: معناها البيت من الشعر- يحط لها بيت صغير؛ خباء؛ يصنع خباء لها تقعد فيه، ولا تمس الماء أبدًا، تأكل وتشرب لا بأس لكي ما تموت، لكن ما تمس الماء أبدًا، وتبقى بعرقها ورائحتها وحيضها ونتنها لمدة سنة كاملة، فإذا تمت السنة أتوا لها بعصفور ولَّا فارة ولَّا شيء، قالوا: امحشي به فرجك. فقلَّما تتمسح بشيء إلا مات، منين؟
* الطلبة: من الرائحة.
* الشيخ: من الرائحة الكريهة، مُدة سنة يأتيها الحيض اثنتي عشرة مرة وهي في هذا المكان، ثم إذا تم الحول أتوا لها ببعرة، فأخذت البعرة ورمت بها، ويش الفائدة من هذا؟ يعني تقول: كلما مر عليَّ فهو أهون من رمي هذه البعرة. شوف أيش لون هذا! حكم جائر -والعياذ بالله- وسفيه أيضًا، فجاء الإسلام وأبدل الحول بهذه الأربعة أشهر؛ لأن أربعة أشهر ثلث حول، وعشرة أيام ثلث شهر، والثلث كثير، فأتي من الحول بثلثه، ومن الأشهر بثلثها، فإن تبيّنت هذه الحكمة وكانت هي مراد الله عز وجل فذلك من فضل الله، وإن لم تتبين فإننا نقول: الله أعلم بما أراد، وهذه كغيرها من العبادات ذوات العدد التي لا نعلم الحكمة فيها.
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ ﴿إِذَا بَلَغْنَ﴾ الضمير يعود على الأزواج المتوفى عنهن أزواجهن. ﴿أَجَلَهُنَّ﴾ أي: مدة العِدّة، وأجل كل شيء غايته، أي: الغاية التي تنتهي بها العدة.
﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ الخطاب للناس، ولم يقل: فلا جناح عليهن كما هو متوقع، المتوقع أن يقول: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليهن، لكنه قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ لماذا؟ لأن الخطاب لأولياء النساء، فلو أرادت المرأة أن تعمل شيئًا محرمًا عليها في هذه العِدة لزم وليها أن يمنعها، وإذا تمت العدة فلا جناح على وليها أن يمكنها من أن تفعل في نفسها ما تشاء، لكن بالمعروف.
وقوله: ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ويش هذا الفعل اللي كان بالأول ممنوعًا، كان ممنوعًا بالأول ثم كان جائزًا بعد انقضاء العِدة؟ الفعل هو الإحداد، وهو اجتناب الزينة وكل ما يدعو إلى جماعها ويرغِّب في النظر إليها، هذا الإحداد، فما دامت في العدة فإنه يجب عليها أن تتجنب هذا الشيء، فتلبس الثياب الخلقة، صح؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، تلبس الثياب ما شاءت من الثياب إلا ثياب الجماع.
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: هذا صحيح، يعني: لها أن تلبس الثوب الجديد والثوب الملوّن، لكن لا تلبس ثوبًا جميلًا؛ لأن هذا يُرغّب في النظر إليها ويدعو إلى جماعها؛ فإن الرجل إذا رأى المرأة متزينة لا شك أنه يرغب.
تتجنب الحلي؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لأن هذا داخل فيما يرغِّب في النظر إليها، تتجنب التحسين بأنواعه سواء في اليد أو الرجل أو العين أو الوجه أو الشفتين، كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: صح. الحناء، تمتنع منه؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم. تتجنب الطيب بأنواعه، كذا؟ إلا دهن العود؟
* الطلبة: لا، كله.
* الشيخ: كل الطيب بأنواعه، إلا أن الشارع رخّص لها إذا طهرت بنوع من الطيب وهو القسط أو الأظفار، ويشبه -والله أعلم- هذا العود الهندي هذا أنها تتطيب به تتبخر لأجل إزالة الرائحة التي بقيت بعد الحيض.
تتجنب مشط رأسها؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا. الاغتسال؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: ما تتجنبه؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: استعمال الصابون؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: إن كان مُطيبًا تتجنبه، وإلا فلا.
هل يجب عليها أن تغتسل في يوم معين من الأسبوع أو متى شاءت؟
* الطلبة: متى شاءت.
* الشيخ: متى شاءت، مع أنه عند العامة يقولون: إنها ما تغتسل إلا يوم الجمعة.
هل يجوز أن تصعد إلى السطح في الليالي المقمرة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الليالي المقمرة، يجوز؟
* الطلبة: نعم، يجوز.
* الشيخ: يشاهدها القمر؟!
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يقول العامة: إنه لا يجوز أن تصعد إلى السطح أو تخرج إلى صحن البيت في الليالي المقمرة لأن القمر يشاهدها حينئذٍ، فالقمر يقولون: إنه إنسان، بدليل أن له عينين -ما جعلوا له لسانًا وشفتين- يقولون بس: عينين وأنف، يقولون: إن له عينين وأنفًا، يشوفون ها السواد اللي في القمر ويحسبونه عينين.
وقوله: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شوف حتى بعد انقضاء العدة لا بد أن يكون ما تفعله في نفسها في نِطاق المعروف، والمعروف هو ما يتعارفه الناس ويعرفه الشرع، فلا يخرج عن المروءة وعن عادة الناس ذوي المروءة، ولا يخرج عن نطاق الشرع، فلو أرادت أن تتبرج؛ تخرج متبرجة متزينة متطيبة، قلنا: لا، لا يجوز.
ثم قال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ختم الآية بهذه تحذيرًا من مخالفته، يعني: احذروا أن تخالفوا هذا الحكم، فإن الله بما تعملون خبير، والخبير هو العليم ببواطن الأمور، فهو أخص من العليم؛ لأنه مأخوذ من الخبير بالأرض والحرث، ومنه المخابرة: المزارعة؛ لأن الزرع يوضع في الأرض فيدفن ويخفى، فالخبير هو العليم ببواطن الأمور وخفاياها.
﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة ٢٣٥]. ﴿لَا جُنَاحَ﴾ يعني: لا إثم ولا حرج. ﴿فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ﴾ الخطاب في قوله: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ لجميع الناس، كل خطاب في القرآن بلفظ الجمع فهو للناس عمومًا، إلا ما عينه السياق في قرينة فلا بأس؛ لأنا ذكرنا قبل قليل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤] والقرآن نازل لجميع الناس.
﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ ﴿فِيمَا﴾ أي: في الذي، وإن شئت فقل: ما نكرة موصوفة؛ أي: في قولٍ عرضتم به من خطبة النساء، ولكن الموصول أولى، والدليل على أنه أولى أنه بُيِّن في قوله: ﴿مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾. و﴿عَرَّضْتُمْ﴾ التعريض والتلويح هو أن يأتي بالكلام غير مصرح بمراده.
فيه تصريح وتلويح وتعريض، التعريض والتلويح معناهما واحد؛ يعني: يأتي الإنسان بكلام لا يتبين فيه مراده؛ مثل،بالنسبة للمثال اللي معنا، أن يقول للمرأة: إني في مثلك لراغب، أنا أرغب الزوجة التي هي مثلك، إنك امرأة يرغب فيك الرجال، وما أشبه ذلك، إذا انقضت العدة فأخبريني، وعلى هذا فقِس، هذا التعريض، هذا ما فيه تصريح أنه يخطبها لا لنفسه ولا لغيره، لكنه يسمى تعريضًا.
* * *
(...) ويذرون أزواجًا أزواجهن يتربصن، فيكون هنا تقدير مبتدأ خبره جملة ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾، والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الأول.
طيب جملة ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ (...)؟
* * *
الخطبة معناها: هو أن يعرض الإنسان نفسه على المرأة ليتزوجها ويطلبها إليه، وسميت خطبة إما من الخَطْب بمعنى الشأن؛ لأن هذا شأن عظيم، وإما من الخطابة؛ لأنها مقرونة بالقول، طلب الإنسان الزوجة إلى نفسه يكون مقرونًا بالقول، حتى إنه كان فيما سلف يأتي الخاطب إلى المرأة وأهلها ويخطب فيهم؛ يعني: يتكلم بخطبة ثم يبدي أنه يرغب، وربما الآن في وقتنا الحاضر يُصدِّر طلب المرأة بخطبة كتابية؛ يكتب: من فلان لفلان، ويذكر ما يحتاج إلى بيانه في رغبته في يد المرأة، ولكن مع هذا يفرقون بين الخِطبة بالكسر وبين الخُطبة بالضم، فيقولون: الخُطْبة هي القول المشتمل على الوعظ والتذكير وما أشبه ذلك، والخِطْبة هي طلب المرأة لتكون زوجة للخاطب.
وقوله: ﴿مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ النساء هذه عامة، النساء هنا عامة، ولكنه يراد بها الخاص، أو نقول: إن (أل) هنا للعهد، العهد الذكري وهو قوله: ﴿أَزْوَاجًا﴾، يعني: ﴿فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ يعني: المذكورات، وهن الأزواج المتوفى عنهن أزواجهن، واضح؟
وعلى هذا فتكون (أل) هنا للعهد الذِّكري، لكن اللفظ جاء بغير اللفظ، بل جاء بالمعنى، بخلاف قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل ١٥، ١٦] هذه أل للعهد الذكري، لكنها جاءت باللفظ الأول تمامًا، وكما في قوله: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ [النور ٣٥] وين المصباح؟ المذكور، ﴿الزُّجَاجَةُ﴾ يعني: المذكورة، إلى آخره.
هنا النساء عادت إلى الأزواج بالمعنى، فيكون المراد بالنساء هنا من؟ اللاتي تُوفي عنهن أزواجهن.
﴿فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ أي: بالقول، ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ بدون قول، ﴿أَكْنَنْتُمْ﴾ أي: أخفيتم وأضمرتم في أنفسكم بأنكم ستتزوجون هذه المرأة التي تُوفي عنها زوجها، ولكن بدون أن تخبروها أو تخبروا أحدًا، لكن تضمروا.
وإذا كانت امرأة لم يُتوفّ عنها زوجها وليست معها أحد، هل للإنسان أن يُكِنّ في نفسه أنه سيتزوجها؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، ما فيه شك، يجوز، إذا كان يجوز أن يخاطبها بصريح الخِطبة فإن إضماره في قلبه أن يتزوجها من باب أولى، وهذه تأتي في الفوائد.
قال: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ ﴿عَلِمَ﴾ كلمة (عَلِم) مشتقة من العِلْم، وقد سبق لنا أن العِلْم إدراك الشيء إدراكًا جازمًا.
* طالب: مطابقًا.
* الشيخ: مطابقًا، إدراك الشيء إدراكًا جازمًا مطابقًا، مثل أن أدرك أن هذا مصحف، مطابق ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وجازم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: خرج بإدراك: عدم الإدراك، ويسمى: جهلًا، إنسان ما يدري عن الشيء تقول له: أيش هذا؟ يقول: ما أعرفه، هذا ليس عنده علم، بل جهل.
جازمًا: خرج به الشك والظن والوهم، فالظن هو ما يترجّح في نفس المرء مع احتمال غيره، والوهم هو الطرف المرجوح، والشك متساوي الطرفين ما فيه الترجيح ولا هذا، وهذا يقوله العلماء في باب أصول الدين في بحث أصول الفقه، وهو غير الشك والظن الموجود في الفقه؛ لأن الشك والظن في باب الفقه هو ما ينافي اليقين، يعني: فالمترجح ليس بشيء عندهم، فلو أن الإنسان كان على وضوء، ثم شك هل انتقض وضوؤه، لكن ترجح عنده أنه انتقض، فإنه يعمل بهذا الظن ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لا، ما يعمل بهذا الظن، كان متوضئًا وشك هل أحدث أم لا، وغلب على ظنه أنه أحدث، فهل يعمل بهذا الظن ويتوضأ؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن الرسول ﷺ قال: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٧) ومسلم (٣٦١ / ٩٨) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.]]، يعني: حتى يتيقن، فالظن في الأحكام العملية ملحق بماذا؟ ملحق بالشك، الظن الطارئ على المتيقَّن.
إذن هنا ﴿عَلِمَ اللَّهُ﴾ قلنا: العِلم هو إدراك الشيء إدراكًا جازمًا مطابقًا.
مطابقًا: خرج به الجهل المركب؛ لأن الجهل المركب يُدرك الإنسان الشيء على خلاف حقيقته غير مطابق، فلو سألنا شخصًا وقلنا له: متى كانت غزوة بدر؟ قال: لا أدري؟
* الطلبة: هذا جهل بسيط.
* الشيخ: هذا جهل بسيط، لا يدري، وجزاه الله خيرًا.
ولو سألنا شخصًا آخر متى كانت غزوة بدر؟ قال: الحمد لله الذي نصر نبيه في يوم بدر وسماه يوم الفرقان، وأنزل فيه آيات عديدة من القرآن، كانت غزوة بدر في السنة الخامسة من الهجرة في ربيع الأول، أيش جهل هذا؟
* الطلبة: جهل مركب.
* الشيخ: مركب؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لو كان من غير الخطبة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إي، هذا جهله جهل مركب، وما أكثر الجهال المركَّبين وإن كانوا فصحاء! إذن نقول: هذا جهله جهل مركب.
أهو أسوأ حالًا أو الجاهل البسيط؟
* طالب: الجاهل البسيط.
* الشيخ: الجاهل البسيط أسوأ حالًا يا أخي!
* الطلبة: المركب.
* الشيخ: الجاهل المركب، ليش؟ لأن جهله مركب من جهلين: جهل بالواقع، وجهل بنفسه، هو عند نفسه أنه عالم وليس بعالم، فقد جهل نفسه، وجهل بالواقع أيضًا؛ ولهذا سماه العلماء جهلًا مُركَّبًا.
سألنا ثالثًا وقلنا: متى كانت غزوة بدر؟ فقال: أظنها إما في الثانية أو في الثالثة، هذا جاهل، لكن عنده نوع من العلم إلا أنه شاك، صح ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إلا أنه شاك، ما أدركها إدراكًا جازمًا؛ لما قال: الثانية، صحيح هي في الثانية، لكن عنده شك هل هي في الثانية أو في الثالثة.
الله عز وجل علمه محيط بكل شيء أزلًا وأبدًا، أيش معنى أزلًا وأبدًا؟ يعني: أزلًا فيما مضى، وأبدًا فيما يستقبل، ويدخل فيهما الحاضر؛ لأن الحاضر اللحظة التي قبل لحظة الآن ماضي، واللي بعده؟ مستقبل، وهي نفسها لا تتقسم، هي: إما حاضر وإما مستقبل وإما ماضٍ، لكنها بلحظة تنقسم، على كل حال الله عز وجل عالم، وعلمه محيط بكل شيء أزلًا وأبدًا.
واعلم أن علم الله عز وجل لم يُسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان، ولا نقص في الشمول والإحاطة، فقد أحاط بكل شيء علمًا.
ومنها ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ بالقول أو بالقلب؟
* الطلبة: بهما.
* الشيخ: بهما جميعًا، يذكرها الإنسان بقلبه، ويذكرها الإنسان بلسانه، يذكرها مثلًا لإخوانه؛ لأبيه، لابنه، لصديقه، وما أشبه ذلك بأنه يرغب أن يتزوج فلانة، أو يذكر ذلك بقلبه وفي نفسه.
﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ﴾ هذا معطوف على قوله: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾.
﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ قوله: ﴿لَا تُوَاعِدُوهُنَّ﴾ هذا نهي ولَّا خبر؟
* الطلبة: نهي.
* الشيخ: نهي؟ ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ﴾.
* الطلبة: نهي.
* الشيخ: ويش الدليل؟
* طالب: حذف النون.
* الشيخ: حذف النون؛ لأن تواعدون من الأفعال الخمسة، إذا حذفت النون فلا بد من ناصب أو جازم، وإن كانت قد تحذف كثيرًا مع نون الوقاية، وقد تحذف أيضًا -لكن ليس بكثير- مع عدم نون الوقاية؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا»[[أخرجه أحمد في المسند (١٠٦٥٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، قال: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ»، ولم يقل: لا تدخلون، مع أنها نافية هذه، «وَلَا تُؤْمِنُوا»، ولم يقل: ولا تؤمنون، مع أنها نافية ولست بناهية.
* طالب: الإعراب كيف يا شيخ؟
* الشيخ: نقول: الإعراب، لا: نافية، وتدخل: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة للتخفيف.
قال: ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ كلمة ﴿سِرًّا﴾ ذكر المفسرون -كثير منهم- أن السر من أسماء النكاح؛ أي: لا تواعدوهن نكاحًا، وقالوا: إن السر من أسماء النكاح؛ لأنه يقع بين الرجل وامرأته سرًّا، وقال بعض العلماء: ﴿لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ أي: فيما بينكم وبينهن، وإذا نُهي عن السر فالعلانية من باب أولى، ويختلف الإعراب بناء على القولين؛ فإذا قلنا: إن ﴿سِرًّا﴾ هو النكاح صار مفعولًا ثانيًا؛ يعني: لا تواعدوهن نكاحًا، وإذا قلنا: إن السر ضد العلانية والمعنى: لا تواعدوهن وعدًا سريًّا صارت؟
* طالب: حال.
* الشيخ: أو مفعولًا مطلقًا؛ يعني: وعدًا سرًّا، وأيًّا كان فإن الله عز وجل ينهى عن أن يُصرَّح للمرأة في عدة النكاح.
﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ ﴿إِلَّا﴾ هذه أداة استثناء، ولكن هل الاستثناء هنا منقطع أو متصل؟
إن كانت بمعنى لكن فهو منقطع، وإن كانت بمعنى إلا فهو متصل، هذا من حيث التقدير؛ إن قدّرت إلا بمعنى لكن فهو منقطع. وعلامة أخرى معنوية، وهي أنه إذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو متصل، وإذا لم يكن من جنسه فهو منقطع.
هنا ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ هل هو من جنس ما قبله؟ من المواعدة سرًّا؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: ليش؟ لأن المواعدة سرًّا ليست من القول المعروف، ولَّا لا؟ إذ إن القول المعروف هو التعريض دون التصريح.
وإذا كان متصلًا، لكن لا يصح أن يكون متصلًا؛ لأن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها، وعلى هذا فيكون الاستثناء هنا منقطعًا، النحويون يمثلون للاستثناء المنقطع بقولهم: قام القوم إلا حمارًا، صحيح هذا التمثيل؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ويش السبب؟
* طالب: ليس من جنس الرجال.
* الشيخ: ليس من جنسهم ولََّا لا؟ وإنما يأتون بهذا لأن..
(...) متصل ولَّا منقطع؟
* الطلبة: منقطع، إن كان للعبودية، حسب التفسير.
* الشيخ: إي، حسب تفسير العبودية؛ إن كان المراد: إن عبادي المخلصين ليس لك عليهم سلطان، فالاستثناء منقطع لا شك، وإن كان عبادي من جِنس قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم ٩٣].
* طالب: متصل.
* الشيخ: فالاستثناء متصل، وأيهما أبلغ؟
* طالب: الأول.
* الشيخ: الأول أبلغ، وإن كان الثاني هو الأصل، الأصل أن الاستثناء متصل، لكن الأول أبلغ: إن عبادي المخلصين لا يمكن أن تصل إليهم إطلاقًا ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر ٤٢]، لكن من اتبعك هم الذين يكون لك عليهم سلطان.
يقول: ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ معروف من قبل مَنْ؟
* الطلبة: من قبل الشرع.
* الشيخ: من قبل الشرع، وهو؟ ما هو القول المعروف؟ التعريض الذي أباحه الله.
﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾، لما ذكر الله عز وجل التعريض والتصريح، وأن التعريض جائز دون التصريح والمواعدة -ولو سرًّا- قال عز وجل: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ ﴿تَعْزِمُوا﴾ العزم على الشيء معناه: التنفيذ، و﴿عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ يعني: عقده؛ لأن النكاح عقد بين الزوج والزوجة، فهو كالعقود الأخرى كعَقد البيع وما أشبه ذلك، وقوله: ﴿عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ يعني: الزواج.
﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ حتى هذه للغاية، وما بعدها منصوب بها، وقوله: ﴿الْكِتَابُ﴾ فِعال بمعنى مَفعول، وما المراد بالكتاب؟ الذي ذكر المفسرون أن المراد بالكتاب هنا العدة؛ لأن الله تعالى فرضها، فهي مفروضة على أن فِعالًا بمعنى مفعول، يعني: حتى يبلغ المفروض أجله، والمفروض هي العدة، ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب هنا ما يكتبونه عند ابتداء سبب العدة من موت أو طلاق أو نحوه؛ بأن يقال مثلًا: توفي في اليوم الفلاني، ويكون هذا داخلًا في قوله تعالى في سورة الطلاق: ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ [الطلاق ١] يعني: اضبطوها وحرروها، وعلى هذا فيكون المعنى: الكتاب المكتوب الذي فيه بيان متى كان سبب أيش؟ سبب العدة من وفاة أو طلاق.
وقوله: ﴿أَجَلَهُ﴾ أجل الشيء: منتهاه وغايته؛ يعني: حتى يبلغ غايته حسب ما فرض الله سبحانه وتعالى.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ ﴿اعْلَمُوا﴾ فعل أمر، وأتى به سبحانه وتعالى للأهمية والتحذير من المخالفة، ﴿اعْلَمُوا﴾ وهذه الجملة يؤتى بها من أجل التنبيه، اعلم كذا وكذا، لأجل أن تنتبه ويبلغ علمك هذا الشيء. ﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: ما استقر في أنفسكم مما تضمرونه من كل شيء، ولكن هل يؤاخذنا الله عز وجل بما أنفسنا؟ هذا يرجع فيه إلى ما تقتضيه الأدلة من غير هذه الآية، وسنبين إن شاء الله تعالى عند الفوائد.
وقوله: ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾ الفاء هذه للتفريع؛ يعني: إذا علمتم هذا فاحذروا الله عز وجل من أن تضمروا في هذه الأنفس ما لا يرضاه سبحانه وتعالى، والحذَر من الشيء معناه: أخذ الحِذْر، وهو الاحتياط وعدم المخالفة.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ لما حذرنا عز وجل قال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ فإذا أضمرتم في أنفسكم ما لا يرضاه فإن لديكم بابًا واسعًا، ما هو؟
المغفرة، تعرّضوا لمغفرة الله سبحانه وتعالى بأن تستغفروا وتتوبوا إليه، وسبق لنا مرارًا أن الغفور مأخوذ من الغَفْر وهو السَّتر، والمراد به ستر الذنب والتجاوز عنه.
وقوله: ﴿حَلِيمٌ﴾ فالحليم هو الذي يؤخر العقوبة عن مستحقها، كما قال ابن القيم في النونية:
؎وَهُــوَ الْحَلِيمُ فَلَا يُعَاجِــــلُعَبْــــــــدَهُ ∗∗∗ بِعُقُوبَــــةٍ لِيَتُــــوبَ مِــــنْعِصْيَــــــــــــــــانِ
الحليم هو الذي يؤخر العقوبة عمن يستحقها، وضده من ليس بحليم: من يُعاجل بالعقوبة، والله عز وجل قرن هنا بين المغفرة والرحمة وهو الحلم؛ ليتبين أن تأخيره للعقوبة من أجل أن يتعرض الإنسان لأسباب مغفرته؛ ولهذا جمع بينهما: غفور حليم، فهو يغفر الذنب لمن تاب منه، وهو يحلم فلا يعاجل عبده بالعقوبة سبحانه وتعالى.
وكل هذه الأشياء: اعلموا واعلموا واحذروا وما أشبه ذلك تدل على عظم عقد النكاح، وأنه أمر لا يجوز التلاعب به أبدًا، ولهذا كان النكاح في عقده وحَلِّه جِده جِد، وهزله جِد أيضًا، النكاح ولو كان هُزءًا ينعقد، والطلاق ولو كان هُزءًا يحصل به الفراق، كل ذلك من أجل البعد عن التلاعب في هذا العقد العظيم الذي له خطره.
ثم قال تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة ٢٣٦] نقول في ﴿لَا جُنَاحَ﴾ هنا كما قلنا في الأول: إنها نافية للجنس، و﴿جُنَاحَ﴾ اسمها مبني معها على الفتح؛ لأنه مفرد، وقوله: ﴿جُنَاحَ﴾ أي: إثم.
﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ لما كان الإنسان قد يتوهم أنه إذا طلق الزوجة بعد أن عقد عليها أن عليه إثمًا في ذلك، لأيش؟ لأنه كسرها، وربما تتأثر تأثرًا كبيرًا، ليش إن هذا الرجل بعد أن عقد عليها ذهب يطلقها؟ لماذا؟ فينفر الناس منها ولا يتزوجونها، فبين الله عز وجل أن ذلك ليس فيه جناح علينا، إذا طلقنا المرأة من دون أن نمسها، واضح؟
ولهذا قال: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ قوله: ﴿مَا لَمْ﴾ اختلف أهل الإعراب في إعرابها؛ فقال بعضهم: إن (ما) مصدرية ظرفية؛ أي: مدة دوام عدم مسِّكم لهن، وقال بعضهم: إن (ما) شرطية، فهو من باب دخول الشرط على الشرط؛ يعني: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء إن لم تمسُّوهن، وهذا يأتي في اللغة العربية كثيرًا؛ أي: كون الشرط الثاني شرطًا في الأول؛ ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة ٨٦، ٨٧] فهنا شرط في شرط، ومنه قول الشاعر:
؎إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إِنْ تُذْعَرُوا تَجِدُوا ∗∗∗ مِنَّــــا مَعَاقِــــلَ عِــــزٍّ زَانَهَــــاكَــــــــــــــــرَمُ
فيكون الثاني شرطًا في الأول، أيهما السابق؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: نعم، إذا دخل شرط على شرط فالسابق الثاني، كلما دخل شرط على شرط فالسابق الثاني، فهنا يقول: إن (ما) شرطية، وإن تقدير الآية: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء إن لم تمسوهن. إن طلقتموهن إن لم تمسوهن؛ يعني أنه إذا طلقها بدون مس فلا جناح عليه، والمعنى واحد ولكن الاختلاف في الإعراب.
وقوله: ﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾ فيها قراءة ثانية: ﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ ، وكلاهما بمعنًى واحد، والمراد به الجماع، لكن جرت عادة العرب -والقرآن بلسان عربي مبين- أن يكنوا عما يُستحيا من ذكره صريحًا بما يدل عليه، فهنا ﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾ فيها قراءتان: ﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ و﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾، ولكل منهما وجه؛ فعلى قراءة ﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ لأن الجماع مس من الطرفين، فكل من الزوج والزوجة يمس الآخر، أليس كذلك؟ وعليه قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة ٣].
وأما على قراءة المس الذي لا يفيد إلا وقوع الفعل من جانب واحد فهو أيضًا واضح؛ لأن حقيقة الفاعل مَنْ؟ الزوج، الرجل، فهو ماس، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ [آل عمران ٤٧] نعم، مريم: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾، فجعل المس من جانب واحد وهو الرجل.
وعلى هذا فينبغي لنا أن نقرأ بهذا مرة وبهذا مرة، وعلى قاعدة بعض أهل العلم يقولون: إذا اجتمع قراءتان في إحداهما زيادة حرف فينبغي أن نأخذ بما فيها زيادة حرف لأنها أكثر ثوابًا؛ إذ إن الحرف الواحد من القرآن فيه عشر حسنات. فإذا كان كذلك، فإننا نتتبع القراءات التي فيها زيادة حروف ونأخذ بها، نقرأ بها، ولكن هذا القول فيه نظر، بل الصواب أننا نقرأ بهذا مرة وبهذا مرة؛ لأن اختلاف القراءات كاختلاف صفات العبادات، وقد مر علينا أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل أن تفعل هذه مرة وهذه مرة حتى تأتي بالسنة كلها، هذه أيضًا تفعل هذه مرة وهذه مرة، تقرأ بهذه مرة وبهذه مرة، حتى تأتي بكل الوجوه التي قرأها النبي ﷺ، ولكن يجب عليك أن تتيقن أنه قد قرئ بهذه القراءة، فلا تتخرص، فإذا نسيت فاقرأ ما علمت؛ لأنك لو تقرأ بشيء على سبيل الظن قلت على الله ما لم تعلم، والمسألة خطيرة، إنما من منّ الله عليه بمعرفة القراءات فإن الأفضل أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة، إلا في حضور العامة، حضور العامة لا، اقرأ بالقراءة التي بين أيديهم، لماذا؟ لأنك لو تقرأ بقراءة خارجة عما في أيديهم ألبست عليهم وحصل في هذا إشكال؛ لأنهم إن اعتقدوا فيك العلم والحفظ قالوا: كيف القرآن كذا يختلف؟ وإلا نسبوك إلى الجهل وعدم المبالاة بكتاب الله عز وجل وقالوا: هذا فلان إمامنا اللي ما يهم فيه غلط ولا ما هي غلط، (...) من باب أولى للعوام.
وعلى هذا فنقول: إن الأفضل لا كما قاله بعض أهل العلم أن تتبع القراءات التي فيها حرف زائد على القراءات الأخرى، بل الأفضل أن تقرأ بهذا مرة وبهذا مرة، ومنه قوله في الفاتحة: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤] و﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ نقول الأفضل: نقرأ بهذا مرة وبهذا أخرى لأجل أن نأخذ بكلتا القراءتين.
قوله: ﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ يعني: تجمعوا بين الأمرين، بين أن لا تفرضوا لهن فريضة وبين أن لا تمسوهن، فلا جناح عليكم إذا طلقتم المرأة بعد العقد بدون مسيس وبدون تسمية المهر، وتسمية المهر من عدمها لها ثلاثة أوجه:
إما أن يسمي المهر ويعيِّنه -وهذا هو الأفضل- بأن يعيِّن الرجل الزوج المهر فيقول: أنا أريد أن أتزوجها بخمس مئة ريال، فيقول الولي: زوجتك ابنتي بخمس مئة ريال؛ هذا مهر مسمًّى، أو يسكت يقول: زوجتك ابنتي، ويقول: قبلتُ، أو يقول: زوَّجتك ابنتي، ويقول الزوج: بشرط أن لا مهر لها، فيشترط عدم المهر، هذه ثلاث صور، إذا عيَّن المهر فالأمر فيه ظاهر ويثبت ما عيَّن، وإذا سكت فهذا هو الذي في هذه الآية: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾، وأو هنا على القول الراجح حرف عطف، معطوفة على ﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾، وليست كما قال بعضهم: إنها (أو) بمعنى إلا؛ يعني: ما لم تمسوهن إلا أن تفرضوا لهن فريضة؛ فإن هذا ما يستقيم مع الكلام. المهم إذا تزوجها بدون أن يسمي لها مهرًا فهو ما في هذه الآية.
إذا تزوجها وشرط عدم المهر فالشرط فاسد، لكن هل يفسد العقد أم لا؟ في هذا قولان لأهل العلم:
فقال جماعة من أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: إن النكاح باطل ولا يصح إذا شرط عدم المهر؛ لأنه إذا شرط عدم المهر فقد خالف قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ ، ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾؛ فيها قراءتان، ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ شرط ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾، فشرط الله الحِل بأن يكون هناك مال، وأيضًا إذا شرط عدم المهر صار ذلك هبة، والهبة خاصة بمن؟ بالنبي ﷺ.
وقال بعض أهل العلم -الطائفة الثانية من أهل العلم-: إن النكاح صحيح والشرط فاسد، ويجب لها مهر المثل.
﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ ﴿تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ يعني: كذلك أيضًا لا جناح عليكم في أن يقع منكم هذان الأمران: لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة، وكما قلت في أول الكلام على الآية: إن المرأة قد يكون في قلبها شيء حيث طلقت بعد العقد وقبل الدخول، ولا سيما إذا انضاف إلى ذلك أنه لم يُسمَّ لها مهر؛ فإن الناس قد يقولون: هذه المرأة لا تساوي شيئًا، أليس كذلك؟
قال الله تعالى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ قوله: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ قال بعض المفسرين أو المعرِبين: إن هذه الجملة معطوفة على جملة مقدرة، والتقدير: فطلقوهن ومتعوهن، وأن قوله: (فطلقوهن) مستفاد من قوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾؛ لأن معنى ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ معناها: قد أبحنا لكم طلاق النساء فطلقوهن، فيكون المراد بالأمر المقدر -كما قالوا- المراد به الإباحة، والمراد بالأمر المذكور المراد به الوجوب. وقال بعض المعرِبين: لا حاجة إلى التقدير؛ لأن قوله (فطلقوهن) المراد به الإباحة مفهوم من قوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾، وما دام المعنى يفهم بدون تقدير فإنه لا يجوز التقدير؛ لأن التقدير نوع من التأويل، ولأن الأصل تمام الكلام وعدم احتياجه إلى تقدير. وهذا القول أرجح، وعلى هذا فقوله: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ يعني: إذا طلقتموهن، وهذا مستفاد من قوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾.
﴿مَتِّعُوهُنَّ﴾ ما معنى التمتيع؟ أن يعطيها ما فيه المتعة والبلاغ من زاد أو لباس أو غير ذلك مما تقتضيه الحال والعُرف.
وقوله: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ في ﴿قَدَرُهُ﴾ قراءتان: ﴿قَدْرُهُ﴾ و﴿قَدَرُهُ﴾، وقوله: ﴿الْمُوسِعِ﴾ هو الغني، وقوله: ﴿الْمُقْتِرِ﴾ هو الفقير الذي ليس عنده شيء؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء ١٠٠] أي: مَنُوعًا، فالمقتر معناه: الذي ليس عنده شيء أو الفقير، والموسع: الغني الكثير المال، فـ ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ أو ﴿قَدْرُهُ﴾ أي: ما يناسب حاله، وعلى الفقير ما يناسب حاله، والجملة هذه قيل: إنها استئنافية لا محل لها من الإعراب تبين مقدار الواجب الذي أوجبه الله في قوله: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾، وقيل: إنها في موضع نصب على الحال من الواو في قوله: ﴿مَتِّعُوهُنَّ﴾ يعني: متعوهن حال كونكم موسرين أو معسرين، على الموسر قدره، وعلى المقتر قدره.
أما إعرابها فإن ﴿عَلَى الْمُوسِعِ﴾ خبر مقدم، و﴿قَدَرُهُ﴾ مبتدأ مؤخر، و﴿عَلَى الْمُقْتِر﴾ أيضًا خبر مقدم، و﴿قَدَرُهُ﴾ مبتدأ مؤخر.
﴿مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾ ﴿مَتَاعًا﴾ هذه يحتمل أن يكون اسم مصدر -يعني: مفعولًا مطلقًا- عامله قوله: ﴿مَتِّعُوهُنَّ﴾ يعني: تمتيعًا بالمعروف، فمتاع هنا بمعنى تمتيع، مثل كلام بمعنى تكليم، وسلام بمعنى تسليم وما أشبهها، وعلى هذا فيكون إعرابها مفعولًا مطلقًا، ويحتمل أن يكون حالًا؛ يعني: حال كون القَدَر أو القَدْر متاعًا بالمعروف.
وقوله: ﴿مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾ الباء هنا للمصاحبة، يعني معناه: يقتضيه العُرف، وكم في الآيات التي مرت التحويل على العرف مما يدل على أن العرف له اعتبار شرعي.
﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿حَقًّا﴾ منصوبة على أنها مصدر لفعل محذوف، يعني: أُحقُّ ذلك حقًّا على المحسنين، أو على أنها مصدر معنوي لقوله: ﴿مَتِّعُوهُنَّ﴾ حقًّا، أو على أنها صفة لقوله: ﴿مَتَاعًا﴾ يعني: متاعًا حقًّا، كل الأوجه هذه لا ينافي بعضها بعضًا من حيث المعنى.
والحق هو الشيء الثابت اللازم يقال: حقّ، والحق إما أن يكون في الأخبار وإما أن يكون في الأحكام، فإن كان في الأخبار فهو الصدق، وإن كان في الأحكام فهو العدل، وقد يُجمع بينه وبين الصدق فيُحمل الصدقُ على الخبرِ والحقُّ على العدلِ مثل قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥] قال العلماء: ﴿صِدْقًا﴾ في الأخبار، ﴿وَعَدْلًا﴾ في الأحكام.
وقوله: ﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ يعني: على الفاعلين الإحسان. المحسن اسم فاعل من أحسن؛ أي: قام بالإحسان وعمل به، والإحسان هنا ما كان موافقًا للشرع، فإذا قرن بالعدل صار المراد بالإحسان: الفضل الزائد، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل ٩٠]، فالإحسان تارةً يُراد به موافقة الشرع ولو كان شيئًا واجبًا، وتارةً يُراد به ما زاد على الواجب، وهذا إذا قُرِن بماذا؟ إذا قُرِن بالعدل كما في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.
وقوله: ﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ يعني: والمحسنات؟
* طالب: يخاطب الأزواج.
* الشيخ: لأنه يخاطب الأزواج، الزوجات ما بيمتعن أزواجهن؛ لأنهن مخطوبات لا خاطبات (...)
﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ إلى آخره.
يستفاد من الآية الكريمة فوائد:
أولًا: وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها، من أين؟
* طالب: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾.
* الشيخ: لا، من قوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾؛ لأنها خبر بمعنى الأمر.
ويستفاد من عمومها: وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿أَزْوَاجًا﴾.
* الشيخ: ﴿أَزْوَاجًا﴾ وأطْلق.
ويستفاد منها أيضًا: وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها، سواء دخل بها أم لم يدخل، من قوله: ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾؛ لأن الزوجة تكون زوجة بمجرد العقد بخلاف الطلاق، فإن الطلاق قبل الدخول لا عدة فيه؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب ٤٩] واضح؟
فهذان رجلان كلاهما تزوجا، أحدهما مات قبل أن يدخل، والثاني طلق قبل أن يدخل، على زوجة الأول العدة، والثاني ليس عليها عدة، كذا؟ ولزوجة الأول المهر كاملًا، ولزوجة الثاني نصف المهر، كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ولزوجة الأول الميراث، والثانية؟
* الطلبة: لا شيء.
* الشيخ: صح، لأنه ما مات. المهم إذا مات ما هو زوج (...) ولا عدة عليها، إذن عموم الآية يشمل أيش؟ من دخل بها ومن لم يدخل بها.
عموم الآية يتناول الحامل وغير الحامل، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿أَزْوَاجًا﴾ تشمل الحامل وغيرها، لكن الحامل خصت بآية الطلاق: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ٤].
لمعترض أن يعترض ويقول: بين الآيتين عموم وخصوص وجهي، فلا يمكن أن تخص إحداهما بالأخرى إلا بدليل؛ ولهذا ذهب علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم إلى أنها تعتدّ بأطول الأجلين[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٩) ومسلم (١٤٨٥ / ٥٧) من حديث أم سلمة، وفيه قصة ابن عباس رضي الله عنهما، وأما حديث عليٍّ فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٧٠٩٨).]] جمعًا بين الآيتين، أعرفتم؟
ما هو الجواب؟ الجواب: أن السُّنة دلت على تقديم عموم آية الطلاق؛ حيث إن «سُبَيْعَةَ الأسلميَّة نُفِسَتْ بعد موت زوجها بليالٍ، فأذن لها النبي ﷺ أن تتزوج[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٩) ومسلم (١٤٨٥ / ٥٧) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.]] »، وعلى هذا فيكون عموم آية الطلاق مُقدمًا على عموم آية البقرة، واضح يا جماعة؟
ويُستفاد من الآية الكريمة: وجوب انتظار المرأة بنفسها مدة العدة بحيث لا تتزوج ولا تتعرض للزواج؛ لقوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾، كما تقول: انتظر بكذا وكذا، تربّص بكذا وكذا، يعني: لا تتعجل.
ويُستفاد من الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل بوضع أربعة أشهر وعشرًا، أو بفرض أربعة أشهر وعشرًا، ويش الحكمة؟
* الطلبة: ليتبين (...).
* الشيخ: قيل: ليتبين الحمل، وهذا فيه نظر؛ لأن الحمل يتبين في مدة أقل، ولكنه سبق لنا تعليل في هذا وهو؟
* الطلبة: (...) قلنا: تعبدية.
* الشيخ: قيل: إنها تعبدية، هذا ما لنا فيه تصرف، إذا قلنا: تعبدية، ما لنا فيه تصرف، لكننا نقول: حكمة معقولة؟
* طالب: نعم، أربعة أشهر وعشرًا ثلث السنة.
* الشيخ: أربعة أشهر وعشرًا ثلث السنة وثلث الشهر؛ لأنه في الجاهلية كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها تبقى حولًا كاملًا، ففرض الله من هذا الحول ثلثه، ومن جنس الشهور ثلث الشهر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العدة إذا انتهت جاز للمرأة أن تفعل كل ما كان معروفًا من تجمُّل وخروج من البيت وغير ذلك؛ ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأولياء مسؤولون عن مولياتهم، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، ولم يقل: فلا جناح عليهن، مع أن الحديث عن المرأة، عن النساء، لكنه قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، كأنه أشار إلى أن الرجال لهم ولاية على النساء فيكونون مسؤولين عنهن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: اعتبار العرف؛ لقوله: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقد مر علينا مرارًا وتكرارًا: أن العُرف معتبر إذا لم يُخالف الشرع، فإن خالف الشرع فليس بمعتَبر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات عِلم الله عز وجل بالظاهر والخفي، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، والخبير هو العالم ببواطن الأمور، ومن علم ببواطن الأمور كان عليمًا بظواهرها من باب أولى.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ إلى آخره.
يُستفاد من هذه الآية الكريمة: جواز التعريض في خطبة المتوفى عنها زوجها، من قوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، وقد سبق لنا التعريض معناه، كذا؟
ويُستفاد من الآية: تحريم التصريح بعدة المتوفى عنها زوجها في خطبة المعتدة من وفاة، تحريم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة؛ لقوله: ﴿فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ﴾، فنفى الجناح عن التعريض، وهو دون التصريح، والتصريح محرم.
استطرادا للفوائد نقول: إن خطبة المعتدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: تحرم تصريحًا وتعريضًا، وتباح تصريحًا وتعريضًا، وتباح تعريضًا لا تصريحًا، تحرم تعريضًا وتصريحًا، وتباح تعريضًا وتصريحًا، وتحرم تصريحًا لا تعريضًا.
متى تحرم تصريحًا وتعريضًا؟
في الرجعية لغير زوجها، فيحرم على الإنسان أن يخطب المرأة الرجعية، لا تصريحًا ولا تعريضًا، والرجعية مَن هي؟ يعني: المعتدَّة التي يجوز لزوجها أن يراجعها بغير عقد، هذه الرجعية.
والتي تحل تصريحًا وتعريضًا هي البائن من زوجها إذا كانت تحل له، مثل المطلقة على عوض، والمختلعة، والفاسخة لنكاحها لسبب، وما أشبه ذلك، المهم أن القاعدة ما هي؟
هي المبانة لزوجها إذا كانت تحل له، فيجوز لزوجها أن يخطبها تعريضًا وتصريحًا وأن يتزوجها، فلو طلّق الإنسان امرأته على عِوض ثم بعد ذلك ندم وهي أيضًا ندمت، إن طلب يتزوجها يجوز يخطبها من أهلها؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، يجوز أن يخطبها ويجوز أن يتزوجها.
والذي يباح تعريضًا لا تصريحا؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: كل مُبانة لغير زوجها، يعني: كل مُبانة يجوز لغير زوجها أن يعرِّض بخطبتها بدون تصريح؛ مثل المتوفى عنها زوجها، والمبانة بطلاق الثلاث، أو بفسخ، أو نحو ذلك، عرفتم؟ هذه أقسام الخطبة.
* طالب: البكر يا شيخ؟
* الشيخ: البكر، ما هي معتدة، كلامنا على المعتدة.
* الطالب: ما هي الأقسام؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: يجوز تعريضًا أو تصريحًا؟
* الشيخ: البكر ما هي معتدة.
* الطالب: المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل، فيعرض لها أحد بالزواج.
* الشيخ: تدخل في المبانة.
الدليل على جواز التعريض دون التصريح للمتوفى عنها زوجها هذه الآية، هذه الآية دليل، ويقاس عليها كل مبانة من زوجها؛ لأن لها علاقة بزوجها من جهة، وهي منفصلة عنه من جهة أخرى.
أما الرجعية فلأنها زوجة، كما قال الله تعالى فيما سبق: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ إلى أن قال: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [البقرة ٢٢٨].
وأما المبانة من الشخص إذا كانت تحل له فواضح أنها زوجته، فيحل له أن يخطبها وأن يتزوجها، وقولنا: إذا كانت تحل له، احترازًا من المبانة بالثلاث، المبانة بالثلاث لا يحل لزوجها أن يخطبها مطلقًا؛ لأنها ما تحل له.
ويستفاد من الآية الكريمة: جواز إضمار الإنسان في نفسه ما لا يحل له أن يفعله بجوارحه؛ لقوله: ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز ذكر الإنسان المرأة المعتدة في نفسه ولغيره؛ لقوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾، فلو قال شخص: إنني أريد أن أتزوج امرأة فلان التي توفى عنها زوجها، يقول يحدث غيره، يجوز ولَّا ما يجوز؟
* الطلبة: يجوز.
* الشيخ: يجوز ولا حرج فيه، وكذلك لو ذكرها في نفسه، لكن الذكر في النفس هل يغني عنه قوله: ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾؟ يمكن أن يغني عنه، وإلا فإن ما في القلب يسمى ذِكرًا كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥ / ٢، ٢١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ «فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ..» الحديث.]]، فما أضمره الإنسان في نفسه فهو ذكر وحديث.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجوز للإنسان أن يواعد المعتدة من وفاة؛ أن يواعدها النكاح فيقول: إذا انتهت عدتك فإني سأتزوجك؛ لقوله: ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾.
* ومن فوائدها: أن التعريض بخطبة المتوفى عنها زوجها من القول المعروف غير المنكر؛ لقوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم عقد النكاح في أثناء العدة؛ لقوله: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾.
هل يتفرع على هذه الفائدة فائدة أخرى وهي: أن النكاح باطل؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، منين الدليل؟ من قوله: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨ / ١٧) واللفظ له من حديث عائشة رضي الله عنها. ]]، وقوله ﷺ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٥٦٣)، ومسلم (١٥٠٤ / ٨)، وابن ماجه (٢٥٢١) واللفظ له، من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، إذن لو تزوج الإنسان امرأة معتدة فإن النكاح لا يصح.
وهل تحل له بعد انقضاء العدة ولَّا ما تحل؟
* الطلبة: فيه أقوال.
* الشيخ: فيه خلاف؛ فمن أهل العلم من قال: لا تحل له، ومنهم من قال: تحل له. الذي قال: لا تحل له، بنى قوله على قاعدة معروفة في الفقه وهي: من تعجل شيئًا قبل أوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه. وهذه القاعدة لها أصل من السنة، وهو منع القاتل من الميراث[[أخرجه الترمذي (٢١٠٩)، وابن ماجه (٢٦٤٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]؛ لأنه يُخشى أن يتعجل القتل لأجل أن يرث، ولكن الراجح في هذه المسألة أنه إن رأى الحاكم أن يمنعه منها فعل، وإلا فلا، وربما يُحمل ما روي عن عمر في ذلك على هذا الوجه؛ أن فعله رضي الله عنه ليس سنة، ولكنه عقوبة وتعزير[[أخرجه أحمد في المسند (٣٤٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.]]، فإذا رأى الحاكم أن يمنع هذا الخاطب الذي تعجل في الخطبة قبل أوان جوازها..
الشيخ: منع الحق لمن يستحقه لولا التعذير، والتعذير بمنع الحق لمن يستحقه هو جائز، وعلى هذا فنقول: الصحيح في هذه المسألة أن من عقد على مُعتدَّة فالأصل أنها تحل له بعد انتهاء العدة لعموم قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء ٢٤] لكن إن رأى الحاكم أن يمنعه منها تعذيرًا فله ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى العناية بالعدة وأنه ينبغي أن تكتب؛ لقوله: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة ٢٣٥]، كذا؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: المخاطبة بالمجمل، وأنها أسلوب من أساليب البلاغة، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾.
* الشيخ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ لأن أجله ما بُيِّن هنا، وإن كان بُيِّن في آية ثانية، وقد سبق لنا أن من فوائد الإجمال أن النفس تتطلع إلى بيانه وتحرص عليه حتى تدركه، فإذا أدركت البيان بعد الإجمال كان ذلك أحرى بأن يبقى العلم في نفس الإنسان ولا ينساه، واضح؟ ولهذا نحن لا نؤيد فكرة أن يكون كل شيء موجودًا عند الطالب؛ يعني ما نؤيد أننا نجيب له كتاب ونشرح له كل ما فيه، خلِّ الكتاب به بعض الشيء لأجل الإنسان يستعمل فكره، ولا نؤيد استعمال الطالب للآلات الحاسبة إلا عند الضرورة، ويش الآلات الحاسبة؟ معروفة؛ لأنك إذا تعودتها.
* طالب: لم تُعمِل الفكر وتبلّد.
* الشيخ: تبلّد فكرك، وصار ما تعرف إلا بهذه الآلة، ولا نؤيد أيضًا استعمال الطالب لآلات الفرائض؛ آلات علم الفرائض، فيه آلات الآن كمبيوتر ما تبين لك علم الفرائض، اعرف بس قاعدتها واضرب الأرقام هذه وتحل لك المسألة، تقسم لك أي مال يكون، بدلًا من أن تتعب في قسم التركات وتُراجع كتب الفرضيين استعمل هذه، ولكن ما نعلمكم اللي عنده؛ لأني أخشى بعد تتخذونها، استعملها لو كنت عامي ما تعرف شيئًا من الفرائض أبدًا، بس يوريك كيف تعمل، ثم تجيء بالمال وتكتب على الشاشة، ثم تنغز الأزرَّة وتكتب الورثة، ومع ذلك لو نغزت واحدًا (...) من هادولا ما تطلع اسمه ما تعطيه.
* طالب: ما مذهبها؟
* الشيخ: مذهبها على المشهور عند الحنابلة.
* طالب: حسبما تُعد؟
* الشيخ: حسب، لكن (...) أقول: إني لا أؤيد ذلك؛ لأن الطالب ينبغي أن يدرك العلم بفهمه.
يستفاد من الآية الكريمة أيضًا: إحاطة علم الله تعالى بكل شيء؛ لقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾.
ويستفاد منها: وجوب الحذر من أن يُسِرَّ الإنسان في نفسه ما لا يُرضي ربه من قوله: ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾.
ويستفاد منه: أن هذا القرآن العظيم مثاني بمعنى: تُثنَّى فيه الأمور والمواضيع، فإذا ذُكر أهل الجنة ذُكر أهل النار، وإذا ذُكر الرجاء ذُكر معه الخوف، وهكذا، وقد نص الله على ذلك في قوله: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر ٢٣] وهو هذا القرآن، من أين يؤخذ من هذه الآية؟ لأنه لما حذر قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: الغفور والحليم، وقد ذكرنا فيما سبق أن كل اسم من أسماء الله فهو متضمن؟
* طالب: للصفات.
* الشيخ: للصفة، وهل يتضمن الحكم؟
* طالب: إذا تعدَّى.
* الشيخ: إي، فيه تفصيل، إن كان متعديًا يتضمن الحكم، وإن كان غير متعدٍ لم يتضمن. وهل يدل على أكثر من صفة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، ربما يدل بدلالة الالتزام؛ لأن أنواع الدلالة عندهم ثلاثة: مطابَقة، وتضَمُّن، والتزام، وياسر يضرب لنا مثالًا للمطابقة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: كنت أريد المسألة تعيدها تشرحها.
* الشيخ: مثال ذلك أقرب شيء نمثّل بالمحسوس، أنا عندي الآن بيت، فإذا قلت: هذا بيت فلان، كلمة (بيت فلان) تدل على كل البيت بما فيه من الغُرَف والْحُجر والفُسَح والصالات وما أشبه ذلك، ولَّا لا؟ تدل على مجموعه دلالة مطابقة؛ يعني إذا دل اللفظ على كل معناه فهو مطابقة، وتدل على الحجرة الواحدة والصالة الواحدة والفسحة الواحدة بالتضمن؛ يعني إذا دل اللفظ على جزء معناه فهي دلالة تضمن، وتدل على أن لهذا البيت بانيًا بالالتزام؛ لأن البيت ما يقوم بنفسه لا بد من بانٍ يبنيه تُسَمَّى هذه: التزام؛ يعني دلالة اللفظ على أمر خارج عن مدلوله وهو من لوازمه يسمى (دلالة التزام). بالنسبة لأسماء الله تدل على ذات الله وعلى الصفة التي يتضمنها هذا الاسم، تدل على الأمرين دلالة أيش؟
* الطلبة: دلالة مطابقة.
* الشيخ: دلالة مطابقة، وتدل على الأمر الخارج اللازم لهذا المعنى؛ تدل دلالة التزام، مثل (الخالق) من أسماء الله؛ دلالته على الذات والخلق مطابقة، ودلالته على العلم والقدرة التزام، ودلالته على الخلق وحده أو الذات وحدها تضمن. واضح؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: سبحان الله! واضح؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: الخالق الآن يدل على ذات الله والصفة اللي هي الخلق دلالة مطابقة؛ لأنه دل على كل معناه، ويدل على الذات وحدها وعلى الخلق وحده تضمن؛ يعني معناه إفراد كل واحد عن الآخر، ويدل على العلم والقدرة دلالة التزام، كيف؟ ما يمكن يكون خالقًا إلا وهو عالم قادر، ولَّا لا؟ هل يخلق من لا يقدر؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، هل يخلق من لا يعلم؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، لا بد أن يكون عالمًا قادرًا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢] فذكر العلم وذكر القدرة بعد أن ذكر أنه خَلَق، ولا يمكن أن يكون هناك خَلْق إلا بعلم كيف يخلق وبقدرة على الخلق وإلا (...). ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ إلى آخره [البقرة: ٢٣٦].
يستفاد من هذه الآية الكريمة: جواز طلاق الرجل امرأته قبل أن يمسها؛ لقوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾. وربما يُشعر قوله: ﴿لَا جُنَاحَ﴾ أن الأَوْلى عدم ذلك وأن لا يطلق؛ لأن طلاقه إياها قبل أن يمسها وقد خطبها وقدم لها الصداق فيه شيء على المرأة وغضاضة، وإن كان الإنسان قد يتأمل في أمره وتضطره الأمور إلى الطلاق فإنه لا ينبغي أن يكون متسرعًا متعجلًا.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: إطلاق المسِّ على الجماع؛ لقوله: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾.
ويستفاد منها: أنه يجوز للإنسان أن يتزوج المرأة بلا تسمية مهر، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿أَوْ تَفْرِضُوا﴾ لأنه معطوف على قوله: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ يعني: وما لم تفرضوا لهن فريضة.
وقد اختلف العلماء فيما إذا تزوج المرأة وشرط أن لا مهر لها؛ فمنهم من يرى أن النكاح صحيح والشرط فاسد ولها مهر المثل، ومنهم من يرى أن النكاح غير صحيح، وهذا هو الصحيح أنه إذا شُرط عدم المهر فالنكاح غير صحيح؛ لأن الله اشترط للحِلّ المال؛ قال: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء ٢٤].
والحال لا تخلو من ثلاثة أمور: إما أن يُشرَط المهر ويعيَّن، أو يُسكَت عنه، أو يُشرَط عدمه؛ ففي الحالة الأولى النكاح صحيح ولا إشكال فيه ولا نزاع، وفي الثانية النكاح صحيح ولها مهر الْمِثل إذا سُكت عنه، وفي الثالثة أن يُشرط عدمه موضع خلاف بين أهل العلم.
ويستفاد من الآية الكريمة: وجوب المتعة على من طلَّق زوجته قبل الدخول ولم يسمِّ لها مهرًا؛ لقوله: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾، وهذا بالإجماع أنه إذا طلقها قبل المسيس والخلوة ولم يفرض لها مهرًا فلها المتعة واجبة بالإجماع.
ويستفاد من الآية أيضا: أن العبرة بالمتعة حال الزوج: إن كان موسرًا فعليه قدره، وإن كان معسرًا فعليه قدره؛ لقوله: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾.
ويتفرع على هذه الفائدة يعني فائدة أخرى وهي: امتناع التكليف بما لا يطاق، كيف ذلك؟
* طالب: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾، وهذه القاعدة امتناع التكليف بما لا يطاق دل عليها القرآن في عدة مواضع، منها قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب إذا أمتع زوجته هذا الإمتاع أن يكون بالمعروف؛ أي: بما يقتضيه العرف، بحيث يبذله عن سخاء نفس وبدون مِنَّة؛ لقوله: ﴿مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾.
* ومن فوائدها: أن القيام بهذه المتعة من الإحسان وإن كانت واجبة؛ لقوله: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله عز وجل بشأن النكاح حيث أنزل فيه هذه الآيات الكثيرة المتعددة ولم تتم بعدُ أيضًا؛ لأنه عقد من أخطر العقود، إن لم يكن هو أخطر العقود فإنه من أخطرها.
واستنبط بعض العلماء من هذه الآية أن المعتبَر في الإنفاق حال الزوج لقوله: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ فقاس الإنفاق على الإمتاع، وهذا القياس قد يُقبل وقد لا يُقبل، لكن يغني عنه النص في هذا وهو قوله تعالى في سورة الطلاق: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق ٧].
وظاهر الآية الكريمة: أنه إذا دخل بها ولم يمسها وجب المهر، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾؛ فعلَّق الحكم بالمسيس، وهو الجماع، ولكن الصحابة رضي الله عنهم حكموا بأن الخلوة كالمسيس؛ لأنه استباح منها ما لا يُباح لغير الزوج وهو الخلوة، فإذا خلا بها أو قبّلها أو باشرها لشهوة فهو كالجماع يتقرر به المهر.
* طالب: استنتاج الفائدة من الآية.
* الشيخ: إي، لأنه قال: ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ ثم قال: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾، فظاهره أنه إذا طلقها قبل أن يجامع فإنه ليس عليه متعة مع أن عليه متعة في هذه الحال.
* طالب: إذا خلا بها.
* الشيخ: إذا خلا بها، إذا خلا بها ظاهره أنه أن عليه المتعة، إذا خلا بها وليس عليه المهر كاملًا؛ لأنه علق الحكم ﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾، فعلق وجوب المتعة بحال وهي إذا لم يمسها، فظاهره أنه وإن خلا بها لا يجب لها المهر، واضح؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: ولكن الصحابة حكموا بأن الخلوة كالجماع، وعلى هذا فإذا خلا بها وجب لها المهر دون المتعة، واضح؟
* طالب: مهر المثل، مهر كامل؟
* الشيخ: كامل نعم، المهر كامل.
* الطالب: حتى بدون مسيس ولا جماع.
* الشيخ: إي نعم، بدون مسيس ولا جماع، يجب لها المهر وتجب عليها العدة، ويثبت كل ما يثبت بالجماع.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة ٢٣٧]، وفي قراءة: ﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ ، والمراد به الجماع. ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ أو ﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ أي: من قبل أن تجامعوهن.
وهنا كلمة ﴿قَبْلِ﴾ نجد أنها مجرورة بـ (مِن)، فهي إذن معربة، وإذا كانت معربة فلماذا لم تُنون؟
* الطلبة: للإضافة.
* الشيخ: لأنها مضافة، مضافة إلى أي شيء؟
* طالب: المصدر المؤول.
* الشيخ: لأن أن الداخلة على الفعل تؤول بمصدر؛ أي: من قبل مسِّهن، أو مماسَّتهن على القراءة الثانية.
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ الواو هذه للحال؛ يعني: والحال أنكم قد فرضتم لهن فريضة؛ أي: عيَّنتم لهن مهرًا مسمى؛ مثل أن يتزوجها على ألف درهم معيَّنة ثم يطلقها قبل ذلك؛ قبل أن يمس، هذا فرض المسألة التي ذكر الله عز وجل.
﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ الفاء هذه واقعة في جواب الشرط وهو قوله: ﴿إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾، و﴿نِصْفُ﴾ مبتدأ خبره محذوف، وما تقدير هذا الخبر؟
* طالب: فلهن.
* الشيخ: (فلهن) أو (فعليكم) يصلح هذا وهذا: فلهن نصف ما فرضتم، أو: فعليكم نصف ما فرضتم، ويجوز أن نجعل ﴿نِصْفُ﴾ خبر مبتدأ محذوف ويكون التقدير: فالواجب نصف ما فرضتم.
قوله: ﴿نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ إن كان هذا المفروض يمكن إفراز بعضه عن بعض فُصِل، كما لو كان ألف درهم فيُجعل خمس مئة وخمس مئة، وإن كان لا يمكن إفرازه بقي النصف مشاعًا كما لو كان بعيرًا مثلًا أو سيارة، لو كان سيارة وتزوجها على هذه السيارة ثم طلقها قبل أن يمسها، فكيف نقول له النصف؟ مشاعًا. نقول: له النصف مشاعًا، أي: لها نصف هذه السيارة وله نصفها.
﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ (إلا) استثناء من أعم الأحوال، يعني: فنصف ما فرضتم في كل حال إلا في هذه الحال، وهذا الاستثناء يسمونه الاستثناء من أعم الأحوال؛ يعني كأنه يقول: فنصف ما فرضتم في كل حال إلا في هذه الحال.
﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ (أن) هذه حرف مصدر ينصب الفعل المضارع، والمشكِل أنه لم ينصب؛ لأن الواو موجودة ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾، فهل نقول: إن هذا للضرورة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا ضرورة.
* الطلبة: النون موجودة.
* الشيخ: إي، النون، والواو فاعل! ﴿يَعْفُونَ﴾ فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل!
* طالب: لا يا شيخ النون نون النسوة.
* الشيخ: ها، النون للنسوة، إذن الفعل منصوب لكنه مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، سكون أيش؟ سكون الواو ﴿يَعْفُونَ﴾؛ لأن الواو هذه من الفعل، ولهذا لو وزناه في الميزان الصرفي لكان ميزانه (يَفْعُلْنَ) بخلاف قولك: الرجال يعفون، فإن وزن يعفون؟
* الطلبة: يفعلون.
* الشيخ: لا.
* طالب: يَفْعُونَ.
* الشيخ: وزن يعفون: يَفْعُونَ، صح؟ لأن لام الفعل حُذفت لأجل واو الجماعة، إذن نقول: ﴿يَعْفُونَ﴾ هذه منصوبة، لكنها مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها متصلة بنون النسوة.
﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ الضمير يعود على مَنْ؟ يعود على النساء المطلقات.
* طالب: ما يعود على الأزواج؟
* الشيخ: لا لا، كيف يعود على الأزواج، نحن قلنا: نون نسوة، الأولى يكون النساء.
﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ يعني أو إلا أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح، فإن عفون أو عفا الذي بيده عقدة النكاح، فما الحكم؟ ننظر من هو مستثنى؟ ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾، فإن عفوا فكل ما فرضتم، لكم ولَّا لهن؟
* الطلبة: لكم.
* الشيخ: نشوف، هذا ينبني على ما المراد بقوله: ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾، اختلف المفسرون في هذا والفقهاء أيضًا؛ فقال بعض أهل العلم: إن المراد بـ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ الزوج؛ لأنه هو الذي يملك العقد والطلاق، أرأيت لو قال الولي: زوجتك بنتي، فقال: (هونت ما أبغاها)، ينعقد النكاح؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما ينعقد، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ولو أنه انعقد وقال: قبلت، ثم قال: طلقت، ينفسخ النكاح؟
* طالب: لا ينفسخ.
* الشيخ: ينفسخ، زوجه، إذن من الذي بيده العقدة الآن؟ هو الزوج، وهذا واضح جدًّا أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج، وقيل: إن الذي بيده عقدة النكاح الولي مطلقًا؛ لأنه هو الذي يعقد فيقول للزوج: زوجتك، فحينئذٍ يكون بيده العقدة، وقيل: إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب خاصة بناء على القول بأن الأب يُجبر ابنته، فهو إن شاء عقد وإن شاء لم يعقد بخلاف الأولياء الآخرين لأنهم لا يعقدون إلا بإذن مولياتهم، فيكون الذي بيده عقدة النكاح هو الأب خاصة، إذن ففيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه الزوج، الثاني: أنه الولي مطلقًا، الثالث: أنه الأب خاصة، ولكننا إذا رجعنا إلى ما يقتضيه اللفظ وجدنا أن القول الأول هو الصواب وأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، أليس كذلك؟
وأيضًا إذا جعلناه هو الزوج فقد استفدنا من الآية فائدتين: الفائدة الأولى: العفو من جانب الزوجة، والفائدة الثانية: العفو من جانب الزوج. وإذا جعلنا الذي بيده عقدة النكاح هو الولي مطلقًا أو الأب صار العفو من جانب واحد. ثالثًا: إذا جعلناه الزوج صار الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ يعني فلكم الكل، ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فلهن الكل، ولَّا لا؟ وإذا جعلناه الولي صار المعنى: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فلكم الكل دون النساء، واضح؟ ودلالة الآية على المعنيين أوْلى من دلالتها على معنى واحد، فهذه ثلاثة أوجه تُرجح أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج مع كون اللفظ دالًّا عليه بنفسه دون مرجِّح؛ لأن الأولياء لو جاؤوا كلهم وقالوا: زوجناك أيها الرجل الحبيب الطيب الكريم العالم الشجاع نرغب في أن نزوجك، وجاءت الأم وبنتها وخالتها وعمتها وكل شيء وقالوا: زوجناك، فقال: لا أريد، أيش يكون؟ ما ينعقد، إذن الذي بيده العقدة حقيقة هو الزوج، ولا حاجة لمرجِّح ما دام اللفظ دالًّا عليه، وبناء على ذلك يكون الاستثناء، نعرف الآن الاستثناء: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ فلكم الكل، ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فلهن الكل، صح أوْ لا؟
* طالب: (...) كان.
* الشيخ: أقول: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ مستثنى من قوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾، ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ فلكم الكل ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فلهن الكل، تمام؟
يبقى إشكال فيما إذا كان الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح وأسقط حقه، فكيف نقول: إنه عفا مع أنه هو الْمُعفَى؟ نقول: نعم؛ لأن المفروض أن الزوج قد سلَّم المهر، فإذا سلم المهر بقي عند من؟ عند الزوجة، فإذن عفو الزوج معناه أن لا يطالبها بما قبضت، ولَّا لا؟ بما قبضت.
إذا كان نصف المهر مؤجلًا، فكيف يصح عفو الزوج في هذه الحال؟
* طالب: يعطي مرتين.
* الشيخ: لا، عفو الزوج؟
* طالب: يعطي النصف المؤجل.
* الشيخ: لا، يكون بناءً على الأغلب؛ لأن الآن قصدي أن الزوج يعفو، كيف يعفو وهو ما بعد صار في ذمة زوجته شيء؟ إلى الآن ما سلمها نصف المهر فكيف يصح أن يقول: إلا أن يعفو؟
نقول: إن الآية مبنية على الأغلب، وإنه كان ينبغي أن يكون الصداق معجلًا لا مؤجلًا.
* طالب: مقدم؟
* الشيخ: إي، معجل ومقدم؛ يعني لا مؤجلًا، وعلى هذا فيصح أن يكون الزوج عافيًا بمعنى أنه يسقط ما قبضته المرأة فلا يطالبها به.
وقوله: ﴿بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ كلمة ﴿عُقْدَةُ﴾ ولم يقل: عَقْد، إشارة إلى أن النكاح ربط بين الزوجين، كما تربط العقدة بين أطرافي الحبل.
ثم قال: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ هذا أيضًا مما يرجح أن المراد به الزوج؛ ﴿وَأَنْ تَعْفُوا﴾ أيها الأزواج، ولم يقل: وأن يعفون أقرب للتقوى، بل قال: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا﴾؛ لأن الانكسار الآن من جانب من؟
* الطلبة: الزوجة.
* الشيخ: الزوجة، فإذا عفوت عن حقك أيها الزوج كان ذلك أقرب للتقوى وأجبر لخاطرها؛ لأنه قد يكون في قلبها شيء، لماذا يطلقها قبل أن يدخل بها؟ فقوله: ﴿أَنْ تَعْفُوا﴾ يعني عما تستحقون من المهر إذا طلقتم قبل الدخول، وهو ربعه.
* طالب: نصفه.
* الشيخ: ربعه ولَّا نصفه؟
* الطلبة: نصفه.
* الشيخ: متأكدون؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وهو نصفه، إذا عفوتم عن ذلك فهو أقرب للتقوى.
وهنا قال: ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ولم يقل: فهو تقوى؛ لأن العفو ليس بواجب، لكن هذا يقربكم من التقوى ويكون وسيلة لكم إلى تقوى الله عز وجل فيما يجب تقواه به.
﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ الخطاب هنا ﴿لَا تَنْسَوُا﴾ هل هو خاص بالزوجين؛ الزوج مع الزوجة وأوليائها، أو هو عام؟
* طالب: عام.
* الشيخ: نقول: إن نظرنا إلى لفظه فهو عام، وإن نظرنا إلى سياقه فهو خاص، وإذا جعلناه خاصًّا بمقتضى السياق فإنه يكون عامًّا بالعموم المعنوي؛ لأن هذا التوجيه الكريم من الله عز وجل ليس خاصًّا بهؤلاء، كل الناس بيقول: لا تنسَ الفضل بينك وبين أخيك.
وقوله: ﴿لَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ ﴿تَنْسَوُا﴾ هنا بمعنى: تتركوا؛ لأن النسيان يطلق بمعنى الترك، ويحتمل أن يكون بمعنى النسيان الذي هو الذهول، فيكون المعنى: لا تنشغلوا فيما بينكم مما يحصل بالفراق قبل الدخول، لا تنشغلوا عن نسيان الفضل؛ لأن الإنسان قد ينشغل بالشيء عن الشيء فينساه، فالنسيان إذن يحتمل أن يكون المراد به الترك، ويحتمل أن يكون به الذهول، وكلاهما وارد في اللغة العربية؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر ١٩] وقال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة ٦٧] النسيان هنا بمعنى الترك، وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦] والنسيان هنا بمعنى الذهول، الذهول عن الشيء المعلوم.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه ١١٥].
* الطلبة: يصلح (...).
* الشيخ: أيهم؟ يصلح هذا وهذا؟ إن قلنا: إن النسيان بمعنى الترك فلا إشكال، وإن قلنا: إن النسيان بمعنى الذهول احتجنا إلى جواب على: كيف يعاقبه الله عز وجل مع أنه نسي؟
والجواب على الإشكال الأخير ظاهر كما أجاب به أهل العلم فقالوا: إن عدم المؤاخذة بالنسيان من خصائص هذه الأمة وليس للأمم السابقين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»[[ أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٥) من حديث ابن عباس رضيالله عنهما.]].
هنا ﴿لَا تَنْسَوُا﴾ قلت: يحتمل أن يكون النسيان بمعنى الترك؛ يعني لا تتركوا الفضل بينكم، ويحتمل أن يكون بمعنى النسيان؛ لأن الإنسان في مثل هذه المقامات قد ينشغل فكره وينسى ما نُدب إليه من الفضل.
وقوله: ﴿الْفَضْلَ﴾ قيل: إنه بمعنى الإفضال؛ يعني لا تنسوا أن يُفضِل بعضكم على بعض ويعطيه من الفضل.
فهنا هل نقول للزوج: اعفُ ولا تترك نفسك من الإفضال على الزوجة، أو نقول للزوجة: أسقطي ولا تنسي الفضل بينك وبين الزوج، أو للجميع؟
* الطلبة: للجميع.
* الشيخ: للجميع بحسب الحال؛ قد يكون الزوج معذورًا في الطلاق قبل الدخول، وقد يكون فقيرًا والمرأة غنية فيكون مقتضى الحال أن يكون الإفضال من الزوجة على الزوج، وقد لا يكون هكذا فيكون الإفضال من الزوج على الزوجة.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ختم الآية بهذا الاسم للتحذير من المخالفة؛ فإن الله بصير بكل ما نعمل.
وهل البصر: بصر العين الذي مقتضاه الرؤية، أو البصر: العِلم؛ فيشمل ما يُرى وما يُسمع وما يُعلم؟
* الطلبة: الأخير أشمل.
* الشيخ: نعم، الأخير أعم، والأول فيه احتمال أن المراد بصير بما نعمل بمعنى أنه يراه، لكن تعلمون أن هذا التفسير يقتضي حصر ذلك فيما يُرى فقط، والتفسير الثاني أعم، وإذا وُجد معنيان أحدهما أعم واللفظ محتمل له كان الأخذ به أولى لأنه أشمل.
يستفاد من الآية الكريمة: جواز الطلاق قبل المس مع تعيين المهر، وجهه: أن الله أقر هذه الحال وجعل لها أحكامًا، ولو كانت حرامًا ما أقرها ولا جعل لها أحكامًا.
وعلى هذا فيكون ارتباط الآية بما قبلها ظاهر؛ لأن الآية فيما إذا طُلقت قبل المسيس ولم يُسمَّ لها مهر، وهذه الآية فيما إذا طلقت قبل المسيس وسُمِّي لها مهر، كذا؟
وإن طلقت بعد المسيس؟ إن سُمِّي لها مهر فلها المهر، وإلا فلها المتعة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن تعيين المهر إلى الزوج لا إلى الزوجة؛ لقوله: ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ﴾، فلو تنازع الزوجان فقالت الزوجة للزوج: أعطني ما شئت، وقال الزوج لها: افرضي ما شئتِ، تحجه بهذا وتقول: أنت اللي موكل لك الأمر. نعم، تحجه تقول له: أنت الذي لك الفرض. ولكن إذا أبت بما فرض؟
* الطلبة: ليس لها.
* الشيخ: ليس لها ذلك؟ لا، لها ذلك، ما يمكن نجبرها بمهر لا ترضاه.
* طالب: شيخ، (...) الآية ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾.
* الشيخ: إي نعم، لكن إذا فرض لها عشرة آلاف قالت: ما يكفي؟
* طالب: يعني قبل عقدها؟ قبل العقد؟
* الشيخ: قبل قبل، إي، قبل العقد هي بالخيار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب نصف المهر إذا طلقها قبل الدخول وقد فرض لها مهرًا؛ لقوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾.
* ومن فوائدها: جواز إسقاط المرأة المهر عن الزوج أو بعضه؛ لقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾.
ومن فوائده: جواز تصرف المرأة في مالها؛ لقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾، ولكن هذا مشروط بما إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة كما تدل عليه آيات أخرى، فإن لم تكن كذلك فلا تملك هذا.
وهل نقول: عمومه يقتضي جواز عفوها وإن كانت مدينة لقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾؟
* طالب: لا يملك الحق (...).
* الشيخ: أو نقول: إذا كانت مدينة فليس لها أن تعفو، فالآية ظاهرها العموم ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ وليس هذا معاوضة حتى نقول: إن هذه المرأة أخذت من مالها ما يضر بالغرماء، بل هذا عِوض جديد مقابل باستمتاع الرجل بالزوجة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز عفو الزوج عما يبقى له من المهر إذا طلق قبل الدخول؛ لقوله: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فإن قلنا: إنه الولي مطلقًا أو الأب صار عندنا إشكال، ما هو؟
هو أن الولي لا يملك التبرع ولا الإسقاط لمال موليه، انتبه للقاعدة، الولي سواء كان وليًّا على مال يتيم أو على مال سفيه لا يملك التبرع ولا الإسقاط؛ لأن ذلك ليس من حظ اليتيم أو السفيه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام ١٥٢]، ولهذا المسألة مشكلة من الناحية المالية على قول من يقول: إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي مطلقًا، ليش؟
لأن الولي لا يملك العفو عما استحقته موليته، أفهمتم؟ أما إذا كان الأب فالأب فيه خلاف، هل يملك إسقاط الدَّين الذي لولده أو لا يملكه؟
فمن أهل العلم من قال: يملك إسقاط الدَّين الذي لولده، ومنهم من قال: لا يملك، والراجح أنه يملك؛ لأنه إذا كان يملك تملُّك العين الذي في يد الولد فله أن يملك إسقاط الدَّين الذي له من باب أولى؛ لأن تعلق نفس الولد بالمال الذي بيده أقوى من تعلقها بالدَّين، فإذا كان يملك يأخذ ماله من بين يديه فله أن يُسقط دينه عمن هو عليه، وعلى هذا لا إشكال إذا قلنا بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب، لكن سبق لنا أن هذا قول ضعيف، وعلى هذا فتنزع هذه الفائدة؛ لأنها مبنية على قول مرجوح (...) حتى مع الدَّين، الآية قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ ظاهرها جواز العفو حتى مع الدَّين؛ يعني حتى ولو كان على الإنسان دين فإنه يجوز أن يعفو، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، اختلف العلماء في جواز تبرع الإنسان في ماله أو بشيء من ماله إذا كان عليه دَين يستغرق؛ فالمشهور من مذهبنا مذهب الحنابلة أنه يجوز أن يتبرع الإنسان بشيء من ماله وإن كان عليه دَين يستغرق ما لم يُحجر عليه، فإن حُجِر عليه فإن التصرف ممنوع كما هو ظاهر، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يصح تبرعه بشيء من ماله مع الدَّين المستغرق لتعلق حق الغرماء به، وقوله هو الصواب وأنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من ماله (...).
من المعلوم أن الواجب أهم من التطوع، وإذا كان بعض أهل العلم يُسقِط الزكاة الواجبة في المال إذا كان على الإنسان دين مع وجوب الزكاة، فالتبرع من باب أولى؛ لأن الواجب لا يسقط إلا إذا كان التصرف محرمًا، وعلى هذا فيكون حتى على قاعدة المذهب لا يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من ماله مع دين يستغرق، ولكن قد يقال: إنه يُعفى عن الشيء اليسير الزهيد كالدرهم والدرهمين؛ لأن كثيرًا من الناس اليوم عليهم ديون أكثر مما في أيديهم من الأموال ويأتي السائل فيعطونه الدرهم والدرهمين وما أشبه ذلك، فهل نقول: إنهم آثمون؟ في القلب من هذا شيء، ولكن لا شك أنهم مخطئون وأن تصرفهم هذا غير سليم؛ هذا الدرهم الذي تعطيه لهذا السائل أعطِه نفسك أولًا لأنك محتاج، فإذا أوفيت دينك فبعد هذا تصدق بما شئت؛ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ»[[أخرجه مسلم (٩٩٧ / ٤١) من حديث جابر.]] كما قال النبي عليه الصلاة والسلام قبل كل شيء، قد يقول: هذا درهم أو درهمين ما هو بنافع ولا هو بضار، نقول له: ما تقول في قطرات الماء ينزل من السماء هل تسيل به الأودية؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وهي قطرة واحدة، هذا الدرهم وفره اليوم والدرهم الثاني وفره غدًا، وتوفر في السنة ثلاث مئة وأربعة وخمسين درهمًا، نِعمة، فعلى هذا نقول: إنه من الحكمة والعقل والدين أن الإنسان الذي عليه دَين يستغرق يجمع ما يُحصّل في قضاء دينه.
يستفاد من الآية الكريمة: أن النكاح من العقود؛ لقوله: ﴿عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾.
ويترتب على هذه الفائدة: جواز التوكيل فيه؛ «لأن النبي ﷺ وكّل في العقود عروة بن الجَعْد، وكَّله في شراء أضحية له »[[أخرجه البخاري (٣٦٤٢) من حديث عروة بن الجعد.]]، فيجوز أن يوكل الإنسان من يتزوج له، ولكن كيف يكون عقد النكاح إذا كان الإنسان وكيلًا للزوج، هل يقول الولي له: زوجتُك بنتي، فيقول: قبلت؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، ما يصلح. هل يقول: زوجت موكلك بنتي فيقول: قبلت لموكلي؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لا.
* طالب: يُعيِّنه.
* الشيخ: لازم يعيّنه، يقول: زوجت موكلك فلانًا ابنتي فلانة، فيقول: قبلت النكاح لموكلي، وهذه المسألة كلمة: لموكلي، يرى بعض الفقهاء أنه يجب أن يقول: لموكلي، وبعض العلماء يقول: لا يجب اكتفاءً بالإيجاب، ويش هو الإيجاب؟ الإيجاب هو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه، والقبول هو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه، فإذا قال: زوّجت ابنتي فلانة موكلك فلانًا فقال: قبلت، يعني؟ أقول: يعني لمن؟
* طالب: قبلت لموكلي.
* الشيخ: لموكلي، لكن ذكر الموكل في القبول أولى، يقول: قبلت لموكلي فلان، واضح؟
إذا كان الولي هو الذي وكّل فكيف يقول؟ يقول: زوجتك بنت موكلي فلانٍ فلانةَ.
* طالب: أو وليها، يعني يكون لها ولي؟
* الشيخ: فلانةَ، فيقول ذاك الزوج: قبلت، ولَّا لا؟
طيب، هل يثبت لهذا العقد ما يثبت لعقد البيع من الخيار؛ خيار المجلس أو خيار الشرط؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: خيار المجلس لا يثبت؛ لأن الرسول ﷺ يقول: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٧٩) ومسلم (١٥٣٢ / ٤٧) من حديث حكيم بن حزام. ]]، ولا يصح قياس النكاح على البيع؛ لأن النكاح غالبًا إنما يصدر بعد تروٍّ دقيق ونظر وبحث، بخلاف البيع فقد يصدر عن عجلة وعن حرص على الربح بدون أن يتروَّى الإنسان، واحتياط الإنسان لعقد النكاح أشد من احتياطه للبيع، وهذا ظاهر؛ لأن البيع يقول: إذا ما جازت لي أرجع، أبيعها، لكن المشكلة الزوجة، ولهذا ليس فيه خيار مجلس -أعني النكاح- لكن هل فيه خيار شرط؟
* طالب: لا، ما فيه.
* طالب: فيه شرط.
* الشيخ: المذهب لا خيارَ فيه، ليس فيه خيار الشرط، واختار شيخ الإسلام أنه يجوز خيار الشرط في النكاح لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٢١) ومسلم (١٤١٨ / ٦٣)، واللفظ للبخاري، من حديث عقبة بن عامر.]]. وعندي أن خيار الشرط بالنسبة للزوج غير وارد، ليش؟ لأن النكاح في حقه جائز متى شاء طلق، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذن هو في غِنى عن الشرط، لكن الزوجة هي التي تحتاج إلى الشرط، والصحيح أنه جائز، فيقول: زوجتك ابنتي بشرط الخيار لمدة سنة، كذا؟ الخيار لها، العقد تام الآن، لكن لها الخيار إذا شاءت أن ترد العقد، أو ما يقع كثيرًا بشرط الخيار لها في جلوسها مع أهلك؛ لأن بعض الناس قد يكون أهله عندهم سوء عِشرة، ويزوجوه منه (...) بيقولون: بشرط أنه إذا لم يطب لها المقام مع أهلك فلها الخيار، فالمهم أن العلماء مختلفون في خيار الشرط في النكاح؛ المذهب: لا يصح، واختار شيخ الإسلام أن ذلك صحيح، وهو مستفاد من كلمة ﴿عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: استحباب أو الحث، أو بعبارة أصح: الترغيب في العفو، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ وهذا شامل لكون العفو نفسه مقرِّبًا للتقوى، ولكون العفو أيضًا سببًا للتقوى؛ فالإنسان الذي يعفو عن عباد الله يعفو الله عنه، وإذا عفا الله عنك فإن ذلك يكون سببًا بتقواك الله عز وجل؛ لأن مدار التقوى على الإيمان، وكلما عفا الإنسان عن عباد الله مبتغيًا بذلك وجه الله ازداد إيمانه فازدادت تقواه.
هل يستفاد من هذه الآية: أن الأعمال تتفاضل؟
* الطلبة: نعم، ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾.
* الشيخ: نعم، لكن هل يستفاد منها أن الأعمال تتفاضل؟
* الطلبة: نعم، هذه واضحة.
* طالب: الذي يعفو أفضل من الذي ليس يعفو، لفظ تفضيل ﴿أَقْرَبُ﴾، ﴿أَقْرَبُ﴾ لفظ تفضيل.
* الشيخ: إي نعم، هذه نعم يستفاد منها أن الناس يختلفون في القرب من التقوى، لكن هل يفيد أن الأعمال بعضها أفضل من بعض، أو يفيد أن الإيمان بعضه أعلى من بعض؟ هذا هو الظاهر، كلما ازداد الإنسان إيمانًا ازداد تقوى، وكلما كان إلى التقوى أقرب كان إلى الإيمان أقرب. إذن فيُستفاد منه أن الناس يتفاضلون في الإيمان، وهذا هو القول الراجح بلا شك، والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، هل الذي يزيد وينقص هو إقرار القلب، أو قول اللسان، أو عمل الجوارح؟
* الطلبة: الكل.
* الشيخ: الكل، إقرار القلب يزيد بلا شك يتفاضل، وأقوال اللسان تتفاضل، وأفعال الجوارح تتفاضل، كذا؟ أما تفاضل أعمال الجوارح فظاهر؛ فالمصلي أربع ركعات أزيد من المصلي ركعتين، وأقوال اللسان كذلك؛ فالذاكر اللهَ عشر مرات أفضل من الذاكره خمس مرات، لكن كيف يتفاضل الإيمان في القلب؟
نقول: نعم، يتفاضل؛ لأن زيادة اليقين لها سبب، ولَّا لا؟ فإذن كلما ازداد اليقين كان أقوى في الإيمان وهو يتفاضل، أنا عندما يخبرني رجل ثقة في خبر ويكون عندي شيء من العلم، إذا أخبرني آخر بهذا الخبر ازداد علمي ولَّا لا؟
* طلبة: ازداد علمي.
* الشيخ: ازداد علمي ويقيني، وهكذا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر ٣١] فالزيادة ثابتة في القرآن.
بعض العلماء يقول: أثبت الزيادة ولا تُثبت النقص، ما قولكم في هذا؟
* الطلبة: ما يستقيم.
* الشيخ: هذا غير صحيح، ليش؟
* الطلبة: لا زيادة إلا بنقص.
* الشيخ: لا زيادة إلا بنقص؛ إذ إن الزيادة يقابلها النقص، فمثلًا إذا قلنا: هذا زائد على هذا لزم أن يكون الثاني المزيد عليه ناقصًا، ولهذا الصواب أنهما متلازمان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن لا ينسى الفضل مع إخوانه في معاملته؛ لقوله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ لا تنسَ أن يكون لك الفضل عليهم، ولهذا جاء في الحديث: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا قَضَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى»[[أخرجه البخاري (٢٠٧٦) بلفظ: «رَحِمَ اللَّهُ رجلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وإذا اقْتَضَى» من حديث جابر .]] (...).
فإن هذا فيه من حسن المعاملة ما هو ظاهر، والدين الإسلامي يحث على حسن المعاملة، وعلى حسن الخلق، وعلى البر كله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إحاطة عِلم الله تعالى وبصره بكل شيء مما نعمله؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن فيها ترغيبًا في العمل الصالح وترهيبًا من العمل السيئ؛ لأن ختم الآية بهذه الجملة معناه: احرصوا على العمل الصالح فإنه لن يضيع، واحذروا من العمل السيئ فإنكم تجازون عليه؛ لأن الكل معلوم عند الله سبحانه وتعالى.
* الطالب: قلتم يا شيخ إن خيار الشرط غير وارد للزوج؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: بالنسبة للمهر الذي دفعه للزوجة لو اشترط يعني يعود إليه المهر، أما إذا لم يشترط لا يعود؟
* الشيخ: لو كان يعود عليه المهر كان صحيح يستفيد من الشرط، لكن الظاهر أنه ما يعود عليه المهر لعموم الحديث ذكرناه، لها المهر بما استحل من فرجها.
* الطالب: إذن ما صار (...).
* الشيخ: ولهذا هو الحقيقة مشكلة، إلا إذا قلنا بأنه يعود، لكن العلماء كلهم يكادون مُطبقين على أنه يستقر المهر بالدخول.
* الطالب: إذن ما صار (...).
* الشيخ: هو هذا اللي (...)، والشيخ صرح رحمه الله بأنه يجوز شرط الخيار لهما أو لأحدهما، فبالنسبة للزوجة ظاهر، بالنسبة للزوج ما له مصلحة إلا مثل ما قلت، إذا قلنا: بأنه يعود عليه المهر، أو إذا قلنا: بأنه يعود عليه نصف المهر قبل الدخول، وإلا فالفائدة قليلة.
* طالب: والزوجة يعود لها أيش؟ الزوجة يعود لها؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: إذا اختارت الطلاق في ها السنة هذه، اختارت الفراق مع (...) يعود لها المهر؟
* الشيخ: المهر لها ثابت.
* الطالب: ثابت؟
* الشيخ: ثابت بالدخول.
* الطالب: ما يدخل فيه يعني الإجحاف؟
* الشيخ: هو اللي اشترط، هو الذي رضي بذلك.
* الطالب: لكن ربما تختار الفراق ثم يطيب لها المقام يعني؟
* الشيخ: لا، كيف ما دام اشترط لها إلا إذا قالت الشرط عيّنته، إذا لم تستقم الحال مع أهلك، وهذا هو الأحسن يعني كونه يكون شرطًا مطلقًا حتى في النفس منها شيء؛ لأنه قد يكون شبيهًا بنكاح المتعة، فالأوْلى أن يقيد هذا الرأي بكونه تشترط المرأة الخيار في شيء لها فيه غرض كسوء العشرة منه أو من أهله.
* الطالب: ولا يجوز أنه يقول: إن اخترتِ الفراق يرجع المهر؟
* الشيخ: لا، ما يجوز؛ لأنه خلاف الشرع، إذا دخل بها فلها المهر (...).
{"ayahs_start":234,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰجࣰا یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرࣲ وَعَشۡرࣰاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ","وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَاۤءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّاۤ أَن تَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰاۚ وَلَا تَعۡزِمُوا۟ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ ٱلۡكِتَـٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمࣱ","لَّا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُوا۟ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَـٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِینَ","وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوۤا۟ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"],"ayah":"وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوۤا۟ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق