الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه،"ولكم" أيها الناس ="نصف ما ترك أزواجكم"، بعد وفاتهن من مال وميراث ="إن لم يكن لهن ولد"، يوم يحدث بهن الموت، [[في المطبوعة: "يحدث لهن الموت" باللام، والصواب ما في المخطوطة.]] لا ذكر ولا أنثى ="فإن كان لهن ولد"، أي: فإن كان لأزواجكم يوم يحدث لهن الموت، [[في المطبوعة: "يحدث لهن الموت" باللام، والصواب ما في المخطوطة.]] ولد ذكر أو أنثى ="فلكم الربع مما تركن"، من مال وميراث، ميراثًا لكم عنهن ="من بعد وصية يوصين بها أو دين"، يقول: ذلكم لكم ميراثًا عنهن، مما يبقى من تركاتهن وأموالهن، من بعد قضاء ديونهن التي يمتن وهي عليهن، ومن بعد إنفاذ وصاياهن الجائزة إن كن أوصين بها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد" ولأزواجكم، أيها الناس، ربع ما تركتم بعد وفاتكم من مال وميراث، إن حدث بأحدكم حَدَثُ الوفاة ولا ولد له ذكر ولا أنثى ="فإن كان لكم ولد"، يقول: فإن حدث بأحدكم حدث الموت وله ولد ذكر أو أنثى، واحدًا كان الولد أو جماعة ="فلهن الثمن مما تركتم"، يقول: فلأزواجكم حينئذ من أموالكم وتركتكم التي تخلفونها بعد وفاتكم، الثمن من بعد قضاء ديونكم التي حدث بكم حدث الوفاة وهي عليكم، ومن بعد إنفاذ وصاياكم الجائزة التي توصون بها.
* * *
وإنما قيل:"من بعد وصية توصون بها أو دين"، فقدم ذكر الوصية على ذكر الدين، لأن معنى الكلام: إن الذي فرضتُ لمن فرضتُ له منكم في هذه الآيات، إنما هو له من بعد إخراج أيِّ هذين كان في مال الميت منكم، [[في المخطوطة والمطبوعة: "الميت منكن"، والصواب"منكم" كما أثبتها.]] من وصية أو دين. فلذلك كان سواءً تقديم ذكر الوصية قبل ذكر الدين، وتقديم ذكر الدين قبل ذكر الوصية، لأنه لم يرد من معنى ذلك إخراج الشيئين:"الدين والوصية" من ماله، فيكون ذكر الدين أولى أن يُبدأ به من ذكر الوصية. [[في المطبوعة: "إخراج أحد الشيئين" بزيادة"أحد"، وهي لا معنى لها هنا، بل هي إخلال بما أراد، وبما ذكر قبل من قوله: "إنما هو له من بعد إخراج أي هذين كان في مال الميت منكم".]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإن كان رجلٌ أو امرأة يورث كلالةً.
ثم اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
* * *
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل الإسلام: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً﴾ ، يعني: وإن كان رجل يورث متكلًّل النسب.
* * *
ف"الكلالة" على هذا القول، مصدر من قولهم:"تكلَّله النسب تكلُّلا وكلالة"، بمعنى: تعطف عليه النسب.
* * *
وقرأه بعضهم: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً﴾ ، بمعنى: وإن كان رجل يورِث من يتكلَّله، بمعنى: من يتعطف عليه بنسبه من أخ أو أخت.
* * *
واختلف أهل التأويل في"الكلالة".
فقال بعضهم: هي ما خلا الوالد والولد.
* ذكر من قال ذلك:
٨٧٤٥ - حدثنا الوليد بن شجاع السَّكوني قال، حدثني علي بن مسهر، عن عاصم، عن الشعبي قال: قال أبو بكر رحمه الله عليه: إني قد رأيت في الكلالة رأيًا = فإن كان صوابًا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، [[في المطبوعة: "وإن يكن خطأ"، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المطبوعة: "أبو بكر رضي الله عنه"، وكذلك لما ذكر"عمر"، وأثبت ما في المخطوطة في هذا الموضع وفيما يليه، ولم أنبه إليه فيما يلي. وفي المخطوطة والمطبوعة: "فمني والشيطان" بإسقاط"من"، والصواب من تفسير ابن كثير والبغوي بهامشه ٢: ٣٧٠، والدر المنثور ٢: ٢٥٠.]] والله منه بريء =: أن الكلالة ما خلا الولد والوالد. فلما استخلف عمر رحمة الله عليه قال: إني لأستحيي من الله تبارك وتعالى أن أخالف أبا بكر في رأي رآه. [[الأثر: ٨٧٤٥ - أخرجه البيهقي في السنن ٦: ٢٢٣، ٢٢٤، وابن كثير والبغوي ٢: ٣٧٠، والدر المنثور ٢: ٢٥٠، ونسبه أيضًا لعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وفي الدر والبيهقي: "فلما طعن عمر"، وفي ابن كثير: "فلما ولي عمر"، وإحدى روايتي البيهقي، ورواية البغوي كرواية الطبري: "فلما استخلف".]]
٨٧٤٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عاصم الأحول قال، حدثنا الشعبي: أن أبا بكر رحمه الله قال في الكلالة: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله: هو ما دون الولد والوالد. قال: فلما كان عمر رحمه الله قال: إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر.
٨٧٤٧ - حدثنا [يونس بن عبد الأعلى] قال، أخبرنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن الشعبي: أن أبا بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالا الكلالة من لا ولد له ولا والد. [[الأثر: ٨٧٤٧ -"يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، شيخ الطبري، روى عنه أبو جعفر شيئًا كثيرًا في تفسيره وفي غيره من كتبه، وقد مضى برقم: ١٦٧٩. وكان في المطبوعة: "أبو بشر بن عبد الأعلى"، وليس في الرواة من كان بهذا الاسم، وخاصة في شيوخ أبي جعفر. وفي المخطوطة: "أبو بشر عبد الأعلى"، وهذا أيضًا لا يعرف، ورجح عندي أنه تصحيف وتحريف من الناسخ، وأن صوابه"يونس بن عبد الأعلى" شيخ الطبري، فأثبته كذلك بين قوسين.]]
٨٧٤٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن عمران بن حدير، عن السميط قال: كان عمر رجلا أيسر، [[جاء في هذا الأثر في صفة عمر أنه"أيسر"، والذي جاء في الآثار من صفته أنه"أعسر يسر (بفتحتين) يعمل بيديه جميعًا"، وذلك هو الذي يسمونه"الأضبط"، تكون قوة شماله، كقوة يمينه في العمل. فإذا كان يعمل بيده الشمال خاصة فهو"أعسر"، والرجل إذا كان"أعسر" وليس"يسرًا"، كانت يمينه أضعف من شماله.
هذا، وكأنه أراد هنا بقوله: "أيسر" أنه يعمل بشماله، وهو غريب عند أهل اللغة، وقد جاء أيضًا في صفة عمر"أعسر أيسر"، فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: "هكذا روي في الحديث، وأما كلام العرب، فالصواب أنه"أعسر يسر". وقال ابن السكيت: "لا تقل أعسر أيسر". ولكن هكذا جاءت الرواية فيما بين أيدينا من تفسير أبي جعفر، فلا أدري أأخطأ ناسخها، أم هكذا كانت روايته. ولم أجد الخبر بتمامه في مكان آخر.]] فخرج يومًا وهو يقول بيده هكذا، [[قوله: "يقول بيده هكذا"، أي: يحركها ويشير بها أو يومئ. و"القول" في كلام العرب يوضع مواضع كثيرة، منها معنى الإشارة والتحريك والإيماء.]] يديرها، إلا أنه قال، أتى عليّ حين ولست أدري ما الكلالة، ألا وإنّ الكلالة ما خلا الولد والوالد. [[الأثر: ٨٧٤٨ - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦: ٢٢٤ من طريق محمد بن نصر، عن عبد الأعلى، عن حماد، عن عمران بن حدير، عن السميط بن عمير، بغير هذا اللفظ مختصرًا، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٥٠-٢٥١ مختصرًا، ولم ينسبه لغير ابن أبي شيبة.
و"عمران بن حدير السدوسي" مضت ترجمته فيما سلف برقم: ٢٦٣٤.
وأما "السميط" فهو: سميط بن عمير السدوسي، ويقال: سميط بن سمير، ويقال سميط بن عمرو. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري: ٢ / ٢ / ٢٠٤، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣١٧.]]
٨٧٤٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر، عن أبي بكر قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
٨٧٥٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن ابن عباس قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد.
٨٧٥١ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن جريج يحدث، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن ابن عباس قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد.
٨٧٥٢ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد بن الحنفية، عن ابن عباس، قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد [[الآثار: ٨٧٥٠، ٨٧٥١، ٨٧٥٢ - ثلاث طرق، وأخرجه البيهقي في السنن ٦: ٢٢٥ من طريقين، من طريق أبي سعيد الأعرابي، عن سعدان بن نصر، عن سفيان = ومن طريق محمد بن نصر، عن محمد بن الصباح، عن سفيان، مطولا.]] .
٨٧٥٣ - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد، عن ابن عباس بمثله. [[الأثر: ٨٧٥٣، ثم الآثار: ٨٧٥٤، ٨٧٥٦، ٨٧٥٧، ٨٧٥٨، ٨٧٥٩ - طرق مختلفة لخبر سليم بن عبد السلولي عن ابن عباس وسيرويه أيضًا برقم: ٨٧٦٨. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٢: ٢٢٤ من طريق أخرى، من طريق يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق. وأشار إلى رقم: ٨٧٥٣، ٨٧٥٤، طريق إسرائيل عن أبي إسحاق.
و"سليم بن عبد السلولي"، ويقال: "سليم بن عبد الله"، كوفي. مترجم في الكبير للبخاري ٢ / ٢ / ١٢٧، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٢١٢، وتعجيل المنفعة: ١٦٣، قال البخاري وأبو حاتم: "روى عن حذيفة، روى عنه أبو إسحاق السبيعي"، وزاد الحافظ في تعجيل المنفعة"فقط". وقال: "وثقه ابن حبان وقال: شهد غزوة طبرستان، وقال العجلي: كوفي ثقة، هم ثلاثة إخوة: سليم بن عبد، وعمارة بن عبد، وزيد بن عبد. ثقات، سلوليون، كوفيون".
هذا وقد أفادنا إسناد الطبري والبيهقي، أنه روى أيضًا عن غير حذيفة من الصحابة، روى عن ابن عباس أيضًا كما تسمع.]]
٨٧٥٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد السلولي، عن ابن عباس قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
٨٧٥٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة"، قال: الكلالة من لم يترك ولدًا ولا والدًا.
٨٧٥٦ - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: ما رأيتهم إلا قد اتفقوا أن من مات ولم يدع ولدًا ولا والدًا، أنه كلالة.
٨٧٥٧ - حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: ما رأيتهم إلا قد أجمعوا أنّ الكلالة الذي ليس له ولد ولا والد.
٨٧٥٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
٨٧٥٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: أدركتهم وهم يقولون، إذا لم يدع الرجل ولدًا ولا والدًا، وُرِث كلالة.
٨٧٦٠ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وإن كان رجل يورَث كلالة أو امرأة"، والكلالة الذي لا ولد له ولا والد، لا أب ولا جد، ولا ابن ولا ابنة، فهؤلاء الأخوة من الأم.
٨٧٦١ - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم قال في الكلالة: ما دون الولد والوالد.
٨٧٦٢ - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الكلالة كل من لا يرثه والد ولا ولد، وكل من لا ولد له ولا والد فهو يورث كلالة، من رجالهم ونسائهم.
٨٧٦٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة والزهري وأبي إسحاق، قال: الكلالة من ليس له ولد ولا والد.
٨٧٦٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن محمد، عن معمر، عن الزهري وقتادة وأبي إسحاق مثله.
* * *
وقال آخرون:"الكلالة ما دون الولد"، وهذا قول عن ابن عباس، وهو الخبر الذي ذكرناه قبل من رواية طاوس عنه: [[هو الأثر رقم: ٨٧٣٤، فيما سلف.]] أنه ورَّث الإخوة من الأم السدس مع الأبوين.
* * *
وقال آخرون: الكلالة ما خلا الوالد.
* ذكر من قال ذلك:
٨٧٦٥ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن شعبة، قال: سألت الحكم عن الكلالة قال: فهو ما دون الأب.
* * *
واختلف أهل العربية في الناصب للكلالة.
فقال بعض البصريين: إن شئت نصبت"كلالة" على خبر"كان"، وجعلت"يورث" من صفة"الرجل". وإن شئت جعلت"كان" تستغني عن الخبر نحو"وقع"، وجعلت نصب"كلالة" على الحال، أي: يورث كلالة، [[في المطبوعة: "يورث كلالة"، وفي المخطوطة يشبه أن تكون"مورث"، وتلك أجود، فأثبتها لأنها أحق بالمكان.]] كما يقال:"يضرب قائمًا".
* * *
وقال بعضهم قوله:"كلالة"، خبر"كان"، لا يكون الموروث كلالة، وإنما الوارث الكلالةُ.
* * *
قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندي أن"الكلالة" منصوب على الخروج من قوله:"يورث"، وخبر"كان""يورث". و"الكلالة" وإن كانت منصوبة بالخروج من"يورث"، فليست منصوبة على الحال، ولكن على المصدر من معنى الكلام. لأن معنى الكلام: وإن كان رجل يورَث متكلِّله النسب كلالةً = ثم ترك ذكر"متكلِّله" اكتفاء بدلالة قوله:"يورث" عليه.
* * *
واختلف أهل العلم في المسمَّى"كلالة".
فقال بعضهم:"الكلالة" الموروث، وهو الميت نفسه، يسمى بذلك إذا ورثه غير والده وولده. [[في المطبوعة: "سمى بذلك" وفي المخطوطة: "سمى" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.]]
* ذكر من قال ذلك:
٨٧٦٦ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله في الكلالة، [[في المطبوعة: "قولهم في الكلالة"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.]] قال: الذي لا يدع والدًا ولا ولدًا.
٨٧٦٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر رحمه الله، [[في المطبوعة: "رضي الله عنه"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فسمعته يقول: القولُ ما قلت. [[في المطبوعة: "فسمعته يقول ما قلت"، أسقط"القول"، وفي المخطوطة: "فسمعته يقول يقول ما قلت"، وهو عجلة من الناسخ وتحريف، والصواب ما أثبت من السنن الكبرى للبيهقي.]] قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له. [[الأثر: ٨٧٦٧ -"سليمان الأحول" هو: سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول، خال ابن أبي نجيح. وهو ثقة، روى عنه الستة.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٢: ٢٢٥ من طريق سعدان بن نصر، عن سفيان (يعني ابن عيينة) ، عن سليمان الأحول. وقال البيهقي معقبًا على روايته: "كذا في هذه الرواية، والذي روينا عن عمر وابن عباس في تفسير الكلالة، أشبه بدلائل الكتاب والسنة من هذه الرواية، وأولى أن يكون صحيحًا، لانفراد هذه الرواية، وتظاهر الروايات عنهما بخلافها".
وأشار إليها ابن كثير في تفسيره ٢: ٣٧١ قال: "وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك، وهو أنه من لا ولد له، والصحيح عنه الأول، ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد".
هذا، ولم يغفل أبو جعفر عن ذلك، فعقب عليه هو أيضًا برواية القول المشهور في الرواية عن ابن عباس، فساق خبر سليم بن عبد السلولي عن ابن عباس، الذي سلف من رقم: ٨٧٥٣ - ٨٧٥٩، من طريق أخرى، واكتفى بذلك من التعليق على هذا القول الذي انفرد به طاوس عن ابن عباس.]]
٨٧٦٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد، عن ابن عباس قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد. [[الأثر: ٨٧٦٨ - هما إسنادان أحدهما"ابن وكيع عن أبيه"، وقد سلف ٨٧٥٤، والآخر: "ابن وكيع عن يحيى بن آدم"، وهو إسناد لم يذكره مع أسانيد هذا الأثر فيما سلف من رقم: ٨٧٥٣-٨٧٥٩. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "سليمان بن عبد"، وهو خطأ، بل هو"سليم بن عبد السلولي" كما سلف في أسانيد الأثر.]]
وقال آخرون:"الكلالة"، هي الورثة الذين يرثون الميت، إذا كانوا إخوة أو أخوات أو غيرهم، إذا لم يكونوا ولدًا ولا والدًا، على ما قد ذكرنا من اختلافهم في ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل"الكلالة" الميت والحي جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
٨٧٦٩ - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد: الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد = أو الحي، كلهم"كلالة"، هذا يَرِث بالكلالة، وهذا يورَث بالكلالة [[في المخطوطة: "هذا يرث بالكلالة، وهذا يرث بالكلالة"، وهو سهو من الناسخ، صوابه ما في المطبوعة.]] .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله هؤلاء، وهو أن"الكلالة" الذين يرثون الميت، من عَدا ولده ووالده، وذلك لصحة الخبر الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أنه قال: قلت يا رسول الله؟ إنما يرثني كلالة، فكيف بالميراث [[هو الأثر السالف رقم: ٨٧٣٠.]] وبما: -
٨٧٧٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمرو بن سعيد قال، كنا مع حميد بن عبد الرحمن في سوق الرقيق، قال: فقام من عندنا ثم رجع، فقال: هذا آخر ثلاثة من بني سعد حدَّثوني هذا الحديث، قالوا: مرض سعد بمكة مرضًا شديدًا، قال: فأتاه رسول الله ﷺ يعوده. فقال: يا رسول الله، لي مال كثير، وليس لي وارثٌ إلا كلالة، فأوصي بمالي كله؟ فقال: لا. [[الأثر: ٨٧٧٠ -"عمرو بن سعيد القرشي"، روى عن سعيد بن جبير، وأبي العالية، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، روى عنه أيوب، ويونس، وابن عون، وغيرهم وهو و"حميد بن عبد الرحمن الحميري"، روى له الستة، روى عن أبي بكرة وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وثلاثة من ولد سعد بن أبي وقاص (هم المذكورون في هذا الأثر) وغيرهم. قال ابن سعد: "كان ثقة، وله أحاديث". وكلاهما مترجم في التهذيب.
وخبر سعد بن أبي وقاص في الوصية، وقوله: "إني أورث كلالة"، رواه ابن سعد في الطبقات ٣ / ١ / ١٠٣، وأحمد في مسنده ٤: ٦٠، كلاهما: عفان بن مسلم، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عمرو بن القاري، عن أبيه، عن جده عمرو بن القاري.
وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب: ٤٤٤، وابن الأثير في أسد الغابة ٤: ١١٩ وقال: "أخرجه الثلاثة" يعني ابن منده، وأبو نعيم، وابن عبد البر.]]
٨٧٧١ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن العلاء بن زياد قال: جاء شيخٌ إلى عمر رضي الله عنه فقال: إنِّي شيخ، وليس لي وارث إلا كلالةُ أعراب مُتراخٍ نسبُهم، [[قوله"متراخ نسبهم"، أي: بعيد نسبهم، من قولهم: "تراخى فلان عني"، أي: بعد عني، ولم يذكر أصحاب اللغة شاهدًا له، وهذا شاهده.]] أفأوصي بثلث مالي؟ قال: لا.
* * *
=فقد أنبأت هذه الأخبار عن صحة ما قلنا في معنى"الكلالة"، وأنها ورثة الميت دون الميت، ممن عدا والده وولده.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"وله أخ أو أخت"، وللرجل الذي يورث كلالة أخ أو أخت، يعني: أخًا أو أختًا من أمه، كما:-
٨٧٧٢ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن يعلى بن عطاء، عن القاسم، عن سعد أنه كان يقرأ:"وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت" قال، سعد: لأمه.
٨٧٧٣ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت القاسم بن ربيعة يقول: قرأت على سعد:"وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت" قال، سعد: لأمه.
٨٧٧٤ - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن القاسم بن ربيعة بن قانف [[في المطبوعة: "القاسم بن ربيعة عن فاتك"، وهو خطأ محض، وفي المخطوطة كما أثبتها إلا أن الناسخ أساء كتابتها ونقطها، فغيرها الناشرون. وانظر التعليق التالي.]] قال: قرأت على سعد، فذكر نحوه.
٨٧٧٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا يعلى بن عطاء، عن القاسم بن ربيعة قال: سمعت سعد بن أبي وقاص قرأ:"وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت من أمه". [[الآثار: ٨٧٧٢ -٨٧٧٥ -"القاسم بن ربيعة"، هو: "القاسم بن ربيعة بن قانف الثقفي" منسوبًا إلى جده، فهو: "القاسم بن عبد الله بن ربيعة بن قانف الثقفي". ثقة، لم يرو عنه سوى"يعلى بن عطاء العامري"، وقد سلفت ترجمته وإسناده فيما مضى رقم: ١٧٥٥ -١٧٥٧.
وهذا الخبر عن سعد بن أبي وقاص، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦: ٢٢٣، والسيوطي في الدر المنثور ٢: ١٢٦، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والدارمي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]
٨٧٧٦ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وله أخ أو أخت" فهؤلاء الإخوة من الأم: إن كان واحدًا فله السدس، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء. [[سقط من الترقيم رقم: ٨٧٧٧.]]
٨٧٧٨ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت"، فهؤلاء الإخوة من الأم، فهم شركاء في الثلث، سواءٌ الذكر والأنثى.
* * *
قال أبو جعفر: وقوله:"فلكل واحد منهما السدس"، إذا انفرد الأخ وحده أو الأخت وحدها، ولم يكن أخ غيره أو غيرها من أمه، فله السدس من ميراث أخيه لأمه. فإن اجتمع أخ وأخت، أو أخوان لا ثالث معهما لأمهما، أو أختان كذلك، أو أخ وأخت ليس معهما غيرهما من أمهما = فلكل واحد منهما من ميراث أخيهما لأمهما السدس ="فإن كانوا أكثر من ذلك"، يعني: فإن كان الإخوة والأخوات لأم الميت الموروث كلالة أكثرَ من اثنين ="فهم شركاء في الثلث"، يقول: فالثُّلث الذي فرضت لاثنيهم إذا لم يكن غيرهما من أمهما ميراثًا لهما من أخيهما الميت الموروث كلالة، شركة بينهم، إذا كانوا أكثر من اثنين إلى ما بلغ عددهم على عدد رؤوسهم، لا يفضل ذكر منهم على أنثى في ذلك، ولكنه بينهم بالسويَّة.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل:"وله أخ أو أخت"، ولم يُقَل:"لهما أخ أو أخت"، وقد ذكر قبل ذلك"رجل أو امرأة"، فقيل: [[في المخطوطة والمطبوعة: "وقد ذكر مثل ذلك" وهو خطأ بين، وصواب السياق ما أثبت.]] "وإن كان رجلٌ يورث كلالة أو امرأة"؟ قيل: إن من شأن العرب إذا قدمت ذكر اسمين قبل الخبر، فعطفت أحدهما على الآخر" ب"أو"، ثم أتت بالخبر، أضافت الخبر إليهما أحيانًا، وأحيانًا إلى أحدهما، وإذا أضافت إلى أحدهما، كان سواء عندها إضافة ذلك إلى أيّ الاسمين اللذين ذكرتهما إضافَته، فتقول:"من كان عنده غلام أو جارية فليحسن إليه"، يعني: فليحسن إلى الغلام - و"فليحسن إليها"، يعني: فليحسن إلى الجارية - و"فليحسن إليهما". [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٧، ٢٥٨.]]
* * *
وأما قوله:"فلكل واحد منهما السدس"، وقد تقدم ذكر الأخ والأخت بعطف أحدهما على الآخر، والدلالة على أن المراد بمعنى الكلام أحدهما في قوله:"وله أخ أو أخت"، فإن ذلك إنما جاز، لأن معنى الكلام، فلكل واحد من المذكورين السدس. [[في المطبوعة والمخطوطة: "ولكل واحد" بالواو، والسياق يقتضي ما أثبت.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"من بعد وصيه يوصي بها"، أي: هذا الذي فرضت لأخي الميت الموروث كلالة وأخته أو إخوته وأخواته من ميراثه وتركته، إنما هو لهم من بعد قضاء دين الميت الذي كان عليه يوم حدث به حَدَثُ الموت من تركته، وبعد إنفاذ وصاياه الجائزة التي يوصي بها في حياته لمن أوصى له بها بعد وفاته، كما:-
٨٧٧٩ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"من بعد وصية يوصَي بها أو دين"، والدين أحق ما بدئ به من جميع المال، فيؤدَّي عن أمانة الميت، ثم الوصية، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم.
* * *
وأما قوله:"غير مضارّ"، فإنه يعني تعالى ذكره: من بعد وصية يوصي بها، غيرَ مضَارّ ورثته في ميراثهم عنه، كما:-
٨٧٨٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"غير مضار"، قال: في ميراث أهله.
٨٧٨١ - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"غير مضار"، قال: في ميراث أهله.
٨٧٨٢ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"غير مضار وصية من الله"، وإن الله تبارك وتعالى كره الضرار في الحياة وعند الموت، ونهى عنه، وقدَّم فيه، فلا تصلح مضارَّة في حياة ولا موت.
٨٧٨٣ - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا عبيدة بن حميد = وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية = جميعًا، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية:"غير مضار وصية من الله واللهُ عليم حليم"، قال: الضرار في الوصية من الكبائر. [[الأثر: ٨٧٨٣ -"نصر بن عبد الرحمن الأزدي"، مضت ترجمته برقم: ٤٢٣، ٨٧٥، ٢٨٥٩، وقد وقع هنا في المخطوطة والمطبوعة، كما كان قد وقع هناك فيهما"الأودي" بالواو، وهو خطأ.
و"عبيدة بن حميد بن صهيب التيمي"، مضى برقم: ٢٧٨١.
ثم انظر التعليق في آخر هذه الآثار رقم: ٨٧٨٧، ٨٧٨٨.]]
٨٧٨٤ - حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الضرار في الوصية من الكبائر.
٨٧٨٥ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله.
٨٧٨٦ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الحيفُ في الوصية من الكبائر.
٨٧٨٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى قالا حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الضرار والحيف في الوصية من الكبائر. [[الأثر ٨٧٨٧- وما قبله، أثر ابن عباس، رواه أبو جعفر بخمسة أسانيد موقوفا عليه، وسيأتي في الذي يليه مرفوعًا، وقد أخرجه البيهقي في السنن ٦: ٢٧١ من طريق سعيد بن منصور، عن هشيم، عن داود بن أبي هند، وقال: "هذا هو الصحيح، موقوف، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفًا. وروي من وجه آخر مرفوعًا، ورفعه ضعيف"، وهو إشارة إلى الأثر التالي الذي رواه الطبري.
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٢: ٣٧٢، ٣٧٣ قال: "رواه النسائي في سننه، عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا ... وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند. ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا"، ثم قال: "قال ابن جرير: والصحيح الموقوف". وهذا الذي نسبه ابن كثير لابن جرير، لم أجده في تفسيره في مظنته في هذا الموضع، فلا أدري أسقط من الكتاب شيء، أم وجده ابن كثير في مكان آخر من كتب أبي جعفر، أم تعجل ابن كثير فأخطأ؟
هذا، وقد جاء في هذه الآثار في المخطوطة والمطبوعة: "الحيف في الوصية"، وفي السنن الكبرى"الجنف"، وهو مثله في المعنى، وهو الموافق لما في آية الوصية من سورة البقرة: ١٨٢"فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا".]]
٨٧٨٨ - حدثني موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر قال، حدثنا عمر بن المغيرة قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال:"الضرار في الوصية من الكبائر". [[الأثر: ٨٧٨٨ -"إسحاق بن إبراهيم بن يزيد" أبو النضر الدمشقي الفراديسي، مولى عمر بن عبد العزيز، روى عنه البخاري، وربما نسبه إلى جده يزيد. وهو ثقة، مترجم في التهذيب.
وأما "عمر بن المغيرة" أبو حفص فهو بصري، وقع إلى المصيصة، روى عن داود بن أبي هند والجلد بن أيوب، وروى عنه بقية بن الوليد، وهشام بن عمار. قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال: شيخ" وقال: "وروىعنه أبو النضر الدمشقي الفراديسي إسحاق بن إبراهيم". وقال البخاري: "عمر بن المغيرة، منكر الحديث مجهول". وقال علي بن المديني: "هو مجهول، لا أعرفه". مترجم في ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ١٣٦، ولسان الميزان ٤: ٣٣٢.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عمرو بن المغيرة"، والصواب ما أثبته.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦: ٢٧١ من طريق عبد الله بن يوسف التنسي، عنه. وخرجه ابن كثير في تفسيره ٢: ٣٧٢، ونسبه لأبي بن حاتم، عن أبيه، عن أبي النضر الدمشقي، عن عمر بن المغيرة.
وقال الحافظ في ترجمة"إسحاق بن إبراهيم" في التهذيب ١: ٢٢٠ ="روى له الأزدي في الضعفاء حديثًا عن عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رفعه: الضرار في الوصية من الكبائر. قال الأزدي: المحفوظ من قول ابن عباس، لا يرفعه. قلت: (القائل هو الحافظ ابن حجر) : عمر، ضعيف جدًا، فالحمل فيه عليه، وقد رواه الثوري وغيره عن داود موقوفًا".]]
٨٧٨٩ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو عمرو التيمي، عن أبي الضحى قال: دخلت مع مسروق على مريض، فإذا هو يوصي قال: فقال له مسروق: أعدل لا تضلل. [[الأثر: ٨٧٨٩ -"أبوعمرو التيمي"، لم أعرف من هو؟ وأخشى أن يكون"أبو المعتمر التيمي" وهو"سليمان بن طرخان التيمي".]]
* * *
ونصبت"غيرَ مضارّ" على الخروج من قوله:"يوصَى بها". [["الخروج" انظر ما سلف ص: ٥٠، تعليق: ٣.]]
* * *
وأما قوله:"وصية" فإن نصبه من قوله:"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين"، وسائر ما أوصى به في الاثنين، ثم قال:"وصية من الله"، مصدرًا من قوله:"يوصيكم". [["المصدر" يعني به المفعول المطلق.]]
* * *
وقد قال بعض أهل العربية: ذلك منصوب من قوله:"فلكل واحد منهما السدس" ="وصية من الله"، وقال: هو مثل قولك:"لك درهمان نفقةً إلى أهلك". [[هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٢٥٨.]]
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلناه بالصواب أولى، لأن الله جل ثناؤه افتتح ذكر قسمةِ المواريث في هاتين الآيتين بقوله:"يوصيكم الله"، ثم ختم ذلك بقوله:"وصية من الله"، أخبر أن جميع ذلك وصية منه به عباده، فنصْبُ قوله:"وصية" على المصدر من قوله:"يوصيكم"، أولى من نصبه على التفسير من قوله: [["التفسير" هو التمييز، كما أسلفنا مرارًا آخرها في ٦: ٥٨٦، تعليق: ١.]] "فلكل واحد منهما السدس"، لما ذكرنا.
* * *
ويعني بقوله تعالى ذكره:"وصية من الله"، عهدًا من الله إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم = [[انظر تفسير"الوصية" فيما سلف ص: ٣٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] "والله عليم"، يقول: والله ذو علم بمصالح خلقه ومضارِّهم، ومن يستحق أن يعطى من أقرباء من مات منكم وأنسبائه من ميراثه، ومن يحرم ذلك منهم، ومبلغ ما يستحق به كل من استحق منهم قسمًا، وغير ذلك من أمور عباده ومصالحهم ="حليم"، يقول: ذو حلم على خلقه، وذو أناة في تركه معاجلتهم بالعقوبة على ظلم بعضهم بعضًا، [[انظر تفسير"عليم" و"حليم" في مادتهما من فهارس اللغة فيما سلف.]] في إعطائهم الميراث لأهل الجلد والقوة من ولد الميت، وأهل الغناء والبأس منهم، دون أهل الضعف والعجز من صغار ولده وإناثهم.
{"ayah":"۞ وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَ ٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهُنَّ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدࣱ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصِینَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ یَكُن لَّكُمۡ وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدࣱ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ تُوصُونَ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنࣲۗ وَإِن كَانَ رَجُلࣱ یُورَثُ كَلَـٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةࣱ وَلَهُۥۤ أَخٌ أَوۡ أُخۡتࣱ فَلِكُلِّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوۤا۟ أَكۡثَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فِی ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِیَّةࣲ یُوصَىٰ بِهَاۤ أَوۡ دَیۡنٍ غَیۡرَ مُضَاۤرࣲّۚ وَصِیَّةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق