الباحث القرآني
ولَمّا نُفِيَ الجُناحُ بِانْتِفاءِ المَسِيسِ والفَرْضِ فَأفْهَمَ أنَّهُما إذا وُجِدا وُجِدَ الجُناحُ بِوُجُوبِ المَفْرُوضِ كُلِّهِ أتْبَعَهُ ما إذا انْتَفى أحَدُهُما فَقَطْ فَذَكَرَ الحُكْمَ عِنْدَ انْتِفاءِ المَسِيسِ وحْدَهُ صَرِيحًا في ضِدِّ المُفَوَّضَةِ السّابِقَةِ وأفْهَمَ بِذَلِكَ ما إذا انْتَفى الفَرْضُ وحْدَهُ تَلْوِيحًا فَقالَ: ﴿وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ أيِ الزَّوْجاتِ ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ أيْ تُجامِعُوهُنَّ سَواءٌ كانَتْ هُناكَ خَلْوَةٌ أوْ لا ﴿وقَدْ﴾ أيْ والحالُ أنَّكم ﴿فَرَضْتُمْ﴾ أيْ سَمَّيْتُمْ ﴿لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أيْ مَهْرًا مُقَدَّرًا ﴿فَنِصْفُ﴾ أيْ فالمَأْخُوذُ نِصْفُ ﴿ما فَرَضْتُمْ﴾ أيْ سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مِنَ الصَّداقِ لا غَيْرَ.
ولَمّا أوْجَبَ لَها ذَلِكَ بَعَثَها عَلى تَرْكِهِ لِأنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَنْتَفِعْ مِنها بِشَيْءٍ بِالتَّعْبِيرِ بِالعَفْوِ فَقالَ: ﴿إلا أنْ يَعْفُونَ﴾ أيِ النِّساءُ فَإنَّ النُّونَ ضَمِيرُهُنَّ والواوَ لامُ الفِعْلِ فَلا يُؤْخَذُ مِنكم شَيْءٌ ﴿أوْ يَعْفُوَ الَّذِي (p-٣٥٦)بِيَدِهِ﴾ أيْ إلَيْهِ ولَكِنْ لَمّا كانَ أغْلَبُ الأعْمالِ بِاليَدِ أُسْنِدَتْ كُلُّها إلَيْها فَصارَتْ كِنايَةً عَنِ القُدْرَةِ ﴿عُقْدَةُ النِّكاحِ﴾ وهو الزَّوْجُ الَّذِي إنْ شاءَ أبْقاها وإنْ شاءَ حَلَّها فَيُسْمَحُ لَها بِالجَمِيعِ كانَ التَّعْبِيرُ بِهَذا هَزًّا لِلزَّوْجِ إلى العَفْوِ في نَظِيرِ ما جُعِلَ إلَيْهِ مِن هَذا دُونَها.
قالَ الحَرالِيُّ: إذا قَرَنَ هَذا الإيرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٥] خِطابًا لِلْأزْواجِ قَوِيَ فَسَّرَ مَن جَعَلَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكاحِ هو الزَّوْجُ مُعادَلَةً لِلزَّوْجاتِ، ومَن خَصَّ عَفْوَهُنَّ بِالمالِكاتِ أيِ الرّاشِداتِ خَصَّ هَذا بِالأوْلِياءِ فَكانَ هَذا النَّمَطُ مِنَ التَّهْدِيفِ لِلِاخْتِلافِ لَيْسَ عَنْ سَعَةِ إيهامٍ وكَأنَّهُ عَنْ تَبْقِيَةٍ بِوَجْهٍ ما مِن نِهايَةِ الإفْصاحِ فَمَنشَأُ الخِلافِ فِيهِ دُونَ مَنشَأِ الخِلافِ مِن خِطاباتِ السَّعَةِ بِالإيهامِ - انْتَهى.
وجَعَلَ الإمامُ هَذا مَفْهُومًا مِنَ التَّعْبِيرِ بِالعُقْدَةِ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى المَفْعُولِ كالأكْلَةِ واللُّقْمَةِ والَّذِي بِيَدِهِ ذَلِكَ الزَّوْجُ والَّذِي بَيْدَ الوَلِيِّ العَقْدُ وهو المَصْدَرُ كالأكْلِ واللَّقْمِ لا العُقْدَةُ الحاصِلَةُ بَعْدَ العَقْدِ ﴿وأنْ تَعْفُوا﴾ أيُّها الرِّجالُ والنِّساءُ ﴿أقْرَبُ﴾ أيْ مِنَ الحُكْمِ بِالعَدْلِ الَّذِي هو السَّواءُ.
ولَمّا كانَ المَقامُ لِلتَّرْغِيبِ عَبَّرَ بِاللّامِ الدّالَّةِ عَلى مَزِيدِ القُرْبِ دُونَ (p-٣٥٧)إلى فَقالَ: ﴿لِلتَّقْوى﴾ أمّا مِنَ المَرْأةِ فَلِأجْلِ أنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَنَلْ مِنها شَيْئًا ولا حَظِيَ بِطائِلٍ فَهو أقْرَبُ إلى رِضاهُ، وأمّا مِنَ الرَّجُلِ فَلَمّا أشارَ إلَيْهِ بِجَعْلِ العُقْدَةِ بِيَدِهِ فَإنَّهُ كَما رَبَطَها بِاخْتِيارِهِ حَلَّها بِاخْتِيارِهِ فَدَفَعَهُ الكُلُّ أقْرَبَ إلى جَبْرِ المَرْأةِ ورِضاها، ومَن فَعَلَ الفَضْلَ كانَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ أقْرَبَ إلى أنْ يَفْعَلَ الواجِبَ بِمَن لَمْ يَفْضُلْ.
ولَمّا كانَ العَفْوُ فَضْلًا مِنَ العافِي وإحْسانًا لَها مِنهُ وكانُوا إنَّما يَتَفاخَرُونَ بِالفَضائِلِ أكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْسَوُا﴾ أيْ تَتْرُكُوا تَرْكَ المَنسِيِّ، والتَّعْبِيرُ بِالنِّسْيانِ آكَدُ في النَّهْيِ ﴿الفَضْلَ﴾ أيْ أنْ تَكُونُوا مُفَضَّلِينَ في جَمِيعِ ما مَضى لا مُفَضَّلًا عَلَيْكُمْ، فَإنَّ اليَدَ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وزادَهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ أيْ حالَ كَوْنِهِ واقِعًا فِيكم مِن بَعْضِكم لِبَعْضٍ لَيْسَ شَيْءٌ مِنهُ خارِجًا عَنْكُمْ، ولَنْ يَنالَ اللَّهَ مِنهُ شَيْءٌ لِأنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَما أمَرَكم بِهِ إلّا لِنَفْعِكم خاصَّةً، لِئَلّا يَتَأذّى الزَّوْجُ (p-٣٥٨)بِبَذْلٍ لَمْ يَنْتَفِعْ في مُقابِلِهِ مِنَ المَرْأةِ بِشَيْءٍ، ولا المَرْأةُ بِطَلاقٍ لَمْ يَحْصُلْ لَها في نَظِيرِ ما يَلْحَقُها مِنَ الكَسْرِ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ، وهو يَصِحُّ أنْ يَكُونَ بِالتَّغْلِيبِ خِطابًا لِلْقَبِيلَيْنِ.
وخَصَّهُ الحَرالِيُّ بِالرِّجالِ فَقالَ: فَمِن حَقِّ الزَّوْجِ الَّذِي لَهُ فَضْلُ الرُّجُولَةِ أنْ يَكُونَ هو العافِيَ وأنْ لا يُؤاخِذَ النِّساءَ بِالعَفْوِ، ولِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ في الخِطابِ أمْرٌ لَهُنَّ ولا تَحْرِيضٌ، فَمِن أقْبَحِ ما يَكُونُ حَمْلُ الرَّجُلِ عَلى المَرْأةِ في اسْتِرْجاعِ ما آتاها بِما يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: ﴿وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] فَيَنْبَغِي أنْ لا تَنْسَوْا ذَلِكَ الفَضْلَ فَتَجْرُونَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ تُلْزَمُوا بِهِ - انْتَهى.
(p-٣٥٩)ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ أيْ وإنْ دَقَّ ﴿بَصِيرٌ﴾ وأفْهَمَ ذَلِكَ: وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ بَعْدَ المَسِيسِ وقَبْلَ الفَرْضِ فَجَمِيعُ مَهْرِ المِثْلِ.
{"ayah":"وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوۤا۟ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











