الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ولَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أزْواجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ ولَدٌ فَإنْ كانَ لَهُنَّ ولَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أوْ دَيْنٍ ولَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ ولَدٌ فَإنْ كانَ لَكُمْ ولَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أوْ دَيْنٍ وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأَةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ فَإنْ كانُوا أكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وصِيَّةً مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: ١٢].
بعدَما ذكَرَ اللهُ مِيراثَ الأولادِ والوالدَيْنِ، ذكَرَ مِيراثَ الزوجَيْنِ بعضِهما مِن بعضٍ، والزوجانِ يَرِثانِ بالفرضِ مِن غيرِ رَحِمٍ بينَهما، ولا نظيرَ لهما في أصحابِ المواريثِ في هذا، وذلك لأنّ صِلَةَ الزوجيَّةِ وثيقةٌ، فجعَلَها اللهُ شبيهةً بالرحِمِ في الميراثِ.
أحوالُ ميراثِ الزوجَيْنِ:
وجعَلَ اللهُ ميراثَ الزوجِ مِن الزوجةِ على حالتَيْنِ:
الأُولى: إن كان للزوجةِ ولدٌ ولو مِن غيرِه، فله الربُعُ ممّا ترَكَتْ زوجتُه.
الحالةُ الثانيةُ: إن لم يكنْ لها ولدٌ، فله النِّصْفُ ممّا ترَكَتْ.
وجعَلَ اللهُ ميراثَ الزوجةِ مِن زوجِها على حالتَيْنِ:
الأُولى: إنْ كان للزوجِ ولدٌ ولو مِن غيرِها، فلها الثُّمُنُ ممّا تَرَكَ.
الثـا&#١٣٣،نيةُ: إنْ لم يكنْ له ولدٌ، فلها الربُعُ ممّا تَرَكَ.
وإنْ تعدَّدَتِ الزوجاتُ، فهُنَّ شريكاتٌ في هذا الفرضِ: الرُّبُعِ أو الثمُنِ، الزوجةُ والزوجتانِ والثلاثُ والأربعُ.
وجعَلَ اللهُ ذلك كلَّه بعدَ الوصيَّةِ والدَّيْنِ، فقال في ميراثِ الزوجةِ: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أوْ دَيْنٍ﴾، وقال في ميراثِ الزوجِ: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أوْ دَيْنٍ﴾.
ولا خلافَ أنّ الدَّيْنَ مقدَّمٌ على الوصيَّةِ، وأنّ الوصيَّةَ مقدَّمةٌ على الميراثِ.
ولا خلافَ أنّ حُكْمَ أولادِ البنينَ كحُكْمِ أولادِ الصُّلْبِ.
معنى الكَلالَةِ:
وقولُه تعالى: ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً﴾ والكلالةُ مِن الإكليلِ الذي يُحِيطُ بالرأسِ مِن جوانِبِه، فكأنّ الورَثَةَ الذين يَرِثُونَهُ هم حَواشِيهِ، أيْ: جوانِبُه، لا أصولُهُ وهم أبواهُ وإنْ علَوْا، ولا فروعُهُ وهم أبناؤُهُ وإنْ نزَلُوا.
فهي مَصْدَرٌ مِن قولِهم: تكلَّلَهُ النَّسَبُ تكلُّلًا وكَلالةً، بمعنى: تعطَّفَ عليه النَّسَبُ.
وبهذا فسَّرَها أبو بكرٍ وعمرُ، كما روى الشَّعْبيُّ، عن أبي بكرٍ الصدِّيقِ: أنّه سُئِلَ عن الكَلالَةِ، فقال: أقولُ فيها برَأْيِي، فإنْ يكُنْ صوابًا فمِن اللهِ، وإنْ يكنْ خطأً فمني ومِن الشيطانِ، واللهُ ورسولُهُ بريئانِ منه، الكلالةُ: مَن لا ولَدَ له ولا والِدَ، فلمّا ولِيَ عمرُ، قال: إنِّي لَأَسْتَحْيِي أنْ أُخالِفَ أبا بكرٍ في رأيٍ رآهُ، رواهُ ابنُ جريرٍ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (٦/٤٧٥)، و«تفسير ابن كثير» (٢/٢٣٠).]]، ورواهُ طاوسٌ، عن ابنِ عبّاسٍ، عن عمرَ، أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٦/٤٨٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٨٨٧).]].
وبهذا قال عليٌّ وابنُ مسعودٍ وزيدُ بنُ ثابتٍ وابنُ عبّاسٍ وأهلُ المدينةِ والعراقِ والفقهاءُ السبعةُ والأئمَّةُ الأربعةُ، وحَكى بعضُ الأئمَّةِ الإجماعَ على هذا.
روى أبو إسحاقَ، عن سُلَيْمِ بْنِ عَبْدٍ السَّلُولِيِّ: أنّهم اتَّفَقُوا على هذا، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (٦/٤٧٨)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٥٩٤).]].
ميراثُ الكَلالَةِ:
واللهُ قد ذكَرَ ميراثَ الإخوةِ الأشقّاءِ والإخوةِ لأبٍ في آيةِ الكَلالةِ، فللأُخْتِ الواحدةِ مِن أخِيها النِّصْفُ، وللاثنتَيْنِ منه الثلُثانِ، والأخُ يَرِثُها إنْ لم يكُنْ لها ولَدٌ، وهذا يختلِفُ عن حُكْمِ الإخوةِ في هذه الآيةِ، فدَلَّ على أنّ الإخوةَ في آيةِ البابِ هم الإخوةُ لأمٍّ، وأنّ حُكْمَ الإخوةِ هنا غيرُ حُكْمِ الإخوةِ هناك، ولا نَسْخَ بينَ الآيتَيْنِ.
ورُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ ما يُخالِفُ ذلك: أنّه مَن لا والِدَ له فقطْ.
والصحيحُ عنه: ما يُوافِقُ الخلفاءَ، فإنّ الآيةَ فسَّرَتْ معنى الكلالةِ في قولِه: ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأَةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ﴾، فذكَرَ مَن يَرِثُهُ، وهم الإخوةُ، وهذا لا يكونُ إلا عندَ فقْدِ الأصلِ وهو الوالدُ، والفروعِ وهي الأبناءُ والبناتُ.
وقولُه تعالى: ﴿ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ﴾ والمقصودُ بالأخِ والأختِ هنا هو مِن الأمِّ بالإجماعِ، قرَأَها سعدٌ: (أختٌ لأمٍّ)[[«تفسير الطبري» (٦/٤٨٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٨٨٨).]]، ورواهُ قتادةُ عن أبي بكرٍ[[«تفسير ابن كثير» (٢/٢٣٠).]].
مخالفةُ الإخوةِ لأمٍّ لبقيَّة الإخوة:
والإخوةُ مِن الأمِّ يُخالِفونَ غيرَهم مِن الإخوةِ مِن وُجُوهٍ:
أوَّلُـهـا: أنّهم يَرِثُونَ مع مَن أدْلَوْا به، وهي الأمُّ.
ثـانيها: أنّ ذُكُورَهم وإناثَهم في الميراثِ سواءٌ، فقد رَوى يونُسُ، عن الزُّهريِّ، قال: «قَضى عمرُ أنّ ميراثَ الإخوةِ مِن الأمِّ بينَهم للذَّكَرِ مِثلُ الأُنثى»، قال الزهريُّ: «ولا أرى عمرَ قَضى بذلك، حتى عَلِمَ بذلك مِن رسولِ اللهِ ﷺ، ولهذه الآيةِ التي قال اللَّهُ تعالى فيها: ﴿فَإنْ كانُوا أكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ﴾»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٨٨٨).]].
ويستوي الإخوةُ مِن الأمِّ في الميراثِ ذكورًا وإناثًا، لأنّهم يُدْلُونَ بالرَّحِمِ فقط.
ثالثُها: أنّهم لا يَرِثُونَ إلاَّ في الكلالةِ ممَّن مات، وليس له أبٌ ولا فروعٌ، فلا يَرِثُونَ مع الأبِ والأولادِ وأولادِ الأبناءِ.
رابعُهـا: أنّهم لا يَزيدونَ في ميراثِهم على الثلُثِ مهما كَثُرُوا.
الإضرارُ بالوصيَّةِ:
وقولُه: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ﴾ نهيٌ عن المُضارَّةِ في الدَّيْنِ والوصيَّةِ، وقد اختُلِفَ في عمومِ النهيِ عن الإضرارِ، لإتيانِه بعدَ جُمَلٍ، فهل يشمَلُها جميعًا أو يختصُّ بآخِرِها؟:
جمهورُ العلماءِ: على أنّ الصفةَ إذا جاءتْ عَقِبَ جُمَلٍ، فإنّها تشمَلُ جميعَها، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ.
وجعَلَها أبو حنيفةَ وأصحابُه خاصَّةً بالأخيرِ منها، وهي الوصيَّةُ.
وعلى القولَيْنِ: فالآيةُ تتضمَّنُ نهيًا عن الإضرارِ بالوصيَّةِ والجورِ فيها بالإجماعِ، كمَن يَحْرِمُ بعضَ الورثةِ، أو مَن يخُصُّ بعضَ الورثةِ، فلا وصيَّةَ لوارثٍ، أو مَن يُوصِي بأكثَرَ مِن الثلُثِ، أو يُوصِي بأقلَّ مِن ذلك ولكنَّ على الورثةِ الضررَ بالوصيَّةِ، لكثرتِهم أو لفَقرِهم، أو مَن يُوصِي بحَرامٍ.
وروى عِكْرِمةُ، عن ابنِ عبّاسٍ، موقوفًا ومرفوعًا: (الإضرارُ في الوصيَّةِ مِن الكبائرِ) [[«تفسير ابن المنذر» (٢/٥٩٨)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٨٨٨).]].
والموقوفُ أصحُّ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٩٣٣).]].
ورُوِيَ عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإذا أوْصى، حافَ فِي وصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النّارَ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ)[[أخرجه أحمد (٧٧٤٢) (٢/٢٧٨)، وابن ماجه (٢٧٠٤) (٢/٩٠٢).]].
الوصيَّةُ للوارثِ:
والوصيَّةُ للوارثِ غيرُ جائزةٍ على الصحيحِ، لما جاءَ في «المسنَدِ»، و«السُّننِ»، قال ﷺ: (إنَّ اللهَ قَدْ أعْطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وصِيَّةَ لِوارِثٍ)[[أخرجه أحمد (٢٢٢٩٤) (٥/٢٦٧)، وأبو داود (٢٨٧٠) (٣/١١٤)، والترمذي (٢١٢٠) (٤/٤٣٣)، وابن ماجه (٢٧١٣) (٢/٩٠٥).]].
وهذا قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، خلافًا للشافعيِّ في الجديدِ.
وإنْ أوْصى أحدٌ لوارثٍ، فأجازَها الورثةُ بعدَ موتِ المُوَرِّثِ، صحَّتْ إجازتُهم لها على الصحيحِ، ففي الحديثِ: (لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ، إلاَّ أنْ يُجِيزَ الوَرَثَةُ)، رواهُ الدارقطنيُّ، عن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه[[أخرجه الدارقطني في «سننه» (٤١٥٤) (٥/١٧٢).]].
وله عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: (لا تَجُوزُ وصِيَّةٌ لِوارِثٍ، إلاَّ أنْ يَشاءَ الوَرَثَةُ)[[أخرجه الدارقطني في «سننه» (٤١٥٥) (٥/١٧٣).]].
ولا تعارُضَ بينَ قولِهِ ﷺ: (لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ) وبينَ قولِ اللهِ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠]، فالآيةُ منسوخةٌ عندَ عامَّةِ العلماءِ، وإنِ اختَلَفَ المفسِّرونَ في ناسِخِها.
وهذه الآيةُ كانتْ في بدايةِ الإسلامِ، فقد كانتِ العربُ تَدفَعُ الأموالَ للأولادِ، ولا تُعطي الآباءَ، فكانتِ الوصيَّةُ للآباءِ قبلَ فرضِ حقِّهم، ثمَّ خصَّ اللهُ الآباءَ بميراثٍ، ووصّى بالأقربينَ.
وفي «صحيحِ البخاريِّ»، في بابِ: «لا وصيَّةَ لوارثٍ»، عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانَ المالُ لِلْوَلَدِ، وكانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِن ذَلِكَ ما أحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسَ، وجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ والرُّبُعَ، ولِلزَّوْجِ الشَّطْرَ والرُّبُعَ»[[أخرجه البخاري (٢٧٤٧) (٤/٤).]].
وحديثُ: (لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ) مُحكَمٌ صحيحٌ، وجعَلَهُ بعضُ الأئمَّةِ متواتِرًا، فقد رُوِيَ مِن حديثِ جماعةٍ مِن الصحابةِ يَزيدونَ على العَشَرةِ، وقد عدَّهُ الشافعيُّ متواترًا في «الأمِّ»، ثمَّ قال: «أهلُ العلمِ بالمَغازي، مِن قريشٍ وغيرِهم، لا يختلِفونَ في أنّ النبيَّ ﷺ قال عامَ الفتحِ: (لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ)»[[«الأم» (٤/١١٤)، و«الرسالة» (ص١٣٩).]].
والوصيَّةُ للورثةِ تُوقِعُ الحَيْفَ، وتُعطِّلُ الفرائضَ، وتُورِثُ البغضاءَ والشحناءَ بينَ الورثةِ، وتَقْطَعُ الأرحامَ، فيُظلَمُ أقوامٌ، ويَظلِمُ آخَرونَ.
ورُوِيَ عن طاوسٍ وعطاءٍ والحسنِ وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ: القولُ بجوازِ الوصيَّةِ للوارِثِ، ونُسِبَ هذا القولُ لرافِعِ بنِ خَدِيجٍ، لأنّه أوْصى ألاَّ تُكْشَفَ امرأتُهُ الفَزارِيَّةُ عمّا أُغلِقَ عليه بابُها، ونُسِبَ للبخاريِّ، لإخراجِه لخبرِ رافعٍ، وترجَمَ عليه: (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١])[[«صحيح البخاري» (٤/٤).]].
وفي نسبةِ هذا القولِ إلى رافعٍ والبخاريِّ نظرٌ، فليس هو بصريحٍ عنهما، وما جاء في خبرِ رافِعٍ أنّه جعَلَ لزوجتِهِ ـ واسمُها سَلْمى ـ ما أغلَقَتْ عليه بابَها مِن متاعٍ وأثاثٍ وطعامٍ ولباسٍ، وإنّما رافعٌ أقَرَّ وأشهَدَ على هذا، لأنّه تزوَّجَها فيما يَظهَرُ فقيرةً فبيَّنَ أنّ متاعَ بيتِها لها لا يُنزَعُ منها، لأنّها لا مالَ عندَها قبلَ زواجِهِ بها، وهذا قولٌ معروفٌ عندَ الفقهاءِ، يقولُ به مالكٌ وغيرُه، وهو ممَّن يقولُ أنْ لا وصيَّةَ لوارثٍ، والإقرارُ للوارثِ في حالِ الحياةِ شيءٌ، والوصيَّةُ له بعدَ المماتِ شيءٌ.
والنبيُّ ﷺ مع أنّه لا يُورَثُ، كما قال في «الصحيحِ»: (لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ)[[أخرجه البخاري (٣٠٩٣) (٤/٧٩)، ومسلم (١٧٥٩) (٣/١٣٨٠).]]، لم تدخُلْ نفقةُ نسائِهِ ومؤونةُ عامِلِهِ في تَرِكَتِهِ التي لا تُورَثُ، فقد جاء في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (لا يَقْتَسِمُ ورَثَتِي دِينارًا، ما تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسائِي ومَؤُونَةِ عامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ)[[أخرجه البخاري (٢٧٧٦) (٤/١٢)، ومسلم (١٧٦٠) (٣/١٣٨٢).]].
وقد ترجَمَ البخاريُّ في «صحيحِه»: (بابٌ: لا وصيَّةَ لوارثٍ)[[«صحيح البخاري» (٤/٤).]]، وهي أصرَحُ مِن غيرِها، وموافقتُهُ للدليلِ وللأئمَّةِ بدليلٍ صريحٍ أوْلى مِن مخالفتِهم بدليلٍ محتمِلٍ.
ميراثُ أولادِ الأولادِ:
ويُنزَّلُ ابنُ الابنِ مكانَ الابنِ عندَ فَقْدِهِ بلا خلافٍ في الميراثِ والحَجْبِ، ورُوِيَ عن مُجاهِدٍ: أنّ ولدَ الابنِ لا يَحجُبُ الزوجَ والزوجةَ مِن فرضِهما الأَعْلى إلى الأَدْنى، ولا الأمَّ مِن الثلُثِ إلى السدُسِ، والصوابُ خلافُه، لظهورِ الدليلِ.
ولا خلافَ في أنّ بناتِ الابنِ لا يَرِثْنَ إذا استكمَلَتِ البناتُ مِن الصُّلْبِ الثلُثَيْنِ، إلاَّ إذا وُجِدَ ابنُ الابنِ معها، فإنّها تُشارِكُهُ للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَيْنِ مِن الباقي في قولِ أكثرِ العلماءِ، وقَضى به عمرُ وعليٌّ وزيدٌ وابنُ عبّاسٍ، وهذا ظاهرُ قولِ اللهِ تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١].
وذهَبَ قلةٌ مِن الفقهاءِ: إلى أنّ الميراثَ الباقيَ يكونُ لابنِ الابنِ وحدَهُ، لعمومِ قولِهِ ﷺ: (اقْسِمُوا المالَ بَيْنَ أهْلِ الفَرائِضِ عَلى كِتابِ اللهِ، فَما تَرَكَتِ الفَرائِضُ، فَلِأَوْلى رَجُلٍ ذَكَرٍ)[[سبق تخريجه.]]، وعمومُ الحديثِ ليس بأَوْلى مِن عمومِ الآيةِ، فالآيةُ في اجتماعِ الذكورِ والإناثِ، والحديثُ عندَ بقاءِ شيءٍ مِن المالِ بينَ ذكورٍ، فيُعطى أقرَبُهم مِن الميِّتِ، ولو وُجِدَ مَثلًا مَن يُساوي أقرَبَ الرجالِ مِن الرجالِ رَحِمًا، لَوَجَبَ أنْ يُقاسِمَهُ الباقيَ، وكذلك عندَ وجودِ مَن يُساويهِ مِن الإناثِ تُشارِكُه، للآيةِ، وإذا انفرَدَ، يأخُذُه كلَّه، للحديثِ، ولا تعارُضَ بينَهما.
ميراثُ الجَدِّ وحجبُهُ:
والجَدُّ ينزلُ منزلةَ الأبِ في أخذِ جميعِ المالِ عندَ انفرادِه، ويحجُبُ الإخوةَ لأمٍّ، وله السدُسُ مع الابنِ وابنِ الابنِ، حكى الإجماعَ ابنُ المُنذِرِ وغيرُه.
وإنّما الخلافُ في حَجْبِ الجَدِّ للإخوةِ والأخواتِ وإنزالِهِ منزِلةَ الأبِ في ذلك، فالإخوةُ يُدْلُونَ بالأبِ، وهو دونَ الجَدِّ، والجدُّ فوقَه، ولذا تحرَّجَ الصحابةُ مِن ميراثِ الجَدِّ مع الإخوةِ والأخواتِ، فقد روى الدارميُّ وسعيدُ بنُ منصورٍ وغيرُهما، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، قال: «مَن سَرَّهُ أنْ يَتَقَحَّمَ جَراثِيمَ جَهَنَّمَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَ الجَدِّ والإخْوَةِ»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٩٠٤٨) (١٠/٢٦٢)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣١٢٦٧) (٦/٢٦٨)، وسعيد بن منصور في «سننه» (٥٦) (١/٦٦)، والدارمي في «سننه» (٢٩٠٢).]].
وجمهورُ الفقهاءِ: على أنّ الإخوةَ يَرِثُونَ مع الجَدِّ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ والأوزاعيِّ، ورُوِيَ هذا عن عمرَ وعثمانَ وعليٍّ وزيدٍ وابنِ مسعودٍ، ورُوِيَ عن أبي بكرٍ وابنِ عبّاسٍ وعائشةَ ومعاذٍ خلافُهُ.
واختَلَفُوا في مقدارِ ميراثِ الجَدِّ على أقوالٍ، يأتي ذِكرُها في آيةِ الكَلالةِ مِن آخِرِ سورةِ النِّساءِ بإذنِ اللهِ.
{"ayah":"۞ وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَ ٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهُنَّ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدࣱ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِینَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّكُمۡ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدࣱ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ تُوصُونَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۗ وَإِن كَانَ رَجُلࣱ یُورَثُ كَلَـٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةࣱ وَلَهُۥۤ أَخٌ أَوۡ أُخۡتࣱ فَلِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوۤا۟ أَكۡثَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فِی ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصَىٰ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ غَیۡرَ مُضَاۤرࣲّۚ وَصِیَّةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق