الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ الدَّيْنُ مُؤَخَّرٌ في اللَّفْظِ وهو مُبْتَدَأٌ بِهِ في المَعْنى عَلى الوَصِيَّةِ؛ لِأنَّ " أوْ " لا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ وإنَّما هي لِأحَدِ شَيْئَيْنِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: مِن بَعْدِ أحَدِ هَذَيْنِ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ أنَّهُ قالَ: " ذَكَرَ اللَّهُ الوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ وهي بَعْدَهُ " يَعْنِي أنَّها مُقَدَّمَةٌ في اللَّفْظِ مُؤَخَّرَةٌ في المَعْنى.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ﴾ قَدْ دَلَّ عَلى أنَّهُنَّ إذا كُنَّ أرْبَعًا يَشْتَرِكْنَ في الثُّمُنِ، وهَذا لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ. وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في مِيراثِ الأبَوَيْنِ مَعَ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ، فَقالَ عَلِيٌّ وعُمَرُ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وعُثْمانُ وزَيْدٌ: " لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ولِلْأُمِّ ثُلُثُ ما بَقِيَ وما بَقِيَ فَلِلْأبِ، ولِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلْأُمِّ ثُلُثُ ما بَقِيَ وما بَقِيَ فَلِلْأبِ " . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " لِلزَّوْجِ والزَّوْجَةِ مِيراثُهُما ولِلْأُمِّ الثُّلُثُ كامِلًا وما بَقِيَ فَلِلْأبِ " وقالَ: " لا أجِدُ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى ثُلُثَ ما بَقِيَ " وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ ورُوِيَ أنَّهُ تابَعَهُ في المَرْأةِ والأبَوَيْنِ وخالَفَهُ في الزَّوْجِ والأبَوَيْنِ، لَتَفْضِيلِهِ الأُمَّ عَلى الأبِ. والصَّحابَةُ ومَن بَعْدَهم مِنَ التّابِعِينَ وفُقَهاءِ الأمْصارِ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ، إلّا ما حَكَيْنا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ سِيرِينَ وظاهِرُ القُرْآنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ ووَرِثَهُ أبَواهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: ١١] فَجَعَلَ المِيراثَ بَيْنَهُما أثْلاثًا كَما جَعَلَهُ أثْلاثًا بَيْنَ الِابْنِ والبِنْتِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] وجَعَلَهُ بَيْنَ الأخِ والأُخْتِ أثْلاثًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالا ونِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١٧٦] ثُمَّ لَمّا سَمّى لِلزَّوْجِ والزَّوْجَةِ ما سَمّى لَهُما وأخَذا نَصِيبَهُما كانَ الباقِي بَيْنَ الِابْنِ والبِنْتَيْنِ عَلى ما كانَ قَبْلَ دُخُولِهِما، وكَذَلِكَ بَيْنَ الأخِ والأُخْتِ، وجَبَ أنْ يَكُونَ أخْذُ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ نَصِيبَهُما مُوجِبًا لِلْباقِي بَيْنَ الأبَوَيْنِ عَلى ما اسْتَحَقّاهُ أثْلاثًا قَبْلَ دُخُولِهِما؛ وأيْضًا هُما كَشَرِيكَيْنِ بَيْنَهُما مالٌ إذا اسْتُحِقَّ مِنهُ شَيْءٌ كانَ الباقِي بَيْنَهُما عَلى ما اسْتَحَقّاهُ بَدِيًّا؛ واَللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ
* * *
بابُ الكَلالَةِ قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: المَيِّتُ نَفْسُهُ يُسَمّى كَلالَةً وبَعْضُ مَن يَرِثُهُ يُسَمّى كَلالَةً وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الكَلالَةَ هَهُنا اسْمُ المَيِّتِ والكَلالَةُ حالُهُ وصِفَتُهُ، ولِذَلِكَ انْتَصَبَ ورَوى السَّمِيطُ بْنُ عُمَيْرٍ أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: " أتى عَلَيَّ زَمانٌ وما أدْرِي ما الكَلالَةُ، وإنَّما الكَلالَةُ ما خَلا الوَلَدَ والوالِدَ " ورَوى عاصِمٌ الأحْوَلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: قالَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " الكَلالَةُ ما خَلا الوَلَدَ والوالِدَ " فَلَمّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ (p-١٧)اللَّهُ عَنْهُ قالَ: " رَأيْتُ أنَّ الكَلالَةَ مَن لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ، وإنِّي لَأسْتَحْيِي اللَّهَ أنْ أُخالِفَ أبا بَكْرٍ؛ هو ما عَدا الوالِدَ والوَلَدَ " .
ورَوى طاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " كُنْتُ آخِرَ النّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: القَوْلُ ما قُلْتَ، قُلْتُ: وما قُلْتَ ؟ قالَ: الكَلالَةُ مَن لا ولَدَ لَهُ " .
ورَوى سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ: سَألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنِ الكَلالَةِ فَقالَ: " مَن لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ " قالَ: قُلْتُ: فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ في كِتابِهِ: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ﴾ [النساء: ١٧٦] فَغَضِبَ وانْتَهَرَنِي. فَظاهِرُ الآيَةِ وقَوْلُ مَن ذَكَرْناهم مِنَ الصَّحابَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ المَيِّتَ نَفْسَهُ يُسَمّى كَلالَةً؛ لِأنَّهم قالُوا: " الكَلالَةُ مَن لا والِدَ لَهُ ولا ولَدَ " وقالَ بَعْضُهم: " الكَلالَةُ مَن لا ولَدَ لَهُ " وهَذِهِ صِفَةُ المَوْرُوثِ المَيِّتِ؛ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّهم لَمْ يُرِيدُوا أنَّ الكَلالَةَ هو الوارِثُ الَّذِي لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ، إذْ كانَ وُجُودُ الوَلَدِ والوالِدِ لِلْوارِثِ لا يُغَيِّرُ حُكْمَ مِيراثِهِ مِن مَوْرُوثِهِ وإنَّما يَتَغَيَّرُ حُكْمُ المِيراثِ بِوُجُودِ هَذِهِ الصِّفَةِ لِلْمَيِّتِ المُوَرِّثِ واَلَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّ اسْمَ الكَلالَةِ قَدْ يَقَعُ عَلى بَعْضِ الوارِثِينَ، ما رَواهُ شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: " أتانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُنِي وأنا مَرِيضٌ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ المِيراثُ فَإنَّما يَرِثُنِي كَلالَةٌ ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرائِضِ "؛ وهَذا الحَرْفُ تَفَرَّدَ بِهِ شُعْبَةُ في رِوايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ؛ فَأخْبَرَ جابِرَ أنَّ الكَلالَةَ ورَثَتُهُ ولَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ ورَوى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: حَدَّثَنا رَجُلٌ مِن بَنِي سَعْدٍ: " أنَّ سَعْدًا مَرِضَ بِمَكَّةَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وارِثٌ إلّا كَلالَةٌ "؛ فَأخْبَرَ في هَذا الخَبَرِ أيْضًا أنَّ الكَلالَةَ هُمُ الوَرَثَةُ وحَدِيثُ سَعْدٍ مُتَقَدِّمٌ لِحَدِيثِ جابِرٍ؛ لِأنَّ مَرَضَهُ كانَ بِمَكَّةَ ولَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الآيَةِ، فَقالَ قَوْمٌ: كانَ في حَجَّةِ الوَداعِ، وقالَ قَوْمٌ: كانَ في عامِ الفَتْحِ؛ ويُقالُ إنَّ الصَّحِيحَ أنَّهُ كانَ في عامِ الفَتْحِ، وحَدِيثُ جابِرٍ كانَ بِالمَدِينَةِ في آخِرِ أيّامِ النَّبِيِّ ﷺ ورَوى شُعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: " آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] وآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَراءَةٌ " .
قالَ يَحْيى بْنُ آدَمَ: وقَدْ بَلَغَنا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «قالَ لِلَّذِي سَألَهُ عَنِ الكَلالَةِ: يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ» وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] لِأنَّها نَزَلَتْ في الصَّيْفِ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَجَهَّزُ إلى مَكَّةَ، ونَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ الحَجِّ: ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧] وهي آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ، ثُمَّ خَرَجَ إلى مَكَّةَ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] الآيَةَ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ: ﴿واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١] (p-١٨)هَذِهِ الآيَةُ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَها حَتّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ نُزُولِها؛ هَكَذا سَمِعْنا. قالَ يَحْيى: وفي حَدِيثٍ آخَرَ «أنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الكَلالَةِ، فَقالَ: مَن ماتَ ولَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولا والِدٌ فَوَرَثَتُهُ كَلالَةٌ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولَمْ يَذْكُرْ تارِيخَ الأخْبارِ والآيِ؛ لِأنَّ الحُكْمَ يَتَغَيَّرُ فِيما ذَكَرْنا بِالتّارِيخِ، ولَكِنَّهُ لَمّا جَرى ذِكْرُ الآيِ والأخْبارِ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِها، وإنَّما أرَدْنا بِذَلِكَ أنْ نُبَيِّنَ أنَّ اسْمَ الكَلالَةِ يَتَناوَلُ المَيِّتَ تارَةً وبَعْضَ الوَرَثَةِ تارَةً أُخْرى.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في الكَلالَةِ، فَرَوى جَرِيرٌ عَنْ أبِي إسْحاقَ الشَّيْبانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أنَّ «عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ يُوَرَّثُ الكَلالَةُ ؟ قالَ: أوَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ ؟ ثُمَّ قَرَأ:﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] إلى آخِرِها؛ قالَ: فَكَأنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْهَمْ، فَقالَ لِحَفْصَةَ: إذا رَأيْتِ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ طِيبَ نَفْسٍ فَسَلِيهِ عَنْها فَرَأتْ مِنهُ طِيبَ نَفْسٍ فَسَألَتْهُ عَنْها، فَقالَ: أبُوكَ كَتَبَ لَكِ هَذا ؟ ما أرى أباكَ يَعْلَمُها أبَدًا»؛ قالَ: فَكانَ عُمَرُ يَقُولُ: ما أرانِي أعْلَمُها أبَدًا وقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ما قالَ.
ورَوى سُفْيانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ قالَ: قالَ عُمَرُ: " ثَلاثٌ لَأنْ يَكُونَ بَيَّنَهُنَّ لَنا أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيا وما فِيها: الكَلالَةُ والخِلافَةُ والرِّبا " ورَوى قَتادَةُ عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ عَنْ مَعْدانَ بْنِ أبِي طَلْحَةَ قالَ: قالَ عُمَرُ: ما سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ أكْثَرَ مِمّا سَألْتُهُ عَنِ الكَلالَةِ، حَتّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ في صَدْرِي ثُمَّ قالَ: «يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ» . ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ قالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: " اعْلَمُوا أنِّي لَمْ أقُلْ في الكَلالَةِ شَيْئًا " .
فَهَذِهِ الأخْبارُ الَّتِي ذَكَرْنا تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ فِيها بِشَيْءٍ وأنَّ مَعْناها والمُرادَ بِها كانَ مُلْتَبِسًا عَلَيْهِ.
قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: كانَ عُمَرُ كَتَبَ كِتابًا في الكَلالَةِ، فَلَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ مَحاهُ وقالَ: " تَرَوْنَ فِيهِ رَأْيَكم "؛ فَهَذِهِ إحْدى الرِّواياتِ عَنْ عُمَرَ، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: " الكَلالَةُ مَن لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ " ورُوِيَ عَنْهُ أنَّ الكَلالَةَ مَن لا ولَدَ لَهُ. ورُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وعَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ في إحْدى الرِّوايَتَيْنِ: " أنَّ الكَلالَةَ ما عَدا الوالِدَ والوَلَدَ " ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ سالِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: " الكَلالَةُ ما خَلا الوالِدَ والوَلَدَ " وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ مِثْلُهُ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةٌ أُخْرى: " أنَّ الكَلالَةَ ما خَلا الوَلَدَ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: اتَّفَقَتِ الصَّحابَةُ عَلى أنَّ الوَلَدَ لَيْسَ مِنَ الكَلالَةِ، واخْتَلَفُوا في الوالِدِ، فَقالَ الجُمْهُورُ: " الوالِدُ خارِجٌ مِنَ الكَلالَةِ " . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في (p-١٩)إحْدى الرِّوايَتَيْنِ مِثْلَهُ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى أنَّ الكَلالَةَ ما عَدا الوَلَدَ.
فَلَمّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِما عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ وسَألَ عُمَرُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ مَعْناها فَوَكَلَهُ إلى حُكْمِ الآيَةِ وما في مَضْمُونِها، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] وقَدْ كانَ عُمَرُ رَجُلًا مِن أهْلِ اللِّسانِ لا يَخْفى عَلَيْهِ ما طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ اللُّغَةُ؛ ثَبَتَ أنَّ مَعْنى اسْمِ الكَلالَةِ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنَ اللُّغَةِ وأنَّهُ مِن مُتَشابِهِ الآيِ الَّتِي أمَرَنا اللَّهُ تَعالى بِالِاسْتِدْلالِ عَلى مَعْناهُ بِالمُحْكَمِ ورَدِّهِ إلَيْهِ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يُجِبِ النَّبِيُّ ﷺ عُمَرَ عَنْ سُؤالِهِ في مَعْنى الكَلالَةِ ووَكَلَهُ إلى اسْتِنْباطِهِ والِاسْتِدْلالِ عَلَيْهِ. وفي ذَلِكَ ضُرُوبٌ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى المَعانِي.
أحَدُها: أنَّ بِمَسْألَتِهِ إيّاهُ لَمْ يُلْزِمْهُ تَوْقِيفَهُ عَلى مَعْناها مِن طَرِيقِ النَّصِّ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ واجِبًا عَلَيْهِ تَوْقِيفُهُ عَلى مَعْناها لَما أخْلاهُ النَّبِيُّ ﷺ مِن بَيانِها وذَلِكَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أمْرُ الكَلالَةِ في الحالِ الَّتِي سَألَ عَنْها حادِثَةً تُلْزِمُهُ تَنْفِيذَ حُكْمِها في الحالِ، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَما أخْلاهُ مِن بَيانِها، وإنَّما سَألَهُ سُؤالَ مُسْتَفْهِمٍ مُسْتَرْشِدٍ لِمَعْنى الآيَةِ مِن طَرِيقِ النَّصِّ، ولَمْ يَكُنْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ تَوْقِيفُ النّاسِ عَلى جَلِيلِ الأحْكامِ ودَقِيقِها؛ لِأنَّ مِنها ما هو مَذْكُورٌ بِاسْمِهِ وصِفَتِهِ ومِنها ما هو مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِدَلالَةٍ مُفْضِيَةٍ إلى العِلْمِ بِهِ لا احْتِمالَ فِيهِ ومِنها ما هو مَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِ الرَّأْيِ، فَرَدَّ النَّبِيُّ ﷺ عُمَرَ إلى اجْتِهادِهِ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ رَآهُ مِن أهْلِ الِاجْتِهادِ، وأنَّهُ مِمَّنْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] وفِيهِ الدَّلالَةُ عَلى تَسْوِيغِ اجْتِهادِ الرَّأْيِ في الأحْكامِ وأنَّهُ أصْلٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ في أحْكامِ الحَوادِثِ والِاسْتِدْلالِ عَلى مَعانِي الآيِ المُتَشابِهَةِ وبِنائِها عَلى المُحْكَمِ؛ واتِّفاقُ الصَّحابَةِ أيْضًا عَلى تَسْوِيَةِ الِاجْتِهادِ في اسْتِخْراجِ مَعانِي الكَلالَةِ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ، ألا تَرى أنَّ بَعْضَهم قالَ: " هو مَن لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ " وقالَ بَعْضُهم: " مَن لا ولَدَ لَهُ " وأجابَ عُمَرُ بِأجْوِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ووَقَفَ فِيها في بَعْضِ الأحْوالِ ولَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ الكَلامَ فِيها بِما أدّاهُ إلَيْهِ اجْتِهادُهُ ؟ وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى اتِّفاقِهِمْ عَلى تَسْوِيغِ الِاجْتِهادِ في الأحْكامِ.
ويَدُلُّ عَلى أنَّ ما رَوى أبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ عَنْ جُنْدُبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن قالَ في القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأصابَ فَقَدْ أخْطَأ؛» إنَّما هو فِيمَن قالَ فِيهِ بِما سَنَحَ في وهْمِهِ وخَطَرَ عَلى بالِهِ مِن غَيْرِ اسْتِدْلالٍ عَلَيْهِ بِالأُصُولِ، وأنَّ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلى حُكْمِهِ واسْتَنْبَطَ مَعْناهُ فَحَمَلَهُ عَلى المُحْكَمِ المُتَّفَقِ عَلى مَعْناهُ فَهو مَمْدُوحٌ مَأْجُورٌ مِمَّنْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]
وقَدْ تَكَلَّمَ أهْلُ اللُّغَةِ في مَعْنى الكَلالَةِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ المُثَنّى: " الكَلالَةُ كُلُّ مَن لَمْ يَرِثْهُ أبٌ ولا ابْنٌ فَهو (p-٢٠)عِنْدَ العَرَبِ كَلالَةٌ، مَصْدَرٌ مِن تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أيْ تَعَطَّفَ النَّسَبُ عَلَيْهِ " قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: " مَن قَرَأها يُورِثُ بِالكَسْرِ أرادَ مَن لَيْسَ بِوَلَدٍ ولا والِدٍ " . قالَ أبُو بَكْرٍ واَلَّذِي قَرَأهُ بِالكَسْرِ الحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ العُطارِدِيُّ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وقَدْ قِيلَ إنَّ الكَلالَةَ في أصْلِ اللُّغَةِ هو الإحاطَةُ، فَمِنهُ الإكْلِيلُ لِإحاطَتِهِ بِالرَّأْسِ، ومِنهُ الكُلُّ لِإحاطَتِهِ بِما يَدْخُلُ عَلَيْهِ؛ فالكَلالَةُ في النَّسَبِ مِن أحاطَ بِالوَلَدِ والوالِدِ مِنَ الإخْوَةِ والأخَواتِ وتَكَلَّلَهُما وتَعَطَّفَ عَلَيْهِما، والوَلَدُ والوالِدُ لَيْسا بِكَلالَةٍ؛ لِأنَّ أصْلَ النَّسَبِ وعَمُودَهُ الَّذِي إلَيْهِ يَنْتَهِي هو الوَلَدُ والوالِدُ، ومَن سِواهُما فَهو خارِجٌ عَنْهُما وإنَّما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِما بِالِانْتِسابِ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الوِلادَةِ مِمَّنْ نُسِبَ إلَيْهِ كالإكْلِيلِ المُشْتَمِلِ عَلى الرَّأْسِ وهَذا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ مَن تَأوَّلَها عَلى مَن عَدا الوالِدَ والوَلَدَ وأنَّ الوَلَدَ إذا لَمْ يَكُنْ مِنَ الكَلالَةِ كَذَلِكَ الوالِدُ؛ لِأنَّ نِسْبَةَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما إلى المَيِّتِ مِن طَرِيقِ الوِلادَةِ ولَيْسَ كَذَلِكَ الإخْوَةُ والأخَواتُ؛ لِأنَّ نَسَبَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما لا يَرْجِعُ إلى المَيِّتِ مِن طَرِيقِ وِلادٍ بَيْنَهُما ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ مَن تَأوَّلَهُ عَلى مَن عَدا الوَلَدَ وأخْرَجَ الوَلَدَ وحْدَهُ مِنَ الكَلالَةِ، أنَّ الوَلَدَ مِنَ الوالِدِ وكَأنَّهُ بَعْضُهُ ولَيْسَ الوالِدُ مِنَ الوَلَدِ كَما لَيْسَ الأخُ والأُخْتُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالأُخُوَّةِ، فاعْتَبَرَ مَن قالَ ذَلِكَ الكَلالَةَ بِمَن لا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِأنَّهُ مِنهُ وبَعْضُهُ، فَأمّا مَن كانَتْ نِسْبَتُهُ إلى المَيِّتِ مِن حَيْثُ هو مِنهُ فَلَيْسَ بِكَلالَةٍ. وقَدْ كانَ اسْمُ الكَلالَةِ مَشْهُورًا في الجاهِلِيَّةِ، قالَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:
؎فَإنِّي وإنْ كُنْتُ ابْنَ فارِسِ عامِرٍ وفي السِّرِّ مِنها والصَّرِيحِ المُهَذَّبِ
؎فَما سَوَّدَتْنِي عامِرٌ عَنْ كَلالَةٍ ∗∗∗ أبى اللَّهُ أنْ أسْمُوَ بِأُمٍّ ولا أبِ
وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ رَأى الجَدَّ الَّذِي انْتَسَبُوا إلَيْهِ كَلالَةً، وأخْبَرَ مَعَ ذَلِكَ أنَّ سِيادَتَهُ لَيْسَتْ مِن طَرِيقِ النَّسَبِ والكَلالَةِ لَكِنَّهُ بِنَفْسِهِ سادَ ورَأسَ. وقالَ بَعْضُهم: كَلَّتِ الرَّحِمُ بَيْنَ فُلانٍ وفُلانٍ إذا تَباعَدَتْ، وحَمَلَ فُلانٌ عَلى فُلانٍ ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ إذا تَباعَدَ، والكِلالُ هو الإعْياءُ؛ لِأنَّهُ قَدْ يَبْعُدُ عَلَيْهِ تَناوُلُ ما يُرِيدُهُ؛ وأنْشَدَ الفَرَزْدَقُ:
؎ورِثْتُمْ قَناةَ المُلْكِ غَيْرَ كَلالَةٍ ∗∗∗ عَنِ ابْنَيْ مَنافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وهاشِمِ
يَعْنِي: ورِثْتُمُوها بِالآباءِ لا بِالأُخُوَّةِ والعُمُومَةِ
وذَكَرَ اللَّهُ تَعالى الكَلالَةَ في مَوْضِعَيْنِ مِن كِتابِهِ:
أحَدُهُما: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] إلى آخِرِ الآيَةِ، فَذَكَرَ مِيراثَ الإخْوَةِ والأخَواتِ (p-٢١)عِنْدَ عَدَمِ الوَلَدِ وسَمّاهم كَلالَةً؛ وعَدَمُ الوالِدِ مَشْرُوطٌ فِيها وإنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا لِقَوْلِهِ تَعالى في أوَّلِ السُّورَةِ:﴿ووَرِثَهُ أبَواهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: ١١] فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْإخْوَةِ مِيراثًا مَعَ الأبِ، فَخَرَجَ الوالِدُ مِنَ الكَلالَةِ كَما خَرَجَ الوَلَدُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْهم مَعَ الأبِ كَما لَمْ يُوَرِّثْهم مَعَ الِابْنِ، والبِنْتُ أيْضًا لَيْسَتْ بِكَلالَةٍ فَإنْ تَرَكَ ابْنَةً أوِ ابْنَتَيْنِ وإخْوَةً وأخَواتٍ لِأبٍ وأُمٍّ أوْ لِأبٍ فالبَناتُ لَسْنَ بِكَلالَةٍ، ومَن ورِثَ مَعَهُما كَلالَةً.
وقالَ تَعالى في أوَّلِ السُّورَةِ: ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ فَإنْ كانُوا أكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهم شُرَكاءُ في الثُّلُثِ﴾ فَهَذِهِ الكَلالَةُ هي الأخُ والأُخْتُ لِأُمٍّ لا يَرِثانِ مَعَ والِدٍ ولا ولَدٍ ذَكَرًا كانَ أوْ أُنْثى. وقَدْ رُوِيَ أنَّ في قِراءَةِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ: " وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ " فَلا خِلافَ مَعَ ذَلِكَ أنَّ المُرادَ بِالأخِ والأُخْتِ هَهُنا إذا كانا لِأُمٍّ دُونَهُما إذا كانَ لِأبٍ وأُمٍّ أوْ لِأبٍ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ طاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: " أنَّ الكَلالَةَ ما عَدا الوَلَدَ، ووَرِثَ الإخْوَةُ مِنَ الأُمِّ مَعَ الأبَوَيْنِ السُّدُسَ، وهو السُّدُسُ الَّذِي حُجِبَتِ الأُمُّ عَنْهُ "، وهو قَوْلٌ شاذٌّ، وقَدْ بَيَّنّا ما رُوِيَ عَنْهُ أنَّها ما عَدا الوالِدَ والوَلَدَ؛ ولا خِلافَ أنَّ الإخْوَةَ والأخَواتِ مِنَ الأُمِّ يَشْتَرِكُونَ في الثُّلُثِ ولا يُفَضَّلُ مِنهم ذَكَرٌ عَلى أُنْثى.
وقَدِ اخْتَلَفُوا في الجَدِّ هَلْ يُوَرَّثُ كَلالَةً، فَقالَ قائِلُونَ: " لَمْ يُوَرَّثْ كَلالَةً " . وقالَ آخَرُونَ: " بَلْ هو كَلالَةٌ " وهو قَوْلُ مَن يُوَرِّثُ الإخْوَةَ والأخَواتِ مَعَ الجَدِّ، والأوْلى أنْ يَكُونَ خارِجًا مِنَ الكَلالَةِ لِثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهم لا يَخْتَلِفُونَ أنَّ ابْنَ الِابْنِ خارِجٌ عَنِ الكَلالَةِ؛ لِأنَّهُ مَنسُوبٌ إلى المَيِّتِ بِالوِلادِ، فَواجِبٌ عَلى هَذا خُرُوجُ الجَدِّ مِنها؛ إذْ كانَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُما مِن طَرِيقِ الوِلادِ. ومِن جِهَةٍ أُخْرى: أنَّ الجَدَّ هو أصْلُ النَّسَبِ كالأبِ ولَيْسَ بِخارِجٍ عَنْهُ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ خارِجًا عَنِ الكَلالَةِ؛ إذْ كانَتِ الكَلالَةُ ما تُكَلَّلُ عَلى النَّسَبِ وتُعْطَفُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ أصْلُ النَّسَبِ مُتَعَلِّقًا بِهِ. والثّالِثُ: أنَّهم لا يَخْتَلِفُونَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ﴾ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الجَدُّ وأنَّهُ خارِجٌ عَنْهُ لا يَرِثُ مَعَهُ الإخْوَةُ مِنَ الأُمِّ كَما لا يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ والبِنْتِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الجَدَّ بِمَنزِلَةِ الأبِ في خُرُوجِهِ عَنِ الكَلالَةِ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الجَدَّ بِمَنزِلَةِ الأبِ في نَفْيِ مُشارَكَةِ الإخْوَةِ والأخَواتِ إيّاهُ في المِيراثِ.
فَإنْ قِيلَ: هَذا لا يَدُلُّ عَلى ما ذَكَرْتَهُ مِن قِبَلُ (p-٢٢)أنَّ البِنْتَ خارِجَةٌ عَنِ الكَلالَةِ ولا يَرِثُ مَعَها الإخْوَةُ والأخَواتُ مِنَ الأُمِّ ويَرِثُ مَعَها الإخْوَةُ والأخَواتُ مِنَ الأبِ والأُمِّ، فَكَذَلِكَ الجَدُّ. قِيلَ لَهُ: لِمَ نَجْعَلُ ما ذَكَرْناهُ عِلَّةً لِلْمَسْألَةِ فَيَلْزَمُنا ما وصَفْتَ، وإنَّما قُلْنا إنَّهُ لَمّا لَمْ يَتَناوَلْهُ اسْمُ الكَلالَةِ كالأبِ والِابْنِ اقْتَضى ظاهِرُ الآيَةِ أنْ يَكُونَ مِيراثُ الإخْوَةِ والأخَواتِ عِنْدَ عَدَمِهِ إلّا أنْ تَقُومَ الدَّلالَةُ عَلى تَوْرِيثِهِمْ مَعَهُ، والبِنْتُ وإنْ كانَتْ خارِجَةً عَنِ الكَلالَةِ فَقَدْ قامَتِ الدَّلالَةُ عَلى تَوْرِيثِ الإخْوَةِ والأخَواتِ مِنَ الأبِ مَعَها، فَخَصَصْناها مِنَ الظّاهِرِ وبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِيما سِواها مِمَّنْ يَشْتَمِلُهُ اسْمُ الكَلالَةِ؛ واَللَّهُ أعْلَمُ
* * *
بابُ المُشْرَكَةِ اخْتَلَفَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في مَسْألَةِ المُشْرَكَةِ وهي أنْ تُخَلِّفَ المُوَرِّثَةُ زَوْجَها وأُمَّها وإخْوَتَها لِأُمِّها وإخْوَتَها لِأبِيها وأُمِّها، فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وأبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ: " لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلْأُمِّ السُّدُسُ ولِلْأخَوَيْنِ مِنَ الأُمِّ الثُّلُثُ، وسَقَطَ الإخْوَةُ والأخَواتُ مِنَ الأبِ والأُمِّ " . ورَوى سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ فَقالَ: " أرَأيْتُمْ لَوْ كانُوا مِائَةً أكُنْتُمْ تَزِيدُونَهم عَلى الثُّلُثِ ؟ " قالُوا: لا، قالَ: " فَأنا لا أنْقُصُهم مِنهُ شَيْئًا "؛ وجَعَلَ الإخْوَةَ والأخَواتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ عَصَبَةً في هَذِهِ الفَرِيضَةِ وقَدْ حالَتِ السِّهامُ دُونَهم.
وقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: " لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلْأُمِّ السُّدُسُ ولِلْأخَوَيْنِ مِنَ الأُمِّ الثُّلُثُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الإخْوَةُ مِنَ الأبِ والأُمِّ عَلى الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ فَيُشارِكُونَهم فَيَكُونُ الثُّلُثُ الَّذِي أخَذُوهُ بَيْنَهم سَواءً " ورَوى مَعْمَرٌ عَنْ سِماكِ بْنِ الفَضْلِ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنِ الحَكَمِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ قالَ: " شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ أشْرَكَ الإخْوَةَ مِنَ الأبِ والأُمِّ مَعَ الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ في الثُّلُثِ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: قَضَيْتَ عامَ الأوَّلِ بِخِلافِ هَذا قالَ: كَيْفَ قَضَيْتُ ؟ قالَ: جَعَلْتَهُ لِلْإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ ولَمْ تُعْطِ الإخْوَةَ مِنَ الأبِ والأُمِّ شَيْئًا، قالَ: تِلْكَ عَلى ما قَضَيْنا وهَذِهِ عَلى ما قَضَيْنا " .
ورُوِيَ أنَّ عُمَرَ كانَ لا يُشْرِكُ بَيْنَهم حَتّى احْتَجَّ الإخْوَةُ مِنَ الأبِ والأُمِّ فَقالُوا: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَنا أبٌ ولَيْسَ لَهم أبٌ ولَنا أُمٌّ كَما لَهم، فَإنْ كُنْتُمْ حَرَمْتُمُونا بِأبِينا فَوَرِّثُونا بِأُمِّنا كَما ورَّثْتُمْ هَؤُلاءِ بِأُمِّهِمْ واحْسَبُوا أنَّ أبانا كانَ حِمارًا، ألَيْسَ قَدْ تَراكَضْنا في رَحِمٍ واحِدَةٍ ؟ فَقالَ عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ: صَدَقْتُمْ فَأشْرَكَ بَيْنَهم وبَيْنَ الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ في الثُّلُثِ. وذَهَبَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ وزُفَرُ والحَسَنُ بْنُ زِيادٍ إلى قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ومَن تابَعَهُ في تَرْكِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهم؛ والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ الأوَّلِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ ولَهُ أخٌ أوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ فَإنْ كانُوا أكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهم شُرَكاءُ في الثُّلُثِ﴾ (p-٢٥)فَنَصَّ عَلى فَرْضِ الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ وهو الثُّلُثُ، وبَيَّنَ أيْضًا حُكْمَ الإخْوَةِ مِنَ الأبِ والأُمِّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالا ونِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١٧٦] فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهم فَرْضًا مُسَمًّى وإنَّما جَعَلَ لَهُمُ المالَ عَلى وجْهِ التَّعْصِيبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ؛ ولا خِلافَ أنَّها لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وأُمًّا وأخًا لِأُمٍّ وإخْوَةً وأخَواتٍ لِأبٍ وأُمٍّ أنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلْأُمِّ السُّدُسُ ولِلْأخِ مِنَ الأُمِّ السُّدُسُ وما بَقِيَ وهو السُّدُسُ بَيْنَ الإخْوَةِ والأخَواتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ولَمْ يَدْخُلُوا مَعَ الأخِ مِنَ الأُمِّ في نَصِيبِهِ، فَلَمّا كانُوا مَعَ ذَوِي السِّهامِ إنَّما يَسْتَحِقُّونَ باقِيَ المالِ بِالتَّعْصِيبِ لا بِالفَرْضِ لَمْ يَجُزْ لَنا إدْخالَهم مَعَ الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ في فَرْضِهِمْ؛ لِأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَنْفِي ذَلِكَ؛ إذْ كانَتِ الآيَةُ إنَّما أوْجَبَتْ لَهم ما يَأْخُذُونَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ بِالتَّعْصِيبِ لا بِالفَرْضِ، فَمَن أعْطاهم بِالفَرْضِ فَهو خارِجٌ عَنْ حُكْمِ الآيَةِ؛ ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «ألْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها فَما أبْقَتِ الفَرائِضُ فَلِأوْلى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» فَجَعَلَ لِلْعَصَبَةِ بَقِيَّةَ المالِ بَعْدَ أخْذِ ذَوِي السِّهامِ سِهامَهم، فَمَن أشْرَكَهم مَعَ ذَوِي السِّهامِ وهم عَصَبَةٌ فَقَدْ خالَفَ الأثَرَ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا اشْتَرَكُوا في نَسَبِ الأُمِّ وجَبَ أنْ لا يُحْرَمُوا بِالأبِ. قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ؛ لِأنَّها لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وأُمًّا وأخًا لِأُمٍّ وإخْوَةً وأخَواتٍ لِأبٍ وأُمٍّ أخَذَ الأخُ مِنَ الأُمِّ السُّدُسَ كامِلًا وأخَذَ الإخْوَةُ والأخَواتُ مِنَ الأبِ والأُمِّ السُّدُسَ الباقِيَ بَيْنَهم، وعَسى يُصِيبُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم أقَلَّ مِنَ العُشْرِ، ولَمْ يَكُنْ لِواحِدٍ مِنهم أنْ يَقُولَ قَدْ حَرَمْتُمُونِي بِالأبِ مَعَ اشْتِراكِنا في الأُمِّ، بَلْ كانَ نَصِيبُ الأخِ مِنَ الأُمِّ أوْفَرَ مِن نَصِيبِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهُما: انْتِقاضُ العِلَّةِ بِالِاشْتِراكِ في الأُمِّ.
والثّانِي: أنَّهم لَمْ يَأْخُذُوا بِالفَرْضِ وإنَّما أخَذُوا بِالتَّعْصِيبِ.
ويَدُلُّ عَلى فَسادِ ذَلِكَ أيْضًا أنَّها لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وأُخْتًا لِأبٍ وأُمٍّ وأُخْتًا وأخًا لِأبٍ أنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ولِلْأُخْتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ النِّصْفَ ولا شَيْءَ لِلْأخِ والأُخْتِ مِنَ الأبِ؛ لِأنَّهُما عَصَبَةٌ، فَلا يُدْخَلُ مَعَ ذَوِي السِّهامِ. ولَمْ يَجُزْ أنْ يُجْعَلَ مِنَ الأبِ بِمَنزِلَةِ مَن لَمْ يَكُنْ حَتّى تَسْتَحِقَّ الأُخْتُ مِنَ الأبِ سَهْمَها الَّذِي كانَتْ تَأْخُذُهُ في حالِ الِانْفِرادِ عَنِ الأخِ، وإنَّما التَّعْصِيبُ أخْرَجَها عَنِ السُّدُسِ الَّذِي كانَتْ تَسْتَحِقُّهُ، كَذَلِكَ التَّعْصِيبُ يُخْرِجُ الإخْوَةَ مِنَ الأبِ والأُمِّ عَنِ الثُّلُثِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الإخْوَةُ مِنَ الأُمِّ؛ واَللَّهُ أعْلَمُ.
(p-٢٦)
* * *
بابُ الرَّجُلُ يَمُوتُ وعَلَيْهِ دَيْنٌ ويُوصِي بِوَصِيَّةٍ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ ورُوِيَ عَنِ الحارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: «تَقْرَءُونَ الوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وإنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَضى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ وهَذا لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ؛ وذَلِكَ لِأنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ أنَّ المِيراثَ بَعْدَ هَذَيْنِ، ولَيْسَتْ " أوْ " في هَذا المَوْضِعِ لِأحَدِهِما بَلْ قَدْ تَناوَلْتُهُما جَمِيعًا، وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ مُسْتَثْنًى عَنِ الجُمْلَةِ المَذْكُورَةِ في قِسْمَةِ المَوارِيثِ، ومَتى دَخَلَتْ " أوْ " عَلى النَّفْيِ صارَتْ في مَعْنى " الواوِ " كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تُطِعْ مِنهم آثِمًا أوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] (p-٢٩)وقالَ تَعالى: ﴿حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إلا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أوِ الحَوايا أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] فَكانَتْ " أوْ " في هَذِهِ المَواضِعِ بِمَنزِلَةِ " الواوِ " فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ لَمّا كانَ في مَعْنى الِاسْتِثْناءِ كَأنَّهُ قالَ: إلّا أنْ تَكُونَ هُناكَ وصِيَّةٌ أوْ دَيْنٌ فَيَكُونُ المِيراثُ بَعْدَهُما جَمِيعًا.
وتَقْدِيمُ الوَصِيَّةِ عَلى الدَّيْنِ في الذِّكْرِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلتَّبْدِئَةِ بِها عَلى الدَّيْنِ؛ لِأنَّ " أوْ " لا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، وإنَّما ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ المِيراثِ إعْلامًا لَنا أنَّ سِهامَ المَوارِيثِ جارِيَةٌ في التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضاءِ الدَّيْنِ وعَزْلِ حِصَّةِ الوَصِيَّةِ، ألا تَرى أنَّهُ إذا أوْصى بِثُلُثِ مالِهِ كانَتْ سِهامُ الوَرَثَةِ مُعْتَبَرَةً بَعْدَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ أوِ الثُّمُنُ في الثُّلُثَيْنِ ؟ وكَذَلِكَ سِهامُ سائِرِ أهْلِ المِيراثِ جارِيَةٌ في الثُّلُثَيْنِ دُونَ الثُّلُثِ الَّذِي فِيهِ الوَصِيَّةُ.
فَجَمَعَ تَعالى بَيْنَ ذِكْرِ الدَّيْنِ والوَصِيَّةِ لِيُعَلِّمَنا أنَّ سِهامَ المِيراثِ مُعْتَبَرَةٌ بَعْدَ الوَصِيَّةِ كَما هي مُعْتَبَرَةٌ بَعْدَ الدَّيْنِ وإنْ كانَتِ الوَصِيَّةُ مُخالِفَةً لِلدَّيْنِ مِن جِهَةِ الِاسْتِيفاءِ؛ لِأنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنَ المالِ شَيْءٌ لَدَخَلَ النُّقْصانُ عَلى أصْحابِ الوَصايا كَما يَدْخُلُ عَلى الوَرَثَةِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ؛ لِأنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنَ المالِ شَيْءٌ اسْتُوفِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ مِنَ الباقِي وإنِ اسْتَغْرَقَهُ وبَطَلَ حَقُّ المُوصى لَهُ والوَرَثَةِ جَمِيعًا، فالمُوصى لَهُ شَرِيكُ الوَرَثَةِ مِن وجْهٍ ويَأْخُذُ شَبَهًا مِنَ الغَرِيمِ مِن وجْهٍ آخَرَ، وهو أنَّ سِهامَ أهْلِ المَوارِيثِ مُعْتَبَرَةٌ بَعْدَ الوَصِيَّةِ كاعْتِبارِها بَعْدَ الدَّيْنِ.
ولَيْسَ المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ أنَّ المُوصى لَهُ يُعْطى وصِيَّتَهُ قَبْلَ أنْ يَأْخُذَ الوَرَثَةُ أنْصِباءَهم، بَلْ يُعْطَوْنَ كُلَّهم مَعًا كَأنَّهُ أحَدُ الوَرَثَةِ في هَذا الوَجْهِ، وما هَلَكَ مِنَ المالِ قَبْلَ القِسْمَةِ فَهو ذاهِبٌ مِنهم جَمِيعًا.
* * *
بابُ مِقْدارُ الوَصِيَّةِ الجائِزَةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ ظاهِرُهُ يَقْتَضِي جَوازَ الوَصِيَّةِ بِقَلِيلِ المالِ وكَثِيرِهِ؛ لِأنَّها مَنكُورَةٌ لا تَخْتَصُّ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ؛ إلّا أنَّهُ قَدْ قامَتِ الدَّلالَةُ مِن غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ المُرادَ بِها الوَصِيَّةُ بِبَعْضِ المالِ لا بِجَمِيعِهِ، وهو: قَوْلُهُ تَعالى ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ أوْ كَثُرَ﴾ [النساء: ٧] فَأطْلَقَ إيجابَ المِيراثِ فِيهِ مِن غَيْرِ ذِكْرِ الوَصِيَّةِ، فَلَوِ اقْتَضى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها﴾ الوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ المالِ لَصارَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] مَنسُوخًا بِجَوازِ الوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ المالِ، فَلَمّا كانَ حُكْمُ هَذِهِ الآيَةِ (p-٣٠)ثابِتًا في إيجابِ المِيراثِ وجَبَ اسْتِعْمالُها مَعَ آيَةِ الوَصِيَّةِ، فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الوَصِيَّةُ مَقْصُورَةً عَلى بَعْضِ المالِ والباقِي لِلْوَرَثَةِ حَتّى نَكُونَ مُسْتَعْمِلِينَ لِحُكْمِ الآيَتَيْنِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِن خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافًا خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ولْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ [النساء: ٩] يَعْنِي في مَنعِ الرَّجُلِ الوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ مالِهِ عَلى ما تَقَدَّمَ مِن بَيانِ تَأْوِيلِهِ؛ فَيَدُلُّ عَلى جَوازِ الوَصِيَّةِ بِبَعْضِ المالِ لِاحْتِمالِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَيَيْنِ.
وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أخْبارٌ تَلَقَّتْها الأُمَّةُ بِالقَبُولِ والِاسْتِعْمالِ في الِاقْتِصارِ بِجَوازِ الوَصِيَّةِ عَلى الثُّلُثِ، مِنها ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ أبِي خَلَفٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: «مَرِضَ أبِي مَرَضًا شَدِيدًا قالَ ابْنُ أبِي خَلَفٍ بِمَكَّةَ مَرَضًا أشْفى مِنهُ، فَعادَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مالًا كَثِيرًا ولَيْسَ يَرِثُنِي إلّا ابْنَةٌ لِي، أفَأتَصَدَّقُ بِالثُّلُثَيْنِ ؟ قالَ: لا، قالَ: فَبِالشَّطْرِ ؟ قالَ: لا، قالَ: فَبِالثُّلُثِ ؟ قالَ: الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ، وإنَّكَ إنْ تَتْرُكْ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ فَإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إلّا أُجِرْتَ عَلَيْها حَتّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُها إلى فِيِ امْرَأتِكَ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أتَخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي ؟ قالَ إنَّكَ إنْ تُخَلَّفْ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ بِهِ وجْهَ اللَّهِ لا تَزْدادُ بِهِ إلّا رِفْعَةً ودَرَجَةً، لَعَلَّكَ أنْ تُخَلَّفَ حَتّى يَنْتَفِعَ بِكَ أقْوامٌ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أمْضِ لِأصْحابِي هِجْرَتَهم ولا تَرُدَّهم عَلى أعْقابِهِمْ، لَكِنِ البائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ ماتَ بِمَكَّةَ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ حَوى هَذا الخَبَرُ ضُرُوبًا مِنَ الأحْكامِ والفَوائِدِ، مِنها: أنَّ الوَصِيَّةَ غَيْرُ جائِزَةٍ في أكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ.
والثّانِي: أنَّ المُسْتَحَبَّ النُّقْصانُ عَنِ الثُّلُثِ، ولِذَلِكَ قالَ بَعْضُ الفُقَهاءِ: أسْتَحِبُّ النُّقْصانَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ ﷺ: " والثُّلُثُ كَثِيرٌ " .
والثّالِثُ: أنَّهُ إذا كانَ قَلِيلَ المالِ ووَرَثَتُهُ فُقَراءُ أنَّ الأفْضَلَ أنْ لا يُوصِيَ بِشَيْءٍ، لِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّكَ أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ» وفي ذَلِكَ أيْضًا دَلِيلٌ عَلى جَوازِ الوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ المالِ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ وارِثٌ؛ لِأنَّهُ أخْبَرَ أنَّ الوَصِيَّةَ بِأكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ مَمْنُوعَةٌ لِأجْلِ الوَرَثَةِ وفِيهِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ الصَّدَقَةَ في المَرَضِ وصِيَّةٌ غَيْرُ جائِزَةٍ إلّا مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأنَّ سَعْدًا قالَ: أتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مالِي ؟ فَقالَ: " لا " إلى أنْ رَدَّهُ إلى الثُّلُثِ؛ وقَدْ رَواهُ جَرِيرٌ عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدٍ قالَ: «عادَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأنا مَرِيضٌ، فَقالَ: أوْصَيْتَ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قالَ: بِكَمْ ؟ قُلْتُ: بِمالِي كُلِّهِ في (p-٣١)سَبِيلِ اللَّهِ، قالَ: فَما تَرَكْتَ لَوَلَدِكَ ؟ قالَ: هم أغْنِياءُ، قالَ: أوْصِ بِالعُشْرِ فَما زِلْتُ أُناقِصُهُ ويُناقِصُنِي حَتّى قالَ: أوْصِ بِالثُّلُثِ والثُّلُثُ كَثِيرٌ» .
قالَ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ أنْ نُنْقِصَ مِنَ الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ ﷺ: " والثُّلُثُ كَثِيرٌ " . فَذَكَرَ في هَذا الحَدِيثِ أنَّهُ قالَ: " أوْصَيْتُ بِمالِي كُلِّهِ " وهَذا لا يَنْفِي ما رُوِيَ في الحَدِيثِ الأوَّلِ مِنَ الصَّدَقَةِ في المَرَضِ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ لِما مَنَعَهُ الوَصِيَّةَ بِأكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ ظَنَّ أنَّ الصَّدَقَةَ جائِزَةٌ في المَرَضِ فَسَألَهُ عَنْها، فَأخْبَرَ ﷺ أنَّ حُكْمَ الصَّدَقَةِ حُكْمُ الوَصِيَّةِ في وُجُوبِ الِاقْتِصارِ بِها عَلى الثُّلُثِ، وهو نَظِيرُ حَدِيثِ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ في الرَّجُلِ الَّذِي أعْتَقَ سِتَّةَ أعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وفِيهِ: «إنَّ الرَّجُلَ مَأْجُورٌ في النَّفَقَةِ عَلى أهْلِهِ» وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن وهَبَ لِامْرَأتِهِ هِبَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيها؛ لِأنَّها بِمَنزِلَةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأنَّهُ قَدِ اسْتَوْجَبَ بِها الثَّوابَ مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ وهو نَظِيرُ ما رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إذا أعْطى الرَّجُلُ امْرَأتَهُ عَطِيَّةً فَهي لَهُ صَدَقَةٌ» .
وقَوْلُ سَعْدٍ: " أتَخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي " عَنى بِهِ أنَّهُ يَمُوتُ بِمَكَّةَ وهي دارُهُ الَّتِي هاجَرَ مِنها إلى المَدِينَةِ، وقَدْ كانَ النَّبِيُّ ﷺ نَهى المُهاجِرِينَ أنْ يُقِيمُوا بَعْدَ النَّفْرِ أكْثَرَ مِن ثَلاثٍ، فَأخْبَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أنَّهُ يَتَخَلَّفُ بَعْدَهُ حَتّى يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ أقْوامًا ويَضُرَّ بِهِ آخَرِينَ؛ وكَذَلِكَ كانَ، فَإنَّهُ بَقِيَ بَعْدَهُ ﷺ وفَتَحَ اللَّهُ عَلى يَدِهِ بِلادَ العَجَمِ وأزالَ بِهِ مُلْكَ الأكاسِرَةِ؛ وذَلِكَ مِن عُلُومِ الغَيْبِ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى.
حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حاتِمٍ العِجْلِيُّ قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الأعْلى بْنُ واصِلٍ قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ صَبِيحٍ قالَ: حَدَّثَنا مُبارَكُ بْنُ حَسّانَ قالَ: حَدَّثَنا نافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ حاكِيًا عَنِ اللَّهِ تَعالى أنَّهُ قالَ: «يا ابْنَ آدَمَ اثْنَتانِ لَيْسَتْ لَكَ واحِدَةٌ مِنهُما: جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا في مالِكَ حِينَ أخَذْتُ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّرَكَ وأُزَكِّيَكَ، وصَلاةُ عِبادِي عَلَيْكَ بَعْدَ انْقِضاءِ أجَلِكَ» . فَفي هَذا الحَدِيثِ أيْضًا أنَّ لَهُ بَعْضَ المالِ عِنْدَ المَوْتِ لا جَمِيعَهُ.
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ صالِحِ بْنِ النَّطّاحِ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ قالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عَمْرٍو قالَ: حَدَّثَنا عَطاءٌ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ أعْطاكم ثُلُثَ أمْوالِكم في آخِرِ أعْمارِكم زِيادَةً في أعْمالِكم» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: فَهَذِهِ الأخْبارُ المُوجِبَةُ لِلِاقْتِصارِ بِالوَصِيَّةِ عَلى الثُّلُثِ عِنْدَنا في حَيِّزِ التَّواتُرِ المُوجِبِ لِلْعِلْمِ لِتَلَقِّي النّاسِ إيّاها بِالقَبُولِ، وهي مُبَيِّنَةٌ لِمُرادِ اللَّهِ تَعالى في الوَصِيَّةِ المَذْكُورَةِ في الكِتابِ أنَّها مَقْصُورَةٌ عَلى الثُّلُثِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ (p-٣٢)مَن لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ ولَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ أنَّ جَمِيعَ مِيراثِهِ لَوَرَثَتِهِ، وأنَّهُ إنْ كانَ عَلَيْهِ حَجٌّ أوْ زَكاةٌ لَمْ يَجِبْ إخْراجُهُ إلّا أنْ يُوصِيَ بِهِ، وكَذَلِكَ الكَفّاراتُ والنُّذُورُ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّ الحَجَّ دَيْنٌ، وكَذَلِكَ كُلُّ ما يُلْزِمُهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ القُرَبِ في المالِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِلْخَثْعَمِيَّةِ حِينَ سَألَتْهُ عَنِ الحَجِّ عَنْ أبِيها: «أرَأيْتِ لَوْ كانَ عَلى أبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أكانَ يُجْزِئُ ؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أحَقُّ بِالقَضاءِ» . قِيلَ لَهُ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّما سَمّاهُ دَيْنَ اللَّهِ تَعالى ولَمْ يُسَمِّهِ بِهَذا الِاسْمِ إلّا مُقَيَّدًا فَلا يَتَناوَلُهُ الإطْلاقُ، وقَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ إنَّما اقْتَضى التَّبْدِئَةَ بِما يُسَمّى بِهِ دَيْنًا عَلى الإطْلاقِ، فَلا يَنْطَوِي تَحْتَهُ ما لا يُسَمّى بِهِ إلّا مُقَيَّدًا؛ لِأنَّ في اللُّغَةِ والشَّرْعِ أسْماءً مُطْلَقَةً وأسْماءً مُقَيَّدَةً، فَلا يَتَناوَلُ المُطْلَقُ إلّا ما يَقَعُ الِاسْمُ عَلَيْهِ عَلى الإطْلاقِ، فَإذا لَمْ تَتَناوَلِ الآيَةُ ما كانَ مِن حَقِّ اللَّهِ تَعالى مِنَ الدُّيُونِ لِما وصَفْنا، اقْتَضى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ أنَّهُ إذا لَمْ يُوصِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِينٌ لِآدَمِيٍّ أنْ يَسْتَحِقَّ الوارِثُ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ.
وحَدِيثُ سَعْدٍ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا؛ لِأنَّهُ قالَ: أتَصَدَّقُ بِمالِي ؟ وفي لَفْظٍ آخَرَ: أُوصِي بِمالِي ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ» ولَمْ يَسْتَثْنِ النَّبِيُّ ﷺ الحَجَّ ولا الزَّكاةَ ونَحْوَهُما مِن حُقُوقِ اللَّهِ تَعالى، ومَنَعَ الصَّدَقَةَ والوَصِيَّةَ إلّا بِثُلُثِ المالِ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّهُ إذا أوْصى بِهَذِهِ الحُقُوقِ كانَتْ مِنَ الثُّلُثِ. ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ لَكم ثُلُثَ أمْوالِكم في آخِرِ أعْمارِكم زِيادَةً في أعْمالِكم» وحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ حاكِيًا عَنِ اللَّهِ تَعالى: «جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا في مالِكَ حِينَ أخَذْتُ بِكَظْمِكَ» يَدُلُّ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلى أنَّ وصِيَّتَهُ بِالزَّكاةِ والنُّذُورِ وسائِرِ القُرَبِ وإنْ كانَتْ واجِبَةً لا تَجُوزُ إلّا مِنَ الثُّلُثِ، واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ الوَصِيَّةِ لِلْوارِثِ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ عَيّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قالَ: سَمِعْتُ أبا أُمامَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أعْطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وصِيَّةَ لِوارِثٍ» ورَوى عَمْرُو بْنُ خارِجَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ إلّا أنْ تُجِيزَها الوَرَثَةُ» .
ونَقَلَ أهْلُ السِّيَرِ خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ في حَجَّةِ الوَداعِ وفِيها: «أنْ لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ» فَوَرَدَ نَقْلُ ذَلِكَ مُسْتَفِيضًا كاسْتِفاضَةِ وُجُوبِ الِاقْتِصارِ بِالوَصِيَّةِ عَلى الثُّلُثِ دُونَ ما زادَ، لا فَرْقَ بَيْنَهُما مِن طَرِيقِ نَقْلِ الِاسْتِفاضَةِ (p-٣٣)واسْتِعْمالِ الفُقَهاءِ لَهُ وتَلَقِّيهِمْ إيّاهُ بِالقَبُولِ. وهَذا عِنْدَنا في حَيِّزِ المُتَواتِرِ المُوجِبِ لِلْعِلْمِ والنّافِي لِلرَّيْبِ والشَّكِّ.
وقَوْلُهُ في حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خارِجَةَ: «إلّا أنْ تُجِيزَها الوَرَثَةُ» يَدُلُّ عَلى أنَّها إذا أجازَتْها فَهي جائِزَةٌ، وتَكُونُ وصِيَّةً مِن قِبَلِ المُوصِي لا تَكُونُ هِبَةً مِن قِبَلِ الوارِثِ؛ لِأنَّ الهِبَةَ مِن قِبَلِ الوارِثِ لَيْسَتْ بِإجازَةٍ مِن قِبَلِ المَوْرُوثِ. وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قالَ: حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ راشِدٍ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا وصِيَّةَ لِوارِثٍ إلّا أنْ تَشاءَ الوَرَثَةُ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِيمَن أوْصى بِأكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ فَأجازَهُ الوَرَثَةُ في حَياتِهِ أوْ أوْصى لِبَعْضِ ورَثَتِهِ فَأجازَهُ الباقُونَ في حَياتِهِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ وزُفَرُ. والحَسَنُ بْنُ زِيادٍ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الحَسَنِ والشّافِعِيُّ: " لا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتّى يُجِيزُوها بَعْدَ المَوْتِ " . وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى وعُثْمانُ البَتِّيُّ: " لَيْسَ لَهم أنْ يَرْجِعُوا فِيهِ بَعْدَ المَوْتِ وهي جائِزَةٌ عَلَيْهِمْ " . وقالَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ: إذا اسْتَأْذَنَهم فَكُلُّ وارِثٍ بائِنٌ عَنِ المَيِّتِ مِثْلُ الوَلَدِ الَّذِي قَدْ بانَ عَنْ أبِيهِ والأخِ وابْنِ العَمِّ الَّذِينَ لَيْسُوا في عِيالِهِ فَإنَّهُ لَيْسَ لَهم أنْ يَرْجِعُوا، فَأمّا امْرَأتُهُ وبَناتُهُ اللّاتِي لَمْ يَبِنَّ وكُلُّ مَن في عِيالِهِ وإنْ كانَ قَدِ احْتَلَمَ فَلَهم أنْ يَرْجِعُوا، وكَذَلِكَ العَمُّ وابْنُ العَمِّ ومَن خافَ مِنهم أنَّهُ إنْ لَمْ يَجُزْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ مِنهُ في قَطْعِ النَّفَقَةِ إنْ صَحَّ، فَلَهم أنْ يَرْجِعُوا " . وقَوْلُ اللَّيْثِ في هَذا كَقَوْلِ مالِكٍ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وإنْ أجازُوها بَعْدَ المَوْتِ جازَتْ عِنْدَ جَمِيعِ الفُقَهاءِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا لَمْ يَكُنْ لَهم فَسْخُها في الحَياةِ كَذَلِكَ لا تَعْمَلُ إجازَتُهم؛ لِأنَّهم لَمْ يَسْتَحِقُّوا بَعْدُ شَيْئًا؛ واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ الضِّرارِ في الوَصِيَّةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿غَيْرَ مُضارٍّ وصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: الضِّرارُ في الوَصِيَّةِ عَلى وُجُوهٍ:
مِنها أنْ يُقِرَّ في وصِيَّتِهِ بِمالٍ أوْ بِبَعْضِهِ لِأجْنَبِيٍّ أوْ يُقِرَّ عَلى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ لا حَقِيقَةَ لَهُ زَبًّا لِلْمِيراثِ عَنْ وارِثِهِ ومُسْتَحِقِّهِ.
ومِنها أنْ يُقِرَّ بِاسْتِيفاءِ دَيْنٍ لَهُ عَلى غَيْرِهِ في مَرَضِهِ لِئَلّا يَصِلَ إلى وارِثِهِ ومِنها أنْ يَبِيعَ مالَهُ مِن غَيْرِهِ في مَرَضِهِ ويُقِرَّ بِاسْتِيفاءِ ثَمَنِهِ.
ومِنها أنْ يَهَبَ مالَهُ في مَرَضِهِ أوْ يَتَصَدَّقُ بِأكْثَرَ مِن ثُلُثِهِ في مَرَضِهِ إضْرارًا مِنهُ بِوَرَثَتِهِ.
ومِنها أنْ يَتَعَدّى فَيُوصِيَ بِأكْثَرَ مِمّا تَجُوزُ لَهُ الوَصِيَّةُ بِهِ وهو الزِّيادَةُ عَلى الثُّلُثِ.
فَهَذِهِ الوُجُوهُ كُلُّها مِنَ المُضارَّةِ في الوَصِيَّةِ، وقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ في فَحْوى قَوْلِهِ لِسَعْدٍ: «الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ» .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ المِصْرِيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسّانَ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ داوُدَ يَعْنِي ابْنَ أبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " الإضْرارُ في الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبائِرِ " ثُمَّ قَرَأ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ قالَ: " في الوَصِيَّةِ " ﴿ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٤] قالَ: " في الوَصِيَّةِ " .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا القاسِمُ بْنُ زَكَرِيّا ومُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ قالا: حَدَّثَنا حُمَيَدُ بْنُ زادَوَيْهِ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قالَ: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ المُغِيرَةِ عَنْ داوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الإضْرارُ في الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبائِرِ» . وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا طاهِرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحاقَ القاضِي قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ مَعِينٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ أشْعَثَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإذا أوْصى (p-٣٦)حافَ في وصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النّارَ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ في وصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: ومِصْداقُهُ في كِتابِ اللَّهِ فِيما تَأوَّلَهُ ابْنُ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ قالَ: " في الوَصِيَّةِ " ﴿ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٤] قالَ: " في الوَصِيَّةِ " .
{"ayahs_start":12,"ayahs":["۞ وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَ ٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهُنَّ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدࣱ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِینَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّكُمۡ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدࣱ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ تُوصُونَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۗ وَإِن كَانَ رَجُلࣱ یُورَثُ كَلَـٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةࣱ وَلَهُۥۤ أَخٌ أَوۡ أُخۡتࣱ فَلِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوۤا۟ أَكۡثَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فِی ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصَىٰ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ غَیۡرَ مُضَاۤرࣲّۚ وَصِیَّةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَلِیمࣱ","تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"],"ayah":"۞ وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَ ٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهُنَّ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدࣱ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِینَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّكُمۡ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدࣱ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ تُوصُونَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۗ وَإِن كَانَ رَجُلࣱ یُورَثُ كَلَـٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةࣱ وَلَهُۥۤ أَخٌ أَوۡ أُخۡتࣱ فَلِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوۤا۟ أَكۡثَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فِی ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصَىٰ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ غَیۡرَ مُضَاۤرࣲّۚ وَصِیَّةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق