الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: ﴿واتل﴾ على هؤلاء المشركين الذي قالوا: ﴿اتخذ الله ولدًا﴾ ، من قومك [[انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف من فهارس اللغة (تلا) .]] = ﴿نبأ نوح﴾ ، يقول: خبر نوح [[انظر تفسير " النبأ " فيما سلف ص: ١٠٢، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] ﴿إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي﴾ ، يقول: إن كان عظم عليكم مقامي بين أظهركم وشقّ عليكم، [[انظر تفسير " كبر " فيما سلف ١١: ٣٣٦، ٣٣٧.]] = ﴿وتذكيري بآيات الله﴾ ، يقول، ووعظي إياكم بحجج الله، وتنبيهي إياكم على ذلك [[انظر تفسير " التذكير " فيما سلف من فهارس اللغة (ذكر) .]] = ﴿فعلى الله توكلت﴾ ، يقول: إن كان شق عليكم مقامي بين أظهركم، وتذكيري بآيات الله، فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم، فعلى الله اتكالي وبه ثقتي، وهو سَنَدي وظهري [[انظر تفسير " التوكل " فيما سلف ١٤: ٥٨٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] = ﴿فأجمعوا أمركم﴾ ، يقول: فأعدُّوا أمركم، واعزموا على ما تنوُون عليه في أمري. [[في المطبوعة: " وما تقدمون عليه "، وفي المخطوطة: " وما سومون " غير منقوطة، وهو وهم من الناسخ، والصواب الذي أرجحه، ما أثبت، لأن " الإجماع " هو إحكام النية والعزيمة.]]
* * *
يقال منه: "أجمعت على كذا"، بمعنى: عزمت عليه، [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٧٣، وقد فصل القول فيه هناك.]]
ومنه قول النبي ﷺ: "من لم يُجْمِع على الصوم من الليل فلا صَوْم له"، بمعنى: من لم يعزم، [[هذا حديث رواه بلا إسناد. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، من حديث حفصة أم المؤمنين. انظر سنن أبي داود ٢: ٤٤١، ٤٤٢، رقم: ٢٤٥٤.]] ومنه قول الشاعر: [[لم أعرف قائله، ولكني أظنه لأبي النجم، هكذا أذكر.]]
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى لا تَنْفَعُ ... هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَعُ [[نوادر أبي زيد: ١٣٣، معاني القرآن للفراء ١: ٤٧٣، اللسان (جمع) ، (زفا) ، وبعده فيما روى أبو زيد: وَتَحْتَ رَحْلِي زَفَيَانٌ مَيْلَعُ
حَرْفٌ، إذَا مَا زُجِرَتْ تَبَوَّعُ.]]
* * *
وروي عن الأعرج في ذلك ما:-
١٧٧٦٠- حدثني بعض أصحابنا، عن عبد الوهاب، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج: ﴿فأجمعوا أمركم وشركاءكم﴾ ، يقول: أحكموا أمركم، وادعوا شركاءكم. [[الأثر: ١٧٧٦٠ - " عبد الوهاب "، هو " عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي "، مضى مرارًا كثيرة، آخرها رقم: ١٤٢٢٩. " وهارون " هو " هارون بن موسى " الأعور النحوي، مضى برقم: ٤٩٨٥، ١١٦٩٣، ١٥٥١٤، ١٥٥١٥." وأسيد "، هو " أسيد بن أبي أسيد، يزيد "، البراد. روى الحروف عن الأعرج، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١/ ٤٩، ولم يزد على أن قال " أسيد، حدثنا موسى، حدثنا هارون، عن أسيد سمع عكرمة، وعن الأعرج في القراءة "، لم يذكر له نسبًا. وفي ابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣١٦، في ترجمة " أسيد بن يزيد المدني "، وقال: " روى عن الأعرج، روى عنه هارون النحوي". ثم أتبعه بترجمة " أسيد بن أبي أسيد البراد "، وقال: " واسم أبي أسيد يزيد "، ولم يذكر له رواية عن الأعرج، ولا في الرواة عنه هارون النحوي، فجعلهما رجلين. بيد أني رأيت ابن الجزري في طبقات القراء ١: ٣٨١ في ترجمة " الأعرج "، وهو " عبد الرحمن بن هرمز " قال: " وروى عنه الحروف أسيد بن أبي أسيد ". وانظر هذا الاختلاف في التهذيب، وما قاله الحافظ ابن حجر هناك.]]
ونصب قوله: ﴿وشركاءكم﴾ ، بفعل مضمر له، وذلك: "وادعوا شركاءكم"، وعطف ب"الشركاء" على قوله: ﴿أمركم﴾ ، على نحو قول الشاعر:
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا [[مضى البيت وتخريجه في مواضع، آخرها ١٣: ٤٣٤، تعليق: ٢، والمراجع هناك، وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٧٣.]]
فالرمح لا يُتَقلَّد، ولكن لما كان فيما أظهر من الكلام دليلٌ على ما حذف، اكتفي بذكر ما ذكر منه مما حذف، [[في المطبوعة والمخطوطة: " فاكتفى " بالفاء، والصواب حذفها، وإنما خلط الناسخ.]] فكذلك ذلك في قوله: ﴿وشركاءكم﴾ .
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته قراء الأمصار: ﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ نصبًا، وقوله: ﴿فَأَجْمِعُوا﴾ ، بهمز الألف وفتحها، من: "أجمعت أمري فأنا أجمعه إجماعًا.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ ، بفتح الألف وهمزها = ﴿وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾ ، بالرفع على معنى: وأجمعوا أمركم، وليجمع أمرَهم أيضًا معكم شركاؤكم. [[انظر تفصيل هذا في معاني القرآن للفراء ١: ٤٧٣.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك قراءةُ من قرأ: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ ، بفتح الألف من "أجمعوا"، ونصب "الشركاء"، لأنها في المصحف بغير واو، ولإجماع الحجة على القراءة بها، ورفض ما خالفها، ولا يعترض عليها بمن يجوز عليه الخطأ والسهو.
* * *
وعني ب"الشركاء"، آلهتهم وأوثانهم.
* * *
وقوله: ﴿ثم لا يكن أمركم عليكم غمة﴾ ، يقول: ثم لا يكن أمركم عليكم ملتبسًا مشكلا مبهمًا.
* * *
= من قولهم: "غُمَّ على الناس الهلال"، وذلك إذا أشكل عليهم فلم يتبيَّنوه، ومنه قول [العجاج] : [[في المطبوعة والمخطوطة: " ومنه قول رؤبة "، وأنا أرجح أنه خطأ من الناسخ، فلذلك وضعته بين القوسين، وإنما نقل هذا أبو جعفر من مجاز القرآن لأبي عبيدة، وهو فيه على الصواب " العجاج ".]]
بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا ... بِغُمّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا [[ديوانه: ٦٣، واللسان (غمم) ، (كمم) ، وغيرها. أول رجز له طويل في ديوانه، ذكر فيه مسعود بن عمرو العتكي، وما أصابه وقومه من تميم رهط العجاج، وسلف بيان ذلك ١٣: ٧٥، تعليق: ٢، في شرح بيت من هذا الرجز. وقوله: " تكموا " من قوله: " تكممه "، أي غطاه وغشاه، ثم لما توالت الميمات في " تكمموا "، قلبت الأخيرة ياء، كما قيل في " التظنن " و " التظني "، فلما أسند إليه الواو، قال: " تكموا ".]]
وقيل: إن ذلك من "الغم"، لأن الصدر يضيق به، ولا يتبين صاحبه لأمره مَصدرًا يَصْدُرُه يتفرَّج عليه ما بقلبه، [[في المطبوعة: " يتفرج عنه "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.]] ومنه قول خنساء:
وَذِي كُرْبَةٍ رَاخَى ابْنُ عَمْرٍو خِنَاقَه ... وَغُمَّتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَتَجَلَّتِ [[ديوانها: ٢٢، وروايته " ومُخْتَنِقٍ رَاخَى ابنُ عَمْرٍو " من رثائها في أخيها صخر.]]
* * *
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
١٧٧٦١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿أمركم عليكم غمة﴾ ، قال: لا يكبر عليكم أمركم.
* * *
وأما قوله: ﴿ثم اقضوا إليّ﴾ ، فإن معناه: ثم امضوا إليّ ما في أنفسكم وافرغوا منه، كما:-
١٧٧٦٢- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون﴾ ، قال: اقضوا إليّ ما كنتم قاضين.
١٧٧٦٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون﴾ ، قال: اقضوا إليّ ما في أنفسكم.
١٧٧٦٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: ﴿ثم اقضوا إليّ﴾ . [[انظر تفسير " قضى " فيما سلف ص: ٣٣، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] .
فقال بعضهم: معناه: امضوا إلي، كما يقال: "قد قضى فلان"، يراد: قد مات ومَضَى.
* * *
وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افرغوا إليّ، وقالوا: "القضاء"، الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأنّ "قضى دينه " من ذلك، إنما هو فَرَغ منه.
* * *
وقد حُكي عن بعض القراء أنه قرأ ذلك: ﴿ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ﴾ ، بمعنى: توجَّهوا إليّ حتى تصلوا إليّ، من قولهم: "قد أفْضَى إليّ الوَجَع وشبهه". [[انظر بيان هذه القراءة في معاني القرآن للفراء ١: ٤٧٤.]]
* * *
وقوله: ﴿ولا تنظرون﴾ ، يقول: ولا تؤخرون.
* * *
=من قول القائل: "أنظرت فلانًا بما لي عليه من الدين". [[انظر تفسير " الإنظار " فيما سلف ١٣: ٣٢٢، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]]
* * *
قال أبو جعفر: وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه: إنه بنُصرة الله له عليهم واثق، ومن كيدهم وبوائقهم غير خائف [[في المطبوعة: " من كيدهم وتواثقهم "، وهي قراءة فاسدة، صوابها ما أثبت. والمخطوطة غير منقوطة. و " البوائق "، جمع " بائقة ". يعني: غوائلهم وشرهم وظلمهم وبغيهم عليه.]] =وإعلامٌ منه لهم أن آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع، يقول لهم: أمضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيَّ، على عزم منكم صحيح، واستعينوا من شايعكم عليّ بآلهتكم التي تدْعون من دون الله، ولا تؤخروا ذلك، فإني قد توكلت على الله، وأنا به واثق أنكم لا تضروني إلا أن يشاء ربي.
وهذا وإن كان خبرًا من الله تعالى عن نوح، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد ﷺ على التأسّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قلَّده من الرسالة والبلاغ عنه.
{"ayah":"۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّةࣰ ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق